fbpx

“أسرار أبو ظبي”: “جواسيس” الإمارات ملاحقون من القضاء الفرنسي والسويسري

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
Mediapart

استناداً الى المعطيات التي وردت في تحقيق “أسرار أبو ظبي”، الذي شارك في إنجازه موقع “درج” بالشراكة مع “ميديا بارت” الفرنسية وشبكة التحقيقات الأوروبية، فتح القضاء الفرنسي والسويسري تحقيقات ضد شركة الاستخبارات “ألب سيرفيسز-Alp Services”، التي نفّذت عمليات استخباراتية وتجسّسية في أوروبا نيابة عن الإمارات العربية المتحدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فتح الادعاء الفرنسي والسويسري ثلاثة تحقيقات جنائية تستهدف وكالة الاستخبارات “ألب سيرفيسز” في جنيف، المشتبه بأنها نفّذت عمليات سرية في أوروبا لصالح جهاز المخابرات الإماراتي، وفقاً لمعلومات وكالة “فرانس برس” و”ميديا بارت” وراديو تلفزيون سويسرا (RTS).

تتناول التحقيقات القضائية تهم “التجسس غير المشروع” و”التجسس لصالح دولة أجنبية” و”تشويه السمعة” و”غسيل الأموال”، وتستند إلى ما كشفناه في التحقيقات الصحافيّة التي نشرناها بين آذار/ مارس وتموز/ يوليو 2023، تحت اسم”أسرار أبو ظبي“، التي شارك فيها موقع “درج” بالتعاون مع شبكة التحقيقات الأوروبية (EIC)، بناء على آلاف الوثائق المسرّبة من “ألب سيرفيسز”، والتي حصلنا عليها من “ميديا بارت”.

مقابل مبلغ مالي لا يقل عن 5.7 مليون يورو، استخدمت الوكالة السويسرية كل قدراتها للإضرار بخصوم دولة الإمارات، وهم قطر وجماعة الإخوان المسلمين، كما استهدفت الإليزيه (قصر الرئاسة الفرنسيّة) والاتحاد الأوروبي، وقادت عمليات تأثير وحملات تشويه سمعة من خلال مقالات مزيّفة والتلاعب ببعض وسائل الإعلام، كون الوكالة السويسريّة تمتلك شبكة من الصحافيين المرتزقة.

تستهدف التحقيقات القضائية بشكل شخصي الرئيس التنفيذي لـ “ألب سيرفيسز”، ماريو بريرو (77 عاماً)، الذي حُكم عليه في فرنسا بتنفيذ أعمال مشبوهة في إطار قضية “أريفا”، حيث تعاون مع ألكسندر بنعلا، المستشار السابق لإيمانويل ماكرون.

وفقاً للمعلومات التي حصلنا عليها، والتي تؤكدها تلك التي حصلت عليها “فرانس برس”، فتحت النيابة العامة في باريس في خريف 2023 تحقيقاً أولياً يستهدف “ألب”، وكُلِّفت به فرقة “مكافحة الجرائم الشخصية-la Brigade de répression de la délinquance à la personne (BRDP) في الشرطة القضائية في باريس، بناءً على شكوى قدمتها رقيّة ديالو بخصوص “جمع ومعالجة وكشف البيانات الشخصية الخاصة بها بصورة غير قانونية”.

ديالو، الصحافية والكاتبة والمخرجة النسويّة، المعروفة بمواقفها ضد العنصرية، هي إحدى ضحايا عملية التجسس الواسعة وغير القانونية التي كشفنا عنها في تحقيقنا. إذ قدمت “ألب” أسماء أكثر من ألف أوروبي يُزعم أنهم مرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين، بمن فيهم أكثر من 200 يعيشون في فرنسا، واتهموا حسب “ألب” بتشكيل “شبكة قارية إجراميّة”، من بينهم ديالو نفسها.

الكثير من الذين ذُكرت أسماؤهم في قائمة “ألب” ليست لهم أي صلة بالإخوان المسلمين، كالمرشح الاشتراكي السابق للرئاسة الفرنسية بنوا هامون، ونائبة عمدة مرسيليا والسيناتور السابقة سامية غالي، والصحافي والناشط طه بوحفص، بل إن أحد “المتهمين” صحافي في “ميديا بارت”. وهذا يزيد من خطورة المشكلة، بخاصة أن جماعة الإخوان المسلمين مصنّفة كمنظمة إرهابية من الإمارات العربية المتحدة.

من خلال ربط ديالو بشكل مضلل بجماعة الإخوان المسلمين، تسببت “ألب” لها “بضرر في السمعة وشجعت على التحرش بها وملاحقتها”، وفقاً لمحاميها، فينسان برنغارث.

قدمت “ميديا بارت” وصحافيوها المتضررون من هذا التجسس شكوى في 15 كانون الثاني/ يناير الماضي إلى النيابة العامة في باريس تحوي الاتهام ذاته الذي قدمته داليو، وقالت كارين فوتو، رئيسة تحرير “ميديا بارت”: “أحد صحافيينا وُصف بشكل غير صحيح كناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين من وكالة “ألب سيرفيسز”، وتم تسليم ذلك لوكالة الاستخبارات الإماراتية. يتسبّب هذا التجسس في إضرار غير مبرر بأمانه وسمعته، وكذلك سمعة الصحيفة”.

لدعم الشكوى التي أقامتها “ميديا بارت”، قدم الموقع الصحافي للعدالة وثيقة داخلية لـ”ألب سيرفيسز” تسرد أسماء الفرنسيين الذين سُلِّمت أسماؤهم إلى الإمارات، بالإضافة إلى صورة تثبت أن “ألب” قدمت رسوماً بيانية مماثلة لوكيلهم الإماراتي، الشيخ مطر.

اتصل محققو “فرقة مكافحة الجرائم الشخصيّة” في باريس بـ”ميديا بارت”، ولكن لم يتم استدعاء أحد منها حتى الآن. وقالت كارين فوتو: “نحن، في المبدأ، جاهزون للتعاون مع العدالة للمساهمة في كشف الحقيقة، وتجنّب تكرار مثل هذه الأحداث في أي بلد كان”.

هذا التحقيق القضائي حساس للغاية، نظراً الى العلاقات السياسية والاقتصادية المتميزة بين باريس وأبو ظبي، التي عُزِّزت من خلال مبيعات الأسلحة والرغبة المشتركة في مكافحة الإسلامويّة. كما يحافظ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على علاقة شخصية وثيقة مع نظيره الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان المعروف باسم MBZ.

واحدة من ضحايا “ألب” ، سهام سويد، المتحدثة باسم قطر في فرنسا وبلجيكا، والتي واجهت صعوبة كبيرة في تقديم شكواها إلى القضاء. إذ كشفت “ميديا بارت” ونيويوركر أن “ألب” راقبتها والتقطت صوراً لمنزلها في تلك الفترة، ثم استهدفتها خلال عملية تسمى “نجوم السماء”، المصمَّمة لتشويه صورة شبكة علاقات قطر في بروكسل.

قدمت سويد شكوى إلى النيابة العامة في باريس في 30 آذار/ مارس 2023، لكن صُنِّفت شكواها “من دون متابعة” بعد 13 يوماً فقط، بحجة أن “الأدلة غير كافية لتشكيل جريمة”، ولم ترد النيابة العامة في باريس على استفساراتنا.

قدمت سويد بعدها شكوى إلى النيابة العامة في ضاحية كريتيل (فال دو مارن) في 25 نيسان/ أبريل، من دون نجاح، على الرغم من محاولتها مرتين. وفي 2 تشرين الأول/ أكتوبر، قدمت شكوى ثانية مع تشكيل مدني للحصول على إذن فتح تحقيق قضائي، وكُلِّف قاضي التحقيق المستقل به. 

بعد هذه الإجراءات فقط، فتح النائب تحقيقاً مبدئياً في 30 تشرين الأول 2023، في جرائم “انتهاك حرمة المنزل”، “السرقة”، و”التدخل في الخصوصية أو حجب المراسلات”، وفق ما قالت النيابة العامة في كريتيل لـ”ميديا بارت”.

ماريو بريرو موضوع أيضاً تحت التحقيق في بلاده، ففي 5 كانون الأول/ ديسمبر 2023، عملت النيابة العامة في الاتحاد السويسري (MPC)، والنيابة الفيدرالية السويسرية، على تحقيق واحد، وإجراءات قضائية عدة بحق بريرو ما زالت مفتوحة، بناءً على تحقيق “أسرار أبو ظبي”. 

“ألب سيرفيسز”، وماريو بريرو، وشريكته موريل كافين، مشتبه بارتكابهم ست جرائم، وفقاً لمستند قضائي حصل عليه “راديو وتلفزيون سويسيرا-RTS”.

انطلقت الموجة الأولى من التحقيقات القضائية بحق “ألب” وصاحبها بتهم التجسس، والأنشطة غير القانونية لدولة أجنبية، والتشهير، استناداً إلى ثلاث شكاوى. قدمت إحداها وزيرة البيئة البلجيكية زكية الخطابي، عضوة حزب الخضر، التي وُصفت بشكل خاطئ كمقربة من جماعة الإخوان المسلمين في إطار العملية التي هي أيضاً قيد التحقيق في باريس.

المشتكي الثاني، الباحث الإسلامي طارق رمضان (الذي يواجه أيضاً اتهامات بالاغتصاب والاعتداء الجنسي)، والذي لم يرغب في تقديم تفاصيل حول الأفعال التي يتهم فيها خدمات “ألب”، أما الشكوى الثالثة، فنجهل من قدّمها.

قدمت وزارة الخارجية السويسرية شكوى  ضد “ألب” في النيابة العامة بـتهمة “انتهاك التزام بالإعلان عن النشاط”؛ فالقانون السويسري يفرض على وكالات المخابرات الخاصة إعلام السلطات أنها تعمل لصالح دولة أجنبية، وهو ما لم تفعله “ألب”.

الملاحقات المباشرة التي تقوم بها MPC  بحق “ألب” تشمل  أيضاً “غسيل الأموال”، وهي نتيجة إشارة من “مكتب الاتصال بشأن غسيل الأموال- MROS”، وهو المعادل السويسري لـ Tracfin.

رفضت الشرطة الفدرالية، التي يعتمد عليها MROS، التعليق. ولكن تحقيقنا كشف أن “ألب سيرفيسز” كانت تدفع لموظفيها من مركز أبحاث إماراتي يدعى “الأرياف”، الذي كان يعمل كغطاء للخدمات السرية. إذ كان ماريو بريرو وموريل كافين في جنيف يعملان تحت عقد عمل وهمي مع “الأرياف” في أبو ظبي، بوصفهم “مؤرشفين”. والجدير بالذكر أن بريرو وكافين لم يردا على أسئلتنا.

وكالة “ألب” ومدراؤها مهددون بجبهة قضائية ثالثة في الولايات المتحدة. ففي نهاية آذار، قدم الباحث في العلوم السياسية فريد حافظ، شكوى في واشنطن تستهدف بشكل خاص “ألب” والأكاديمي لورينزو فيدينو، المتخصص في الإسلام المتطرف وأستاذ في جامعة جورج واشنطن.

حافظ هو واحد من ضحايا عملية “لوكسور”، عملية ضخمة نفذتها الحكومة النمساوية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وكان واحداً من ثلاثين شخصاً تم تفتيشهم بعنف واعتقالهم واتهامهم بالارتباط بالإرهاب والإسلام المتطرف. ومع ذلك، لم يتم توجيه أي اتهامات ضد أي من المشتبه بهم، واعتبرت العملية غير قانونية في عام 2021. وبعد هذه الصدمة، غادر حافظ النمسا للعيش في الولايات المتحدة.

ومن المعروف أن عملية “لوكسور” نُفِّذت جزئياً استنادًا إلى تقرير أعده الأكاديمي لورينزو فيدينو، والذي كشف تحقيقنا “أسرار أبو ظبي” أنه تلقى مبالغ مالية من “ألب سيرفيسز” في إطار مهمته لصالح الإمارات.

وما هو محير، البريد الإلكتروني الذي أرسله ماريو بريرو إلى وكيله الإماراتي، الذي كشفته المجلة النمساوية “بروفيل“، يقترح أن رئيس “ألب” كان على علم بعملية “لوكسور” قبل شهرين من بدء تنفيذها.

يتهم حافظ في شكواه، “ألب” وفيدينو بأنهما مسؤولان عن الحملة التشهيرية التي تعرض لها، والتي أدت إلى اعتقاله، من خلال تصويره كإسلامي متطرف قريب من جماعة الإخوان المسلمين. يعترف فيدينو بتقديمه معلومات لـ “ألب سيرفيسز”، لكنه يؤكد أنه لم يكن يعرف هوية عميل الوكالة.

في كانون الثاني/ يناير 2024، قدم آخر ضحية لـ “ألب سيرفيسز” شكوى في الولايات المتحدة: حازم ندا، وهو أميركي من أصل مصري مقيم في سويسرا، وأسس شركة لتداول النفط.

بحجة أن والده كان من كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين، تعرض ندا لحملة تشويه نُفِّذت بواسطة “ألب”، ووُصف كإسلامي متطرف. كانت العملية فعالة لدرجة أن البنوك أغلقت حسابات شركته التي أفلست. باختصار، “ألب” والإمارات “دمرتا حياته”، كما صرح لـ”النيويوركر”.

معركة ندا القانونية تبدو صعبة للغاية. فقد اختار مقاضاة حكومة الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن القانون في أميركا يمنح الحكومات الأجنبية الحصانة القانونية.