fbpx

من “وثائق بنما” إلى “أسرار أبو ظبي”… حان وقت المحاسبة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذه الإنجازات كلها التي حققتها الصحافة الاستقصائية تحفّزنا على متابعة العمل والتعاون على رغم التحديات الجمّة وغياب الأفق وضعف الأثر في عالمنا العربي، إلّا أنّنا نؤمن بدور الصحافة الاستقصائية وقدرتها على الدفع باتجاه تحقيق العدالة والمحاسبة ورفع الظلم. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أخيراً بعد ثماني سنوات على كشف الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين وأكثر من 100 شريك إعلامي في جميع أنحاء العالم عن تسريبات “وثائق بنما”، بدأت أوّل محاكمة تاريخية بشأن غسل الأموال على أثر هذه التحقيقات في محكمة جنائية بنما.
ثمانية أعوام على نشر “وثائق بنما”، ثمانية أعوام من العمل الصحافي المشترك في عشرات المشاريع المشابهة، وأكثر من عقد على مشاريع التعاون العابر للحدود على مختلف أشكاله، وهدفنا جميعاً واحد: الأثر والمحاسبة.

في المقابل، تناولت الأمم المتحدة ملف وكالة “ألب سيرفس” Alp Services السويسرية، التي تجسّست وعملت على تشويه صورة عدد من الشخصيات والمنظّمات المؤثرة في أوروبا، نيابة عن دولة أبو ظبي، وهو ما كشفه مشروع “أسرار أبو ظبي” الذي كان موقع “درج” الشريك العربي الوحيد فيه، والذي نُشر في تموز/ يوليو 2023.  

المحاكمة عقب “وثائق بنما”! 

البداية من مشروع “وثائق بنما”، وهو عبارة عن تسريب ضخم لأكثر من 11.5 مليون سجل مالي وقانوني يكشف عن نظام يتيح الجريمة والفساد والسلوكيات الخاطئة، مخفيّة وراء الشركات الخارجية السرية التي أسّسها مكتب موساك فونسكا. 

تتم محاكمة 27 شخصاً، بما في ذلك يورغن موساك ورامون فونسيكا مورا، مؤسسا شركة “موساك فونسكا” التي أغلقت سابقاً.

هذه المحاكمة هي بارقة أمل للعمل الاستقصائي. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أهمية “وثائق بنما” وتميزها من ناحية:

الحجم غير المسبوق: تكوّن التسريب من 11.5 مليون وثيقة، بإجمالي 2.6 تيرابايت من البيانات، ما جعله واحداً من أكبر تسريبات البيانات في التاريخ آنذاك.

التأثير العالمي: كشفت الوثائق عن نحو 214 ألف كيان في الخارج، تشمل أشخاصاً وشركات من أكثر من 21 دولة وإقليم. أظهر هذا النطاق العالمي الاستخدام الواسع للحسابات الخارجية وملاذات الضرائب من الأثرياء والأقوياء، خصوصاً نافذين أو شخصيات سياسية مرتبطة مثلًا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

التعاون الصحافي: إذ تظلّ التحقيقات في “وثائق بنما” واحدة من أكبر التعاونات الصحافية العابرة للحدود في التاريخ بمشاركة أكثر من 370 صحافياً في 80 دولة حول العالم .

في هذا السياق، قال مدير تحرير الـ ICIJ، فرغس شيل، في مقابلة سابقة لموقع “درج”: “أعتقد أن الصحافة التعاونية علاجٌ لمشاكل كثيرة تواجه الصحافة حالياً. فهي أولاً، تساهم في حل مشكلة التعقيد، إذ يمكنك العمل مع مئات الصحافيين في الوقت نفسه. يمكنك التغلب على التحديات المتعلقة بمعالجة كميات ضخمة من البيانات وتنظيمها، وفهمها في لغات مختلفة. ولكن غير ذلك، فإنها تفعل شيئاً فريداً حقاً، شيئاً ضرورياً للغاية، فهي لا تتيح لك فقط أن تفعل أشياء لا يمكنك فعلها في ظروف أخرى، مثل التعامل مع 11.9 مليون وثيقة في حالة وثيقة باندورا خلال سنتين، بل إنها تسمح لك أيضاً بالعمل مع أشخاص من جميع أنحاء العالم يعرفون بلدهم بشكل أفضل من أي شخص آخر… الاختلاف الأهم، الاختلاف الحاسم بين ما نقوم به وبين النموذج التقليدي للعمل الصحافي، هو أننا نعتمد على شركاء في تلك البلدان يعرفون أكثر من أي شخص آخر عن ذلك البلد. فعلى سبيل المثال، في “درج” ولبنان، فإننا لا يمكن أن نكون بالإلمام نفسه مثلكم عن لبنان، وهذا ما تقدمونه أنتم في هذه المشاريع. وهذا لا يقدّر بثمن”.

أمّا في سياق المحاكمة، فكان نفى سابقاً كلّ من موساك وفونسيكا مشاركتهما في أي نشاطات غير قانونية مراراً وتكراراً. كان موساك حاضراً في قاعة المحكمة عند بدء المحاكمة الجديدة يوم الاثنين في 8 نيسان/ أبريل 2024، بينما ذكر محامو فونسيكا أنه في المستشفى. 

ثمانية أعوام على نشر “وثائق بنما”، ثمانية أعوام من العمل الصحافي المشترك في عشرات المشاريع المشابهة، وأكثر من عقد على مشاريع التعاون العابر للحدود على مختلف أشكاله، وهدفنا جميعاً واحد: الأثر والمحاسبة.

قصة “درج” مع مشاريع الـ ICIJ

لموقع “درج” قصة خاصة مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ)، فمؤسسو “درج”، كمعظم الصحافيين العرب، كانوا يعملون مع منصات إعلامية تقليدية محسوبة على جهات سياسية أو قوى إقليمية، أي مؤسسات الإعلام السائد. وعند نشر مشروع “وثائق بنما” عام 2016، وعلى الرغم من توافر مادة صحافية عربية مهمة كانت شبكة “أريج” قد عملت عليها باللغة العربية، إلّا أنّ المؤسسات الإعلامية العربية التقليدية لم تهتم بنشر هذه المادة.

كانت هذه اللحظة مفصليّة وشكّلت أحد الحوافز الأساسية التي دفعت مؤسسي “درج” الى تأسيس الموقع، كمنصة مستقلة مملوكة من صحافيين، وشعارها القصة الثالثة، وأحد أعمدتها الصحافة الاستقصائية. 

وفيما كان “درج” قيد الإعداد والتأسيس، أي في الفترة التي لحقت نشر “وثائق بنما”، كان الاتحاد الدولي ICIJ يعمل على مشروع آخر يوازي مشروع “بنما” بأهميته، ووافقت عندها إدارة الـ ICIJ على أن يكون “درج” شريكاً في المشروع حتى قبل إطلاق الموقع، وذلك إيماناً منها بأهمية “درج”.
في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، انطلق “درج”، وبعدها بأربعة أيام، وتحديداً في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، نشر “درج” أول مشروع استقصائي عابر للحدود وأول تعاون دولي له، وهو مشروع “وثائق بارادايز“. ومذاك، تعاون “درج” مع الـ ICIJ في نحو 8 مشاريع.

قال فرغس شيل لـ “درج”، “من الضروري بالنسبة إلينا أن يكون لدينا شركاء في الشرق الأوسط. هذا أمر لا غنى عنه بالطبع. الشرق الأوسط هو جزء مهم جداً من العالم، وجزء حيوي نهتم به بشدة. لدينا حظ كبير جداً للعمل مع شبكة “أريج” وموقع “درج”. نحن نعرف من الخبرة الماضية، من خلال سبعة مشاريع، مدى روعة عملكم. لولا إعجابنا الشديد بعملكم، لما عدنا سبع مرات للعمل معكم. نعلم أيضاً، ونحن ممتنون بشدة، أنكم تعملون في ظروف أصعب مقارنة بالكثير من شركائنا. وبالنسبة الى ذلك، نحن نشعر بالإعجاب بمهاراتكم. ونشعر بالإعجاب بشجاعتكم. ولا أستطيع أن أفكر في مشروع قمنا به على المستوى الدولي لم يستفد بشكل كبير من عملكم. أعني، لولا عملكم، فإن “وثائق باندورا” لن تكون كما كانت. “وثائق إريكسون” مثلًا لما كنّا قد تمكنّا من القيام بها، بكل بساطة، المشروع لم يكن له وجود لولا وجودكم”.

“أسرار أبو ظبي” 

أمّا عن “أسرار أبو ظبي”، فهو مشروع عابر للحدود يتضمّن سلسلة من التحقيقات الاستقصائية بناءً على وثائق سرية عن نشاط شركة الاستخبارات السويسريّة ALP Services، بدفع من أبو ظبي، والتي حصلت عليها Mediapart وشاركتها مع أعضاء الـ European Investigative Collaborations وشركاء آخرين، من بينهم “درج”.

“توضح الوثائق التي حصلنا عليها، أنه بين عامي 2017 و2020، قدمت Alp Services أسماء ومعلومات عن أكثر من 1000 شخص وأكثر من 400 منظمة، يفترض أنها على ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، في 18 بلداً أوروبياً، حوت الأسماء أكثر من 200 فرد و120 منظمة في فرنسا”، بحسب تحقيق “درج”.
تناولت الأمم المتحدة وكالة “ألب سيرفس” Alp Services السويسرية، التي قامت بأنشطة تجسس نيابة عن أبو ظبي، بهدف تشويه صورة شخصيات إسلامية وغير إسلامية معروفة في أوروبا. تمت هذه المناقشة خلال فعالية جانبية بعنوان: “التجسس والأخلاق والتأثير – الأمن السيبراني والحق في الخصوصية (أسرار أبوظبي)”، أُقيمت في إطار الدورة الخامسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. 

“أوبر” تضيف خدمة جديدة على أثر تحقيق “أريج”

في سياق الحديث عن أثر الصحافة الاستقصائية، لا بدّ من التنويه أيضاً بتحقيق شبكة “أريج” للصحافة الاستقصائية العربية: “رحلات غير آمنة: تسجيلات صوت وصورة داخل سيارات أوبر في الأردن” المنشور بتاريخ 7 آذار/ مارس 2024، ويتناول انتهاك سائقي الشركة خصوصية الركاب، عبر تسجيل الرحلات بالصوت والصورة، من خلال كاميرات مثبّتة داخل السيارات وخارجها، من دون الحصول على موافقة الركاب أو إعلامهم بالتصوير. 

بعد نشر التحقيق، أضافت “أوبر” خاصية التسجيل الصوتي للرحلات في الأردن بتاريخ 21 آذار 2024. “وأرسلت الشركة إشعاراً عبر التطبيق يُطالب المستخدمين بالموافقة على إمكانية تسجيل تفاصيل الرحلة صوتياً، وتقييد مواصلة طلب الرحلة بالموافقة على هذه الخاصية الجديدة، التي يستطيع من خلالها الركاب والشركاء السائقون تسجيل تفاصيل الرحلة صوتياً، عبر “أدوات الحفاظ على السلامة” في التطبيق، باستخدام هواتفهم الذكية. علماً أنه لا يُبلّغ أحد الطرفين بقيام الآخر بعملية التسجيل”، وفقًا لـ”أريج”.

هذه الإنجازات كلها التي حققتها الصحافة الاستقصائية تحفّزنا على متابعة العمل والتعاون على رغم التحديات الجمّة وغياب الأفق وضعف الأثر في عالمنا العربي، إلّا أنّنا نؤمن بدور الصحافة الاستقصائية وقدرتها على الدفع باتجاه تحقيق العدالة والمحاسبة ورفع الظلم.