fbpx

كيف يمكن للفلسطينيين أن يكونوا خارج حروبنا الأهلية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يشعر كثير من الممانعين، لا سيما ممانعي ما بعد 7 أكتوبر، بالرضا على ضعف الرد الإيراني، ناهيك بموجة السخرية التي ترافقت مع “ليلة المسيّرات”، لكن مشهد الانقسام الذي هم في صلبه، لا يتيح لهم إبداء تحفّظهم، وهم إما صفقوا بخجل، أو لاذوا بصمت رأوا أنه خير لهم في ظل “اندراج الرد الإيراني في الحرب على إسرائيل”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ترافق الرد الإيراني على قصف إسرائيل قنصلية طهران في دمشق، مع مؤشرين أهليين رسما خط انقسام مذهبي وسياسي، أعمق بكثير من ذاك الذي يرسم خارطة الانقسام بين الممانعة وبين نخب الربيع العربي وهوامشه المذهبية.

فالسخرية التي حملتها الـ”سوشيل ميديا” من انعدام فعالية الرد الإيراني، ومن تنسيق الرد مع واشنطن، واقتصار نتائجه على مشاهد المسيرات المتهاوية قبل أن تصل إلى أهدافها، قوبلت بتضخيم فعالية الصواريخ الإيرانية من قبل الخاصرة الأهلية والمذهبية، ليس لمحور الممانعة، إنما لجناحه الشيعي تحديداً!

وتجدر هنا ملاحظة انخفاض منسوب الحماسة لنوعية الرد الإيراني في الأوساط الإخوانية، وذهاب بعض هذه الأوساط إلى عقد مقارنة بين “13 نيسان/ إبريل” وبين “7 تشرين الأول/ أكتوبر”. 

والحال أن هذا المشهد ينطوي على مبالغتين مصدرهما ذلك الصدع الأهلي الذي لطالما شكل رافداً لمعظم حروبنا الأهلية في هذا المشرق البائس. فكان من الصعب على من كابدوا تسلط طهران على مجتمعاتهم ودولهم، من السوريين، ونصف اللبنانيين والعراقيين، أن يصفقوا لمسيرات طهران العابرة في أجواء بلدانهم، والمتوجّهة إلى إسرائيل. 

في المقابل، لم يشعر كثير من الممانعين، لا سيما ممانعي ما بعد 7 أكتوبر، بالرضا على ضعف الرد الإيراني، لكن مشهد الانقسام الذي هم في صلبه، لا يتيح لهم إبداء تحفّظهم، وهم إما صفقوا بخجل، أو لاذوا بصمت رأوا أنه خير لهم في ظل “اندراج الرد الإيراني في الحرب على إسرائيل”.

إسرائيل نفسها رأت في الرد الإيراني تغييراً كبيراً في قواعد الاشتباك مع طهران، وتأكيدها أنها أسقطت 99 في المئة من المسيرات والصواريخ المتّجهة إليها، لم يخفف من حجم الصدمة التي أصابتها، لكن يبقى هذا خارج المعطيات الأهلية في المنطقة. فأن يعترف خصوم طهران بـ”انجاز” لها، فهذا ليس شأناً مألوفاً في الصراعات الأهلية التي يشهدها المشرق.

ضعف الفعالية الواقعية للرد، هو امتداد لمنطق يتمثل في أن طهران تخوض حرباً أخرى غير الحرب على غزة. وظيفة الرد كانت رسم قواعد اشتباك مختلفة بين طهران وتل أبيب، وليست “إشغال العدو بجبهة جديدة” تضعف عزيمته في غزة. 

الوظيفة الأهم للرد، هي رأب الصدع المعنوي الداخلي الذي تضافرت على إحداثه الضربات الإسرائيلية المتكررة للوجود الإيراني في سوريا. إنه فصام عاطفي قاس بالفعل، فالمطلوب من السوريين أن يتخففوا من ظلامتهم، وأن يصفقوا لرد طهران على استهداف قنصليتها في دمشق!

هذا المنطق يمكن سحبه ليشمل حقيقة أن تل أبيب التقطت أنفاساً دولية بعد الرد الإيراني، وهذه حقيقة يمكن رصدها في حجم التضامن الغربي معها، بعدما كانت الحرب الإبادية التي تخوضها في غزة بدأت تصدّع ظاهرة الدعم الدولي لها. 

وهنا يمكن انتظار قرار بالهجوم على رفح غير مقيد بالشروط الأميركية، أو تصعيد كبير على الجبهة مع لبنان. وهذه الاحتمالات، في حال حصولها، ليست في الواقع من نتائج الرد الإيراني، إنما من الاستثمار الإسرائيلي به.

كان من الصعب على طهران ألا ترد، وكان من الأصعب عليها أن ترد بشكل فعال ومؤذٍ. هذه المعادلة هي في صلب ما شهدناه في ليلة المسيرات الإيرانية. وهي معادلة لا تتصل على الإطلاق بما يجري في غزة. وفي المقابل، تم تحميل الواقعة من طرفي الانقسام المذهبي أكثر مما تحتمل. خصوم طهران اعتبروا ما حصل مؤشراً إلى تهاونها مع إسرائيل، وانكفائها عن دعم الفلسطينيين، أما الحلفاء فاعتبروها “فتحاً مبيناً”، و”نصراً ما بعده نصر”!

الجريمة الإسرائيلية في غزة لن تحيد حقيقة تورط طهران في أرخبيل الثورات الفاشلة في سوريا والعراق ولبنان، و”ليلة المسيرات” لن تغسل أيدي نظام ولاية الفقيه من دماء عشرات آلاف السوريين، وآلاف العراقيين، ومئات اللبنانيين. 

إنها من الحقائق الثقيلة التي تنغّص على فلسطين نقاء الانحياز الى قضية عادلة، وعلى الفلسطينيين، في هذه اللحظة المأساوية التي يعيشونها، أن يكونوا خارج حروبنا الأهلية. علماً أنهم عملياً، ومنذ الانتفاضة الأولى، غادروا حروبنا الأهلية، ونحن بدورنا واصلنا توظيف قضيّتهم في ما ليس لهم به.