fbpx

عام على حرب السودان: نساء وأطفال يعبرون الصحراء مكبّلين على عربات النقل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يضطر السودانيون إلى عبور طريق الصحراء غير الشرعيّ والخطير نحو مصر، إثر عجزهم عن الحصول على تأشيرات دخول بعد إغلاق معظم السفارات في الخرطوم، الطريق الذي يبلغ طوله أكثر من 1200 كم ، محفوف بالمخاطر،لكن يبدو أن الكثير من السودانيين لم يجدوا حلاً سواه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما زال السودانيون يعانون بصمت وألم بعد عام من اشتعال الحرب، من دون أن يكترث العالم لألمهم، أو يحرك ساكناً إزاء موتهم وتهجيرهم واغتصاب النساء على يد الميليشيات المسلحة.

ما يشهده السودان والسودانيون تعددت أوصافه في التقارير الحقوقية، “هيومان رايتش ووتش” وصفت ما يحصل بـ”عام من الفظائع”، وتكررت عبارات مثل “قتل عرقي جماعي”، والأكثر قسوة “أكبر نزوح داخلي في العالم”، إذ أفادت “المنظمة الدولية للهجرة” بأن 10.7 مليون شخص تهجروا من ديارهم في السودان، بينهم 9 ملايين نازح داخلياً – ثلثاهم منذ اندلاع النزاع في نيسان/ إبريل 2023. 

وأضافت المنظمة أن “السودان الآن  يشهد أعلى معدل نزوح داخلي في العالم، حتى أنه يتجاوز عدد النازحين في سوريا البالغ 7.2 مليون”.

يضطر السودانيون  إلى عبور طريق الصحراء غير الشرعيّ والخطير، إثر عجزهم عن الحصول على تأشيرات دخول بعد إغلاق معظم السفارات في الخرطوم، ولا طريق أمامهم سوى التوجّه إلى مصر.

هناك قنصلية وحيدة للدولة المصرية في منطقة وادي حلفا الحدودية، التي تكتظّ بالآلاف، ما يضطر السودانيين الى انتظار التأشيرة لأشهر في المدارس والساحات العامة والطرقات والجوامع والفنادق. 

لا ينجح الكثيرون  في الحصول على التأشيرة  في النهاية، ولا يبقى طريق أمامهم سوى الصحراء والمخاطرة بأرواحهم وأرواح أطفالهم على أمل النجاة والوصول إلى مصر.

تخبرنا أنغام (اسم مستعار) التي عبرت الصحراء نحو مصر: “للأسف، كان علينا أن نختار الموت جوعاً وقصفاً في السودان، أو الموت في الصحراء ونحن في طريقنا للنجاة”.

تتابع أنغام: “بالإضافة إلى عدم وجود سفارة مصرية في الخرطوم للحصول على تأشيرة، وعدم وجود مستشفيات وخدمات طبية، وانقطاع شبكات الاتصال والإنترنت. باتت الحياة في السودان شبه مستحيلة، ونحن نعلم أن هذا الطريق محفوف بالمخاطر والمصاعب أيضاً، ولكن نفدت لدينا الحلول”.

صعوبات الوصول إلى مصر وتحدياته

رحلة عبور السودانيين  إلى مصر عبر الصحراء صعبة وخطيرة، ومع مرور الوقت، يصبح الوضع أشد مأساويّة، إذ تتعرض النساء والأطفال لظروف قاهرة من الجوع والبرد والنوم في العراء، ومعظم الأطفال يعانون من الأمراض والتهاب الرئتين بسبب رمال الصحراء، بالإضافة إلى الرعب والهلع والتوتر والخوف من قطّاعين الطرق والمسلّحين.

تروي فاطمة (اسم مستعار) لـ”درج”: “بدأت رحلتنا من خرطوم بحري، إلى عطبرة، ومن عطبرة انتقلنا إلى منطقة أبو حمد (التخزينة)، التي تعدّ محطة انطلاق الى مصر عبر الصحراء، ننطلق بعربات نصف النقل المفتوحة، يربطوننا بالسلاسل والحبال خوفاً من الوقوع من العربات، لأنها تنطلق بسرعة جنونية ولا تتوقف مهما حصل ومهما رجونا السائق أن يتوقف”.

يستغرق الطريق حسب فاطمة من ثلاثة الى عشرة أيام، “تشعر فيها بكل لحظة أنك ستموت، ولا تعلم إن كنت ستصل حقاً”. تختم فاطمة: “أنا محظوظة كفاية لأن السيارة تابعت السير في الطريق ولم تتركنا في الصحراء”.

الأطفال هم أكثر من يعاني

 عانت رحمة (اسم مستعار) وأطفالها كثيراً، شربوا الماء الممزوج مع الغاز، إذ لا توجد مياه تكفي الجميع، واستمرت رحلتهم أربعة أيام تناولوا خلالها وجبة واحدة فقط.

تمكن أطفالها الأكبر سناً من الاحتمال، لكن المشكلة كانت الصغار، الذين لم تعرف كيف تساعدهم على الصبر، وفرت لهم الماء والطعام، وعلى رغم ذلك لم يستطيعوا الاحتمال واستمروا في البكاء والصراخ طوال الطريق.

قالت أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، عن أطفال السودان خلال مؤتمر عُقد في 15 نيسان/ إبريل: “ما نشهده في السودان هو أسوأ أزمة نزوح للأطفال في العالم”، و”على رغم  دخول الحرب عامها الثاني، فهي غائبة عملياً عن أخبارنا اليومية”، مؤكدة أن: “كل حياة لها القدر نفسه من الأهمية، سواء في أوكرانيا، أو في غزة، أو في السودان”. 

التكلفة الصحيّة والنفسيّة لعبور الصحراء

تصل غالبية السيدات إلى مصر وهنّ يحملن آثار الصدمة النفسية من نوبات الهلع، والخوف والتوتر والأرق والكوابيس المتكررة، بالإضافة إلى عدم قدرتهن على نسيان ما تعرضن له أثناء الطريق، كوفاة أحد الركاب، أو تعرضهن للتهديد أو المعاملة السيئة من سائقي السيارات، وخوفهن من الموت في الصحراء مع أطفالهن.

يضاف إلى ما سبق، الأذى الجسديّ، كالالتهابات الجلدية ولدغات العقارب، والتهاب الرئتين، والرضوض الجسدية، والتجفاف لنقص الماء، والمشاكل الهضمية، والكثير من الأمراض المختلفة.

 تقول تهاني (اسم مستعار) لـ”درج”:”مات على الطريق طفلان ممن كانوا معنا بسبب معاناتهما من الربو، لم يحتملا رمال الصحراء، فما كان من قائد العربة إلا أن يترك الأم مع جثتي طفليها في الصحراء لتدفنهما، وتابع طريقهُ من دونهم”.

أما هالة (اسم مستعار) فبقيت أسبوعاً كاملاً في المستشفى عندما وصلت مصر، بسبب لدغات العقارب والالتهابات الجلدية، بالإضافة إلى معاناتها من الصدمة النفسيّة ونوبات الهلع. تقول: “كان معنا في سيارة النقل رجل مسنّ يريد الوصول إلى مصر للعلاج، لكنه توفي من التعب، دفناه في الصحراء وتابعنا رحلتنا” .

تتابع هالة: “لا أستطيع استيعاب فكرة أننا ندفن الناس في الصحراء ونكمل مسيرتنا، لا أصدق هذا الوضع المأساوي الذي وصلنا إليه، ندفن الناس كما ندفن أي شيء ليس له قيمة، فالسائق لا يتحمل مسؤولية جثة في العربة، فمَن الذي يشهد على أحزاننا ومأساتنا وموتانا، ومن يكترث بما يحدث لنا في السودانّ؟! أشعر بصدمة كبيرة”.

يُذكر أن معاناة السودانيين شبه غائبة عن الإعلام والنشرات اليومية، والتي باتت غير محتملة بعد سنة من القتال، ففي مخيم أمبيليا بالقرب من مدينة أدري، يعاني البعض من إعاقات دائمة كان من الممكن تجنّبها لو خضعوا لعمليات جراحية.

يقول كريستيان ليندماير، المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، لوكالة فرانس برس، إن 70-80 في المئة من المرافق الصحية السودانية لم تعد تعمل بسبب القتال. ويضيف: “بعض الولايات، مثل دارفور، لم تتلقّ الإمدادات الطبية خلال العام الماضي. الوقت ينفد”.

نساء وعائلات يتعرضون للاحتيال

لا توجد أية إحصاءات توثق عدد الجثث الذي تُدفن في الصحراء، وفي أحيان كثيرة لا تعلم عائلات الضحايا حقيقة ماذا حدث لأفراد عائلاتهم، هل ماتوا من الجوع والعطش أم خطفوا؟! ولا توجد حتى الآن أرقام ومعلومات كافية عن هذه الكارثة، بخاصة أن سائقي عربات النقل يضغطون على الركاب لدفن الجثث في الصحراء وإكمال مسيرتهم.

تعرضت خلود (اسم مستعار) للاحتيال والنصب، وهي أم لطفلة رضيعة وثلاثة أولاد بأعمار مختلفة، أنزلهم سائق عربة النقل وسط الصحراء ووعدهم بأن يعود بعد ساعة، لكنه لم يعد وبقيت ثلاثة أيام في الصحراء مع الركاب الآخرين ينتظرون سائقاً آخر ربما يتابعون الرحلة معه.

تقول خلود: “افترشنا رمال الصحراء ونمنا والخوف والأرق والرعب يسكن أجسادنا، هل سنستيقظ في اليوم التالي أو سنموت من لدغات العقارب والجوع؟”.

تضيف خلود: “تنطلق كل عشرة عربيات نقل سويةً، وليس عربة واحدة بمفردها، فهذه هي طريقتهم لحماية أنفسهم من قطّاع الطرق والمسلحين على الطريق الصحراوي، ولهذا كان علينا الانتظار خمسة أيام في العراء لنجد عربة نقل أخرى، وندفع الأجرة مجدداً”.

وأكدت جميع السيدات اللواتي التقيناهن، معرفتهن بخطورة هذا الطريق وعدم شرعيته، وأن احتمالات الموت كبيرة، لكن لا يوجد لديهم سوى هذا الحل.

درب النجاة/ الموت في الصحراء

تبدأ الرحلة من مناطق تعديل الذهب في السودان، تمر عبر الصحاري على طول الحدود المشتركة بين مصر والسودان التي تمتد على مسافة أكثر من1200 كم. أما تكلفة هذه الرحلة، بحسب السيدات اللواتي التقيناهن، فهي بين ثلاثمئة دولار وخمسمائة دولار للفرد الواحد.

 وفي الآونة الاخيرة، ارتفع سعرها بعد دخول قوات الدعم السريع الى منطقة مدنيّ التي كانت مأوى للكثير من السودانيين النازحين من خرطوم وأم درمان.

وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن أعداد الأشخاص الذين يعبرون من السودان إلى تشاد زادت في الأسابيع الأخيرة إلى معدل يتراوح بين 500 و600 شخص يومياً.

ووصل نصف مليون سوداني إلى مصر بطريقة نظامية بحسب المفوضية، ولكن لا توجد أية إحصاءات أو أرقام للأفراد الذين وصلوا بطريقة غير نظامية عبر الصحراء، ولا معلومات دقيقة بما يخص الطريقة الصحراوية.