fbpx

“حديد بحديد” من أصفهان إلى نڤاتيم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من المذهل حرص تل أبيب وطهران على ضبط خطابهما بما يتعلق بتبادلهما الضربات، بقواعد ديبلوماسية دقيقة. طهران قالت إنها لم تتعرض لهجوم من الخارج، وتل أبيب قالت إنها لن تتبنى الضربات بشكل رسمي!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“حديد بحديد”، هكذا علّق صديق على صفحته على “فايسبوك” على الضربة الإسرائيلية “غير الرسمية” لمدينة أصفهان الإيرانية! وعبارة “حديد بحديد” لمن لم يسمع بها سابقاً، هي تعبير عاميّ لبناني يُساق في أعقاب حوادث السير التي لا تنجم عنها إصابات بشرية.

تبادل الردود بين طهران وتل أبيب هو “حديد بحديد”، منظوراً إليه من مصلحتي النظامين غير المتحاربين. أما بالنسبة إلينا نحن شعوب هذه الحروب ووقودها، فقد انتظرنا أياماً الرد الإيراني على قصف القنصلية في دمشق، وها هو انتظارنا الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني يصل إلى الساعة صفر، وتنقل إلينا وسائل الإعلام خبر الرد البارد.

ترافق الانتظاران مع حسابات لوجستية لها علاقة بمدارس أولادنا وجامعاتهم، وبجداول سفر الأصدقاء والأقارب في زمن الأعياد، ناهيك بغريزة التدفّق إلى المتاجر لتخزين المواد الغذائية. 

والانتظار الأصعب كان ما كابده أهل قطاع غزة وأهل الجنوب اللبناني، ذاك أن الحرب هناك والحرب هنا، اشتغلت على وقعي الانتظارين. الحرب عندنا لم تكن “حديد بحديد”. سقط قتلى ودُمرت بيوت وأحياء ومخيمات. لم تجر الحرب عندنا على وقع تنسيق دقيق تولّته واشنطن لطبيعة الأهداف ولنوع القذائف والمسيرات. 

بقيت الخسائر في إسرائيل وفي إيران بفعل تبادل الردود، وجهات نظر غير موثّقة يتقاذفها طرفا الحرب، أما الخسائر في غزة وفي لبنان وفي سوريا، فهي موثّقة، والضحايا لهم أسماء ووجوه وحكايات.

الحرب على غزة ليست “حديد بحديد”، لا بل أن بنيامين نتانياهو يسعى إلى تسعيرها بفعل خضوعه للشروط الأميركية بما يخص إيران. مزيد من السلاح لإسرائيل، وانخفاض للأصوات الدولية الداعية لعدم اجتياح رفح.

ترافق الانتظاران مع حسابات لوجستية لها علاقة بمدارس أولادنا وجامعاتهم، وبجداول سفر الأصدقاء والأقارب في زمن الأعياد، ناهيك بغريزة التدفّق إلى المتاجر لتخزين المواد الغذائية. 

القصف الإيراني فرصة نتانياهو لتنفيذ المهمة، وثمة أكثر من مليون فلسطيني ينتظرون مصيرهم بعدما أعلنت واشنطن رفع حظرها عن المهمة. صفقة طائرات “أف 16” جديدة وافق عليها الرئيس الأميركي جو بايدن، ومعدات عسكرية ما كانت تل أبيب لتحصل عليها على مدى السنوات العشر المقبلة، لولا الحرب على غزة.

في جنوب لبنان أيضاً، الحرب لم تكن “حديد بحديد”. فعندما عشنا الانتظارين، كانت وتيرة القتال تتصاعد، وشهدنا مزيداً من القوة التدميرية الإسرائيلية، لكن الأهم بما يتعلق بهذه الجبهة، هو الضوء الأخضر الأميركي لإسرائيل بالتصعيد، وربما في فتح الجبهة على مصراعيها، كتعويض لتل أبيب على حسن سلوكها عبر ردها “المضبوط” على إيران.

من المذهل حرص تل أبيب وطهران على ضبط خطابهما بما يتعلق بتبادلهما الضربات، بقواعد ديبلوماسية دقيقة. طهران قالت إنها لم تتعرض لهجوم من الخارج، وتل أبيب قالت إنها لن تتبنى الضربات بشكل رسمي! الأمر أقرب إلى أن يكونا راقصين، أكثر من كونهما عدوّين. حرص على المشاعر، ورغبة في عدم التعرّض للصورة والموقع. 

والأهم، تسليم بأن الحرب الحقيقية هي على ضفة أخرى من المشهد. إيران قالت إنها استهدفت مواقع عسكرية في إسرائيل، والأخيرة حرصت على تصوير ردّها الأخير بوصفه فعلاً رمزياً لم يسقط فيه مدنيّ واحد.

هذا الحرص لا يشملنا، نحن الوقود الفعليّ للحرب الحقيقية. في غزة وفي لبنان وفي سوريا، لا أثر لهذا الحرص، ولا دولاً ولا أنظمة ولا مقاومات تقيم وزناً للخسائر الفعلية وللقتلى الفعليين. 

أكثر ما يمكن أن يحصل عليه قتيلنا هو أن يضاف إلى رقم قد يستعان به ذات يوم لإدانة إسرائيل. أما أن يصير الرقم سياسة ودرساً ووجهة، فهذا فعل يرقى إلى الخيانة.

لا بأس، فالأخبار القادمة من أصفهان تبعث على بعض الارتياح، تماماً مثلما بعثت التصريحات الإيرانية المرافقة للمسيرات المتوجهة إلى تل أبيب بأن الصواريخ حملت معها أيضاً رغبة في عدم توسيع الحرب.

 صحيح أن هذا الحب لا يشملنا، إلا أن حرباً لن تقع، أمر مرغوب فيه، وإن كانت الحرب عندنا قد وقعت، وما ينتظرنا ربما يكون أسوأ. فهنيئاً للإيرانيين تجنيبهم ما ابتلينا به.