fbpx

حملة “نور”: حرب “آيات الله” الجديدة على أجساد النساء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ”آيات الله”، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عاودت إيران سيرتها الأولى، لفرض رؤيتها المغلقة وقبضتها الخشنة على النساء بشأن إلزامية الحجاب. وهي السيرة التي لم تنقطع إلا قليلاً ضمن مناوراتها البراغماتية للتهدئة عقب الانتفاضة، غير المسبوقة، لمقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد دورية “شرطة الأخلاق”.

باشر “الولي الفقيه” حربه على أجساد النساء، مُستغلاً التوترات الإقليمية القصوى إثر حرب غزة، وانتقال حرب الظل مع إسرائيل إلى تخوم تلامس دوائر حيوية واستراتيجية لإيران، مرة في قنصليتها بدمشق، ومرة أخرى في قواعدها العسكرية وحول مواقعها النووية في أصفهان.

تزامن ظهور قائد شرطة طهران، عباس علي محمديان، لإعلان الحملة القمعية الجديدة والمباغتة “نور”، بدعوى فرض الحجاب الإلزامي، مع شنّ الهجوم الإيراني على إسرائيل.

لكن اللافت في تعقيب قائد الشرطة الإيرانية، أحمد رضا رادان، أن الحملة تحظى بدعم مؤسسات الدولة، الحكومة والبرلمان والقضاء، والتي تهيمن عليها القوى الأصولية والمحافظة. بينما ستنفّذ مهامها بـ “قوة ودقة”، تجعل الحملة أبعد من كونها خطة محدودة لقمع النساء. بل هي تعبئة أمنية واستدارة كاملة ناحية أي معارضة قد تتشكّل في المجال العام، وتسعى الى الإعلان عن امتعاضها السياسي أو الحقوقي، سواء بخصوص الأوضاع المحلية أو الإقليمية والخارجية. 

كما أن لهذا الإعلان الأمني بوجود إجماع رسمي، مؤشراً آخر يتصل بالتباينات القائمة داخل النخبة السياسية.

الحرس الثوري “سفيراً للمحبة”!

إذ إن السياسية الإصلاحية، آذر منصوري، كتبت على منصة “إكس”: “… فيما أصبحت الوحدة الوطنية أكثر أهمية من أي وقت مضى، تتزايد المشاهد القبيحة نفسها (التي شوهدت خلال الاحتجاجات) مع مزيد من العنف ضد النساء والفتيات الإيرانيات! أي نوع من السياسة هذه؟”

الأمر ذاته مع وزير العمل السابق، علي ربيعي، الذي قال على حسابه الرسمي على مواقع التواصل الاجتماعي: “أنا حقاً لا أفهم عندما يشعر الشعب الإيراني بالارتياح والفخر بخصوص مواجهة إسرائيل، فجأة مجموعة (من صناع القرار) تدفع المجتمع نحو المواجهة مع المؤسسة!”.

بالتالي، كان تلقائياً أن يعلن الحرس الثوري مشاركته في الحملة “الأخلاقوية” من جانب السلطات جنباً إلى جنب مع الشرطة، وتدشين مجموعة تسمى “سفراء المحبة”.

وفي ما يبدو، أن الخطة عبارة عن فخ يماثل حجج إيران المتفاوتة لقمع المعارضة، ومنها “الإفساد في الأرض” أو “محاربة الله”. وتكاد لا تتجاوز هذه الخطة دورها الوظيفي أو بالأحرى التلفيقي في وصم أفراد وجماعات بتهم لها حمولات سياسية أو أخلاقية، ظاهرياً، بينما في الحقيقة، هم متّهمون بمعارضة “الولي الفقيه” وسياساته الشمولية. 

لهذا، أعلنت الشرطة الإيرانية مع حملة “نور”، أن هناك “قضايا مهمة لعصابات إجرامية منظمة” محلية وخارجية في مجال “الفساد والدعارة وتجارة الجنس والمواد الإباحية”، سيُكشف عنها. بما يقدم “فهماً أكبر للأسباب الكامنة وراء أهمية تنفيذ خطة نور”. وعزا إعلان الشرطة المعارضة التي تلاحق الخطة الإيرانية الجديدة إلى “تيارات إعلامية خبيثة”.

عودة العقل الأصوليّ

إذاً، تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ”آيات الله”، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة الريال الإيراني، فإن فرص اندلاع الاحتجاجات المجتمعية والفئوية، ومنها الحراك النسوي الحقوقي، تبدو قائمة وملحّة بالدرجة التي تفرض ضغوطات جمّة على ملالي طهران، وبما يجعل العقل الأصولي يتمدّد ويفرض إرادته الصلبة. 

كما أن توحّش السلطة ضد النساء الممانعة للحجاب القسري ليس جديداً، لا سيما في ظل الأزمات التي تقع تحت وطأتها طهران. إذ يضحى العنف المباشر ضد الأجساد الضعيفة رسالة سياسية مزدوجة للفصل بين القوى المتمردة ومنع اصطفافها. فضلاً عن خفض مستويات التهديد التي تطاول رمزية الحكم الأيديولوجية في الحجاب، واعتبار مقاومته خطراً وجودياً يمسّ “قداسة” المرشد الإيراني المتوهّمة ومصادر نفوذه.

حملة “نور” التي تقودها طهران، أخيراً، هي صيغة جديدة لاستئناف خططها العنيفة وخيارها الاستراتيجي بخصوص القيود المفروضة على المرأة والمعارضة. حتى أنها، إلى جانب ترسانة القوانين والتشريعات المتعسّفة، والتي تضع غرامات هائلة وعقوبات بالسجن لمدد طويلة، تراكم الخوف وتنشر الرعب في المجال العام، فضلاً عن تحييد الأطراف المحتمل انخراطهم في عملية العصيان وإرغامهم على الإذعان والطاعة.

وبفعل تموضع رجال “شرطة الأخلاق” الجديد مع عناصر “الحرس”، ستتشكّل مشاهد دموية من البطش والتنكيل بحق النساء والخصوم السياسيين. وقد حذر عباس علي محمديان، رئيس لجنة الانتخابات المحلية في طهران، من الإجراءات الجديدة التي من شأنها قمع الشركات والنساء بموجب مشروع قانون “الحجاب والعفة”. 

توقيت مشبوه

يمكن القول إن حملة “نور” أو قانون الحجاب الجديد، يؤشر إلى “توقيت مشبوه جداً لجهة التوظيف في سياق الصراع الداخلي بين قوى التيار المحافظ، وقد يكون التسريع في التطبيق محاولة لتحريره في ظل ما حقّقه الرد الإيراني على الاعتداء الإسرائيلي على السفارة في دمشق”، وفق ما يوضح الكاتب السياسي المتخصص بالشأن الإيراني حسن فحص. 

يقول فحص إن الأوضاع تسمح بتمريره، أي بعد إثبات قوة النظام الإقليمي التي استعرضها في الضربة، لافتاً لـ”درج” إلى أن السلطة في طهران ستكون قادرة على “استعراض عضلاتها”، مرة جديدة، في الداخل في ما يتعلق بالحجاب. 

من جهة أخرى، تنبّهت غالبية القوى السياسية من إصلاحيين ومحافظين، الى “خطورة الارتدادات السلبية على التعاطف الشعبي الذي ارتفع مع العمل العسكري”. ويبدو أن هذه الأصوات وصلت إلى المرشد الذي أبدى “عدم رضا” عن آلية التطبيق من خلال ما صرّح به أعضاء في مكتبه. الأمر الذي أدى إلى انكفاء الجماعة الداعمة للقانون، وحتى إلى اختفاء السيارات الخاصة بدوريات الشرطة الأخلاقية من الشوارع، ربما، مؤقتاً. وهذا يعني أن مصلحة النظام تقدمت على ما سواها، يقول فحص.

قمع النساء مهرباً من الحرب مع إسرائيل

ليس ثمّة شك في أن النظام غير قادر في هذه المرحلة على سحب موقفه من الحجاب، طالما أنه قانون معمول به. وسيكون هامش المناورة فيه يدور حول “المراسيم التطبيقية”. بالإضافة إلى أنه في هذه المرحلة بحاجة إلى نوع من “الوحدة الداخلية”. وستفتح عودة الشارع إلى الاشتعال، الباب أمام كل الأزمات، بخاصة الاقتصادية. وذلك في ظل الضعف الكبير الذي يسيطر على أداء الحكومة وفريق الرئيس الاقتصادي. 

أما وضع النظام مع إسرائيل، وفق الكاتب السياسي المتخصص بالشأن الإيراني حسن فحص، فيبدو أن “اختيار النظام الإيراني طريق الهرب من الأزمة موفقاً وذا جدوى وأثر أكثر من الموقف الإسرائيلي. والنتائج المستقبلية لهذا الحدث أو المتحوّل ستكون رهناً بقدرة طهران على توظيفها بشكل سليم، بخاصة ما يتعلق بالحوار والتفاهم مع واشنطن. 

في حين يرى المحلّل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، أن النظام الإيراني الذي ينتمي إلى فضاء الإسلام السياسي، بينما يرتكز على المراجع الدينية أو الحوزات لجهة ترسيخ أيديولوجيته، يواجه مقاومة ورفضاً هائلاً في ظل تآكل وانحسار قيمه الأيديولوجية التي تقوم عليها سياسات الحكم، لا سيما في ظل تنوّع مصادر المعرفة عبر السوشيال ميديا.

وبالتالي، اتّسعت الفواصل بين الشارع والنظام، وفق عبد الرحمن في حديثه الى “درج”، مشيراً إلى أن هذا الاتساع امتدّ حتى وصل إلى الطبقة المتدينة التي ابتعدت من المساجد نظراً الى “النفاق الذي اتّهم به بعض رجال الدين المسيسين وخلط السياسة بالدين، وانتشار الفساد، وقد طاول بعض الأئمة”. 

يردف عبد الرحمن: “الحجاب، في ظل التحولات المجتمعية وتأثيراتها على مزاج الإيرانيين السياسي، هو الممثل الوحيد بالنسبة الى نظام الملالي الذي يرمز إلى طبيعته الإسلاموية بالمعنى العقائدي الأيديولوجي والسياسي. 

من هنا، فالحجاب خط أحمر له. وبالتبعية، يمكن فهم حجم القمع والتنكيل بالمعارضين بتوصية من المرشد الإيراني، الأمر الذي يتولى تنفيذه أفراد شرطة الأخلاق”. 

تشير وسائل الإعلام الإيرانية المعارضة، إلى ابتزاز عناصر الشرطة النساء المعارضات للحجاب الإجباري، وإرغامهن على دفع مبالغ مالية تتراوح بين 10 إلى 12 مليون تومان عوضاً عن القبض عليهنّ أو إيقاف سياراتهن.

فيما نقل راديو “ليبرتي” الأميركي عن شيرين عبادي، الناشطة الإيرانية الحائزة جائزة نوبل للسلام، مخاوفها من “استخدام إيران المواجهة مع إسرائيل كذريعة لتكثيف حملتها الداخلية على المعارضة”.

وعرّجت على الإعدامات التي نفّذتها طهران في ثمانينات القرن الماضي، مستغلةً ظروف الحرب العراقية – الإيرانية، بينما طاولت “آلاف السجناء السياسيين ومعارضي النظام”. وقالت إن المؤسسة الدينية في طهران توظّف “المواجهات والصراعات العسكرية لتبرير حربها ضد الشعب الإيراني”.

الاعتداء على المواطنين والقانون

تقرير يتضمن شهادة 41 امرأة في إيران، أوضحت منظمة العفو الدولية أن السلطات الإيرانية تُخضع النساء “لمراقبة واسعة النطاق” في الأماكن العامة، لافتة إلى “عمليات تفتيش جماعية تقوم بها الشرطة” تستهدف السائقات.

وقالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، ديانا الطحاوي، في التقرير الأممي المنشور في آذار/ مارس الماضي: “في محاولة شريرة لإرهاق مناهضي الحجاب الإلزامي في أعقاب انتفاضة (امرأة، حياة، حرية)، تُرهب السلطات الإيرانية النساء والفتيات من خلال إخضاعهن للمراقبة والسيطرة الشُرطية المستمرة، ما يعطّل حياتهن اليومية ويسبّب لهن ضائقة نفسية هائلة”.

ووفق “هيومن رايتس ووتش”، فإن محكمة إيرانية أصدرت حكماً بالإعدام على مغني الراب المسجون توماج صالحي، الذي اعتُقل بعد الإفراج عنه سابقاً على خلفية تأييد الحراك النسوي الرافض للحجاب القسري.

وقالت تارا سبهري فر، باحثة أولى في شؤون إيران في هيومن رايتس ووتش: “يتصرف قضاة المحكمة الثورية الإيرانية وكأن لهم الحق في الاعتداء على حقوق المواطنين الأساسية والاستهزاء بأي ضمانات قانونية قائمة. يشكل الحكم الفاضح بحق توماج صالحي أحدث مظاهر النظام القضائي الوحشي في إيران. يجب إطلاق سراحه فوراً”.

جلبير الأشقر - كاتب وأكاديمي لبناني | 06.05.2024

بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قضيّته 

ظهور حركة جماهيرية متعاطفة مع القضية الفلسطينية في الغرب، لا سيما في عقر دار القوة العظمى التي لولاها لما كانت الدولة الصهيونية قادرة على خوض حرب الإبادة الراهنة، يشكّل تطوراً مقلقاً للغاية في نظر اللوبي المؤيد لإسرائيل.