fbpx

الأقلّيّة أكثر ديمقراطيّة من الأكثريّة دائماً؟؟… خطأ!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك فرضيّة شائعة لدينا تقول إنّ الأقلّيّات أكثر ديمقراطيّة وطلباً على الحرّيّة من الأكثريّة. الفرضيّة تُصاغ بألسنةٍٍٍ شتّى تعبّر عن إيديولوجيّات أصحابها: الأقلّيّات متحوّل، الأكثريّة ثابت. الأقلّيّات تغيير، الأكثريّة رجعيّة. الأقلّيّات يسار، الأكثريّة يمين. الاقلّيّات حداثة وقوميّة، الأكثريّة عالم عثمانيّ…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هناك فرضيّة شائعة لدينا تقول إنّ الأقلّيّات أكثر ديمقراطيّة وطلباً على الحرّيّة من الأكثريّة. الفرضيّة تُصاغ بألسنةٍٍٍ شتّى تعبّر عن إيديولوجيّات أصحابها: الأقلّيّات متحوّل، الأكثريّة ثابت. الأقلّيّات تغيير، الأكثريّة رجعيّة. الأقلّيّات يسار، الأكثريّة يمين. الاقلّيّات حداثة وقوميّة، الأكثريّة عالم عثمانيّ…
هل هذه الفرضيّة صحيحة؟
لا.
إنّها منسوخة بخفّة عن التجربة الأوروبيّة حيث لم تُحِط بثنائيّ الأكثريّة – الأقلّيّة مسائل من نوع المسألة الاستعماريّة ثمّ الحرب الباردة. وهي أيضاً منسوخة بكسل: فإذا صحّ أنّ الديمقراطيّة لا معنى لها من دون تلبية حقوق الأقلّيّات، وأنّها تعني ضمانات الأقلّيّات بقدر ما تعني حكم الأكثريّة، فهذا لا يُستنتَج منه أنّ الأقلّية ديموقراطيّة بالمطلق والأكثريّة استبداديّة بالمطلق. المنطق الشكليّ البسيط يعاند بناء استنتاج كهذا على مقدّمة كتلك.
صحيح أنّ أكثريّاتنا في المشرق، بسبب الاستعمار وإسرائيل والحرب الباردة إلخ…، عطفاً على خلفيّة ثقافيّة بالغة المحافظة، كانت بطيئة واتّباعيّة. قواها ورموزها السياسيّة، ممثّلةً خصوصاً بالأعيان الذين حكموا قبل زمن الانقلابات العسكريّة، كانت، على العموم، ضعيفة الحراك والديناميّة، ديدنها “الوسطيّة” و”الاعتدال”. مصلحتها الماديّة وضعف مخيّلتها حالا دون تذليل أيٍّ من المشكلات الكبرى، لا سيّما مشكلة الأرض والملكيّات الزراعيّة. تعلّقها الرومنطيقيّ بـ “الأمّة” (العربيّة، الإسلاميّة، العربيّة – الإسلاميّة) أعاق تطويرها للهويّات الوطنيّة الحديثة… هذا يصحّ خصوصاً في أعيانها ولفيفهم، وقضاتهم وشيوخهم، وفي مدينيّيها أكثر من ريفيّيها.
لكنْ كائناً ما كان الحال، فالأقلّيّات، وبطريقتها الخاصّة، لم تكن أفضل من ذلك:
نبدأ بالأحزاب التي استهوت الأقلّيّات في المشرق العربيّ فانتسب إليها العديد من شبّانها:
– حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ: أصرّ، منذ مؤسّسه ميشيل عفلق، على أنّ الحرّيّة هي حرّيّة الأمّة، لا حرّيّة الأفراد. منذ 1963 صار حزب البعث المصنع الأكبر للانقلابات العسكريّة في المشرق العربيّ، وللأنظمة الاستبداديّة التي تنتجها الانقلابات بالضرورة.
– الأحزاب الشيوعيّة أيضاً كان حضور أبناء الأقلّيّات فيها أعلى كثيراً من نسبة الأقلّيّات العدديّة في مجتمعاتها. لكنّ هذه الأحزاب من ثمار وعي توتاليتاريّ يُفترض أن يترجمه في الممارسة تنظيم حديديّ (راجع الإنجيل اللينينيّ “ما العمل؟)… القائد التاريخيّ الأبرز لشيوعيّي المشرق، خالد بكداش، كان قدوة ومثالاً في الاستبداد برفاقه. مكسيم رودنسون وقدري القلعجي أسهبا في وصف هذه العلاقة.
– الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ الذي كان أقرب تجارب المنطقة إلى النموذج النازيّ. قاموسه يعجّ بالأعراق، بالجماجم، بالسلالات، بالمزيج السلاليّ، بانحطاط قرطاجة لأنّها احتكّت بالأفارقة “المنحطّين”. على رأس الحزب “زعيم” مطلق الزعامة يتعهّد كلُّ من ينتسب إلى حزبه تحزيب عائلته وبيته إلخ… الاستقالة من الحزب ممنوعة. “المقاطعة الحياتيّة” (التي تستعير عقاب الحرمان الكنسيّ) هي الصلة مع من يخالفون الحزب.
– مؤخّراً، انضاف إلى القائمة حزب الله بوليّه الفقيه وأئمته المعصومين (تبعاً لأسباب دمويّة طبعاً) وبزعامته شبه المقدّسة وبتقديسه الموت المسمّى “شهادة”.
هناك بالطبع حالات فرديّة نفرت وتنفر من تلك التجارب المذكورة، وهذه يمكن العثور على مثلها بين الأكثريّة. وللتذكير: لا يزال السنّيّ العربيّ المعمّم عبد الرحمن الكواكبي أشهر اسم أنتجته المكتبة العربيّة في مقارعة الاستبداد و”طبائعه”.
الأقلّيّات، إذاً، لم تعتنق أفكاراً ديمقراطيّة أرقى من تلك التي اعتنقتها الأكثريّة. قواها لم تطوّر تصوّراتٍ تدمج بين تحرّر الأقلّيّة وتحرّر الوطن. بين العلمنة والديمقراطيّة. في مراجعها ومثالاتها لا مكان لتجارب برلمانيّة في بريطانيا أو فرنسا. “الأوراق الفيدراليّة” الأميركيّة صحراء مجهولة عندها. ما استهواها، في المقابل، كان تجارب النقص والتعثّر الديمقراطيّ في ألمانيا وإيطاليا وروسيا، وصولاً إلى بلغاريا وألبانيا، ومؤخّراً إيران. ما خاطبها من الحداثة ليس أبعادها المساواتيّة أو القانونيّة. خاطبتها الحداثة الأداتيّة، أي القوّة والتنظيم فحسب. خاطبها، تالياً، الاستيلاء على السلطة والرهان على تحويل المجتمع بالقوّة ومن فوق.
هذا ما يوضحه أيضاً اللجوء إلى الانقلابات العسكريّة. صحيح أنّ الانقلابات لا تُختَصر في ثنائيّة أكثريّة – أقلّيّة، حيث هناك صعود الفئات الاجتماعيّة الوسطى، وتوسّع الجيوش والإدارات بعد الاستقلالات، والتحدّيات الخارجيّة… لكنْ ليس صدفةً أنّ الانقلاب العسكريّ، كشكل في التغيير، استهوى مغامري الأقلّيّات العسكريّين بنسبة تساوي، إن لم تزد، استهواء مغامري الأكثريّة العسكريّين.
الانقلاب الأوّل في العراق، وفي العالم العربيّ، كان في 1936. منفّذه بكر صدقي كان كرديّاً. رئيس حكومته حكمت سليمان كان تركمانيّاً. الانقلاب كان يستهدف السياسات العروبيّة – السنّيّة لرئيس الحكومة ياسين الهاشمي ولشقيقه وزير الدفاع طه الهاشمي. الهمّ الإيديولوجيّ والسياسيّ للانقلابيّين كان التوكيد على أولويّة الوطنيّة العراقيّة. الهمّ مشروع ومُلحّ. الأداة إليه، أي الانقلاب، غير مشروعة.
في سوريّا، حسني الزعيم الذي نفّذ أوّل الانقلابات العسكريّة، عام 1949، كان كرديّاً. الزعيم سبق أن قاتل مع قوّات فيشي الموالية لألمانيا النازيّة في الحرب العالميّة الثانية.
في لبنان، جرت محاولتا انقلاب فاشلتان: في 1949 انقلب القوميّون السوريّون بقيادة زعيمهم أنطون سعادة. في 1961-2، انقلبوا هم أنفسهم ثانيةً بقيادة ضابطين مسيحيّين هما شوقي خير الله وفؤاد عوض.
هذا كلّه سابق على 1963، حين احتكر البعثيّون الانقلابات “الاشتراكيّة” و”التقدّميّة” في سوريّا والعراق. “اللجنة العسكريّة” التي استولت على السلطة في سوريّا عام 1963 كان تركيبها نموذجيّاً في دلالته.
كون الانقلاب العسكريّ وسيلة التغيير المزعوم يثير مسائل عدّة تحضّ على التفكير والنقاش. لكنّ المؤكّد أنّ هذه “الوسيلة” تُعدم سلفاً كلّ “غاية” فاضلة يعلن أصحابها عنها. لهذا يستحيل من هذه “الغاية” المجهَضة سلفاً أن ينبثق ما “يبرّر” “الوسيلة”.
ما يمكن استخلاصه أنّ شعباً بلا تجربة وتقليد ديمقراطيّين يصعب أن ينتج ديمقراطيّين، لا في الأكثريّة ولا في الأقلّيّات. كلّ طرف منهما يبرّر هربه من بناء الوطن ودمقرطته بطريقته الخاصّة ولغته الخاصّة، لكنّ الاثنين يهربان من هذه المهمّة، وغالباً ما يهربان بالقوميّة، فلا يفضل أيّ منهما الآخر.
معظم حالات الاستبدال الأقلّيّ للأنظمة الأكثريّة احتفظت بأفكار الأكثريّة في ما خصّ القوميّة والعروبة وفلسطين، لكنّها شحنتها بمزيد من الحدّة اللفظيّة كما غيّرت التركيب الطائفيّ للطرف الذي يُفترَض به أن يحقّقها. يصحّ هذا في علاقة البعث السوريّ بحكم الأعيان الدمشقيّين والحلبيّين. يصحّ أيضاً في علاقة “حزب الله” اللبنانيّ بالمقاومة الفلسطينيّة. يصحّ كذلك في علاقة نوري المالكي و”الحشد الشعبيّ” بصدّام حسين (ثنائيّة أكثريّة – أقلّيّة تبقى أشدّ تعقيداً وتداخلاً في العراق، حيث شكّل السنّة، حتّى 2003، أقلّيّة عدديّة وأكثريّة سلطويّة، فيما شكّل الشيعة أكثريّة عدديّة وأقلّيّة سلطويّة).
السجال الشهير في لبنان يوجز هذه الكارثة المُحكمة والعريقة:
الأقلّيّات تقول: نحن المقاومة. نحن نصون شرف الأمّة.
الأكثريّة تردّ: بل نحن المقاومة، أنتم مقاومة زائفة. نحن من يصون شرف الأمّة (حسب شعار أكثريّ شهير عن القدس: “فتحها عمر وحرّرها صلاح الدين”).
ما من أحد ينافس لاحتلال الموقع الأوّل في الديمقراطيّة. شرف الأمّة يبتلع شرف أبنائها ثمّ يتقيّأه.
[video_player link=””][/video_player]

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.