fbpx

“أجازة لمنع التكدس”:
وقائع التمييز الديني ضد مسيحيي مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أقباط مصر ينتمي أغلبهم للطائفة الأرثوذكسية، ويحتكمون في أمور الزواج والطلاق للائحة الأقباط الأرثوذكس، الصادرة عام 1938، لكنهم يخضعون جميعاً لأحكام الشريعة الإسلامية، طبقاً للمادة الثانية من الدستور المصري، التي تنصّ على أن “الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أجازة لمنع التكدس” هكذا وصف رئيس الوزراء المصريّ، مصطفى مدبولي، إجازة عيد القيامة المجيد  باعتباره مجرد إجراء احترازي للحد من انتشار فايروس “كورونا” المستجد، هذه العبارة أحيَت الشعور القبطي المزمن بالتهميش والاضطهاد والتجاهل في مصر، حتى وإن معنوياً، على رغم أنهم – بحسب الأوصاف الرسميّة – “الأخوة” وليسوا طائفة دخيلة على المجتمع المصري. 

والمدهش في التصريح أنه لم يكن مبطناً، إنما أتى تعبيراً علنياً عما يحصل في أروقة الدولة ووراء أبوابها المغلقة، فمصر لا تعترف بحقوق كثيرة للأقباط، فعيد الميلاد إجازة رسمية، ومناسبة معترف بها، فالتفسيرات الإسلامية الشائعة تؤمن  بميلاد المسيح، لكن ليس بقيامته، فلا يمكن اعتبار ذلك اليوم عيداً أو إجازة رسمية. 

الرئيس المصريّ يزور الكنيسة في عيد الميلاد للتهنئة والمباركة، وتتباهى مصر “الرسمية” بتلك الخطوة، كدليل على المساواة والمواطنة، لكنه لا يزورها في عيد القيامة. الأمر ليس مصادفةً، إنما ينطلق من إيمان داخلي بحرمانية مشاركة الدولة عيداً مسيحياً، يخالف العقيدة الإسلامية ولا يباركه المسلمون… فهل يعيش مسيحيو مصر “نصف حياة” حقاً؟

لا يتوقف حرمان الأقباط عند طقوسهم… إنما يصل إلى الكثير من الحقوق الشخصية والمدنية. يتضخّم الحرمان ليصبح تمييزاً كاملاً. لسنوات، كان الأقباط يطالبون بإقرار الأعياد المسيحية باعتبارها أعياداً رسمية، تسمح بإجازات للجميع كما في عيدي الأضحى والفطر، لكن المطالبات تنتهي إلى لا شيء. حتى أن شائعة تسري إلى الآن، يرضي الأقباط بها غرورهم، أو ربما روّجتها سلطات سابقة، لا أحد يعرف، تقول إن الرئيس الأسبق، حسني مبارك، عرض على البابا شنودة، بابا الأقباط، اعتبار يوم القيامة عيداً رسمياً، لكن الأخير رفض حتى لا يلزم المسلمين بعيد يتنافى مع عقيدتهم.

لا أحد يؤكد تلك الشائعة وشائعات أخرى. كثيرون يروّجونها لتبرير ما يواجهه الأقباط يومياً، باعتباره تنازلاً وسماحة وترفعاً من جانبهم، وليس تمييزاً عمره عشرات السنين.

كان ذلك عام 2013، حين قال البابا تواضروس، بطريرك الكرازة المرقسية، إنّ الأقباط يتجهون للهجرة لشعورهم بالتهميش والتجاهل والإهمال من جانب السلطات التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين، ذهب الإخوان وانتهى عهدهم، لكن التهميش والتجاهل لم يزولا.

حتى أعدادهم غير معلنة!

في مقال للكاتب حمدي رزق بعنوان” كم عدد أقباط مصر“، كشف أن التعداد السكاني لمصر لا يهتم بتحديد عدد الأقباط لأسباب سياسية، وأوضح ساخراً “التعداد السكاني الأخير شوق عموم الأقباط وطائفة من المراقبين إلى معرفة العدد الرسمي للأقباط فى مصر، التعداد جاء خلواً من هذا الإحصاء الذي تضاربت الأرقام من حوله لأسباب سياسية ملتحفة فى باطنية البعض بطائفية بغيضة، وقانا الله شر الطائفية ما ظهر منها وما بطن في التعداد السكاني الأخير” .

يثير تعدادُ الأقباط أزمة مستمرة، فعام 2012، أجرت مصر أول إحصاء رسمي لتعداد المسيحيين، عبر جهازها المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وكانت النتيجة أن تعدادهم 5 ملايين نسمة.. كان العدد ضئيلاً لا يرضي الكنيسة، ولا يرضي أحداً، فهي تؤكد أن تعداد الأقباط يتجاوز 15 مليوناً، عبر كنيستها المرقسية، أو على لسان البابا تواضروس، الذي يعلن ذلك مراراً. 

تقدير قبطي تقابله الإحصاءات الرسمية، التي تشير إلى أن نسبة المسيحيين لا تتجاوز 6 في المئة من المصريين في أي حال، فالضخامة العددية التي ترضي الأقباط، تؤلم المسلمين، والدولة.

إقرأوا أيضاً:

للذكر مثل حظ الأنثيين… لماذا يخضع الأقباط للشريعة الإسلامية؟

أقباط مصر ينتمي أغلبهم للطائفة الأرثوذكسية، ويحتكمون في أمور الزواج والطلاق للائحة الأقباط الأرثوذكس، الصادرة عام 1938، لكنهم يخضعون جميعاً لأحكام الشريعة الإسلامية، طبقاً للمادة الثانية من الدستور المصري، التي تنصّ على أن “الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”، فيخضع الأقباط للشروط الإسلامية في المواريث، فيصبح للذكر مثل حظ الأنثيين، على رغم أنه طبقاً للشريعة المسيحية، يتساوى ميراث الذكر والأنثى. 

يصدر إعلان الوراثة، الذي يخضع للشريعة الإسلامية، بقسمة لا تطابق ما يؤمن به المسيحيون في باب المواريث. 

تواصل “درج” مع مسؤول كنسي، اشترط عدم نشر اسمه، لتوضيح سر تطبيق الشريعة الإسلامية في المواريث على الأقباط، على رغم احتكامهم في أمور الزواج والطلاق للائحة الأقباط الأرثوذكس، فقال: “يتم تجاهل هذه اللائحة من دون سبب واضح، وسواء قبل الأقباط الشريعة الإسلامية في الميراث أو رفضوها، تطبقها عليهم المحاكم، وهو ما يدفعهم إلى تقسيمها ودياً”. 

ويرى أن “الدستور المصري في إحدى مواده يمنح المسيحيين حقّ التزام شريعتهم في الأحوال الشخصية”، وهو ما دفع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لإيداع دعوى قضائية، في آذار/ مارس الماضي، لإثبات عدم دستورية إلزام المواطنين المسيحيين بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية في المواريث، وهي الدعوى التي لم يتم الفصل فيها حتى الآن.

ويتهرّب الأقباط من القِسمة الإسلامية باللجوء لما يعرف بـ”القسمة الرضائية” (أي القسمة بالتراضي في ما بينهم)، بعيداً من المحاكم، وبغض النظر عن التقسيم الوارد في إعلان الوراثة، وكثيراً ما يقسم الأب تركته حياً حتى لا يضطر أبناؤه للاقتسام ودياً، أو بالشريعة الإسلامية.

القبطي “ممنوع” من طب النساء والكرة…

هناك، أيضاً، مهن محرَّمة على الأقباط. ليست تلك حالة فردية، إنما اتفاق ضمني، فالقبطي لا يستطيع أن يكون طبيب نساء وتوليد، خوفاً من أن يكشف عورات نساء المسلمين، ويبدأ المنع من الجامعة. 

يُمنع المسيحيون من دخول قسم النساء والولادة في كلية الطب، منذ قديم الزمن ولم يتغير الأمر حتى الآن، على رغم أنّ من أسس هذا القسم في مصر هو نجيب محفوظ باشا، أول رئيس مصري لقسم النساء، ويحمل اسمه الأديب العالمي نجيب محفوظ، لأنه من سحبه من رحم والدته، ولا يزال مستشفى قصر العيني الشهير في القاهرة يضم متحفاً يحمل اسمه تخليداً لذكراه، ولمادته التعليمية المتميّزة، لكن هذا لا يشفع في قبول طلاب مسيحيي الديانة بالقسم.

وكان الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق، أكّد، في تصريح سابق، أن قسم النساء والولادة في قصر العيني خال من الأطباء المسيحيين، ولأنّ كل حادث اضطهاد أو ظاهرة تمييز أو تهميش بحق الأقباط تحمل تراثاً أو تاريخاً مزيفاً أو شائعة، فحين تسأل أحد الطلبة أو مسؤولي القسم حول أسباب عدم انضمام مسيحيين إلى قسم النساء والولادة، تشيع رواية تتناقلها الألسنة عن اضطهاد د. نجيب محفوظ للمسلمين، وتورطه في تعقيم النساء المسلمات، على رغم أنه شارك في ولادة الكثير من المسلمين أيضاً… وكان واحداً منهم أديب نوبل.

ويروي السياسي المصري وطبيب النساء والولادة، د. محمد أبو الغار، شهادته عن استبعاد قسم النساء والولادة الأطباء والأساتذة المسيحيين، ويقول: “كنت شاهداً على العنصرية ضدهم، ومن المعروف أن جميع أقسام أمراض النساء والولادة في جميع الجامعات المصرية، ليس فيها عضو هيئة تدريس مسيحي”.

ولكن كيف تم تجفيف المنابع؟ 

يقول أبو الغار: “التمييز ضد المسيحيين كان واضحاً في الامتحانات الشفوية من جانب بعض الأساتذة، ما يحرمهم الحصول على مركز متقدم في امتحانات البكالوريوس، وحتى الذين يحصلون على مركز معقول يمكّنهم من الحصول على وظيفة (نائب) يخافون من سوء المعاملة، واحتمال عدم النجاح في الدراسات العليا، التي تجعلهم أطباءً متخصصين”.

أُبعد المسيحيون عن قسم النساء والولادة، أو قرر الأساتذة المسلمون إبعادهم باتفاق صوري، المحصلة النهائية هي أن القسم أصبح محرّماً على الأقباط، الظروف التاريخية والتعليمية التي جعلت طوائف من المسلمين المتشددين دينياً يسيطرون على الكليات العلمية أدّت في النهاية إلى استبعادهم، فقد كانت كليات الطب والهندسة طويلاً مرتعاً لذوي اللحى، ومقرات إطلاق التظاهرات التي تطالب بأسلمة الدولة في مناسبات عدة.

لا يختلف ذلك الاتفاق الضمنيّ كثيراً عما يحصل مع الناشئين المسيحيين، الذين يتم استبعادهم من اختبارات كرة القدم من دون قرار رسمي، وتتردَّد دائماً أصداء استبعاد من الملاعب على أساس ديني قادت في النهاية إلى ندرة المواهب الكروية المسيحية في ملاعب الكرة المصرية، فالآن، يخوض لاعب مسيحي واحد منافسات الدوري الممتاز، من بين نحو 540 لاعباً، وروى دائماً على المواقع المسيحية، التي يحكي فيها الأقباط مآسيهم، قصص لاعبين مسيحيين صغار ذهبوا لاختبارات بعض الأندية، ورفضوا بسبب الصليب الذي يزيّن أياديهم، على رغم اقتناع بعض المختبرين بمواهبهم.

تغوّل التشدد الديني وسيطرت الجماعات الدينية خلال عهد الرئيس السادات، وترعرع مدربو كرة آتون من خلفيات ريفية متعسفة دينياً تحكم حتى الآن اختبارات الناشئين، الباب الأوسع لدخول اللاعبين عالم كرة القدم، فكان المعنيون يستبعدون المواهب المسيحية مبكراً من الاختبارات، ويشككون في قدراتهم. حدث هذا في أندية عدة، حتى أن “منظمة التضامن المسيحي” قدّمت تظلماً للاتحاد الدولي لكرة القدم، مسبقاً، تحدث عن وجود عنصرية في الملاعب المصرية، مع تسجيل 25 حالة رفض بسبب الديانة – منذ عام 2007– في أندية مصرية.

شهود يهوه… الطائفة القبطية الساقطة من السجلات الرسمية

وفق التقرير الدولي بشأن الحرية الدينية في مصر لعام 2019، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عبر سفاراتها، هناك طائفة مسيحية لا تتمتع بأي حقوق أو اعتراف رسمي، رغم أنه يجوز للطوائف الإسلامية والمسيحية واليهودية أن تطلب من الحكومة الاعتراف الرسمي بها، الأمر الذي يعطي الطائفة الحق في أن تنظم شؤونها وفق مبادئها الدينية، وأن تمارس شعائرها الدينية وتؤسس دور العبادة وتستورد المطبوعات الدينية.

بإمكان أي جماعة دينية ترغب في الحصول على اعتراف رسمي بها أن تقدم طلباً إلى دائرة الشؤون الدينية في وزارة الداخلية لتقرر الدائرة ما إذا كانت تشكل تهديداً للوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي، وبناءً على ما يتوفر لها من معلومات – بعد استشارة المؤسسات الدينية الرئيسية كالأزهر والكنيسة القبطية – تصدر قراراً. وتفعل أي طائفة ذلك، ما عدا “شهود يهوه”.

“مسيحي” تحتل خانة ديانتهم في بطاقة الهوية الشخصية، لكن مرسوماً رئاسياً قديماً لا يزال يحظر جميع أنشطتهم. ويقول التقرير الأميركي، الذي صدر منذ عامين ولم يتغير شيء مما ورد به، إن القانون المصري لا ينصّ على أي عقوبات بحق الجماعات الدينية المحظورة أو أعضائها الذين يشاركون في ممارسات دينية، ولكن “شهود يهوه جماعة محرومة من الحقوق الممنوحة من الجماعات المعترف بها، مثل وجود دور عبادة خاصة بهم أو ممتلكات أخرى، أو امتلاك حسابات مصرفية، أو استيراد مطبوعات دينية”.

ومن دون أسباب واضحة، وفق التقرير، استجوبت السلطات الكثير من أعضاء “شهود يهوه” بسبب وضعهم كجزء من  “جماعة محظورة”، واستجوب مسؤولو الأمن أحد أعضاء شهود يهوه في صعيد مصر مرتين، وهددوه وعصبوا عينيه وضربوه وصادروا هاتفه المحمول وهويته الشخصية، واستدعى ضباط الشرطة في القاهرة أفراداً من شهود يهوه إلى مكتبهم لاستجوابهم، وفي نيسان/ أبريل 2019، استدعى المسؤولون أحد أعضاء شهود يهوه في المنيا للاستجواب، ولا تزال الاستجوابات مستمرة…

لا يزال عدد الأقباط ضئيلاً في المجالس النيابية… 31 بين 596 عضواً في مجلس النواب، و24 من 300 في مجلس الشيوخ، بنسب لا تتناسب مع التعداد الرسمي، أو التعداد الكنسي. 

تهميش في المجالس النيابية والوزارية

لا يزال عدد الأقباط ضئيلاً في المجالس النيابية… 31 بين 596 عضواً في مجلس النواب، و24 من 300 في مجلس الشيوخ، بنسب لا تتناسب مع التعداد الرسمي، أو التعداد الكنسي. 

تحمل تلك الأعداد مفارقة، وهي أنّ الحكومة المصرية لا تضم سوى وزيرة مسيحية واحدة، هي نبيلة مكرم عبد الشهيد، وزيرة الدولة للهجرة، يضاف إليها حضور المسيحيين المخيب للآمال في المناصب الإدارية العليا ومواقع النفوذ الاقتصادي، وتتضاءل تماماً – بحسب مشاهدات – هذه النسبة في الهيئات القضائية والأجهزة العسكرية.

يرفع الأقباط شعار “وزيرة واحدة متكفيناش“، فالمحاصصة ليست متكافئة، وهو نظام دائم في مصر، بمرور عهود سابقة، إلا أنه الآن يصل إلى ذروته، فقد كان تولي يوسف بطرس غالي في عهد الرئيس الأسبق مبارك وزارة المالية مرضياً، فئات من السلفيين والمشتددين دينياً كانت تسخر من وزير مالية مصر “المسيحي”، لكن هذا كان يوفر ضماناً وغطاءً للعدالة في توزيع الحقائب الوزارية، والأسهم السياسية، فأهم الوزارات في يد رجل قبطي… الدولة تستأمنه على أموالها ونفقاتها، لكن هذا لم يعد حاضراً، وذهبت إلى الأقباط وزارة هامشية، بحسب رأيهم.

ولأن الأقباط يعرفون مدى الظلم، الذي سيتعرضون له، إذا كانت الدولة على علم بأصول أموالهم وممتلكاتهم… غضبت الكنيسة، عام 2012، حين كان يتم تجهيز الدستور لإخضاع أموال الكنائس ومواردها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ليعتبرَ تدخلاً سافراً في شأن كنسي داخلي؛ فموارد الكنيسة تعتبر سر الأسرار بالنسبة إليها. وانتهى الجدل، وقتذاك، بأن تظل ميزانية الكنيسة سراً لا يراقبه ولا يشرف عليه أحد.. لم يكن الأمر احتكاراً من الكنيسة لمواردها أو تهرباً من الضرائب، لكن التجارب السابقة أثبتت أنها تفقد مواردها حال تداخلت معها الدولة كرقيب أو حسيب.

منع بناء الكنائس

ينتظر الأقباط بناء دور عبادة، آلاف الطلبات تصل إلى المحافظات المصرية، المخوّلة إصدار موافقة على بناء الكنائس، لكن، حتى الآن، يحصل عدد قليل للغاية من الكنائس على موافقات، ففي أيلول/ سبتمبر 2017، وافقت مصر على 1412 طلباً من أصل 5415، وفي 2019 تمّت الموافقة على تقنين أوضاع 1070 كنيسة من أصل 4500. 

لا يشعر الأقباط بحرية العبادة، ففي القرى المهمشة والبعيدة لا يجدون كنائس أو دور عبادة، ويصبح على القبطي أن يسير آلاف الكيلومترات، أو يسافر، حتى يصل إلى كنيسة، حتى إن معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط نقل عن الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا للأقباط الأرثوذكس، قوله إن أبرشيته لديها ما يقرب من 150 قرية وحياً بحاجة إلى كنيسة أو مبانٍ دينية. 

وفي كل مرة، تحدث أزمة دينية، يصبح المتطرفون “قادرين على فرض مطالبهم”. أشارت تقارير – طوال السنوات الماضية – إلى إغلاق الحكومة كنائس غير مرخّصة بعد وقوع اشتباكات أو احتجاجات، بخاصة في صعيد مصر، وفي إحدى المناسبات التي تحوّلت إلى اشتباك بين المسلمين والمسيحيين، نشرت أبرشية المنيا، مقطع فيديو وبياناً يشير إلى أن قوات الأمن ساعدت السكان المسلمين الذين يسعون إلى إغلاق الكنيسة. 

تخضع الدولة دائماً للحشود المسلمة، التي تتجمع كثيراً وتردد شعارات وهتافات معادية للمسيحيين، والمسيحية، ولا تتدخل لتفريقهم إنما لإغلاق الكنيسة. وما يزعج الأقباط أنه لا يعاد فتحها مجدداً، تذهب إلى طي النسيان، مع الكنائس التي لم توفّق أوضاعها، وتنتظر حلاً أو قراراً رسمياً. وفي مصر آلاف الكنائس، التي أصبحت جزءاً من الماضي، فباتت مباني غير مكتملة البناء لحين صدور الترخيص، أو مباني مهدّمة يستحيل إصلاحها لعدم حصولها على قرار رسمي بذلك. وفي الحالتين، تنظر الدولة إلى غضب المسلمين من إصلاح كنيسة، أو بناء أخرى، وتهمل الأمر، حتى إن مئات آلاف الأقباط يفتقدون حرية العبادة؛ إذ لا يملكون مكاناً لها حتى الآن

وبحسب منظمة الاهتمام المسيحي الدولي غير الحكومية، تحل الجلسات العرفية محل القانون في الأزمات الطائفية، تحديداً في صعيد مصر، لتصبح علاجاً موقتاً أو تفخيخاً موقتاً للأزمات، وتسفر تلك الجلسات، في أحيان كثيرة، عن تهجير أسر مسيحية، أو إجبارها على تشييد الكنائس خارج قرى تعتبر نفسها “إسلامية”، في ظلّ عدم معارضة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أو قياداتها المشاركة في جلسات المصالحة العرفية، التي ترعاها الحكومة، رغم أنها تخاصم الحريات والقانون. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.