fbpx

حضانة الأطفال في “البازار” الانتخابي العراقي: هل يمرّ تعديل القانون 57؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لاتزال قضايا الأحوال الشخصية في العراق مدار شد وجذب مع محاولات الأحزاب الدينية فرض مقاربات دينية بطريركية لمسائل شخصية، الحضانة واحدة منها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تبدو سارة، السيدة المطلّقة حديثا من زوج “معنّف وبخيل”، كما تصفه، ويمنعها من العمل لتوفير أبسط احتياجاتها، ممتعضة للغاية من الأخبار المتداولة عن تعديل مجلس النواب قانون رقم 57 الخاص بحضانة الأم لأطفالها، ليمنح الطفل بعد سن السابعة للأب أو الجد. بينما ينص القانون الاصلي، قبل التعديلات التي يناقشها النواب، على ان تكون الحضانة للأم بعد الطلاق، إلى أن يبلغ الطفل العاشرة من عمره، ويمكن أن تمدد المحكمة حضانة الطفل الى سن الخامسة عشر من عمره، بعد أن تثبت اللجان القانونية والصحية، مصلحة الطفل بالبقاء مع أمه. 

هذه “كارثة” بحسب سارة، ستدفعها إلى محاولة الهجرة مع ابنها من دون التفكير في العودة، لأنها لا تحتمل فكرة حرمانها من ابنها البالغ من العمر أربع سنوات.

أغراض انتخابية وراء التعديل

القاضي ورئيس هيئة النزاهة السابق رحيم العكيلي يوضح لـ”درج” ان احزابا اسلامية تقف خلف هذا التعديل لأغراض انتخابية وذلك يظهر من خلال توقيت تقديمه ومناقشته قبل أشهر من الانتخابات المقبلة.

وبالنسبة للقاضي رحيم، فان امرار التعديل المقترح سيؤدي الى مشاكل ونزاعات كثيرة: “سنرى ازدحاما كبيرا في ممرات المحاكم بالأطفال والنساء والرجال المتنازعين بقسوة على الأحقية بالحضانة”. 

ومع اقرار الجميع بمن فيهم القضاة والناشطين بوجود مشكلة تتعلق بحرمان كثير من الاباء من التواصل مع اطفالهم وتعمد حرمان بعض المطلقات ازواجهن السابقين من رؤية اطفالهم او حتى التواصل معهم بشكل كاف، فان حل هذه المشكلة يكون بحسب العكيلي “بتعديل أحكام المشاهدة فقط دون المساس بأحكام الحضانة من خلال تمكين الأب من اصطحاب أطفاله ومبيتهم عنده خلال أيام العطل ومنحهم مزيداً من الوقت خلال العطل الربيعية والصيفية، مشيرا الى امكانية تحقيق هذه الشروط من خلال تنظيم أحكام المشاهدة”.

ومع ذلك فإن المعيار الدولي لأحكام الحضانة يوجب المساواة بين الأبوين في الحضانة من خلال الحضانة بالتناوب فإن تعذّرت تكون الحضانة لافضل الأبوين في ضوء مصلحة الأطفال مع ضمان حق الطرف الآخر (الأب أو الأم) في التواصل مع اطفاله ومشاهدتهم في اوقات كافية ومناسبة مع مبيتهم عنده أيام العطل وفي العطلات الصيفية والربيعية.

لكن في العراق كما دول المنطقة لا تنطلق القوانين من فرضية المساواة بين الرجل و المرأة بل هي تعتمد معيار ولاية الأمر غالباً للرجل سواء أكان أباً أم أخاً أما ابناً، وهي تعقد آليات الزواج والطلاق والحضانة والإرث بشكل ما يضع النساء في الخانة الأضعف. من هنا تأتي بعض التعديلات لتكون مجتزئة لأنها تحاول معالجة المسألة من زاوية صغيرة فتقع في تناقضات كبرى كمثل قانون الحضانة والمشاهدة.

يعتقد العكيلي ان الطلاق سيزداد بعد إقرار التعديلات الخاصة بالحضانة، لأن الطلاق بيد الرجال وسوف يسهل عليهم الطلاق ماداموا سوف يحتفظون بالأطفال ولن يتحملوا أعباء مالية ( لا نفقة ولا أجرة حضانة ) أي أن التعديل سيسهل الطلاق على الرجال ويصعّبه على النساء وما بيدهّن حيلة.

 في العراق كما دول المنطقة لا تنطلق القوانين من فرضية المساواة بين الرجل و المرأة بل هي تعتمد معيار ولاية الأمر غالباً للرجل سواء أكان أباً أم أخاً أما ابناً، وهي تعقد آليات الزواج والطلاق والحضانة والإرث بشكل ما يضع النساء في الخانة الأضعف. من هنا تأتي بعض التعديلات لتكون مجتزئة لأنها تحاول معالجة المسألة من زاوية صغيرة فتقع في تناقضات كبرى كمثل قانون الحضانة والمشاهدة.

الطفل وحده الضحية 

توضح الناشطة في حقوق المرأة، ومسؤولة مؤسسة “برج بابل” ذكرى سرسم أن القانون قديم و يحتاج إلى تعديل في كثير من مفاصله، لعدم احتواءه ايضا، على المناصفة بين الأم والأب في الحضانة: “اغلب الأطفال الموجودين في دار الأيتام ليسوا أيتاماً كما يشاع عنهم، بل هم ضحية ابوين قررا الاستغناء عنهم، فأي قانون سيقوم بحماية هؤلاء الصغار ووضعهم في بيئة آمنة؟”. 

ولا تنكر سرسم، إن هناك الكثير من الأمهات المطلقات اللواتي يستخدمن الأطفال كوسيلة للانتقام من الطليق عن طريق حرمانه -بحجة القانون- من رؤية أطفاله لكن في نهاية المطاف لا يمكن، تحت اي ظروف، حرمان طفل من حضانة أمه: “لا أدري كيف يريد البرلمان أن يشرع قانونا يسمح بأخذ الطفل من أمه و هو بعمر السبع سنوات طالما أن أغلب الآباء الذي يطلقون زوجاتهم سيتزوجون مجددا و يتحتم على هذا الطفل أن يعيش مع زوجة أبيه التي لن تكون اكثر حرصا عليه من أمه على الارجح”. 

إقرأوا أيضاً:

البرلمان لا يعرف ماذا يريد

وترى سرسم، ان الأشكالية الكبرى التي تحدث في أروقة البرلمان بشكل مستمر،  هو لجوئهم الدائم الى التعاطي مع مقترحات التعديلات دون دراسة أو بحث أو إستبيان على الرغم من وجود دائرة للبحوث داخل البرلمان: “ما هو دور هذه الدائرة؟ هل هو استلام الرواتب واطلاق القوانين الجديدة دون دراية او بحث؟ وعلى ماذا استندوا؟ جميع  التعديلات تقف وراءها إجتهادات شخصية أو غايات حزبية معروفة”. 

الصحافية المتخصصة في شؤون المرأة والطفل حذام طاهر، تؤكد أن قضية حضانة الأطفال لا يمكن أن تُحصر بمزاجية المسؤولين، فالقانون الصادر عام 1959( قانون عدد 188 المادة 57) وضع بعد دراسة ونقاشات مستفيضة لباحثين وأكاديميين ومختصين بشؤون الأسرة والطفل، ولم يكتب على عجالة، بل تلبية لحاجة الأسرة عموما، وإدراك حق الطفل قبل المرأة في موضوع الحضانة، وبرأيها تكمن المشكلة في وضع ومستقبل الطفل، “فهل من الممكن أن يخضع مستقبله لمزاج الأب أو قاضي المحكمة؟”. تسأل ثم تجيب:  “نحن نعلم أن الأب لا يستطيع رعاية الأطفال ولا يمكن أن يؤدي دور الأم ليس لأنه عاجز بل لأنه في غالبية الأحيان يكون مرتبطاً بعمل والتزامات لا تؤهله للقيام برعاية الأولاد، ما يدفعه إلى ترك أمر التربية إلى طرف ثالث غالباً ما يكون الجدة أو الجد”.

أكثر من حملة قام بها ناشطون مدنيون كان الهدف منها زيادة ساعات المشاهدة للاب، وحقه بقضاء يوم كامل مع الأولاد..

ماذا عن حق الطفل؟

فيما يرى المحامي محمد اسماعيل، ان نسختيّ القانون، الاصلية، والمعدّلة، فيهما نوع من التحيز والتطرف، للاب او الام، من دون الرجوع إلى الطفل والتفكير به، مشيرا الى ان القانون المعمول به فيه نوع من الاجحاف للأب، الذي لا يستطيع رؤية صغاره على مدار سنوات طويلة، إلا مرات معدودات فتكون مهمة الأب هي الإنفاق فقط وعدم القدرة على قضاء وقت جيد لمعرفة أولاده وتربيتهم مع الام. وبرأي اسماعيل، “لا يمكن ابدا ان نطلق حكما جازما على فكرة أن جميع الأمهات قادرات على الحضانة، وأن جميع الآباء ليسوا مؤهلين للتربية، والعكس ايضا، من حق الطفل أن ينشأ في البيئة الأنسب، وفق الضوابط التي يقررها المختصون بعد الكشف عن وضع الأبوين وايهما الاكثر استحقاقا للحضانة”. 

لكن المقارنة بين نسختيّ القانون، الأصلية والمعدّلة، تجعله يميل إلى الإبقاء على القانون من دون تعديلات، فهو أهون الشرّين، ولا يحرم الأمهات من الحضانة، كما تفعل النسخة المعدّلة، إذا ما جرى إقرارها.

إقرأوا أيضاً:

جلبير الأشقر - كاتب وأكاديمي لبناني | 06.05.2024

بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قضيّته 

ظهور حركة جماهيرية متعاطفة مع القضية الفلسطينية في الغرب، لا سيما في عقر دار القوة العظمى التي لولاها لما كانت الدولة الصهيونية قادرة على خوض حرب الإبادة الراهنة، يشكّل تطوراً مقلقاً للغاية في نظر اللوبي المؤيد لإسرائيل.