fbpx

حنان الهق… كان من الأجدى بكِ أن تُقتلي بعد الانتخابات!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في هذه المناسبة الأليمة، لا نطالب بشيء. نتمرّس على التركيز والتذكّر فحسب، لئلا يغلبنا الاعتياد على المصائب الذي عادةً ما يُصحَب ببرمجة الرأس على السير وفقاً لإيقاع ذاكرة سمكة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حوالى 225 ألف ناخب وناخبة مسجّلون في الخارج. ما يناهز الـ60 في المئة منهم أدلوا بأصواتهم خلال عطلة نهاية الأسبوع. “يا نبيه ارتاح ارتاح، برلين صارت شيّاح”. “إذا كنت مع التدقيق الجنائي فلا بد أن تصوّت للتيار!”. “بعد عملية التصويت، لا يحق لأي لبناني أن ينق!”. “في بيروت الثانية الأمور ليست واضحة”. هنا الخبر إذاً. وبين سطوره، يمرّ مرور الكرام مقتلُ حنان الهق، ابنة الـ33 ربيعاً، على يد شقيقها، رمياً بالرصاص، على طريق حوش السيد علي في الهرمل. 

ردود فعل تظهر هنا وهناك، والتعبُ بادٍ على وجهها. بضعة مناشير على وسائل التواصل الاجتماعي تُخصَّص للجريمة، مشكورة. ثمّ لا تلبث تهرع كالمشتاق الهائم إلى الحدث الانتخابي الجلل. لكن مهلاً، دقائق ويتمّ الربط: وقعت جريمتا عنف أسري في نهارٍ واحد! فقد سجّل اليوم نفسه اعتداءً شنيعاً أدّى إلى وفاة أمّ في منطقة الشيّاح ذبحاً، أمّا القاتل فابنُها. 

دقائق قليلة تُخصَّص لها هي الأخرى، ولابنها أيضاً، الذي لا شكّ في أنّه ظُلم بسبب عدم تلقّيه العلاج المناسب لاضطرابه النفسي. “تَكَّسْنا” اجتماعياً وإلكترونياً إذاً. والأرجح أننا لا نملك باليد حيلةً أخرى. ثم لم نلبث نعود إلى همومنا، أو إلى الأرقام الآتية من الخارج وخطابات المهرجانات الصادحة في الداخل، التي من الواضح أنّها لا تعرف معنى “الصمت”. تختار اللاصمت عمداً، لكن من دون أن ترى في معرض ثرثرتها أيّ ضرورة لذكر هؤلاء النساء، أو الـ6 ضحايا اللواتي خطفهن الموت منذ مطلع هذا العام من أنصار إلى عكّار وغيرهنّ ممّن لم تُروَ قصصهن، أو الـ28 اللواتي علمنا برحيلهن خلال عامين، غدراً على يد قريب.

أن تكون عشرات النساء في لبنان قُتلن خلال العقد الماضي نتيجة عنف أسري، لَحقيقةٌ ما عادت تشكّل خبراً جديداً أو مادّةً صالحة للاستهلاك الطويل أو متوسّط الأمد. ما زالت بعض وسائل الإعلام تؤدّي الواجب- والأمر يعتمد على أجندة الأولويات- وما زال الرأي العام ينتفض ضد مسلسل اضطهاد النساء الذي عرف بدايةً فقط، لا نهاية. 

ربما هناك فرصة في أن تنجح الجرائم في استمالة الفضول العام بشكل أوسع، شرط أن تترافق مع بعض التشويق، أو رشّة عشق وخيانة، أو المزيد من التفنّن في وسائل التعذيب والقتل مثلاً. قليلٌ من التطرّف أو الخيال قد يحيي ذكراها من جديد، أليس كذلك؟ لكن لا شيء مضمون. أنتِ وحظّكِ! أمّا التوقيت، فعنصرٌ محوري في تقرير مصير القصّة، إذ لا تكفي عناصر الإثارة وحدها لجذب الاهتمام إلى معاناة آلاف النساء. لذلك، حاولي ألا تُقتلي في بلدةٍ بعيدة، لا سيما في موسمٍ انتخابي صاخب. 

ليلة التاسع من أيار/ مايو 2022، ليلةٌ سيتذكّرها أطفال حنان بوصفها الليلة اللعينة الأولى التي سيمضونها من دون والدتهن، لا بوصفها الليلة التي تلت نهاراً انتخابياً شارك فيه الآلاف ونظّر بشأنه كثيرون. سيدركون فيها أن حياتهم مع ماما انتهت، لأنّ حنان نفسها انتهت. وبعد أسابيع أو شهور، ربما يستوعبون أن مسار الحكم في ملفّها هو الوحيد الذي قد لا ينتهي، إلا بعد سنوات عجاف طويلة. وإذا انتهى وصدر الحكم المنشود، قد لا يُنفّذ، لأنّ “البطل” المرتاح لدرجة اردائه امرأة في وضح النهار وتركها جثةً ملقاة على إسفلت الطريق، يُتقن أيضاً جغرافيّةَ الفرار من المطرقة والبدلة، حاله حال متّهمين كثر يسرحون ويمرحون، غير آبهين بما اقترفت أيديهم بحق نساء عشْنَ حياةً أعلنها نزيفٌ وأنهاها نزيف. 

أمّا مرحلة ما بعد النزيف، فاعتدنا أن تُطبعَ بامتحان الاستحصال على اعترافٍ ما، وعدالةٍ ما، ورادعٍ ما. امتحانٌ أخفق لبنان من ضمن إخفاقاته الكثيرة في اجتيازه، قضاءً ومجتمعاً. فأنصافُ الانتصارات التي تكتفي بكونها أنصافاً لسنواتٍ وعقود، لن تكفي أو تصلح لأن تقتلع عفناً متغلغاً في البيوت كما الأقواس منذ قرون.

ثمّ يقاوم بعضُنا التعب الشديد، وتنافُس الموبقات، ولعبة الأولويات الصعبة، إنصافاً لاسمٍ جديد أُضيف إلى لوائح أسماء الضحايا اللواتي ربّما عَنَتْ، أو لم تعنِ، لهنّ الانتخاباتُ شيئاً، لكنّهن حتماً لن ينتخبن، ذلك أن هناك مَن قضى على أصواتهن إلى الأبد.

في هذه المناسبة الأليمة، لا نطالب بشيء. نتمرّس على التركيز والتذكّر فحسب، لئلا يغلبنا الاعتياد على المصائب الذي عادةً ما يُصحَب ببرمجة الرأس على السير وفقاً لإيقاع ذاكرة سمكة. أمّا العدالة، فيمكنها في ما بعد أن تأتي على شكل مفاجأة سارّة، هي وذاك الشهر الذي سيأتي من دون مرور خبر إعدام امرأة بين سطور الأخبار الأخرى.  

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.