fbpx

“ما فينا نتعلم كلنا… هلأ أخي الصغير عم يدرس”: الانهيار اللبناني يُجبر أطفالاً على هجر التعليم   

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مشكلة عمالة الأطفال لا تقتصر على إهدار الحقوق لمجرد النزول إلى سوق العمل والخروج من فئة جيل الأطفال فقط، إنما تمتد لتشمل شتى أشكال التنمّر والانتهاك والاستغلال المادي التي يكون الطفل عرضة لها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“حلمي بالحياة كلها، إني أدرس…”، يقول أحمد (12 عاماً) فيما يرفع أقفاص خضارٍ ثقيلة بيديه النحيلتين السمراوين. 

لم يُكمل أحمد دراسته، اضطر إلى ترك المدرسة منذ 4 سنوات حتى يتمكّن من إعالة والديه وأخوته الخمسة. “أنا بحب أدرس بس صعبة كتير عليي… ما فينا ندرس كلنا، هلأ خيي الصغير عم يدرس”، يقول فيما يُحاول رفع قدميه عن الأرض ليقتطع كيلو موز لأحد زبائنه من القرط المتدلّي من السقف. 

أحمد (12 عاماً)

يروي أحمد كيف غادر مدرسته منذ سنوات ومارس مهن عدة. تصليح السيارات والدراجات النارية، العمارة، وبيع الخبز والخضار، كلها أشغال امتهنها أحمد ليُعيل أسرته، على حساب طفولته. 

قضينا مع أحمد نحو ساعة في متجرٍ الخضار الذي يعمل به حالياً في منطقة مار مخايل، تلك الساعة كانت كفيلة للتعرف إلى أحمد الذي كبر قبل أوانه. أخبرنا أنه انخرط في سوق العمل منذ سن التاسعة، وأن أجره الآن يُساوي 200 ألف ليرة أسبوعياً أي ما يعادل نحو 7 دولارات، يُسلّمها لوالده عند نهاية كل أسبوع، فيما يحتفظ هو بـ50 ألف ليرة في حصّالته. 

تسكن عائلة أحمد في محلة الكرنتينا في بيروت وهي محلة تعيش فيها عائلات محدودة الدخل وعانت تباعاً كما مناطق لبنانية أخرى من الانهيار المالي والاقتصادي ومن انفجار مرفأ بيروت.

-“حين بدأت العمل كانت الأقفاص ثقيلة جداً وكنت بالكاد أستطيع حملها”.

-“والآن؟”

-“ما زالت ثقيلة، لكنني اعتدت ذلك”، يقول الفتى فيما تظهر على يديه آثار جروح لم تندمل بعد من كثرة الحمل ونقل صناديق ثقيلة سببت ندوباً متكررة في يديه الصغيرتين. 

يمسك أحمد بقلمٍ أتى به من بين أكياس الخضار المعدّة للتلف، ويُحاول كتابة اسمه ليثبت أنه قادرٌ على ذلك. الاسم، المؤلف من 4 حروف، كان أشبه بأحرفٍ تسبح في فضاء حين كتبه أحمد، لكنه كان سعيداً بذلك.

أحمد ليس الطفل الوحيد الذي يضطر لأن يكبر قسراً والعمل لـ12 ساعة يومياً أو أكثر. هذه القصة هي عينة من حكايات آلاف العائلات الفقيرة التي عمدت إلى إقحام أطفالها في سوق العمل مبكراً، إذ فرضت الظروف على عاتق الأطفال مسؤولية مساعدة أولياء أمورهم. شقيق أحمد (15 عاماً) يعمل كمساعد لأحد النّجارين في بيروت أيضاً، وذلك كي يتمكن الأشقاء الأصغر سناً من الذهاب إلى المدرسة، وفق أحمد، فالدخل البسيط المتاح لا يسمح بأن يحصل جميع الإخوة على التعليم، فكان الخيار أن يتعلم الأصغر ويعمل الأكبر. 

إقرأوا أيضاً:

أطفال في المتاجر ومحال الميكانيك وقرب مستوعبات النفايات…

منذ أسابيع، قالت “منظمة الأمم المتحدة للطفولة – يونيسيف” إنّ “مستقبل الأطفال في لبنان على المحك”، إذ ارتفع عدد الأسر التي أرسلت أطفالها إلى العمل من 9 إلى 12 في المئة، في حين أنّ 53 في المئة من الأسر لديها طفل واحد على الأقل فوّت وجبة طعام، كما أنّ ما بين 3 و10 أسر خفّضت نفقات التعليم.

ما حذّرت منه المنظمة ليس مجرّد أرقام، إنما هو واقع أحمد وشقيقه ومئات الأطفال الذين انتُهكت مرحلة طفولتهم وهُدرت حقوقهم، لا سيما مع انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار وتردّي الوضع الاقتصادي إلى مستوى لم يشهده لبنان من قبل. 

وفق أخصّائية حماية الأطفال في منظمة “أنقذوا الأطفال – Save The Children” فرح بربر، “لا يوجد إحصاء دقيق لعدد الأطفال العاملين في لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة، لا سيما أنّ هناك نوع جديد من العمالة لا يزال غير واضح وليس مُدمجاً ضمن عمالة الأطفال”. والمقصود بـ “النوع الجديد” من عمالة الأطفال ممارسة هؤلاء لمهن لم تكن توكل إليهم قبل حلول الضائقة الاقتصادية الراهنة، كتحوّلهم إلى “مساعدين” لأهلهم في أشغالهم، أو مشغّلين لسيّارات الـ”إكسبرس”، وإلى ما هنالك من أشغال “مستحدَثة” تُلقى على عاتقهم. عدا تلك التي يمارسونها عادةً، والتي تقول رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال في وزارة العمل نزهة شليطا إنها تتوزّع على القطاع الزراعي والمتاجر، إضافةً إلى الميكانيك وجمع النفايات.  

إنّ تغيّر أشكال هذه العمالة أدّى، كما تؤكّد بربر، إلى ارتفاع نسبة الأطفال العاملين في السنوات الأخيرة. كما شهد سوق العمل أطفالاً أصغر في العمر، وقد زادت نسبة الفتيات العاملات، ونسبة الأطفال اللبنانيين.

المشكلة بتطبيق القانون!

شكلياً، يتضارب عمل الأطفال مع القوانين اللبنانية والاتفاقيات الدولية الراعية لحقوق الطفل التي وقّعتها السلطات. إذ حظرت المادة 23 من قانون العمل، بصورة مطلقة، “استخدام الأحداث قبل إكمالهم سن السادسة عشرة في الأعمال الخطرة بطبيعتها أو التي تشكّل خطراً على الحياة أو الصحة أو الأخلاق بسبب الظروف التي تجري فيها”. كما يُحظر تشغيل الأحداث الذين يقلّ سنّهم عن الثامنة عشرة في الأعمال التي تشكّل خطراً على صحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي الواردة في المرسوم رقم 8987 لسنة 2012.

قد صادق لبنان على اتفاقيات العمل الدولية المتخصّصة بالقضاء على عمل الأطفال لا سيما الاتفاقية 182 التي “تحظر استخدام الأطفال في أسوأ أشكال العمل” والتي حدّدتها بالعمل الجبري والقسري والنزاعات المسلحة والأعمال الإباحية، والمخدرات.

في هذا السياق، تقول المحامية ميسا سليمان إنّ مشكلة الالتزام بمكافحة عمالة الأطفال في لبنان لا ترتبط بالشقّ النظري. إذ “تُعتبر معايير القانون اللبناني جيّدة فيما يخصّ مكافحة عمالة الأطفال، فالقانون خضع للتعديل وطُوّر عدّة مرّات بما يتناسب مع المعايير الدولية، كما وقّعت السلطات اللبنانية على اتفاقيات محلية ودولية تحمي الأحداث، منها اتفاقية حماية الأحداث واتفاقية مكافحة العمل الجبري”، وفق سليمان.

تُعيد سليمان المشكلة إلى تطبيق تلك القوانين. على الصعيد الأوّل، لا تمتلك الدولة القدرات اللوجستية والمادية الكافية للحدّ من عمالة الأطفال. ففي “وحدة مكافحة عمالة الأطفال” مثلاً، لا يوجد عدد مفتّشين كافٍ لتطبيق البرنامح المخصّص للحدّ من عمالة الأحداث، وفق سليمان. وعلى صعيدٍ آخر، فإنّ غياب السطوة القانونية على مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين تجعل توثيق الحالات وإعداد تقارير إحصائية مهمّة شبه مستحيلة. إذ إنّ “أغلب الأحداث العاملين في المخيّمات غير مسجّلين، كما أنّ الأعمال التي يمتهنوها غير مسجّلة أيضاً”، وفق ما روته سليمان لـ”درج”.

يُعيدنا ذلك إلى تقصير السلطات اللبنانية بحماية الأحداث. إذ إنّ غياب الدولة عن تنظيم العمل وأوجهه يُشكّل بيئة حاضنة لعمالة الأطفال. وما من حلّ إلا بلعب الدولة دورها التفتيشي كخطوةٍ أولى.

في الحلول، توضّح سليمان أنّ تفعيل دور المنظمات الدولية، لا سيما الـ”يونيسيف” أساسي، إذ لا يكفي أن يقتصر ذلك على عقد دورات تدريبية، إنما يجب أن يقترن بتمويل مادي يشمل التعليم المجاني ومستلزماته، خصوصاً لدولةٍ كما لبنان، تُواجه أزمة معيشية حادة.

وفي سياقٍ متّصل، يؤكّد المسؤول عن مكافحة عمالة التعليم في جمعية URDA محمد عبدالعزيز أنّ للجمعية دوراً في تعليم الأطفال وإخراجهم من سوق العمل عبر مشاريع عدّة. ويوضّح عبدالعزيز أنّ تلك المشاريع تستهدف أولّاً توعية الأهل، ومن ثمّ الأطفال، حول أهمية التعليم، كما أنها تتطوّر لتُدخل أطفالاً إلى المدارس. إذ ساعدت الجمعية 1150 طفلاً في منطقة عرسال فقط، من أجل ترك العمل والذهاب إلى المدرسة. وذلك يتضمّن قسط المدرسة وكافة التكاليف بما فيها التنقلات والقرطاسية. أمّا عن المناهج التدريسية غير النظامية، فقد حوّلت الجمعية باصات إلى مدارس متنقّلة في الأرياف اللبنانية، وهي متاحة في أكثر من قرية لتعليم الأطفال عبر برامج محو أمية، وفق ما أكّده عبدالعزيز. 

مشكلة عمالة الأطفال لا تقتصر على إهدار حقوق هؤلاء بمجرّد دخول سوق العمل والخروج من فئة الأطفال فقط، إنما تمتدّ لتشمل شتّى أشكال التنمّر والانتهاك والاستغلال المادي التي سيكون الطفل عرضة لها. كما أنّ احتكاك الأطفال بمجال العمل يُشكّل بيئة جاهزة لانحرافهم في كثير من الأحيان، وهنا باب إضافي يخفي خلفه مستقبلاً كاحلاً لأطفال لبنان.   

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.