fbpx

جلّادٌ يعيد السياط في القرن الحادي والعشرين…
من يحقق العدالة لضحايا العاقورة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اليوم نجلس انا وانت وهنّ وهم نفكر بتحقيق العدالة لضحايا العنف الممنهج دون طلبها من مسبب هذا العنف ومكرسه، نفكر بعقاب للوحش دون إعادة إنتاج العنف نفسه. المهم أن نقاوم، أن نستيقظ كل يوم وندفع إلى الأمام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“مشان الله لاء”، “كرامة النبي خلص”، بضع كلمات في 10 ثوان، صراخ لا يقاطعه إلا صوت السوط ودقات قلبك وأنت تشاهد. لن تصمد الّا لثوانٍ، تتمنى فيها أن تسمع كلمة “كات” فيكون المقطع تمثيلاً، أو أن يوقظك أحد من كابوس درامي عن انحدار البشرية، ثم تأخذ  ثواني أخرى لتستعيد نَفسك ولون وجهك المخطوف، تلملم قدرتك على الحركة والنطق، ولن تستطيع. 

انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه عمّال ومراهقون من الجنسية السورية واللبنانية يتعرضون “للجلد” والتعذيب والإذلال، في فمهم رؤوس بطاطا وهم شبه عراة مكبلي الأيدي، أكل السياط من جسمهم لحماً وبصقه دماً. دقيقة واحدة، ولن تعود كما كنت أبداً، ما إن تستوعب المشهد ستتقيأ غالباً، أو تُشلّ لبضعة دقائق حانقاً مستنكراً. سيمر في بالك أن تساهم في نشر الفيديو كوسيلة ضغط على المعنيين بالتحرك والمحاسبة، ثم ستأخذ نفسًا وتقرأ أن الجهات المعنية قد تكون متورطة في الجريمة، ثم ستقرأ بياناً لقوى “الأمن” يوضح  أن خلفية الحادثة هي سرقة 100 مليون ليرة وأن التحقيق سيتخذ مجراه بعد سماع شهادة “المعتدي”. ستجلس بعدها الى جانبي بعدما جلست بدوري الى جانب من سبقني، نفكر ما الذي فعلناه حتى نستحق هذا كله؟ 

البشرية أخطأت منذ وجدت، آلاف السنين من مراكمة الأخطاء والتجارب وعدم التعلم منها، تاريخ من العبودية والحروب والإفقار والمجاعات والأمراض والعنف والدمار والرجعية، وما زلنا نثقل الكفّة. الآن أصبح طريق العودة شبه مستحيل، يقول البعض ولا يُخطئ. لكن شبه المستحيل ليس مستحيلاً، ولا نقول بدوافع وهمية، وأملنا هذا لا يشبه أمل فيروز “وما بيطلع من ملل”. لكن عندما يستفحل “الشر” ويدفع بنا الى الوراء، الى الهمجية، لا بد لنا من الدفع في الاتجاه المعاكس. آلاف السنين مضت، ولم نتعلم أن العدالة لا تُطلب من مؤسسات الدولة الابوية المسلطة على رقابنا والتي تشكل انعكاساً لحقيقة الدولة العنيفة أصلاً. لا تستطيع مؤسسة تكرّس العنف وتعيد انتاجه، أن تحمينا منه. ما حدث في العاقورة ليس حدثاً فردياً، بل هو نتيجة السياسات والخطابات العنصرية والطبقية الناتجة عن الدولة نفسها، لذا لا يمكن أن تحقق مؤسساتها العدالة للفقراء والمهمشين. 

تصوّر الدولة لمفهوم العدالة لا ينصف ضحايا العاقورة، بخاصة أن القضية ستؤخذ إلى الحيز الخاص وستخرج من السياق السياسي العام وستتم محاولة إغلاق الملف بأقل ضجة ممكنة، وستحاول مؤسسات الدولة إيجاد ثغرة قانونية تخفف حكم المعتدي (حاولت فعل هذا بحجة السرقة)، وسنشهد أفعالاً مشابهة قريباً إذا لم نعمل على حل أساس المشكلة لا نتائجها. والمشكلة هي أن رب العمل ينظر إلى العمال كملكية خاصة، هو الوصي على حياتهم يحق له التحكم فيهم والتعدي عليهم و”تأديبهم”، تماماً كما يعامل الرجال نساء عائلاتهم، وتماماً كما يتم التعامل مع العاملات الأجنبيات، وكل هذا ما كان ليكون ممكناً لو أن الدولة لم تكرسه، الدولة نفسها تلعب الدور الحامي ثم تنتظر منا أن نلجأ إلى قوانينها ومؤسساتها. 

عندما شاهدت الفيديو سألتني صديقتي: “كيف هني عشرة وهو واحد وما عملوا شي؟ “. 

سؤال منطقي، لو أن المنظومة الابوية لم تُكرس منذ سنين طويلة الامتيازات الجندرية والعرقية والطبقية، التي حصنت أصحابها اقتصادياً واجتماعياً، ما يساعدهم على الإفلات من المسؤولية. لم يكتفِ جلاد العاقورة بارتكاب الاعتداء بل وثقه بفيديو متفاخراً بفعلته هذه. واليوم نجلس انا وانت وهنّ وهم نفكر بتحقيق العدالة لضحايا العنف الممنهج دون طلبها من مسبب هذا العنف ومكرسه، نفكر بعقاب للوحش دون إعادة إنتاج العنف نفسه. المهم أن نقاوم، أن نستيقظ كل يوم وندفع إلى الأمام.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.