fbpx

لبنان: هل تسعف الحرب الجائعين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الجوع لا يميت. إنه شكل من أشكال المأساة التي نخضع لها ولا نملك حيالها إلا اللعنة. لكن الحرب هي من تفضي إلى موت لن يسعف الجائعين حين يقع عليهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 أناط الدستور اللبناني إعلان الحرب برئيس الجمهورية. لكن قراراً  كهذا لم تحفل به سيرة أي من أصحاب الفخامة الذين تعاقبوا على رئاسة جمهوريتنا.

 وحده ميشال عون فعل هذا في العام 1990، ولكن كرئيس لحكومة عسكرية، وضد الجيش السوري.

     في خطابه الأخير، بدا أمين عام “حزب الله” كمن يباشر إعلان حرب لا تتقاطع بـ”صراحتها” مع التباس مثيلتها التي وقعت في تموز/ يوليو من العام 2006، والتي كان حديث نصرالله يتزامن مع ذكراها السادسة عشرة.

    ونصرالله، وهو يباشر رؤيته الخلاصية الراهنة للبنانيين بالحرب مع “إسرائيل”، يباشرها في عهد “الرئيس القوي” ميشال عون المناط به دستورياً حق إعلانها، وهي واحدة من المفارقات التي تتزاحم في مسيرة عون منذ ثمانينات القرن الماضي، حتى اليوم. 

  واللبنانيون عموماً لم يكونوا في حاجة إلى خطاب نصرالله ليكتشفوا من الأقوى، بعد إطاحة نصرالله بسِمة القوة التي ألصقها الجمهور العوني برئيسه منذ فرضته أصلاً قوة “حزب الله” رئيساً علينا في العام 2016.

   وحده أمين عام “حزب الله”، إذاً، يملك قرار الحرب(والسلم؟). ووحده أيضاً يملك القدرة على تجاوز موقف اللبنانيين منها. وهو أيضاً من يشيح باهتمامه عن الدستور، وعمن أُنيط به هذا القرار، والذي يخضع راهناً لـ”ثمن” ترئيسه جمهورية الحروب المفتوحة.

     وحين يقدم أمين عام “حزب الله” رؤيته لخلاصنا، يفرضها بمعزل عن الالتباس الجغرافي الذي يتحمل مآله اولاً رئيس الجمهورية بعدم توقيع المرسوم 6433، حتى ونحن أمام “إسرائيل” لا تبحث عن ذرائع للاعتداء. 

    لكن الذريعة التي شكلت متن خطاب نصرالله في المفاضلة الأليمة بين الجوع والحرب، ودرء الأول بالثانية، يسهل ردها بما هو أقل من وطأة الحرب، هذا إذا أُتيح للمرء محاكمتها، من دون إسقاط حقنا بالنفط والغاز وفق معايير تفترض أن يكون الرئيس القوي هو من يملك قرارنا، ليكون أيضاً حرياً بقوته.

    يجري درء الجوع إذاً، بحرب يمكن ان نعرف كيف تبدأ، ولا نعرف كيف تنتهي. وهو ما سيراكم على الأرجح مآسٍ فوق الجوع، ما قد يجعل الترحم على الأخير ملاذاً، لا سيما أن القطع بمآل مفاضلة نصرالله ليس حاسماً، وهذا طبعاً إذا  سلَّمنا لحزب الله” أن يتبوأ سدة الحرب.

   لا بأس هنا بتشريح خطاب نصرالله. 

أغلب الظن أن استحضار الأخير للحرب لا يمكن تسييله من دون الموافقة الإيرانية، وتحديداً هذه المرة. وهو حال إسرائيل أيضاً.

  حزب الله وإسرائيل أسيرا لغة الحرب دائماً، لكنهما راهناً لا يملكان بالمطلق مباشرة فعلها. هناك إيران والولايات المتحدة الأميركية. وحرب “بمنازل كثيرة” كما هو مرجح إذا وقعت، يكثف من عسر هذه المباشرة. إنها حرب ستكون مفتوحة على وقائع ستصيب إيران نفسها، كما الوجود الأميركي في المنطقة. هي حرب إن وقعت ستكون غالباً فرصة اسرائيل الوحيدة لتحقيق أهم أهدافها المتمثلة بضرب المفاعلات النووية في إيران، ما يعني أن الأخيرة تنساق ملزمة إلى حرب لا تريدها غالباً، ولن تعطي مفتاحها إلى أحد، حتى “حزب الله”. الولايات المتحدة الأميركية أيضاً لا تزال تلجم الرغبة الإسرائيلية على وقع التفاوض النووي مع إيران، وزيارة رئيسها إلى المنطقة.

ا

    خطاب حرب يُفضي إلى أن وقوعها ليس بالضرورة حتمياً. وفي حالة “حزب الله” وإسرائيل ما يبعث على شيء من الاطمئنان، هو أن هكذا مقاربة تشي وقائع كثيرة باستعصاء حتميتها. اغتالت إسرائيل عماد مغنية ولم تقع الحرب، وتضرب بشكل متواصل منذ سنوات “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني في سوريا، وفي الداخل الإيراني، والحرب في سبات، فيما خطابها يستعر. نحن غالباً لسنا في حضرة الحرب، لكننا دائماً على ضفافها لأن هناك من يريد لنا، ورغماً عنا، ان نعيش اقداراً يملك قرارها، كـ”حزب الله” وإسرائيل، ونخضع يومياً لآثارها التي تتفاوت بمراحل بين ما يقع علينا، وما يقع على الإسرائيليين.

   كان أمين عام “حزب الله” وهو يخيّر اللبنانيين بين الجوع والذل، أو الموت بالحرب، منتبهاً بلا شك إلى أن المأساة الأولى هي صنيعة منظومة تدين لحزبه بالكثير في حمايتها وتمكين سلطتها علينا في العقد الأخير. والجوع الذي يحاول السيد نصرالله أن يبدده بخطاب الحرب، كان أولى به أن يجنبنا إياه وهو يعوِّم أركان هذه المنظومة.

  لشهرين إذن، سيعيش اللبنانيون، كما الإسرائيليون، على وقع كلام نصرالله الأخير. هل تقع الحرب؟ أغلب الظن أنها لن تقع، لكنها دعوة إلى استعجال تسوية تُجنّب كل الأطراف المعنية بملف الترسيم في الداخل والخارج هذا المآل المفترض، وتحفظ لـ”حزب الله” تمديد مفاعيل “قوته” في لبنان، وعليه.

  عموماً، الجوع لا يميت. إنه شكل من أشكال المأساة التي نخضع لها ولا نملك حيالها إلا اللعنة. لكن الحرب هي من تفضي إلى موت لن يسعف الجائعين حين يقع عليهم.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.