fbpx

بين “حَمّام سخن” و”كيرة والجن”… التاريخ كما كتبه الرجال!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ألا تستحق حكايات النساء أن تُروى؟ لوقتٍ طويل كان حماة الثورة يرفضون فكرة أن هناك نساء تعرضن للتحرش في ميدان التحرير، حتى لا تُلوث فكرة يوتوبيا الميدان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تصيبني جملة “التاريخ يكتبه المنتصرون” بالنفور. تبدو لي جملة كسولة فهناك سرديات كثيرة للتاريخ، لمن يبحث عنها، لكن معظمها كُتب من منظور الرجال. من يُخلَّد دائماً هم الرجال، لا أحد يهتم  بنقل حكايا النساء، حتى هؤلاء اللواتي كن في الصفوف الأمامية للمعارك والأحداث، لا نستمع لحكاياتهن، أو لم تكن تتاح لهن فرصة البوح، أو كما تقول سفيتلانا أليكسييفيتش في كتاب “ليس للحرب وجه أنثوي” كل ما نعرفه عن الحرب نعرفه من “صوت الرجل”، نحن جميعاً أسرى تصورات الرجال وأحاسيسهم عن الحرب، أسرى كلمات الرجال، أما النساء فيلذن بالصمت.   

تقول روزاليند مايلز في كتاب “من طبخت العشاء الأخير؟ تاريخ العالم كما ترويه النساء” متعجبة، “من طبخ العشاء الأخير؟ إن كان رجلاً، ألن يُخصَّص له يوم بين أعياد القديسين، ويصبح شفيعاً للطهاة المشهورين؟! أسئلة كهذا السؤال أوقعتني في المشاكل منذ أيامي الأولى في المدرسة، حين بدا لي آنذاك أن التاريخ- مثل كل شيء آخر في العالَم- هو تاريخ الذكور”. 

عندما نستمع لسردية ثوار يناير عن الثورة على سبيل المثال، سنجد أننا نستمع دائماً لوقائع الثورة من منظور الرجال، أو أن رؤية الرجال تكون طاغية على المشهد، الرجال الذين يقفون في الصفوف الأولى، يدافعون عن النساء، يحمونهن من الاعتداء، يطلبون منهن العودة إلى البيت مبكراً، حتى لا يشكلن عبئاً عليهم في الميدان، وبذلك يعيدون رسم المنظومة الأبوية بنسخة ثورية.

والسؤال هو ألا تستحق حكايات النساء أن تُروى؟ 

لوقتٍ طويل كان حماة الثورة يرفضون فكرة أن هناك نساء تعرضن للتحرش في ميدان التحرير، حتى لا تُلوث فكرة يوتوبيا الميدان. 

حتى وقت الثورة عندما تحدثت النساء عن حوادث العنف الجنسي في الميدان، أو كن شخصيات ثورية، كن يُتهمن بأنهن عميلات للأمن، أو أنهن يشتتن انتباه الثوار عن القضايا المهمة، أو توصف قضايا النساء بأنها “عصفورة” بالمصري، الغرض منها تعطيل مسار الثورة عن الهدف الأسمى وهو مواجهة الدولة. وجدير بالذكر أن بعض المسيرات النسائية التي حدثت وقت الثورة، هوجمت بعنف.

 في السنوات القليلة الماضية بدأ الاهتمام بتوثيق الشهادات حول العنف الجنسي الذي شهدته النساء في الفترة بين 2011-2013، لكن ما زلنا بحاجة لقراءة نسوية لكل الأحداث التاريخية المعاصرة على الأقل.

في فيلم “كيرة والجن” الذي يدور في فترة الاحتلال الإنكليزي لمصر، تُروى قصة تنظيم مسلح لم يهتم المؤلف أو المخرج بوضع اسم له، أُطلق عليه المقاومة، يستهدف أفراداً من الجيش الإنكليزي، وهو تنظيم هرمي، على رأسه ذكر بالطبع هو كريم عبد العزيز، أو كيرة، هو من يضع ويرسم الخطط، ويحاسب زملاءه، ثم يأتي بقية أفراد التنظيم، سيد رجب، وأحمد مالك، وعلي قاسم، وثلاث سيدات، لم نعرف الكثير عن حياتهن، أو ظروف انضمامهن للمقاومة، وُضعن بنظام الكوتة في الفيلم، يمسكن السلاح، لكن أيضاً يقمن بتحضير الطعام على طاولة الغداء، وتخيط إحداهن قميص زميلها، وهي هند صبري- والتي يرمز دورها للحركة النسوية على حد قولها- ترسيخاً للأدوار النمطية للأنثى. ثم ينضم إلى المقاومة أحمد عز أو الجن، الذي حمل الفيلم اسمه مع البطل الآخر كيرة، وبطلا الفيلم هما من الكائنات الخارقة، لا يخترق الرصاص جسديهما، لا يخشيان الموت، ولا النار، ولا الحديد، باختصار ليسا بشراً عاديين.

على الناحية الأخرى كنت أتمنى أن يسرد المؤلف قليلاً كيف استطاعت دولت فهمي أو هند صبري، أن تترك قريتها في الصعيد وتعمل في القاهرة، وتنضم للمقاومة، كما عرفنا لماذا انضم كيرة والجن للمقاومة. الشيء ذاته بالنسبة إلى لارا اسكندر التي قامت بدور فتاة أرمينية، أو هدى المفتي، التي قامت بدور راقصة، تساعد المقاومة في اصطياد العساكر والضباط الإنكليز، لكن لا نعرف الكثير عن أي أحد، ربما لم يجد المؤلف مناسبة للحكي. فتُذكر النساء في الحكايات التاريخية، بطريقة “ضع النساء ثم قلّب”، لكن البطل دائماً هو الذكر، هو الفاعل، وهو من يروي الحكاية، ففي كل الحروب يكون الذكر هو البطل الذي يدافع عن الأرض، والبلد التي هي أنثى بالطبع.

وما أقصده بحكايات النساء ليس التحدث عن العنف الجنسي، على أهميته، وحسب، إنما سرد التاريخ من وجهة نظر النساء، كيف رأت النساء الحرب، أو الثورة، حكاياتهن، ومشاعرهن، وتأثير هذا الحدث المهول على حياتهن، مخاوفهن، وآمالهن، وأحلامهن، التي تختلف بالطبع عن الرجال، وبالمثل لا يمكن اعتبار النساء كلهن فئة اجتماعية واحدة، فعندما تحكي النساء من المهم أيضاً سؤال من تحكي؟ من أي طبقة؟ وهل هي ممثلة لنساء أخريات أم لا؟

في فيلم “حمّام سخن”، الذي كتبت له السيناريو رشا عزب، وأخرجته منال خالد، نستمع لحكايات نساء وقت ثورة يناير 2011، اسم الفيلم بالإنكليزية “trapped” أي مُحاصَر، وهو يحكي عن مجموعة نساء عَلقن في أماكن مختلفة في الأيام الأولى لثورة يناير، وهو بطولة كارولين خليل، ورجوى حامد، وريم حجاب، وثراء جبيل.

يتحدث الفيلم عن سيدات عاديات، مهمشات، نساء نراهن في الشارع، لم نعرف ماذا حدث لهن في  الثورة، ماذا فعلن وقت انقطاع الاتصالات يوم 28 كانون الثاني/ يناير أحد الأيام المهمة في الثورة للاطمئنان عن أبنائهن، كيف ذهبن إلى العمل يومها، كيف كن يرين الثورة؟

وكيف تقاطعت مصائر نسوة لم يكن ليجتمعن لولا الثورة، نسوة يعانين جميعاً من “صاحب الوش العكر”.

تقول مؤلفة الفيلم رشا عزب، إن أهمية حدث مثل ثورة يناير أنه يجلب إلى السطح أناساً عاشوا دائماً في الخفاء.

 يروي الفيلم قصص هؤلاء النساء، ومشاعرهن، ومخاوفهن، النساء اللواتي يناضلن فقط من أجل الخروج من المنزل، والشابات  اللواتي يخفن مثلنا من أمهاتهن أكثر مما يخفن من سيارة الشرطة، اللواتي يهربن من الأمن ويتعرضن للتحرش، لم يقدم الفيلم النساء على أنهن ضحايا فقط، لكن  كمؤثرات في الثورة.

الحكي مهم كي لا تُمحى الذاكرة، من المهم أن يحكي الجميع، رؤيتهم للحدث، وللتاريخ، سواء كانوا معارضين/ ات أم مؤيدين/ ات، ونحن بحاجة لسماع حكايات النساء اللواتي ظللن محاصرات في البيوت، وأسيرات سردية الرجال عنهن، في التاريخ، وفي السينما، وحكايتهن لن يستطيع أحد سردها سواهن.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.