fbpx

قفص بلا أثاث: عن الزواج في زمن الحرب السورية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“زوجي يعتمد على الزراعة في معيشته، ونتيجة الجفاف وقلة الأمطار لم يحصل على أي مردود من أرضه، لذا قررنا الاستغناء عن الكثير من الضروريات، واكتفينا بشراء سرير وخزانة صغيرة وغرفة معيشة، إضافة إلى غسالة وبراد مستعملين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تكاد تجتمع الأحاديث في كل مكان حول الأزمة الاقتصادية التي تعصف بسوريا، وطالت كل شيء، لدرجة أن تأمين وجبات الطعام اليومي بات من الرفاهيات. 

صار من الصعب تأمين أبسط مقومات العيش. الأسعار في ارتفاع مستمر، لكل المواد المعروضة في الأسواق، ومن بينها مستلزمات تجهيز المنازل، والتي لا يمكن التغاضي عنها أو تأجيل اقتنائها، بخاصة الضروري منها. مع ارتفاع الأسعار التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة عَزَفَ كثيرون عن فكرة الارتباط أو مجرد التفكير بتغيير الأثاث القديم  أو حتى تعويض القطع التالفة.

أدت الحرب إلى تغيرات عميقة في بنية المجتمع في عموم محافظة الحسكة السورية، لتخلق معها تفاوتا مريباً في المقدرات الشرائية، وفقاً للطبقات التي تنتمي إليها تلك الشرائح الاجتماعية- الاقتصادية. حيث تضعضعت الطبقة الوسطى التي تعتبر أساس عمليات البيع والشراء، لتجد نفسها ضمن طبقة المسحوقين مالياً وهم الغالبية العظمى.

هناك هوة عميقة تفصل المعدمين والفقراء الجدد عن طبقة فاحشي الثراء الذين برزوا في السنوات الأخيرة وارتبط ظهورهم بأنشطة مشبوهة كتهريب الدخان والتحكم بتجارة الحديد والإسمنت والمواد الغذائية ومواد البناء واحتكار التجارة. 

يقول حسن محمد (33 سنة) وهو عامل في أحد مطاعم القامشلي: “عام كامل وأنا أدّخر من راتبي الذي لا يتجاوز دولارين في اليوم، لكن الارتفاع الدائم في أسعارها تجعلني عاجزاً عن شراء ما يلزمني لفرش غرفة في منزل والدي للزواج، فسعر غرفة النوم يتجاوز 600 دولار أميركي وهو من النوع العادي جداً، وهذا المبلغ صعب أن أجمعه من راتبي”، مضيفاً “أخبرني النجار أن تلك النوعية تتعرض للتقوس، والتسوس، والتلف بعد أقل من عام ونصف العام إلى العامين، هذا حالي وأنا أنوي العيش في منزل والدي، فكيف بمن يرغب أن يستأجر منزلاً بسعر لن يقل عن 50-100 دولار شهرياً، فالغالبية لا تتمكن من شراء منزل نظراً للارتفاع  الضخم في أسعار العقارات”.

جال معد التقرير على بعض صالات العرض المخصصة للأثاث المنزلي، حيث تكلفة فرش غرفة النوم، وصالون استقبال الضيوف، وغرفة “القعدة” كما يسميها السوريون، وتجهيز المطبخ وغيره من المستلزمات، في حدها الأدنى ودون مستلزمات الزينة و..إلخ تكلف قرابة 12- 14 مليون ليرة سوري، أي ما يقارب 3500 دولار، وهي من النوع الأقل من الوسط من حيث الجودة والنوعية. 

يقول ديار صاحب معرض لبيع الأدوات المنزلية والكهربائية والمفروشات، “بضاعتنا شعبية وليست من النوع الفاخر باهظ الثمن. تجهيز غرفة استقبال يكلّف نحو 800 دولار والمطبخ 1200 دولار، وغرفة جلوس أهل البيت 300 دولار وبعض المفروشات الضرورية من سجاد وبعض أغراض الطهي تقترب من 400 دولار، وغرفة المنامة 600 دولار أو أكثر وكلها من النوع المتواضع أو ما دون الوسط. وعادة تلك المواد لا تصنع من مواد عالية الجودة وبدون حرفية بخاصة المد والسجاد والكنبايات، وأعلم جيداً أن أهالي المنطقة ليس بإمكانهم دفع أكثر من ذلك، وأحياناً أبيع بالتقسيط”.

غالباً ما تستغني معظم العائلات عن بعض الأثاث فـ”الغاز” الأرضي الصغير يحل محل الفرن، والغسالات ذات الحوضين عوضاً عن الأوتوماتيك، في حين تلجأ بعض العائلات إلى الاستغناء عن هذه الأدوات جميعها، فيصار إلى تنظيف الثياب بغسالات بدائية، واستخدام “غاز” صغير للطبخ أو “البابور” الذي يعمل على الكاز والذي أصبح أداة ضرورية موجودة في الكثير من المنازل تقريباً ويستخدمون المفروشات الإسفنجية  منتهية الصلاحية للنوم والجلوس.

ختام معلمة شابة تزوجت في بداية هذا الصيف، “زوجي يعتمد على الزراعة في معيشته، ونتيجة الجفاف وقلة الأمطار لم يحصل على أي مردود من أرضه، لذا قررنا الاستغناء عن الكثير من الضروريات، واكتفينا بشراء سرير وخزانة صغيرة وغرفة معيشة، إضافة إلى غسالة وبراد مستعملين”.

محلات لـ”المستعمل”

تنتشر عبر “فيسبوك” صفحات ومجموعات تروج لبيع الأدوات المنزلية المستعملة، وهي تجد إقبالاً لافتاً، فغالباً ما تكون أسعار الأثاث المستعمل أقل للنصف من سعر الأثاث الجديد. يقول شاهر (36 سنة)، الموظف في إحدى الإدارات، “راتبي أقل من 100 دولار، وتأخرت كثيراً في الزواج، أعتمد على إخوتي المقيمين في أوروبا، الذين أرسلوا لي 1200 دولار لشراء غرفة نوم، وقسماً من مستلزمات المطبخ، وغرفة استقبال وكلها من المستعمل، أسكن حالياً في منزل أخي المغترب، لم يكن أمامي سوى هذا الحل، بخاصة أن بعض أصحاب المحال يلجأون لإعادة ترميم الأثاث المستعمل وبيعه بسعر الجديد”.

يوضح سامر لـ”درج”، وهو يدير إحدى صفحات التسويق للأدوات المستعملة: “جاءت الفكرة حين قرر جاري في الحي الهجرة إلى النمسا، وفكر في كيفية بيع أثاث منزله، عرضت عليه نشرها على فيسبوك، وبعدما لاقى الأمر رواجاً وإقبالاً من بعض الأصدقاء، خطر لي إنشاء صفحة خاصة بالأشياء المستعملة المعروضة للبيع. في البداية وضعت الأثاث المعروض للبيع في غرفة في منزلي، ثم استأجرت قبواً وحالياً أعرض الأثاث المنزلي، فساتين خطوبة وأكاليل العروسة، غرف استقبال ومنامة وغير ذلك، كلها مستعملة وبأسعار تشجيعية تختلف بحسب نوعيتها وجدّتها”. ويضيف  سامر: “الكثير من المقبلين على الزواج يشترون كامل مستلزماتهم من المواد المستعملة التي أعرضها، حيث يُمكنهم فرش منزلهم بالكامل بأقل من ألف دولار لا غير”.

يبدو أن الحرب لم تأتِ على حيوات وأملاك ومدخرات الأهالي فحسب، إنما فضحت حجم الإفقار والإتجار بهموم الصامدين في مدنهم وبيوتهم.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.