fbpx

صيدا تواجه التشدد الديني مجدداً: “قبل أن تغرق المدينة”… في الكراهية 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقاتل المجموعات الإسلامية في صيدا هذه الفترة على مختلف الجبهات. إذ تزامنت حملة إلغاء الحفل مع حملة أخرى تحت شعار #مش_طبيعي وهي حملة تحريضية ضد مجتمع الميم عين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في غالبية المدن البحرية، عندما تغرق الشمس، تبدأ حياة جديدة. تطفو على سطح الليل حياة خاصة في كل مدينة، مليئة بالأضواء والسهر والصخب والفرح والحياة. يحدث هذا في كثير من المدن التي تجاور البحر المفتوح، الذي يؤمن امتداداً يصعب حصره والتضييق عليه. لكن مدينة صيدا، “بوابة الجنوب” كما تسمّى، المتكئة على بحر منهك، والتي تعاني اليوم كما يعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة، تمشي منذ زمن بعيد، يعود إلى أوائل ثمانينات القرن الماضي، على إيقاع محافظ يعلو ويخفت، بحسب صعود وهبوط القوى المتشددة فيها.

وإذا كانت حالة الشيخ السلفي أحمد الأسير في المدينة قد جمعت بين الجدّ والهزل، وانتهت بسفك دماء ومعركة مسلّحة عام 2013 أودت بالأسير إلى السجن، فإن التشدد الإسلامي في المدينة بقي طليقاً، متربّصاً بأي “تمرّد”، ولو بسيط، على صرامة الإيقاع المحافظ. 

أي تمرّد من هذا القبيل، يضعه المتشددون في سياق “غرق المدينة”. ولهذا، عندما جرى الإعلان عن مهرجان في واجهة صيدا البحرية، يضم فقرات فنية كوميدية وترفيهية وألعاباً نارية تنظمه شركة “ووب ايفنت”، قامت قيامة مجموعات إسلامية في المدينة مدعومة من عدد كبير من رجال الدين وخصوصاً أئمة المساجد، ضد إقامة المهرجان الذي يخالف برأيهم “القيم والعادات الدينية والاجتماعية”. ونظّم هؤلاء حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ “قبل ان نغرق المدينة”، اعتراضاً على إقامة المهرجان بذريعة “الحفاظ على هوية صيدا” التي يعتبرونها مدينة إسلامية بحت. 

مدينة صيدا تمشي منذ زمن بعيد، يعود إلى أوائل ثمانينات القرن الماضي، على إيقاع محافظ يعلو ويخفت، بحسب صعود وهبوط القوى المتشددة فيها.

بعد الحملة التي لم تخل من تهديدات على مواقع التواصل الاجتماعي، قامت الشركة المنظّمة بنقل المهرجان إلى صالة على طريق بلدة علمان خارج المدينة. 

 وهي ليست المرة الأولى التي يشن فيها  المتشددون الاسلاميون في صيدا حملات اعتراضية.  فمنذ سنوات ايضاً شُنت حملة تحت شعار “صيدا ما بترقص”  ضد مهرجان غنائي ولكنها لم تنته إلى قرار منعه. وفي عام 2017 أحيت المغنّية اللبنانية نانسي عجرم حفلة في صيدا، بحضور كبير للقوى الأمنية برّاً وبحراً بسبب حملات طالبت بعدم  إقامة الحفل بذريعة الحفاظ على المناخ الإسلامي للمدينة.

بحسب  صاحب الشركة المنظمة للحفل عبد الكريم فواز “الضغوطات مستمرة حتى بعد نقل الحفل إلى مكان آخر ، لذلك سيتم تأمين حماية أمنية مشددة حرصاً على سلامة وأمن الحضور”. يقول فواز لــ”درج”: “الحفل ترفيهي يتخلله برنامج غنائي واستعراضي وكوميدي، لا يتنافى مع أي من العادات او القيم الأخلاقية، فنحن نحرص على مراعاة  الأخلاقيات وهي ثابتة بالنسبة لنا  لا تتغير من مدينة إلى أخرى. والمهرجان  يهدف إلى بث صورة حضارية للمدينة ومن يعارضونه يفتقرون لثقافة الحياة”. 

وكانت الشركة قد تكبدت خسائر مالية كبيرة جراء نقل الحفل . تطرح الناشطة في مدينة صيدا روان جعفيل  تساؤلات حول قرار البلدية بنقل الحفل الذي تناغم مع مطالبة الإسلاميين بإلغاءه فهذه ليست المرة الأولى التي تشن مثل هذه الحملات لكن رضوخ البلدية، بحسب جعفيل،  يثير هذه المرة تساؤلات حول السيطرة على السلطة المحلية: ” النتيجة هي حرمان صيدا من الفرح  ونشاطات تساهم بتحريك عجلتها الاقتصادية ومحاولة هذه المجموعات السيطرة وفرض لون واحد على المدينة رغم ثبوت التنوع الموجود فيها الانتخابات النيابية كانت خير دليل على ذلك فالمدينة ليست حكراً على أحد”.

وتعد صيدا ثالث أكبر مدينة في لبنان وتضم سكاناً من مختلف الأديان والطوائف والخلفيات الاجتماعية والسياسية كما تحتضن منظمات المجتمع المدني المحلية  والمنظمات غير الحكومية. ورغم عدم تجانس أطيافها  تصر بعض المجموعات الإسلامية على فرض هوية موحدة تفرض التقاليد والعادات الإسلامية وترفض ما تعتبره مخالفاً لها. يرى  الناشط السياسي يوسف  كليب أن هوية صيدا لا يجب أن تكون موحدة ولا يجب اعتبار المدينة متجانسة: “الأولوية هي الهوية الوطنية  فهي عابرة للطوائف  وفيها تنوع حزبي ديني وعلماني والمدينة لا تحمل طابعاً دينياً بحت ولا  “إلحادي ” حتى، هناك من  يحتفلون  بالمناسبات الدينية، وهناك من يقيمون حفلات ومناسبات ترفيهية  وهي حاضرة باستمرار في المدينة لكن تحاول بعض المجموعات في كل مرة فرض أفكارها على الساحة الصيداوية”. 

يؤكد كليب لــ”درج” أن المدينة تحمل طابعاً سياحياً بالدرجة الأولى وهي تستقطب السياح على مدار السنة ولا يجب أن يفرض لوناً واحداً على المدينة حرصاً على التنوع الموجود فيها: “كنا نتمنى أن يتم بذل هذا  الجهد الذي وضع لإلغاء المهرجان في حل الأزمات التي يعاني منها سكان المدينة مثل المولدات والكهرباء والنفايات وغيرها. كنا نتمنى من هذه الفئة أن تسعى للضغط لحل المشاكل التي يعاني منها أهل المدينة  بدل من التفرغ لقضايا ثانوية.” بحسب كليب. 

مدينة صيدا

تقاتل المجموعات الإسلامية في صيدا هذه الفترة على مختلف الجبهات. إذ تزامنت حملة إلغاء الحفل مع حملة  أخرى  تحت شعار #مش_طبيعي وهي حملة تحريضية ضد مجتمع الميم عين . جرى تداول صور لافتات وإعلانات وضعت في مختلف أرجاء المدينة لشعار الحملة وتنتشر دعوة لحضور مؤتمر تنظمه إحدى المجموعات الإسلامية تحت العنوان نفسه،  في مبنى بلدية المدينة والتي ستضم حسب الدعوة  المنشورة على صفحة الحملة  مداخلات ونقاش وتجربة حية !

تصاعد خطاب التحريض ضد مجتمع الميم عين في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعدما أرسل  وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي كتاباً  في حزيران/ يونيو الماضي شهر “الفخر لمجتمع الميم”،  إلى مديريتي الأمن الداخلي والأمن العام طالباً منهما اتخاذ الإجراءات اللازمة على الفور لمنع أي نوع من الاحتفالات أو الاجتماعات أو التجمعات التي تروج لـ”الشذوذ الجنسي” كما وصفه، بعدما  تلقى  اتصالات من شخصيات دينية نددت بالأمر، ما دفعه إلى القول أن هذه الظاهرة “تتعارض مع عادات وتقاليد مجتمعنا والمبادئ الدينية “رافضاً “التذرع بالحرية الشخصية”. 

تعلق مرام وهي شابة عشرينية من صيدا على الحملة التي تشهدها مدينتها، بأنها أخذت   قوتها من   وزير الداخلية مدعوماً من المؤسسات الدينية التي هي أساساً ذات سلطة مترابطة، فالقرار الذي كان قد أصدره الوزير سمح للجماعات الدينية في صيدا أن تنشر خطاب الكراهية والتحريض من جديد وبأسلوب تصعيدي هذه المرة: “هذا الخطاب التحريضي كاره للآخر فيه  إقصاء ويُعرّض أفراد مجتمع الميم للخطر ومعهم من يدعمهم في المدينة، فهم يعتبرونهم  غير طبيعيين، بالتالي هذا الخطاب يفرض تعليب الأشخاص”.

تشكّل حملة “مش طبيعي” بحسب ما يصفها مدير مؤسسة “حلم” طارق زيدان , امتداداً للسياق الإقليمي لكثير من الحملات المشابهة التي بدأت في مصر والكويت وفلسطين مثل حملة “فطرة” التي لاقت تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الإجتماعي قبل أن يقوم فيسبوك بحذف الصفحة  لأنها تخالف تعليمات وسياسات المنصات الإلكترونية كما  أنها تروج لمعلومات كاذبة تتعلق بمجتمع الميم عين. ويطرح زيدان تساؤلات حول الجهة المنظمة للحملة “هي حملات غير مستقلة وتمويلها مشبوه ونحن نجري تحقيقاً حول المنظمين ولدينا اشتباه جدي في أنها تحصل على تمويلها من دولة خليجية ونتحرك فور تأكدنا من الأمر”. 

ويرى  أبناء المدينة الذين يحملون فكراً متحرراً  أنها بيئة غير آمنة للتعبير عن الهوية الجنسية، إذ يتواجد فيها عدد كبير من أفراد مجتمع الميم عين يرتادون الجامعات والمدارس ويعملون فيها دون الإفصاح عن هويتهم الجنسية بشكل علني. ومقابل الحملة التي تنظمها المجموعات الإسلامية نلاحظ غياب حملات مضادة من أفراد مجتمع الميم عين في المدينة بشكل علني بسبب خوفهم من التعرض للخطر والتهميش. سامر وهو من أبناء المدينة الذين قرروا مغادرتها بعدما فقدوا الأمل بانتمائهم إليها. وتوجه إلى العاصمة  بيروت منذ عام بعدما أنهى دراسته ليبحث عن مكان “آمن”  يستطيع أن يعبر فيه عن  هويته الجنسية بحرية بعيداً عن الخوف والترهيب: ” تعرضت للتهديد بالقتل بمجرد أن شك والدي بمثليتي، قررت نكران الأمر لأحافظ على حياتي، أزور عائلتي كل فترة ولكن في يوم الزيارة يُحتم عليّ تغيير ملابسي لتناسب المجتمع هناك والتخلي عن أقراط الأذن كما محاولتي لضبط شخصيتي هناك وتغيير نبرة صوتي ليتناسب مع معايير الرجولة الشائعة”. 

سامر وغيره كثر قرروا البحث عن حريتهم في مكان آخر بعدما حرموا منها في مسقط رأسهم ، غادروا صيدا إلى  مدينة أخرى أو إلى بلد آخر. وكثر يرفضون القيود التي تفرضها الجماعات الإسلامية لكن بصمت، خوفاً من أن تعرضهم للخطر في مدينة تبدو كمرآة للنظام الذي يرفض الآخر. 

وكانت منظمة أوكسفام قد سبق وحذرت العام الماضي من التحديات التي يواجهها مجتمع الميم عين في لبنان الذي لا يلتزم بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقَّعَ عليه  ومنع ممارسة التمييز على أساس الميل الجنسي والهوية الجنسانية والتعبير الجنساني. كما وقد عبرت الأمم المتحدة  بعد قرار المولوي عن قلقها  “إزاء تصاعد خطاب الكراهية وتزايد حالات التمييز والعنف تجاه أفراد مجتمع الميم والمنظمات التي تُعنى بهم في لبنان الذي بالمقابل  يجرم أفراد مجتمع الميم عين،  حيث تستند السلطات اللبنانية على المادة 534 من قانون العقوبات التي تنص على أن “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة” وذلك من دون تحديد مفهوم الطبيعة وما يعدّ مخالفاً له.

تاريخياً استطاعت السلطات السياسية والدينية استغلال عدم وجود معلومات وثقافة تعكس حقيقة  أفراد مجتمع الميم عين وعملت  على خلق سرديات كاذبة  استخدمت في حرف النظر عن القضايا الأساسية التي تعاني منها المجتمعات مثل الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية. في مصر مثلاً المنظمة العسكرية وجدت أن التحريض والتهويل  ضد مجتمع الميم عين سيصورها الحامي الأول للأسرة المصرية والعادات والتقاليد والمعتقدات فلاقت استحساناً عند الناس وكانت أداة للنفوذ خاصة  في مرحلة الإخوان المسلمين الذين يقدمون أنفسهم حماة للدين.  وهنا في لبنان كما  يقول طارق زيدان، “تتخذ السلطة السياسية وإلى جانبها الدينية الخطوات نفسها  لخلق حالة ذعر  أخلاقي لصرف ولحرف الأنظار  عن فشل الدولة وفسادها وعدم قدرتها على تأمين حياة كريمة لمواطنيها”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.