fbpx

على هامش الحوار الوطني…
متى ينتهي كابوس سجناء الرأي والحبس الاحتياطي في مصر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“ما هي المعايير التي يخرج السجناء على أساسها، ومتى يقفل هذا الملف فلا يبقى في السجن شخص واحد لمجرد تعبيره عن رأيه؟”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

باكراً تبدأ رحلتها من مدينة بورسعيد إلى محافظة الدقهلية، حيث سجن “جمصة”، تحمل أكياساً محملة بالطعام ومستلزمات زوجها المسجون، وتحمل أيضاً آمالاً بانتهاء هذا الكابوس، بخاصة مع انطلاق الحوار الوطني، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شهر نيسان/ أبريل الماضي.

روفيدة حمدي زوجة محمد عادل المحبوس احتياطياً منذ نحو 4 سنوات، هي واحدة من ذوي مئات السجناء الذين ينتظرون قرارات إخلاء سبيل ذويهم مع انطلاق الحوار الوطني ولجنة العفو، فبرغم خروج عدد من السجناء، إلا أن آخرين يقدر عددهم بالمئات لم يأتِ دورهم بعد، وما زالوا يعيشون ما بين أمل الخروج ومرارة الانتظار.

لا تقديرات رسمية لعدد السجناء في مصر، ووفقاً للتقديرات غير الرسمية، هناك 120 ألف سجين تقريباً، من بينهم الناشط السياسي محمد عادل، المعتقل منذ تموز/ يونيو 2018، وتعد هذه القضية الرابعة للقيادي السابق بحركة 6 إبريل المعارضة، إذ اتهم فى القضية الأولى مع زملائه الناشطين أحمد ماهر وأحمد دومة بارتكاب جرائم التجمهر واستعراض القوة في القضية رقم 9597 لسنة 2013- جنح عابدين، التي أفرج عنه فيها عقب تنفيذ عقوبة الحبس بحكم نهائي.

وأثناء فترة عقوبة المراقبة الشرطية المنصوص عليها في القضية الأولى، سُجن في قضية جديدة آنذاك؛ لاتهامه بنشر أخبار كاذبة على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية بلاغ من أحد المواطنين في القضية التي حملت الرقم 5606 لسنة 2018- إداري أجا؛ ليتم ضمه بعدها بـ3 أشهر في قضية أخرى ثالثة بالاتهام ذاته.

وكبقية أفراد الأسر تجدد رفيدة الأمل بإخلاء سبيله بعد الإعلان عن تشكيل لجنة عفو وبدء حوار وطني بقرار جمهوري، إلا أن الأمل أصبح صعباً، تقول لـ”درج”، فالأعداد التي تصدرها اللجنة أو الحوار لا تتناسب مع حجم القضية، كما يؤكد محامون وحقوقيون، فيما يرى أعضاء لجنة الحوار ولجنة العفو الرئاسي أن الأعداد جيدة وفي تزايد مستمر.

تمكنت اللجنة وفق المحامي طارق العوضي أحد أعضائها، من إخلاء سبيل حوالى 700 محبوس احتياطياً منذ بداية عملها بنهاية نيسان/ أبريل الماضي، وكتب العوضي على “فيسبوك”، “‏عمليات الإفراج مستمرة وستستمر والبطء سببه الحرص والدقة وبحث كل حالة على حدة ولكن ملف سجناء الرأي سينتهي حتماً. شكراً لكل الأجهزة والمؤسسات القضائية والأمنية التي تعمل في هذا الملف وسط ضغوط وهجوم غير مسبوقين ومسؤوليات كبيرة. دعواتكم بأن يتم غلق هذا الملف في أقرب وقت”.

لكن في مقابل رضا العوضي عن أداء اللجنة، رفض المحامي الحقوقي جمال عيد تسمية الأمر انفراجة، وقال لـ”درج”، “إن صح أن الإفراج عن بعض المحبوسين احتياطياً جاء نتيجة جهد هذه اللجنة، برغم حقهم في الإفراج فهي كارثة وقضاء تام على ما تبقى من استقلال القضاء، لأن الإفراج عن المحبوسين احتياطياً يفترض قانوناً أنه بيد النائب العام وحده وليس لأي جهة أخرى، ولأن من يفرج مراعاة للجنة أو شخص يمكن حبسه مرة أخرى مراعاة للجنة أو لشخص، وبذلك يصبحون أقرب للمخطوفين وليسوا محبوسين احتياطياً على ذمة قضايا”.

ويتفق حديث عيد، مع تصريحات وزير العدل المصري المستشار عمرو مروان، بأن العفو الرئاسي يكون للأشخاص الذين لديهم أحكام قضائية، وهذا أمر منظم بمقتضى الدستور والقانون، إما إذا كانت هناك قضايا منظورة أمام النيابة العامة أو المحاكم “محدش يقدر ييجي ناحيتها”، وإلا فإن ذلك يُعد تدخلاً في أعمال السلطة القضائية، موضحاً أنه ليس هناك أي اتفاق ما بين النيابة العامة أو النائب العام على خروج أشخاص محبوسين احتياطياً ضمن لجنة العفو الرئاسي.

وهنا ينتقد الحقوقي جمال عيد إصرار لجنة العفو الرسمية على نسب نجاح الإفراج عن بعض المعتقلين لها. “ما يحسب لهذه اللجنة هو عدد من المشمولين بالعفو من المحكوم عليهم، وحسب، وهو عدد صغير جداً، لا يبلغ العشرات منذ إنشائها، ومن هنا وإذا كان عملها على مدار شهور هو الإفراج عن بضعة سجناء، فنحن نحتاج ليس إلى سنوات، بل إلى قرون للإفراج عن آلاف السجناء المحكوم عليهم عقب محاكمات جائرة، وهم يستحقون الإفراج الفوري”.

المصطلحات لا تهم روفيدة، إذا كان سيمنح زوجها عفواً أو إخلاء سبيل، ما يهمها هو خروجه الفعلي واستمتاعه بالحرية، ولكنها تسأل، “ما هي المعايير التي يخرج السجناء على أساسها، ومتى يقفل هذا الملف فلا يبقى في السجن شخص واحد لمجرد تعبيره عن رأيه؟”.

منذ نهاية شهر نيسان/ أبريل الماضي، وعلى مدار نحو 4 أشهر، تستيقظ روفيدة على أمل خروج زوجها، وينتهي اليوم بعدم تحقق هذا الأمل، ليصبح الأمل قاتلاً كما تقول.

أما عضو اللجنة كمال أبو عيطة، فحاول “درج” التواصل معه دون الحصول على رد، ولكن تصريحاته السابقة ربما تكشف عن انقسامات داخل اللجنة، فقد تحدث لموقع المنصة، عن شبه تجمد في عمل اللجنة، فيما مدح في تصريحات صحافية أخرى بعمل اللجنة، مشيراً إلى أن هناك جهات عدة تبحث طلبات العفو التي ترسل للجنة لبحث كل حالة منفردة للتدقيق في عدم مشاركته في أعمال عنف أو يده لم تتلوث بدماء المصريين.

وتحت بند التسهيل على لجنة العفو، قدمت مؤسسات حقوقية قوائم تم تجميعها لمحبوسين احتياطياً، أو المحكوم عليهم، ففي تموز/ يوليو الماضي أرسلت مجموعة من المنظمات المصرية، ثاني قوائمها لأعضاء لجنة العفو الرئاسي، وتضم 536 حالة في السجون المصرية. بينما تضمنت القائمة الأولى- المرسلة في 23 أيار/ مايو الماضي- 2418 حالة، أُخلي سبيل 49 فقط منهم، بقرارات من محاكم الجنايات أو النيابات، بما يعادل أقل من 2 في المئة، بينهم شخصان، تمت إعادة تدويرهم في قضايا سياسية جديدة بالاتهامات نفسها. ليصل إجمالي الحالات التي تم إرسالها 2954، منهم 2583 في قضايا سياسية، و241 في قضايا جنائية، إضافة إلى 130 حالة اختفاء قسري.

وذكرت المنظمات في بيان مشترك، أن “اللجنة تعمل وفق آليات واضحة؛ إلا أن واقع الأمر، أن آلاف المحتجزين وذويهم ما زالوا ينتظرون معرفة المعايير التي يتم بها اتخاذ القرارات في هذا الشأن. هذا إضافة إلى تضارب التصريحات بشأن نطاق عمل لجنة العفو الرئاسي، فبينما يؤكد  بعض أعضائها أن جهود اللجنة كانت سبباً في إخلاء سبيل البعض من النيابة أو جلسات المشورة، فقد صرح وزير العدل بأن العفو الرئاسي لا ينطبق إلا على المحكوم عليهم، لتتبخر آمال المحبوسين احتياطياً منذ سنوات، وتتبدد تطلعاتهم في لجنة أو جهة ترد لهم حريتهم”.

وتابع البيان “شهدت الأشهر الماضية إطلاق سراح أعداد قليلة من السجناء السياسيين، أقل من المتوقع، بما في ذلك بموجب قرارات العفو الرئاسي. فبرغم الوعود المتكررة بخروج قوائم عفو، تزامناً مع ذكرى 30 يونيو، وبمناسبة عيد الأضحى، لم يخرج سوى 6 سجناء سياسيين فقط بقرارات عفو رئاسي. بينما في المقابل تواصل الأجهزة الأمنية القبض على مواطنين جدد بتهم سياسية، بما يتجاوز بكثير أعداد المفرج عنهم؛ وهي الطريقة نفسها التي سبق أن أسفرت عن تفاقم أزمة السجناء السياسيين دون حل على مدى سنوات”.

وما يقوله البيان، يتفق معه المحامي الحقوقي جمال عيد، مؤكداً أن ما يحصل يكشف زيف الانفراجة المزعومة، وطبيعة التضليل الذي يهدف للترويج لأكذوبة أطلق عليها الانفراجة، في حين تزداد أوضاع  السجناء والحريات تردي، مما ينفي وجود أي إرادة سياسية لاحترام حريات المصريين.

ويرى عيد أن ما يمكن أن يطلق عليه “ماكينة الحبس الاحتياطي” والتي تبدأ بالقبض على أشخاص وإخفائهم لفترات ثم ظهورهم في النيابة على ذمة قضايا مختلفة، مستمرة، فلم تقف تلك الماكينة مع الإعلان عن عمل اللجنة، بل تستمر، وتستمر معها الأحكام التي تصدر بحق آخرين، ومنها على سبيل المثال الحكم علي المرشح الرئاسي السابق ورئيس “حزب مصر القوية” عبد المنعم أبو الفتوح.

غابت عن الحوار الوطني وعن لجنة العفو، وجوه كانت قد تصدرت المشهد السياسي الفترة الماضية، ومنهم البرلماني السابق ورئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، الذي لعب دور وساطة كبير في الإفراج عن عدد من المعتقلين، ليأتي الحوار الوطني بدونه، وأيضا لجنة العفو، ولكنه أعلن ترحيبه باللجنة وبالحوار، قائلا لدرج “كنت وما زلت من المرحبين والداعين للحوار الوطني الشامل الذي دعا اليه الرئيس السيسي، ولكنني غير راض ومطمئن عن إسناد تنظيمه وإدارته لبعض المؤسسات الشبابية التي تديرها أجهزة بعينها في شكل كرنفال مفتوح، ربما لن يحقق الهدف منه حتى لو صاحبت هذه الدعوة والاحتفالية انفراجة موقتة ومحدودة تتمثل في الإفراج عن بعض المحبوسين احتياطياً أو إصدار عفو رئاسي عن المحكوم عليهم في قضايا سياسية، فالمشكلة ستظل قائمة”.

سأل السادات، “لماذا لا يقود مجلس الشيوخ تنفيذ الحوار السياسي خصوصاً أنه طبقا لصلاحيته في المادة 248 من الدستور، هو المنوط بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بتوسيد دعائم الديمقراطية، والحقوق والحريات، ويمكن أن يعاون المجلس في ذلك المجلس الوطنى للشباب وأعضاء البرنامج الرئاسي وغيرهم ممن وقع عليهم الاختيار في تنظيم وإعداد أوراق ومحاور الحوار”.

وبالعودة إلى روفيدة، فهي ترى زوجها 15 دقيقة، بعد نحو 8 ساعات من الانتظار، تطمئنه بأن الفرج قريب، تسلّمه الثياب والأطعمة، يتبادلان ابتسامات منهكة، بانتظار اللقاء المقبل.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.