fbpx

“شهود يهوه”… 62 عاماً من الحظر والتكفير في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“برغم أن نشاط أبي في التبشير بعقيدة شهود يهوه كان محدوداً، لوجودنا في العاصمة، إلا أنه معروف لدى طائفته السابقة، وهو ما جعلني هدفاً للمضايقات، فقاطعني الطلاب المسيحيون في المدرسة، وقالوا للطلاب المسلمين إنني يهودي”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لا أريد أن يتكرر مع أبنائي ما حصل حين كنت طفلاً، كنت أفكر لسنوات لماذا لا نذهب إلى الكنيسة مثل بقية زملائي في المدرسة”…

يصف ماهر وجيه- أحد المنتمين لطائفة “شهود يهوه” في مصر المواقف الحادة تقليدياً وتاريخياً ضد جماعته في مصر. الجماعة ممنوعة من ممارسة شعائرها وامتلاك دور عبادة بعد حظرها بقرار رئاسي، وبعد مرور أكثر من نصف قرن ما زالت الأجيال الجديدة تعاني التضييق الديني الذي عانى منه الأجداد.

شهود يهوه طائفة دينية تعرف نفسها بأنها طائفة مسيحية، برغم عدم اعتراف الكنائس المسيحية الأخرى بها، واسم “يهوه” هو المرادف العبراني لكلمة “الله”، وتعاني الطائفة من الحظر بمرسوم رئاسي مصري صدر عام 1960، ومنذ ذلك الوقت لا تملك الطائفة دور عبادة في مصر، كما يتعرض بعض أفرادها البالغ عددهم 20 ألفاً لملاحقات الأمنية. 

لا يختلف كثيراً الاجتماع الأسبوعي لطائفة شهود يهوه عن الممارسات الاسبوعية التي تشهدها الكنائس المصرية، يقول ماهر لـ”درج”: “نجتمع فقط لتلاوة الكتاب المقدس وتدبره، والخدمة والتعريف بيهوه، ومتابعة الأخوة من الشهود وزياراتهم المنزلية، ثم نتفرق بعدها.  نحن طائفة لا تؤمن بالعنف أو بالسياسة”.

قرر عماد رجائي- أحد المنتمين المصريين لشهود يهوه- شرح عقيدة شهود يهوه لابنه البالغ من العمر 7 سنوات. قرار عماد جاء بعد مطالعته كتاب “التربية الدينية المسيحية” الخاص بالصف الأول الابتدائي، إذ فوجئ بدروس تخالف تفاصيل عقيدته، أبرزها درس حول القديس باخوميوس، فيما لا تعترف عقيدة شهود يهوه بالآباء القديسين لدى الطوائف المسيحية الأخرى.

“لا أريد أن يتكرر مع أبنائي ما حصل حين كنت طفلاً، كنت أفكر لسنوات لماذا لا نذهب إلى الكنيسة مثل بقية زملائي في المدرسة”…

“عقيدة شهود يهوه ليست وراثية، ولا نعمّد الأطفال، لذلك فابني لا يعلم الكثير عن عقيدتي، إذ اتفقت وزوجتي على ترك الأمر قليلاً حتى يصل إلى نهاية المرحلة الابتدائية، بخاصة مع التخوفات من المضايقات ضده، لكنني وجدت نفسي مضطراً لشرح عقيدة (الله) له، حتى لا تختلط عنده المفاهيم الدينية”.

برغم أن عقيدة يهوه ليست وراثية، إلا أن عماد ورثها عن والدها، الذي اعتنقها على يد صديق في سن العشرين، ليتم تعميده للمرة الثانية على يد شيخ الطائفة (اللقب الذي يحمله رجل الدين في شهود يهوه) في القاهرة، وسمح لعماد بدراسة تعاليم الطائفة في صغره على يد والده، وحضر اجتماعات قاعات الملكوت، إضافة إلى المذاهب المسيحية الاخرى ليتسنى له اختيار الطائفة التي يريد أن ينتمي إليها، قبل أن يقرر العماد على طائفة أسرته.

سبب آخر كان يمنع عماد من إخبار ابنه عن عقيدته، وهو تخوفه من أن يتعرض ابنه للمضايقات من المسيحيين المنتمين للطوائف الأخرى، إذ ترفض طوائف الارثوذكس والكاثوليك والإنجيليين اعتبار شهود يهوه طائفة مسيحية، باعتبارها لا تشاركهم عقيدة الثالوث، وهو ما يجعل أفراد الطائفة عرضة للمضايقات، وهو ما تعرض له عماد في صغره.

ويقول عماد، “برغم أن نشاط أبي في التبشير بعقيدة شهود يهوه كان محدوداً، لوجودنا في العاصمة، إلا أنه معروف لدى طائفته السابقة، وهو ما جعلني هدفاً للمضايقات، فقاطعني الطلاب المسيحيون في المدرسة، وقالوا للطلاب المسلمين إنني يهودي، وهو ما جعل الطلاب المسلمين يخشون التعامل معي كما تعرض والدي للاستجواب مرتين من السلطات الامنية المصرية”.

في كل العالم، يستطيع شهود يهوه أن يؤسسوا “قاعة للملكوت”، للاجتماع والصلاة، ولكن في مصر لا يمكن ذلك، يقول عماد، “لا يمكن حتى التفكير في تأسيس فرع لجمعية المراقبة (المؤسسة الرسمية لشهود يهوه)، لذلك نتجمع في كل مرة في منزل أحدنا، ونغير موقع التجمع بين الحين والآخر حتى لا نستفز الأمن، ونذهب للصلاة كأننا في الطريق إلى عمل إجرامي خائفين من التتبع، رغم أننا لا نقوم بشيء سوى ممارسة حقنا الدستوري والطبيعي في حرية العبادة”.

إقرأوا أيضاً:

من الاعتراف إلى الحظر

عام 1912، انتقل النادل اليوناني بانيوتي قسطنطين حاملاً معه تعاليم الطائفة المسيحية الجديدة التي تأسست قبل نحو 30 عاماً في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية وحملت اسم “برج مراقبة صهيون والكراريس” التي عرفت بعد ذلك باسم “شهود يهوه”.

تمتعت جماعة شهود يهوه بحرية دينية حتى منتصف الخمسينات، وسجلت محافظتا القاهرة والإسكندرية فروع جمعية “برج المراقبة للكتاب المقدس” وهي المؤسسة القانونية التي تمثل الطائفة في ولاية بنسلفانيا، وهو ما مثل اعترافاً بالجماعة.

ومع اشتداد الصراع بين مصر وإسرائيل، فإن اسم “يهوه” جلب الحظر على الطائفة في مصر، حيث تم اتهامهم بالصهيونية، في حملة شرسة ضدهم دعمتها الكنيسة المصرية، وساعدت في الهجوم عليهم تعاليم الطائفة التي ترفض الخدمة العسكرية، وتحية العلم، وتمت مصادرة ممتلكات الطائفة وفروعها الجمعية، وحظر الطائفة، ومنذ ذلك الحين تعرض أفرادها للمضايقات من الجهات الأمنية، وحظرت إقامة مؤسسات دينية أو قاعات الملكوت.

بحسب تقرير الحريات الدينية الصادر عن الخارجية الأميركية في 2019، فإن المرسوم الرئاسي الصادر عام 1960 بحظر شهود يهوه لا يتضمن أي عقوبات على أفراد الطائفة، ولكن يحظر عليهم تأسيس دور عبادة أو مقابر لأبناء طائفتهم.

 إلا أن قانون العقوبات المصري في مادته رقم 86 مكرر، ينص على أن “يعاقب بالسجن كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار، على خلاف أحكام القانون، جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة، يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها، أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي”. 

كما يعاقب القانون المصري بالسجن المشدد كل من تولى زعامة، أو قيادة ما فيها، أو أمدها بمعونات مادية أو مالية مع علمه بالغرض الذي تدعو إليه. ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من انضم إلى إحدى الجمعيات أو الهيئات أو المنظمات أو الجماعات، أو العصابات المنصوص عليها في الفقرة السابقة أو شارك فيها بأي صورة، مع علمه بأغراضها. صحيح أنه ليس شائعاً أن تلك القوانين يتم تطبيقها لكنها مذكورة في النصوص ما يجعل ملاحقة شهود يهوه أمراً قانونياً.

تهمة إنكار “العذاب الأبدي”

بحسب أمجد بشارة الباحث في التاريخ المسيحي فإن الخلافات بين شهود يهوه والكنائس المسيحية عميقة ما خلق تباعداً ونفوراً أحياناً.

 على الصعيد المدني، لا يؤمن شهود يهوه بالحكومات، فطبقاً لاعتقادهم توجد حكومة واحدة فقط ستحكم الارض، برئاسة المسيح، لذلك لا يقومون بتحية العلم أو الانخراط في القوات المسلحة، ويعتبرون تحية العلم من الوثنية، وهو الأمر الذي تسبب في حظرهم في مصر.

ويتميز شهود يهوه بأن الخدمة لديهم تتمثل في التبشير بأسلوب الزيارات المنزلية، حيث ينتقلون من بيت لبيت، وهو ما تسبب في أزمة عام 2014، حيث اتهمت الكنيسة المصرية بمحافظة المنيا، الطائفة المحظورة  بتوزيع منشورات لاستقطاب المسيحيين.

بحسب أمجد بشارة الباحث في التاريخ المسيحي فإن الخلافات بين شهود يهوه والكنائس المسيحية عميقة ما خلق تباعداً ونفوراً أحياناً.

تقارب متوقف 

عام 2010 نشرت طائفة شهود يهوه بيان، أعلنت فيه أن تقارباً بين الطائفة والدولة المصرية بدأ قبل 3 سنوات، وهذا التقارب أسفر عن السماح لشهود يهوه بتجمعات للصلاة على ألا يزيد عدد المصلين في كل مجموعة عن 30 فرداً، وهو التقارب التي حذرت منه الكنيسة المصرية، ويبدو أن هذا التقارب كان في إطار عمليات الشد والجذب بين الدولة والكنيسة، إلا أن ثورة يناير 2011 أنهت هذا التقارب.

وعام 2012، طالب شيخ الطائفة السابق زكريا يواقيم الاعتراف الرسمي بالطائفة عملاً بمبدأ حرية الاعتقاد في الدستور المصري، إلا أن هذا الطلب لم يلاقِ أي استجابة من الدولة المصرية حتى الآن.

منذ حظر الطائفة، لا يستطيع أفرادها توثيق زيجاتهم لعدم امتلاك الطائفة دفتراً للزواج والطلاق كبقية الطوائف المعترف بها قانوناً، لذلك فهم يضطرون إلى التوثيق المدني لزواجهم الكنسي غير الموثق، لا سيما أن الطائفة لا تعترف بالزواج المختلط، إذ لا بد أن يكون طرفا الزواج من شهود يهوه، وبرغم أهمية قانون الأحوال الشخصية الموحد للطائفة، إلا أنه تم استثناء الطائفة من مناقشته.

الراديكالية المسيحية 

يقول ماركو الأمين الباحث في التاريخ المسيحي، إن القرن التاسع عشر الميلادي، وخصوصاً فترة الحرب الأهلية الأميركية شهدت موجة من التدين الراديكالي، تبلور ذلك في مذاهب دينية منبثقة من الكنائس البروتستانتية.

وضمن رموز هذه المرحلة ظهر تشارلز راسل الذي تربى في عائلة بروتستانتية، ثم  التحق بالادفنسنت أو “السبتيين”، وهي طائفة تشبه شهود يهوه، تقدس يوم السبت وترفض الخدمة العسكرية، ولا تؤمن بألوهية المسيح أو العذاب الأبدي للاشرار.

وفي الفترة من 1870 إلى 1881 أسس تشارلز مجموعات لدراسة الكتاب المقدس، على أساسها بدأت طائفته الدينية التي كانت تحمل اسم “برج المراقبة صهيون” وعقب وفاة تشارلز عام 1916، انقسمت طائفته إلى مجموعتين، وليميز خلفه الطائفة أطلق عليها اسم “شهود يهوه”، وهو اسم مأخوذ من نص من سفر اشعياء فى العهد القديم “وتكونون أنتم شهوداً لي”. 

اتهامات أمام الأمم المتحدة 

في آذار/ مارس  الماضي، تقدمت الرابطة الأفريقية لشهود يهوه، والرابطة الأوروبية لشهود يهوه بطلب إلى لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة للمطالبة برفع الحظر عن الجماعة في مصر، ورصدت في الطلب المضايقات الأمنية التي تعرض لها أفراد الطائفة خلال السنوات الأخيرة.

وبحسب الطلب الذي تقدمت به الرابطة، فإن السلطات المصرية أجبرت أحد الشهود المصريين (يطلق على عضو الطائفة لقب شاهد) على إخلاء شقة أجرها لإخوانه من الشهود لتكون مقراً للصلاة في شباط/ فبراير 2020، وحاولت السلطات الحصول على صورة من عقد الإيجار لتوجيه اتهام لأفراد الطائفة.

وفي آذار من العام نفسه، تم استجواب عائلة من الشهود المصريين بخصوص الاجتماعات التي تتم في منزلهم، كما تم اقتحام منزل اثنين من الشهود دون أمر قضائي لاستجوابهما بخصوص شهود متزوجين من رعايا أجانب يقيمون في مصر بشكل قانوني، ما دفعهم للهروب إلى الولايات المتحدة بحسب الطلب.

وفي  نيسان/ أبريل من العام ذاته، استجوبت السلطات المصرية اثنين من الشهود السودانيين حول نشاطهم في مصر، بحسب الطلب.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.