fbpx

لماذا يُهيمن الرجال على تيار اليمين المتطرّف؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حان الوقت لأن نأخذ الذكورية بجدّيةٍ أكبر في مناقشتنا لليمين المتطرّف، والسياسة اليمينيّة. فنحن نشهد “أكبر فجوةٍ بين الجنسين على الإطلاق”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ماذا لو كانت الهوية الذكورية لا الأيديولوجية العنصرية هي السبب الأهم وراء انضمام الناس إلى الجماعات اليمينية المتطرّفة؟ هذه هي الأطروحة المركزية التي يعرضها مايكل كيميل، عالم الاجتماع الأميركي، في كتابه الجديد بعنوان “الشفاء من الكراهية: كيف ينخرط الرجال في التطرّف العنيف وكيف يخرجون منه”، الذي يدرس سبب انضمام الشبّان إلى الجماعات اليمينية المتطرّفة وتركهم إياها، في ألمانيا والسويد والولايات المتحدة.

على رغم المبالغة في تقديم الأطروحة المركزية إلى حدٍ ما، لكن الكتاب مُصاغٌ جيداً ولافتٌ بحثياً، ويعرض كيميل، الباحث المتمرّس في شؤون الرجال والخصائص الذكورية، اقتباساتٍ من مقابلاته الكثيرة مع من يُعرفون بـ”الصناع”.

لاحظ كل شخصٍ تقريباً أن المجموعات والجماعات اليمينية المتطرّفة تتألّف من الرجال في الغالب، بدايةً من المسيرة المميتة لحركة Unite the Right، من القوميين البيض خلال العام الماضي، وصولاً إلى المسيرة الثانية للحركة ذاتهاUnite the Right 2 ، مؤخراً، ويُعدّ كيميل، أحد القلائل الذين ركّزوا على هذه المسألة في بحوثهم.

يخلص كيميل من المقابلات مع النشطاء السابقين، أن المجموعات اليمينية المتطرّفة تستخدم فكرة الذكورية بثلاثة أساليب متباينة لكنها مترابطة، أوّلها: استخدامهم إيّاها في وصف موقفهم الشخصي أو توضيحه، فعلى سبيل المثال، أنت عازبٌ أو عاطلٌ من العمل، لأن “الآخرين” أخذوا فتاتك/ وظيفتك.

ويتمثّل ثانيها في استخدام الذكورية في خلق إشكاليّة مع “الآخر”، فهم ليسوا رجالاً حقيقيين لأنهم إمّا “مخنّثون” للغاية أو ذوو غرائز حيوانية. وأخيراً يأتي الأسلوب الثالث متجسّداً في فكرة استخدامها لتجنيد الأعضاء – بالترويج لفكرة يمكنك استعادة ذكوريتك، وبالتالي فتاتك ووظيفتك عبر محاربة “الآخرين”.

ففي حين تستند استنتاجات كيميل إلى مقابلاتٍ مع أعضاء مجموعة فرعية محدّدة من العالم اليميني المتطرّف- معظمهم من المجموعات الصغيرة النازية الجديدة، التي تشبه عصابات الشوارع أكثر من الأحزاب السياسية- لوحظت أهمية فكرة الذكورية في مجموعات اليمين المتطرّف الأخرى أيضاً .

تقول المؤرّخة الأميركية كاثلين بيليو، في كتاب جلب الحرب إلى الوطن: حركة القوى البيضاء وأميركا شبه العسكرية، أنّ أصول حركة القوى البيضاء المعاصرة، لا سيما تشكيلتها شبه العسكرية والميليشيات، نجدها في صدمة ما بعد حرب فيتنام.

“هويّة الذكور المهدّدة تنطوي على إمكانات عنيفة لا تقل أهميةً عن الهوية البيضاء المهدّدة، وربما أكثر”

تبيّن بيليو أهمّية الدور الذي لعبه المحاربون القدامى في حركة القوى البيضاء في الفيتنام، وأبرزهم لويس أر. بيم جونيور، الذي نشر فكرة “المقاومة من دون قائد” في اليمين المتطرّف، ملهماً الإرهابيين من روبرت جي ماثيوز إلى تيموثي ماكفي. وأشار أيضاً إلى كيف أدّى الشعور الانهزامي في الولايات المتحدة إلى دَفعة نحو “إعادة التأهيل”، التي أعربت عنها الثقافات الفرعية اليمينية شبه العسكرية. بعبارةٍ أخرى، انضمّ هؤلاء “المحاربون في الإجازة” إلى الميليشيات لاستعادة رجولتهم وهم يستعدّون لحماية أميركا (بخاصة حماية النساء والأطفال) من بضعة تهديدات متوهّمة من “البرابرة” غير البيض، إلى ما سمّوه “المروحيّات السوداء” التي تديرها الأمم المتحدة، والتي يؤمن معتنقو نظريات المؤامرة أنها تخطط للاستيلاء على الولايات المتحدة.

من الصعب ترجمة الأفكار من المجموعات الأصغر والأكثر نشاطاً وتطرّفاً إلى جمهور الناخبين الأوسع. ومع ذلك فمن الواضح أن الجنس، وتحديداً الجانب الذكوري، يلعب أيضاً دوراً في الدعاية وفي إضفاء جاذبية على الأحزاب السياسية والسياسيين المتطرّفين. أشار كتاب مايكل كيميل السابق،Angry White Men، الذي نشر أولاً عام 2013، إلى أهمية الذكورية في الثقافة الفرعية اليمينية الأوسع في أميركا، مثل “قاعدة الترامبيّين قبل ترامب”.

لدى معظم الأحزاب اليمينية المتطرّفة فجوةٌ واضحةٌ بين الجنسين في قواعد ناخبيهم، والتي ما تكون عادةً حوالى 60 في المئة من الذكور و40 في المئة من الإناث، على رغم حقيقة أن الرجال والنساء يدعمون المواقف الراديكالية اليمينية إلى درجة مشابهة كبيرة. في الواقع، أظهرت دراسةٌ حديثةٌ عن “ديموغرافيا اليمين المتطرّف السكانية” لجورج هولي من جامعة ألاباما، أن النساء الأميركيات البيضاوات لديهن مشاعر أقوى تجاه “الهوية البيضاء” و”التضامن الأبيض” أكثر من الرجال الأمريكيين البيض.

لكن كما هي الحال في الجماعات اليمينية المتطرّفة، فالكثير من الأحزاب اليمينية المتطرّفة تتبنّى خطاباً جنسانياً قوياً، تخاطب فيه الذكورية الواهية، التي تهدّد النسويات بإضعافها، والليبراليين “المخنّثين”، و”الآخرين” الأكثر قسوةً. في حين أن النساء يُقدّمن بشكل رئيسي كضحايا، لا سيما من قبل نساء، فاغتصاب النساء البيضاوات من قبل الرجال غير البيض هو موضوعٌ مفضلٌ قديمٌ يثيره اليمين المتطرّف – لذا فالرجال مدعوّون لحماية “أمّتهم” أو “عرقهم”.

لن يستعيد الرجال ذكوريتهم فقط من خلال الدفاع عن أمّتهم، وحماية النساء والأطفال الضعفاء، أمام الرجال “الآخرين” (مثل الرجال السود والمهاجرين والمسلمين) ولكن أيضاً أمام النساء. إنه يعيد الأدوار الجنسيّة “الطبيعية” التي تهدّد عقوداً من “الماركسية الثقافية” بتدميرها- وهذا على سبيل المثال، سبب محاولة حكومة فيكتور أوربان إغلاق إدارات دراسات الجنسانية في المجر.

من الواضح أن هذه النظرة الضارة من الذكوريين تقتات على عودة أوسع للقواعد الجنسيّة المحافظة، التي ولّدت ظواهر إلكترونية مثل “المنصرفين عن العلاقات” وأستاذ علم النفس الكندي جوردان بيترسون. سواء أكانت مرتبطةً بشكل مباشر باليمين المتطرّف أم لا، فهويّة الذكور المهدّدة تنطوي على إمكانات عنيفة لا تقل أهميةً عن الهوية البيضاء المهدّدة، وربما أكثر. لاحظ فقط كم الإرهابيين (من اليمين المتطرّف أو غيرهم) الذين لم يكونوا رجالاً وحسب، ولكن لديهم أيضاً تاريخٌ من العنف المنزلي.

حان الوقت لأن نأخذ الذكورية بجدّيةٍ أكبر في مناقشتنا لليمين المتطرّف، والسياسة اليمينية. فنحن نشهد “أكبر فجوةٍ بين الجنسين على الإطلاق” في استطلاعات الرأي الأخيرة، بسبب تناقص الدعم لدونالد ترامب بين النساء البيضاوات (المتعلّمات تعليماً عالياً). لكن القصة الحقيقية هي أن عدداً غير متناسب من الرجال البيض (ليسوا فقط من الطبقة العاملة أو الأقل تعليماً) يدعمون الرئيس الذي يتفاخر بالتحرّش بالنساء “بسبب الهوس بهن”. لذا قد لا يدعم الكثير من الرجال ترامب، على رغم هجماته على النساء المرموقات، ولكن بسبب ذلك تحديداً.

هذا المقال مترجم عن موقع صحيفة The Guardian ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي