fbpx

لماذا نحبّ الشتاء؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حتى الآن يحب أبي جمع الحطب في قريتنا، برغم أنه يمشي ويتحرّك بصعوبة، لكن فكرة جمع الحطب تشعره بالدفء وبأنه أقوى من الشتاء وأقوى من ملكة الثلج التي تؤذي الذين لا يحبون الشتاء، كما قرأت في قصة للأطفال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عام 1952، تحول ضباب لندن إلى قاتل، إذ امتزج بدخان المعامل والمناجم، وأودى بحياة المئات، حجب نور الشمس وأوقف حركة المطار والقطارات. توجهت أصابع الاتهام يومها إلى ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني وبطل الحرب العالمية، كونه تغاضى مراراً عن استغاثات المواطنين الطويلة بما يخص دخان المعامل ومناجم الفحم.

حين أتى تشرشل إلى الملكة إليزابيث الثانية في لقائهما الأسبوعي، كان أول بند عرضه هو الاضطرابات في مصر وقناة السويس وتصاعد الاحتجاجات ضد الاستعمار. وحين قاطعته الملكة متسائلة عن خطة حكومته في مواجهة أضرار الضبخان (الضباب الممزوج بالدخان) استشاط تشرتشل غضباً…  فكيف تجرؤ الملكة على سؤال من انتصر في الحرب العالمية ودحر الفاشية والشر والطغيان عن مجرد ضباب سيتبدّد في النهاية؟

حين رأيت المشهد في مسلسل the crown، ذهلت بالفعل، ولكن شيئاً صغيراً في قلبي كان متضامناً مع تشرشل، لناحية عدم محاربة الضباب وترك الشتاء على سجيته لكنني بعد برهة تذكرت الشتاء في بلادي، وكيف يمكن أن يتحول إلى مقصلة على رقاب أناس بلا سقوف وبلا وسائل للتدفئة، فتعاطفت أيضاً مع إليزابيث التي كانت يومها شابة في بداية عهدها. لكن ولائي النهائي سيبقى للشتاء، فصل الحب والوحدة، وإن كنت أمضي وقتاً طويلاً في مدينة كبيروت، يبدو شتاؤها كصيف بارد، لا أكثر. “كل شيء جميل في الشتاء عدا ارتجاف الفقراء”، قال مارك توين (كاتب أميركي ساخر توفي عام 1910).

في لغة الشتاء، تبدو المدفأة ثقافة مستوردة وباردة، وشديدة الحياد والتعجرف، في النهاية الشتاء بارد على من لا يملكون ذكريات دافئة، قال فيدور دوستويفسكي، وأنا أصدّق فيودور حتى حين يهذي، وهو كثير الهذيان.

حتى الآن يحب أبي جمع الحطب في قريتنا، برغم أنه يمشي ويتحرّك بصعوبة، لكن فكرة جمع الحطب تشعره بالدفء وبأنه أقوى من الشتاء وأقوى من ملكة الثلج التي تؤذي الذين لا يحبون الشتاء، كما قرأت في قصة للأطفال.

منذ سنوات قليلة، صرتُ مثله، أجمع الحطب حتى أقاوم الوحدة وحتى لا أحترق وحتى يطول الشتاء… الصيف ليس لي، ولم يكن يوماً. إنه فصل الشرود والصخب، لكنني مثل الشتاء أفضل المعاندة والأشجار عاريةً وحرة. في الصيف يراودني شعور واحد، أنني خارجة هاربة بلا مأوى، في الشتاء وحده، أعود إلى البيت.

في الصيف يراودني شعور بالتزييف، بأنني لست حقيقية وأن كل شيء مجرد قصة خيالية، الشتاء يعيدني إلى الأرض، وأتأكد من أنني مرئية، ومن أن دخان السجائر قد يصل إلى الله في النهاية.

في الأيام العاصفة، أرتدي معطفي وأمشي في أزقة قريتنا، ألتقط عيدان الشجر التي مزقتها الرياح، ألملم بذلك أجزائي ومفقوداتي، أطمئن ملكة الثلج إلى أننا ما زلنا حليفتين، ثم أحمل حطباتي الرفيعة بجهد إلى أبي. لكنه دائماً ما يضحك مني ومما أعتبره إنجازاً لامرأة راشدة تجاوزت الثلاثين. كيف أشرح له أننا قد نكتشف أفضل ألعابنا متأخرين، بعد مرور ثلاثين شتاء مثلاً؟

لقد تعلمت متأخرة مهارة إشعال الحطب في الموقدة، وهي ليست مهمة بسيطة كما قد يعتقد من لم يشعلوا موقداً واحداً في حياتهم، أو يكتفي شتاؤهم بمدفأة كهربائية أو غطاء سميك يتكورون تحته خائفين من أن يصبح المطر أكثر جديةً، ويتحول إلى عاصفة، إنها أيضاً طريقة الخائفين من الحب ومن المجازفة، في الاختباء والاحتماء. 

في لغة الشتاء، تبدو المدفأة ثقافة مستوردة وباردة، وشديدة الحياد والتعجرف، في النهاية الشتاء بارد على من لا يملكون ذكريات دافئة، قال فيدور دوستويفسكي، وأنا أصدّق فيودور حتى حين يهذي، وهو كثير الهذيان.

لماذا نحب الشتاء، نحن الشتائيين؟ لأنه يشجّعنا على المحاولة وعلى الوقوع في غرام آخر، حتى حين ندرك أن الخيبة أقرب من أي وقت. ولأنه غزير مثلنا، ولا يستسلم حتى للشمس حين تضربه، ولأن قسوته تشبهنا، ولأن قسوته تنبت الحب والمتعة… لا يعيش الحب بلا قسوة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.