fbpx

هواجس الأجر والعائلة والهجرة:
عن عمل اللاجئات السوريات في معامل الألبسة في اسطنبول

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقريباً الجميع يشتركون في هواجس الهجرة والرحيل عن تركيا، لكن في حالة النساء يُذكر الأولاد تقريباً بشكل دائم كما في حالة سمر “بدفع ديوني وباخد ولادي عاشي ماركت ليشتروا اللي بدهم ياه (بكاء شديد)… أوقف المقابلة!”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“زوجي كان يقلي ابركي بالبيت اعمليلنا طبخة والله أنا بعطيكي 25 ليرة، يعني حرام تروحي من الصبح للمسا من الساعة تمانة للتسعة وتقولي عم تشتغلي، قلتلو اش اعمل يعني ما بتزودلنا، عم نقلها زوديلنا ليرة ما بتزود، قام بالأخير مزودة ليرتين، كانوا بخمسة هلأ بسبعة”، تضحك ديما وهي تروي كيف بدأت العمل لأول مرة في احدى ورشات الألبسة في إسطنبول وخاضت تجربة عمل قاسية لساعات طويلة بدخل زهيد ومن دون أي ضمانات فلا عقد عمل ولا تأمين صحي. كانت تتقاضى أجرها بعدد القطع التي تقوم بتنظيفها من الخيوط الزائدة. خمس ليرات لكل مئة قطعة. كانت تعمل حوالي اثنا عشرة ساعة يوميا لتحصل على خمسة وعشرين ليرة أي حوالي اثنين يورو ونصف في اليوم. 

التقيت ديما خلال مقابلات كنت اجريها مع عمال وعاملات سوريين في معامل ألبسة في اسطنبول ضمن عملي على مادة بحثية. معروف أنه 

مع إعلان النظام البعثي الحرب على المجتمع السوري إثر تظاهرات 2011، فرّت الكثير من النساء السوريات إلى خارج البلد والكثيرات منهن وصلن إلى تركيا. في البداية كن مثل باقي السوريين يعتقدن أنهن في حالة “لجوء مؤقت” فبعد بضعة أشهر سيتمكنّ من العودة إلى منازلهن التي هجّرن منها. مع طول الحرب بدأت القناعة تزداد بأنه لا عودة قريبة إلى سوريا. وهكذا بدأن بالبحث عن عمل ومكان للاستقرار في تركيا.

“خطيتهن برقبتي أنا جبتهن على أساس إني أمنلهن مستقبل حلو، تاريهن بدهن يأمنولنا دوانا، وأكلنا وشربنا. نحنا كان لازم نقدملهن هن عم يقدمولنا، بتمنى من رب العالمين يدقولي يوم من الأيام، يقولولي إنو طلعلك سفر حتى ولادي يعيشوا الأمان… أنا ظلمتهن وبتمنى إنو يسامحوني”!

اسطنبول مدينة جذّابة للاجئين الباحثين عن عمل بسبب تمركز العديد من الشركات فيها وتحديداً تلك العاملة في مجال النسيج. لكن بالنسبة للنساء فالوضع مختلف. فعلى العكس من حالة العمال الرجال لم يكن قرار العمل في معامل وورشات الألبسة في اسطنبول هدفهن. لقد وجدن أنفسهن مضطرات إلى العمل إما بسبب وضعهن الاجتماعي (غالباً نساء مع أولاد، مطلقات أو أرامل)، أو بسبب مرض الزوج أو الإصابة التي تمنعه عن العمل (غالباً إصابات حرب أو حوادث نتيجة العمل في شروط غير آمنة) أو الأجر الزهيد الذي يتقاضاه الزوج او الأبناء الأمر الذي يفرض عليهن البحث عن دخل إضافي للعائلة. كما أن معظمهن لم يسبق لهن العمل قبل لجوئهن إلى تركيا بسبب المعتقدات الثقافية والدينية التي لا تشجع النساء على العمل. هذا ما يعقّد أيضاً من وضعهن سواء خلال البحث عن العمل أو على طبيعة العمل الذي يمارسونه داخل المعامل أو الورشات. 

مثل باقي العمال السوريين، تعاني النساء من التمييز بالمعاملة والدخل بالمقارنة مع العمال الأتراك. لكن هناك تمييز مضاعف يتم ضدهم بالمقارنة مع العمل السوريين الرجال. يتجلى ذلك بشكل واضح في الدخل، فهن يتقاضين دخل جد منخفض حتى بالمقارنة مع العمال القاصرين. كما أنه، في خطابهن، تحضر بكثافة حوادث تشير إلى التعامل معهن كضعيفات غير قادرات على الدفاع عن أنفسهن وبالتالي هن عرضة لاعتداءات شتى. على سبيل المثل، تتكرر قصص عدم دفع مستحقاتهن المالية فضلاً عن حوادث التحرش الجنسي. 

معظم مصانع النسيج في اسطنبول صغيرة ومتوسطة الحجم. تساعد هذه البنية الشركات على حل التوتر بين الإنتاج الرخيص بجودة مقبولة ترضي العملاء من جهة وتحسين صورتها كشركة تحترم حقوق العمال من جهة أخرى. فعادة ما تتعاقد الشركات مع مصنع كبير لتلبية الطلبيات وتسليمها خلال مدة معينة. يقوم هذا المصنع بدوره بتوقيع عقود باطنية للشركات المتوسطة أو الصغيرة داخل اسطنبول أو خارجها. في الواقع، ليس من الصعب على الشركات الكبرى تقدير المدة اللازمة لتلبية طلب معين، فهذا يتعلق بعملية حساب بسيطة لعدد العمال والماكينات الموجودة لكنها بهذه الطريقة، تتخلص هذه الشركات من أي مسؤولية قد تكون لديها لأن المصانع الكبيرة تميل إلى اتباع الخطوات القانونية؛ عقود للعمال ونوبات عمل بساعات أقل (9-10 ساعات يوميًا) من ساعات العمل في الورشات الصغيرة والمتوسطة (11-12 أو أكثر). أي أنهم “يلتزمون بالقانون” إلى حدا ما! لكن ما يحدث في الورشات المتعاقد معها من الباطن هو شيء آخر: لا توجد عقود، ساعات عمل تبلغ حوالي 12 ساعة في اليوم. كقاعدة عامة يمنع العمال من أن يتكلموا مع بعضهم البعض خلال العمل، أو يستمعوا أن يضعوا سماعات في أذنهم، أو يستخدموا الجوال. يحصلون على استراحة لمدة ربع ساعة للفطور، وساعة واحدة للغداء، وربع ساعة حوالي الساعة الرابعة مساء. في معظم الحالات الغداء يكون على حسابهم الشخصي.  كما أن هناك مراقبة دقيقة ومستمرة وفي المعامل الكبيرة توجد كاميرات لهذا الغرض أيضاً. 

Children wear face masks sewed by displaced Syrian women at a camp for the internally displaced people near the town of Maare

بكلمات ريم: “مو مسموح أي شي، الحركة، إنو تحكي مع اللي عم يشتغل جنبك ما بيصير. يعني متل امتحان الطالب بالجامعة، متلهن، يعني ما في فرق بيناتهن… مشان إذا صحلك المعلم تسمعو، إذا ما سمعت بيبهدلك بيطالعك لبرا يعني، بهدلة متل مساحة بتصير. يا حرام أحياناً الواحد بيتعب، بيصير معو شي ٥ ثواني هيك الواحد هيك ذهنو يوقف، يقولو ليش وقفت؟ لما يقول ليش وقفت، بصير العامل بيعجل بيعجل. هيك يصير فينا”.

لكن عادة ما تتأسس الورشات الصغيرة من قبل عمال سابقين وأفراد الأسرة والأصدقاء. علاوة على ذلك، فهم أكثر مرونة في التعامل مع عمالهم مما يساعد على خلق جو عمل أفضل؛ ضغط أقل، وعلاقة أفضل مع المدراء، وتمييز أقل في المعاملة والراتب، وعلاقة أفضل بين العمال أنفسهم. فهنا تلعب الشبكات الاجتماعية دوراً مهماً. يمكن للمرء أن يجد في ورشة عمل العديد من العمال من نفس المدينة في سوريا. يؤدي هذا إلى خلق جو عمل أكثر ودية يدفع الكثير منهم إلى تفضيل البحث في هذا النوع من ورش العمل قبل البحث في أماكن أخرى. كما أوضح أحد المشاركين الذي فضل الانتقال للعمل من مصنع كبير إلى ورشة صغيرة: هناك انت مجرد قطعة في آلة، هنا، على الرغم من أن العمل ليس آمناً طوال العام، لكنك تشعر أنك بين أشخاص يفهمونك ويشاركونك أموراً كثيرة.

خارج علاقات السيطرة بين رب العمل والعمال هناك مساحات أخرى لا يمكن تجاهلها. خلال إعدادي للإطار المتعلق بأخلاقيات البحث ألزمت نفسي بعدم إجراء أي مقابلات مع عمال في أماكن عملهم. حرصا على عدم التسبب بأي مشاكل لهم في العمل. كان الهدف هو عدم دراية أصحاب العمل بأنهم كانوا يحدثوني عن معاناتهم في الورشة أو المعمل. لكني فوجئت بأكثر من مقابلة أن العمال يحضرون مع صاحب الورشة. كان يحدث هذا مع أولئك الذين يعملون في ورشات صغيرة. كانوا يتبادلون المزاح والضحك كأصدقاء أعزاء. وفي إحدى اللقاءات أخبروني أنهم يعملون معاً ويتشاركون السكن في نفس المنزل (العمال وصاحب الورشة). دفعني هذا للتوقف والتفكير بأهمية هذه المساحات الخارجة عن علاقات القوة لفهم حياة هؤلاء العمل بشكل أفضل. 

كما تشرح سمر بسعادة عن علاقتها مع صاحبة الورشة التي تعمل فيها حيث تتقاضى مبلغ لا يتجاوز الخمسين يورو وتعمل بحدود 7 ساعات يومياً: “هلأ أنا بشتغل هون بالورشة، يعني ما بحس حالي إنو أنا مثلاً عم تعاملني كتركية أو سورية بالعكس، يعني بتحبني بتدقلي الصبح بتقلي وينك عم بستناكي لنشرب النسكافيه مع بعض مثلاً بطلع بشرب قهوة، بتعب شوي بطلع بقعد عالدرج بشرب قهوتي بدخن سيجارة، بالعكس يعني بتحضرلنا الغدا كمان، إنو باكل أنا وياها، بتعاملني كإني أنا بنتها، يعني لحد الآن بتناديلي إنو إنتي بنتي يعني وينك؟ يعني أنا بتقلي أنا عندي ٤ بنات إنتي الخامسة، هية كبيرة بالعمر عمرها ٧٠ سنة.”

 تفضل شريحة واسعة من اللاجئات السوريات العمل في هذه الورشات الصغيرة لكن في مكان قريب من المنزل. المعامل الكبيرة تبدو بالنسبة لهن أماكن غريبة، غير مألوفة، وغير آمنة. بهذه الطريقة يتجنبن القوانين الصارمة الموجودة في المعامل الكبيرة التي لا تسمح لهن حتى بالرد على اتصال هاتفي من أفراد العائلة خلال وقت العمل. التواجد قرب المنزل في ورشة صغيرة تشعر العاملة السورية بأمان وطمأنينة أكثر. فالقرب من المنزل يمنحها أيضاً الشعور بالقرب من العائلة. وإن استطاعت التفاهم مع أصحاب الورشة ستتمكن من المغادرة لوقت قصير لتفقد الأبناء أو لتجهيز الغداء والعودة للعمل. 

هذه التفاهمات غالبا لها تبعاتها السيئة جداً على ظروف عملها وتحديداً دخلها فهي لا تتم بالمجان. كلما ازدادت “المرونة” كلما نقص الراتب. الكثير منهن يخترن العمل من المنزل للبقاء مع العائلة. في هذه الحالة لا يتقاضين أجراً شهرياً ولا أسبوعياً ولا حتى باليوم، وإنما بالقطعة. أي بعدد القطع التي يعملن عليها. 

بشكل عام تعمل النساء في المراحل الأخيرة من الإنتاج مثل التغليف والتنظيف (مثلا قص الخيوط الزائدة أو إضافة بعض التفاصيل لتزيين القطعة). العمل بهذه الطريقة يعني تراجع الدخل الشهري لحدود مهولة قد تجعله لا يتجاوز 50 يورو شهريًا مع عمل لـ 7 ساعات أو أكثر في اليوم. نادراً ما يوجد مثل هذا الأجر المنخفض، حتى بين القاصرين، ويكاد يكون منعدماً بين الرجال. رغم كل هذا لا تغيب مشاعر الذنب في حديث تلك الأمهات اللواتي اضطررن إلى تترك أبنائهن يعملون في هذا المعامل والورشات رغم علمهن بشروط العمل القاسية التي يتعرضون لها: “خطيتهن برقبتي أنا جبتهن على أساس إني أمنلهن مستقبل حلو، تاري هن بدهن يأمنولنا دوانا، وأكلنا وشربنا. نحنا كان لازم نقدملهن هن عم يقدمولنا، بتمنى من رب العالمين يدقولي يوم من الأيام، يقولولي إنو طلعلك سفر، لولادي يعيشوا الأمان، حقيقة، هناك بيلاقوا حالهن، بيروحوا على مدرستهن هن مرتاحين، بيمارسوا هوايتهن وهن مرتاحين، أنا ظلمتهن وبتمنى إنو يسامحوني”!

على العكس من اللاجئات السوريات في البلدان الغربية، تفتقر العاملات في صناعة النسيج في تركيا لكل أنواع الدعم والحماية التي من المفترض أن تقدمها الدولة للعاملين. هن محاصرات من قبل قوانين تعقد من انخراطهن في سوق العمل من جهة ومن مسؤوليات رعاية العائلة في المنزل من جهة أخرى. كل هذا يدفعهن لقبول أسوأ شروط العمل حتى تلك التي لا يقبلها عادة اللاجئون السورين الرجال. رغم كل هذا، تجتاح الكثيرات منهن مشاعر التقصير والذنب تجاه الأبناء لعدم القدرة على توفير احتياجاتهم أو تأمين ظروف حياة جيدة لهم وفي بعض الأحيان تركهم عرضة للاستغلال في سوق العمل. 

خلال البحث كنت أتوجه بسؤال افتراضي: ما الذي ستفعله لو ربحت بطاقة يانصيب بمبلغ 7000 يورو؟ يفيد هذا السؤال في مقارنة الأولويات والاحتياجات بين فئات مختلفة. تقريباً الجميع يشتركون في هواجس الهجرة والرحيل عن تركيا، لكن في حالة النساء يذكر الأولاد تقريباً بشكل دائم كما في حالة سمر “بدفع ديوني وباخد ولادي عاشي ماركت ليشتروا اللي بدهم ياه (بكاء شديد)… أوقف المقابلة!”.

أُنجز هذا التقرير بتمويل من
the European Union’s Horizon, 2020 research and innovation program, Marie Sklodowska-Curie Actions, under Grant 841144 (Project FMGESI).

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.