fbpx

في سوريا لا نجاة حتى من الصاعقة:
الشتاءٌ والنظام يُغرِقان الأحلام والبشر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يريد نظام الأسد النظر إلى معاناة شعبه، لأنهم ببساطة ليسوا ضمن أولوياته، نظام لم تنفع الثورات معه، يبدو أن الناس فيه تعلموا أن ينجو كأفرادٍ، وأن يجدوا الحلول الموقتة والبديلة وأن يفكروا كأن عليهم إصلاح خراب النظام بأنفسهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع اقتراب الشتاء في سوريا، بدأت عائلة خالد في العمل على تجهيز حطب التدفئة، ولأن أسعار الحطب مرتفعة، حاولت العائلة الاستفادة من كل غصن في حقلهم الصغير، ساهم التغيّر المناخي وشحّ المياه في موت عدد من الأشجار، التي عمل خالد على اقتلاعها وتقطيعها ووضعها في غرفة مخصصة لحطب الشتاء، أما بعد تقليم أشجار الزيتون فساعدته زوجته وأمه على جمع رُزَمٍ من العيدان ولفها معاً. استغرقت هذه العملية حوالي 10 أيام، انتهت بغرفة مليئة بالحطب وأملٍ بشتاء أكثر دفئاً.

“لا يمكن أن تفكر بكل همومك كسوريٍّ دفعة واحد

شتاءٌ جديد وقاسٍ يحلّ على السوريين، لم يتغير فيه شيء عن سابقه، إلّا تعوّد العائلات على البرد، أو محاولة تعودها وخلق طرق جديدة للتدفئة، لا تنجح جميعها كما حصل مع عائلة خالد، إذ ليس لكل العائلات حقول تموت أشجارها بسبب القحط، أمر غريب أن يغدو الجفاف عنصراً يعين العائلات على الرغم من خسارتها لجزء من مصدر رزقها وطعامها. لكن وبحسب خالد: “فلنترك تلك الهموم لوقت لاحق، لا يمكن أن تفكر بكل همومك كسوريٍّ دفعة واحد”.

بدأ الشتاء القاسي بغرق فتاة في مدينة اللاذقية في حفرة للصرف الصحي، وكأن المعاناة تعلن عن قدومها بطريقة أو أخرى، لكن الأكيد أنها تصبح أكثر قسوة مع الوقت، وفي المدينة نفسها ضربت صاعقة رجلاً ما أدى إلى وفاته.

 الفرق بين القصتين أن الأولى  تقصيرٌ وإهمال ارتكبته حكومة النظام بعدم إصلاح المرافق العامة أما الحادثة الثانية فقامت بها الطبيعة، وعلى الرغم من أنه لا حول ولا قوة لأحد في ذلك، لكن تبقى رمزية الصاعقة وقتلها للسوري الذي يشعر بالبرد ويبحث عن وقود لعائلته كوميديا سوداء يرددها السوريون “لم ينج السوري حتى من الصاعقة!” 

لم تُطرح الكثير من الأسئلة عن غرق الفتاة، فالجميع يعلم أن السوري متروك ليحل مشاكله وينقذ نفسه بنفسه، فحتى سيارة الإسعاف لم يكن فيها طبيب واضطر أخو الفتاة إلى محاولة انعاشها بالضغط على صدرها! على السوري أن يكون إنساناً وطبيباً ورجل إطفاء وسائق تكسي بالإضافة إلى مهن أخرى، ليتمكن من إنقاذ نفسه!

عشرات السوريين حول مدفئة واحدة

يلامس سعر ليتر مازوت التدفئة 7000 آلاف ليرة سورية، أي حوالى دولار وربع الدولار بينما غدا متوسط راتب الموظف مع ارتفاع صرف الدولار حوالى 20 دولاراً أميركياً، أي أن متوسط الراتب لا يكفي لتدفئة عائلة لأكثر من أسبوع!

يحصل السوريون على المازوت المدعوم بسعر 500 ليرة سوريا لكن بكميات قليلة وقد لا يحصلون عليه البتة، يُرجِعُ البعض عدم حصولهم على مخصصاتهم إلى انتشار الفساد والسرقات. حصل علي (اسم مستعار) على 50 ليتراً من المازوت المدعوم، وإذا كان سيستخدم 6 ليتر يومياً وهي متوسط سعة طاسة المازوت فهذا يعني أنه سيتمكن من التدفئة فقط لثمانية أيام وإن قلل الكمية إلى النصف سيتمكن من التدفئة لـ16 يوماً، ويبقى حل أحجية الأيام والمازوت الذي قد يكفي، معضلة أمام  قطرات المازوت التي بالكاد تسقط داخل المدفأة وبالكاد تُشعر من حولها بالدفء.

التجهيل المتعمد وإغراق السوريين في أبسط متطلبات الحياة سيؤدي حتماً إلى تجاهل أي كوارث أخرى، فما معنى الاحتباس الحراري أمام طفلك وهو يرتجف!

تقول سمر (اسم مستعار): “نحاول التوفير بكمية المازوت المدعوم الذي حصلنا عليه وهي 50 ليتر، لذلك ننضم إلى عائلة زوجي لنتدفّأ جميعاً على مدفئة الحطب الموضوعة في مطبخ المنزل”. توضَع مدفأة الحطب في أغلب المنازل السورية في المطبخ بهدف الاستفادة منها في الطبخ في ظلّ شح غاز الطبخ. يجلس حول المدفأة حوالى عشر أفراد وأحياناً أكثر، من بينهم تلاميذ مدارس، يضطرون إلى الدراسة في غرفة مكتظة، يفقد الأفراد الخصوصية، تصبح الدراسة أكثر صعوبة على الأطفال والعمل مرهقاً لأولئك الذين يعملون عن بعد، وسط أصوات الأواني أثناء الطبخ، ولعب الصغار وأحاديث العجائز لكن الصقيع والبرد لا يتركان الكثير من الحلول. تقول راما 25 سنة (اسم مستعار): “ماذا فعل النظام بنا؟ كيف حوّل حياتنا إلى فوضى وعوز ورضا بأقل ما يمكن من كل شيء؟ لا أستطيع ممارسة أبسط هواياتي وهي القراءة، وسط هذا الإزدحام من البشر الباحثين عن الدفء”.

السوريون يلوثون الهواء

لا يتوافر الحطب لدى العائلات كلها وقد لا يمتلك بعضها ثمنه ما يدفع بها إلى استخدام أي شيء قابل للاشتعال، كالعلب والأكياس البلاستيكية والأحذية والثياب القديمة، وكل ما يمكن أن يشتعل، ترى فوق بعض البيوت سحابة سوداء تنفثها المداخن.

وبالإضافة إلى تلويثها للبيئة، فإن لهذه المواد المشتعلة تأثير مباشر على الإنسان، ويقول أحد الأطباء لـ”درج” أن الأبخرة المتصاعدة من حرق المواد البلاستيكية وغيرها، تسبب مشاكل خطيرة في الجهاز التنفسي ومن بينها غاز ثنائي الكربون والذي من السهل أن يدخل إلى الدم في حال استنشاقه مع دخان الحطب، وفي الدم يلتصق بشدة مع خضاب الدم داخل خلايا الدم الحمراء، ويُؤدي ذلك إلى إعاقة قدرة الدم على حمل الأوكسجين وتزويد أعضاء الجسم المختلفة به، ويتأثر بذلك وبشكل خاص، كبار السن والأطفال والأجنة في رحم الأم الحامل، كما أن التعرض لهذه الأبخرة على المدى البعيد قد يتسبب في تلف الحويصلات الرئوية داخل الرئتين ما قد يسبب أورام سرطانية على المدى الطويل.

ويقول الطبيب عادل أنه وفي فصل الشتاء يزداد عدد المراجعين للعيادات و المشافي والذين يعانون من أعراض تنفسية وخاصة هجمات الربو بكافة مستوياتها.

وفي سؤالنا لبعض العائلات عن رأيهم بعد سماع هذا الرأي الطبي وشرح مدى خطورة تنشّقهم هذه الأبخرة، كانت ردة الفعل واحدة تقريباً، إذ أن البرد أيضاً سيتسبب بالأمراض وخاصة لكبار العمر كألم المفاصل وغيرها، تقول سحر: “الشعور بالدفء مع المرض أفضل من المرض والبرد معاً!”. أما عن تلويث الهواء فهو آخر ما قد تفكر به هذه العائلات. التجهيل المتعمد وإغراق السوريين في أبسط متطلبات الحياة سيؤدي حتماً إلى تجاهل أي كوارث أخرى، فما معنى الاحتباس الحراري أمام طفلك وهو يرتجف! إنها معادلة بسيطة بالنسبة لهذه العائلات.

لا يريد نظام الأسد النظر إلى معاناة شعبه، لأنهم ببساطة ليسوا ضمن أولوياته، نظام لم تنفع الثورات معه، يبدو أن الناس فيه تعلموا أن ينجو كأفرادٍ، وأن يجدوا الحلول الموقتة والبديلة وأن يفكروا كأن عليهم إصلاح خراب النظام بأنفسهم.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.