fbpx

“مذبحة” أشجار جديدة في الزمالك… وقفة احتجاجية لعمرو موسى بلا فائدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سبق أن جرفت الدولة المصرية الحديقة الدولية في حي مدينة نصر، لتحويل أجزاء منها إلى تجمعات للمطاعم والكافيهات، وكذلك، حديقة الطفل وحديقة اللوتس بالحي نفسه من أجل إنشاء “جراج” ومحال تجارية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في صباح السبت، الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2022، غادر عمرو موسى وزير الخارجية وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، منزله مرتدياً ملابس غير رسمية، كمواطن أرستقراطي بعض الشيء يمكن أن تقابل مثله في حي الزمالك، لينضم إلى الوقفة الاحتجاجية التي نظمها العشرات من سكان الحي، أمام سراي الجزيرة، اعتراضاً على إزالة حديقة السرايا وقطع أشجارها وردم مدخل سراي الجزيرة المطل على النيل، من أجل بناء “جراج”(مرآب) متعدد الأدوار، ضمن مشروع ممشى أهل مصر السياحي.

لسنوات، لم يظهر عمرو موسى داخل المجال العام، ولم يحاول أن يستخدم شيئاً من رصيده لدى المصريين، كمرشح رئاسي سابق، وصاحب الشعبية اللافتة أثناء عمله كوزير خارجية في عهد مبارك، حتى إن أغنية المطرب الشعبي، شعبان عبد الرحيم “بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل” التي صدرت أثناء توليه الوزارة، كانت حدثا غير مسبوق وقتها، وتبناها المصريون، حتى أن تلك الأغنية كانت تُلعب في الأفراح، وهو ما اعتبره مبارك نذير خطر؛ ما عجل لاحقاً من خروج موسى من الوزارة.

لم يكن عمرو موسى في ذلك اليوم هو الاسم اللافت الوحيد، كان معه، منير فخري عبد النور، وزير التجارة والصناعة الأسبق، نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق، زياد بهاء الدين نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق، ليلي إسكندر وزيرة البيئة السابقة، أغلبهم شاركوا في حكومات الدولة الجديدة، سواء في المرحلة الانتقالية أو ما بعدها.

في 28 تشرين ثاني/ نوفمبر 2022، بعد أيام قليلة من انتهاء قمة المناخ في شرم الشيخ، فوجئ سكان الزمالك بلودر يردم ضفاف النيل بالحصى والرمال أمام شارع سراي الجزيرة، ويقتلع الأشجار التي تشمل أنواعاً نادرة ضمن مشروع تطوير المنطقة، تحديدا أمام شارع سراي الجزيرة أمام مخرج “نايل مكسيم الذي يعد من المداخل الرئيسية للزمالك، وسيؤدي وجود جراج وفقا لسكان الحي في هذه المنطقة إلى زيادة الزحام والتكدس المروري لضيق الشارع، وطبيعة الحي الذي لا يتحمل مثل الإنشاءات.

لذا قرر سكان الحي إقامة وقفة احتجاجية ، وكان لذلك الحدث أن يظل ضعيفاً، لولا ظهور عمرو موسى وباقي الوزراء، فاكتسب زخماً وسلطت عليه الأضواء، خاصة البرامج التليفزيونية، وكذلك أحيا ظهوره شيئا من الأمل أن يتوقف جرافة شركة الغرابلي الشركة المسؤولة عن تنفيذ الجراج وقطع الأشجار.

في عام 2017، أزيلت أشجار بعضها نادر في الحي من أجل أعمال حفر تخص خط المترو الثالث، وهي المعركة التي خسرها سكان الحي، لأنهم ساعدوا الإعلام وقتها عبر تصريحات ساذجة على تصويرها كأنها دفاع عن وضع طبقي ضد قدوم “الغوغاء”، و “الرعاع”.

لا يكتسب الحدث دلالته فقط من سحر الوزراء، لكنه يقع ضمن سياق كبير، أشبه بالمنهج يعمد إلى تقليل المساحات الخضراء وتجريف الحدائق وقطع الأشجار، بحجة الاستثمار أو توسيع طريق أو إنشاء كوبري وسط وعود لم تثبت صحتها بعد من الحكومة المصرية عن أن كل شجرة تقطع تزرع أخرى مكانها، وعن إطلاق مبادرة 100 مليون شجرة.

سبق أن جرفت الدولة المصرية الحديقة الدولية في حي مدينة نصر، لتحويل أجزاء منها إلى تجمعات للمطاعم والكافيهات، وكذلك، حديقة الطفل وحديقة اللوتس بالحي نفسه من أجل إنشاء “جراج” ومحال تجارية.

كما جرفت الدولة حديقة الفنون المطلة على النيل في المنيل بحي مصر القديمة، في الجيزة يعود تاريخ أشجارها إلى مائة عام، ، وأزالت أجزاء من حديقة الجولف بمصر الجديدة، ومساحات هائلة من حديقة الميريلاند التاريخية بمصر الجديدة لإقامة نصب تذكاري. بلغت الأشجار المقطوعة من الميريلاند وفق تقديرات السكان ما بين 2500 إلى 3000 شجرة، وأزيل ما يقرب من 90 فداناً وفق إحصاءات غير رسمية قام بها باحثون باستخدام خرائط جوجل مابس.

وكذلك جرفت حدائق المنتزه وأنطونيادس بالإسكندرية، ولم تسلم حتى الحدائق في محافظات المنصورة والإسماعيلية وبورسعيد.

بل إن “مذبحة” الأشجار في حي الزمالك، والتي اعتصم من أجلها الوزراء السابقون، لم تكن الأولى، ففي عام 2017، أزيلت أشجار بعضها نادر في الحي من أجل أعمال حفر تخص خط المترو الثالث، وهي المعركة التي خسرها سكان الحي، لأنهم ساعدوا الإعلام وقتها عبر تصريحات ساذجة على تصويرها كأنها دفاع عن وضع طبقي ضد قدوم “الغوغاء”، و “الرعاع”، فالجزيرة الراقية محاطة أيضا بالعشوائيات وسكان القاهرة القديمة.

النبرة في تلك الوقفة، مختلفة، فهي تركز في الأساس على العنصر الجمالي وثقافة العمران، أهمية التنزه والتنفس في مدينة خانقة، لذا حظيت بتعاطف أكبر، وهو الشيء عينه الذي صرح به عمرو موسى والوزراء في أسباب انضمامهم للوقفة.

تعد الأشجار واحدة من علامات حي الزمالك، بعضها يرجع تاريخ زراعته إلى تاريخ تخطيط وتأسيس الحي نفسه قبل مئتي سنة، وتضم واحدة من أشهر الأشجار المعمرة في العالم، تعرف باسم شجرة الزمالك، على بعد أمتار قليلة من برج القاهرة، وهي شجرة ضخمة ذات فروع كبيرة يكاد أن يكون كل فرع منها أشبه بشجرة مستقلة، تنبثق منها شجيرات أخرى متعانقة وملفوفة ومتداخلة، وقد جلبت من الهند بأمر من الخديوي إسماعيل، وزرعت في مصر عام 1868، أي قبل أكثر من قرن ونصف، عندما قرر الخديوي إحضار مجموعة من أشجار التين البنغالي، وزرعت في مناطق مختلفة بأحياء القاهرة والجيزة، نظرا لمظهرها الجمالي وما توفره من مساحة ظل كبيرة.

شجرة الزمالك ذات الأصول الخديوية هي آخر شجرة متبقية من تلك المجموعة، وتعد بمثابة مزار سياحي للأجانب والمصريين.

جزيرة الزمالك بموقعها الفريد على النيل، مازالت بشوارعها التي تملؤها الأشجار، ورغم ما تعرضت له من تغييرات في تركيبها الاجتماعي والتاريخي تكاد أن تكون جذرية، فرصة لالتقاط الأنفاس داخل القاهرة المنهكة الملعونة بالزحام والضجيج والإهمال. كما أنها حافظت على طراز معماري مميز ونسق فريد، وميزتها الجاليات الأجنبية كمجتمع كوزموبوليتاني، وتتركز في منطقة الزمالك عدد من السفارات كسفارات إثيوبيا والبرازيل وِألمانيا وهولندا وكولومبيا وتونس ولبنان، كما أنها مقر لثلاث كليات شهيرة من كليات جامعة حلوان هي كلية التربية الفنية، وكلية التربية الموسيقية وكلية الفنون الجميلة.

وتتخذ العديد من المنظمات الأهلية غير الرسمية والدولية من منطقة الزمالك مقرًا لها، كما يوجد بها ساقية عبد المنعم الصاوي الشهيرة بالعروض والفعاليات الثقافية والفنية. ويعتبر شارع أبو الفدا المطل على نهر النيل متنزهاً غير رسمي للمواطنين المصريين.

شجرة الزمالك ذات الأصول الخديوية هي آخر شجرة متبقية من تلك المجموعة، وتعد بمثابة مزار سياحي للأجانب والمصريين.

في كتابه الهام، “شوارع لها تاريخ، سياحة في عقل الأمة”، يوضح المؤرخ عباس الطرابيلي، نشأة ذلك الحي، وارتباط تلك النشأة بالجمال والأشجار والعمران، وكيف أصبحت الزمالك هي الحي المفضل للبرجوازية المصرية منذ بدايات القرن العشرين والتي لعبت دورا كبيرا في مجالات السياسة والفنون والثقافة، ربما يكون عمرو موسى، آخر تجلياتها في السياسة، في ظل تغييرات تطال التركيب والنسيج الاجتماعي لمصر كلها، من القمة إلى القاعدة.

يقول الطرابيلي في كتابه:

“كانت الزمالك قبل عصر إسماعيل مجرد مكان يلجأ إليه الشباب لقضاء أوقات طيبة لطيب هوائها. وهي التي بدأت كمكان للهو والغناء والطرب، إلى أن جاء الخديوي إسماعيل فأقام فيها واحداً من أكبر قصوره هو قصر الجزيرة أو سراي الجزيرة على مساحة 60 فداناً وتكلف بناؤه 898691 جنيهاً، وأتى بالمهندسين من فرنسا وإيطاليا لإنشائه وتزيين حدائقه. وفيه أقامت الإمبراطورة أوجيني إمبراطورة فرنسا خلال حضورها احتفالات فتح قناة السويس.

وانتعشت جزيرة الزمالك بعد ذلك بإنشاء عدد من الحدائق كالأندلس والزهرية والحرية، وأقيم أمام كوبري قصر النيل المعرض الصناعي لأول مرة عام 1938، فزاد من تعمير الجزيرة وأقامت فيها وزارة المعارف أول حمام مغطى للسباحة مع إنشاء النادي الأهلي.

وقد أقام الملك فاروق استراحة له عند رأس الجزيرة الجنوبي هي استراحة فاروق التي أصبحت مقراً لمجلس قيادة الثورة، ثم جاء بناء برج القاهرة ليصبح أكبر معلم من معالم جزيرة الزمالك.

وجود الأجانب في الحي مهد لظهور طرز مستمدة من العمارة الغربية، برعاية من الدولة المصرية آنذاك التي كانت تسعى لمنافسة باريس، تعد الآن تحفا معمارية، إلا أن عدداً من القصور بعد ثورة يوليو 1952 تحول إلى مقار ودوواين عمل حكومية.

تسارعت وتيرة تلك التغييرات في السنوات الأخيرة، يفقد فيها المكان من طبيعته التاريخية المميزة، من بينها مشروع العجلة الدوارة، سهولة إعطاء تراخيص المطاعم والكافيهات، والعديد من المشاريع الاستهلاكية التي طمست معالمه، بعين لا ترى الجمال قدر ما ترى فرص الربح. 

بدأت الأزمة قبل عامين، عندما كشفت الحكومة عن خططها لإقامة ممشى حول جزيرة الزمالك، فأرسل السكان من خلال جمعية أهلية خطابا للحكومة لمحاولة الاستفسار عن خطة المشروع وطالبوا بمشاركة المجتمع المدني في الدراسات البيئية التي أجريت للمشروع وإن كان قد جرى استشارة هيئة التنسيق الحضاري من عدمه.

أرسلت الهيئة الهندسية ضابطًا مهندسًا قبل ثلاثة أشهر، قدّم عرضًا مرئيًا للتعريف بالمشروع، الذي يتضمن إقامة ممشى بطول ثمانية كيلومترات حول الجزء الشرقي من جزيرة الزمالك، بالإضافة إلى أكشاك للكافيهات والمطاعم، وتقدم النائب البرلماني أشرف حاتم بطلب إحاطة في البرلمان لم يناقش إلى الآن.

بالإضافة إلى الوقفة الاحتجاجية، تقدم عدد من نواب البرلمان بطلبات إحاطة حول الموضوع، من بينهم النائبة سميرة الجزار، عضو لجنة القيم بالبرلمان، التي قالت في الطلب الموجه إلى كل من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزراء الاستثمار والبيئة والري، إن إزالة حديقة السرايا، وقطع أشجارها وردمها وردم جزء من النيل بهدف بناء جراج متعدد الطوابق على النيل يعد مخالفا للدستور والقانون” لافتة إلى “حق المواطن في عدم حجب النيل”

وكانت النائبة قد تقدمت من قبل بسؤال برلماني عام 2011 بشأن قطع أشجار الكافور التي زرعها الخديوي إسماعيل في حي العجوزة وزراعة نخيل مكانه لم يستمر سوى عامين قبل أن يموت.

ربما ظن عمرو موسى أن سحر حضوره القديم، مازال صالحاً للحصول على وعود، وقد حصل بالفعل على وعد محافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال بحل المسألة.

في كل الأحوال لم تكترث السلطات، لا بوقفة سكان الزمالك ولا بالوزراء السابقين، ولا طلبات الإحاطة بمجلس النواب التي لم تناقش حتى الآن.

عقب أيام بسيطة من الوقفة وتصريحات وزير الخارجية الأسبق فوجئ سكان الزمالك، بإزالة الأشجار من جانب الشركة المنفذة، لاستكمال مشروع “الجراج”.

يقول اللودر الطليق الذي يقطع أشجار مصر: أفعل ذلك من أجل الاقتصاد. ويقول تقرير للبنك الدولي إن تلوث الهواء في القاهرة يكبد مصر تكلفة اقتصادية تبلغ 1.4% من إجمالي الناتج المحلي.

ووفق دراسة حديثة قام بها عباس الزعفراني، مدرس بكلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة، فإن نصيب الفرد في القاهرة من المساحات الخضراء لا يتعدى متراً ونصف المتر لكل فرد، وهو الأقل بين المدن العالمية التي يتراوح فيها نصيب الفرد من بين 10 إلى 18 متراً، بل ووفق المعايير المصرية نفسها للمدن الجديدة التي تنص على أن يتراوح نصيب الفرد فيها من المساحات الخضراء ما بين 11 إلى 13 متراً.

وتعاني القاهرة من تلوث هوائي شديد لأسباب عدة منها زيادة عدد السيارات الخاصة التي تسير في شوارع العاصمة والأنشطة الاقتصادية وعدم تجدد الهواء فوق العاصمة بشكل مناسب، ويزيد من تفاقم الأمر عمليات تجريف المساحات الخضراء وقطع الأشجار التي كان يمكن أن تخفف من آثار التلوث بشكل كبير وخصوصاً تقليل نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو.

وبحسب البيانات الواردة في المؤشر العالمي الذي يقيس جودة الهواء في 6475 مدينة حول العالم، فإن القاهرة جاءت ضمن الدول الأعلى في معدلات التلوث، حيث احتلت المركز الـ 27 من بين 117 دولة على مؤشر تلوث الهواء خلال 2021.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.