fbpx

في باريس: أنا كردي من عفرين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أنا كرديّ”، عبارة لا تعني شعور التفوّق والاعتزاز بالهويّة، بقدر ما تعني شعوراً بإمكانيّة أن يتعرّض الكردي للموت، بوصفه أجنبياً، ومدى تقبّل الروح الكرديّة للموت، بوصفها شريك حياة وصديق درب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ثلاثة أشخاص قتلوا فيما أصيب ثلاثة آخرون إثر هجوم مسلّح استهدف مركزاً ثقافيّاً كرديّاً وأماكن يرتادها لاجئون كرد في الدائرة العاشرة بالعاصمة الفرنسيّة باريس. 

النيابة العامة في باريس ذكرت أن منفذ الهجوم تم القبض عليه ويبلغ من العمر 69 عاماً، وسبق أن استهدف لاجئين عام 2021. فيما أشار وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، أن المسلح استهدف الأجانب.

“أنا كردي” 

وسم استخدمه ناشطون وصحفيون ومؤثّرون للتعبير عن تضامنهم مع ضحايا هجوم باريس، الذين قتلوا على أساس هويتهم الأجنبيّة والكرديّة.

“أنا كرديّ”، عبارة لا تعني شعور التفوّق والاعتزاز بالهويّة، بقدر ما تعني شعوراً بإمكانيّة أن يتعرّض الكردي للموت، بوصفه أجنبياً، ومدى تقبّل الروح الكرديّة للموت، بوصفها شريك حياة وصديق درب، ومدى أن تكون هذه الهويّة وحدها كافية لأن تؤدّي إلى الموت. كأن تقول لماذا تُقتل؟ لأنّني كردي! 

قبل ساعات من هجوم باريس، قُتل لقمان حميد حنّان، تحت التّعذيب، وهو محامي كردي (45 سنة)، خُطف الثلاثاء الماضي من أمام منزله في حي المحموديّة بمدينة عفرين المحتلّة، وبعد يوم عاد جثّة معذّبة إلى أهله. في بالي سؤال الجميع: لماذا قُتل؟ لأنّه كرديّ، لأنّي كرديّ، ولأنّنا كرد. هذا هو السبب الوحيد الّذي أدّى إلى قتله تحت التعذيب، وهو السبب الأبرز الذي يمكن أن يحوّل خبراً بهذا الكم من البشاعة إلى خبر هامشي، يتداوله أو لا يتداوله سوريون كثر، لأن المقتول “أجنبي”.

ثلاثة أشخاص قتلوا فيما أصيب ثلاثة آخرون إثر هجوم مسلّح استهدف مركزاً ثقافيّاً كرديّاً وأماكن يرتادها لاجئون كرد في الدائرة العاشرة بالعاصمة الفرنسيّة باريس.

لا تختلف مسبّبات الاستهداف الذي تعرّض له الكرد في باريس عن أيِّ مسبّب استهداف حدث/ يحدث، ويمكن أن يحدث للكرد في سوريا ودول الوجود الكردي في المنطقة. الكرد الذين قتلوا في باريس، قتلوا بوصفهم أجانب، والكرد في سوريا قتلوا بوصفهم أجانب، أجانب عن التّاريخ والجغرافيّة وهويّة سوريا. وكثيرون منهم أجانب في بلادهم لا يحملون حتى هويّتها. 

في سوريا، حُرم الكرد من الجنسيّة، وسُلبت أراضيهم، ومنعت لغتهم. في تركيا، هُجِّر الكرد من ديارهم، ونُهبت ثقافتهم، ومحقت السلطات التركيّة الكرد أدنى حقوقهم. في العراق، قُصف الكرد بالكيماوي، ودمرت مدنهم مرّات ومرّات. في إيران، تلاحق المخابرات الإيرانيّة وطائراتها الكرد الفارين من مشانق الإعدام، ومن قمع واستبداد النظام الإيراني. هذا غيض من فيض ما حصل للكرد، كلّ ذلك حصل، بوصف الكرد “أجانب” عن هذه البلدان، بوصفهم لاجئين مستحدثين على الأرض، تحوّلوا إلى كرة تُرمى من بلاد لبلاد. ظّلت “الأجنبي” هي الصفة الوحيدة التي رافقتهم في كل رمية.

عام 2020، منعت تركيا عرض مسرحيّة كوميديّة باللغة الكرديّة في اسطنبول، بتهمة أنّها ترويج ودعاية إرهابيّة، لمجرد أنها بالكرديّة. مع إنّ المسرحيّة هي لكاتب إيطالي اسمه داريو فو واسم المسرحيّة “الأبواق والتوت البرّي” وليست مسرحيّة كرديّة إنما تمّت ترجمتها، وسمِّيت بالكرديّة “بيرو”. هذا إجابة على السؤال ذاته، أنا كرديّ، متّهم بالإرهاب، لأنّني كردي، فقط كردي. 

يخلق هذا التناغم بين ممارسات اليمين المتطرف الأوروبي، والسلطات التي تحكم بلاد الكرد استفهاماً: من هم الكرد؟ بمعنى من هم الأجانب المعرّضون لخطر الموت، وما هي المسافة التي يمكن أن تشملها هذه الصفة؛ في حالة الكرد، لا تبدو هذه المساحة مقتصرة على الأفراد، بل تجاوزت الممتلكات والأراضي والأثَر والبيئة. فالدّمار البيئي الذي يخلقه الاحتلال التّركي في عفرين، بوصفها بيئة كرديّة، يصنعها كرد، ويعيش منها كرد، وتدميرها، يمنع الكرد من أرضهم، ومن العودة إليها. الأشجار الّتي قُطعت، والأماكن الأثرية التي نهبت وتعرضت للتخريب، حدث لها ذلك بوصفها كرديّة.

يحدث ما يحدث للمدن الكرديّة السّورية، ليس بوصفها مسرحاً لصراع مسلّح أيديولوجيّ، بل لأنّها مدن كرديّة. هذا الاستهداف هو الذي يخلق جواب: أنا كردي. هذه المدينة كرديّة! هي إجابة على النكران والنفي، ومحاولات طمس الهويّة، وهي الإجابة الّتي يركّز الكرد على تعريف أنفسهم بها: كرد سوريون، لأن من حصل على الهوية السّوريّة منهم كان عربياً بتعريف الهويّة، وكان عدوّاً للدّولة، بتعريف الدولة له.

والحال أنّ صفة “الأجنبيّ” لا تشكّل الفارق كردياً، فالكرد أجانب، أجانب في بلادهم، كثيرون منهم يحملون ورقة حمراء مكتوب في أعلاها “أجنبي”، هم أجانب في بلادهم التي ولدوا فيها، يتعرّضون لمنع لغتهم الأصلية، بوصفها لغة أجنبيّة، وتُمنع مدنهم من التنمية، لأنها أجنبيّة، وتُنكر هويّتهم القوميّة، لأنها أجنبيّة، ويقتلون، مستعدّون للموت، لأن “الأجنبيّ” في مدينته، مشروع مقتول مؤجّل.

أنا كرديّ، مستعدٌّ للموت!

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.