fbpx

الحاكم في متاهته الخريفية: الذَّبُّ والأَوْبُ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مَنْ تَحَلَّى بغير ما هو فيهِ/ فضَحَتْهُ شواهدُ الامتحانِ… هذه مقاربة أولى بحثاً عن مدخل لمتاهة السيسي الخريفية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دخلت مصر منذ الربيع الماضي طوراً جديداً من أزمتها المتفاقمة في ظل النظام الذي يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأظهرت الساعات المصورة من حفل افتتاح القرية الأولمبية وتدشين وحدات بحرية جديدة لهيئة قناة السويس في 8 أيلول/سبتمبر الماضي عمق وتعقيد تلك الأزمة، وبوادر تحول، وإن كان طفيفاً، في سياسات النظام.

هنا محاولة أوّلية للبحث عن مدخل للمتاهة التي دخلها رأس النظام.

قد يلاحظ من تابع حفل القرية الاولمبية تفصيلاً يشغله عن متابعة الكلمات الرسمية، وهو الحضور الطاغي للذباب، ففي الدقائق الأولى يتضح كم كان الذباب هو الفاعل الأقوى في الاحتفالية.

هذا ما استوجب الجزء الثاني من عنوان هذه الكلمات، حيث أن الذَّبُّ، هو: الدَّفْعُ والـمَنْعُ، الطَّرْدُ، والأَوْبُ، هو: الرُّجُوع. وقد حفز على اختياره مقال للدكتور علي جمعة بعنوان: “الذباب كُلَّمَا ذُبَّ آبَ” (الأهرام- 3 آب/أغسطس، 2014)

وعلي جمعة يحوز على أربعة أسباب تجعله “مرجعا” في الأمر كله، فهو: مفتي الجمهورية السابق (2003- 2013)، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، ورئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس النواب (معين بقرار من رئيس الجمهورية، يناير/كانون الأول 2021)، وعضو مجلس أمناء صندوق تحيا مصر (2014-..).

التاريخ الفقهي في شأن الذباب

بدأ جمعة، مقاله بمدخل لغوي يفسر فيه عنوان مقاله، فيذكر أن الذباب سمّي بذلك “لأنه كلما ذبه الإنسان عنه وأبعده فإنه يعود إليه”، مضيفاً: “وتحدث ربنا عن الذباب في كتابه الكريم ضارباً به المثل حيث جمع بين الضعف وهذه الصفات التي تجعل المقابل له ضعيفا أيضا من شدة إصراره على العود وعدم اهتمامه بشعور الآخرين”، ثم ذكر أنه “يحكى أن بعض الخلفاء سأل الشافعي رضي الله عنه: لأي سبب خُلق الذباب؟ فقال: مذلة للملوك. وكانت ألحت عليه ذبابة، فقال الشافعي: سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطته من الهيئة الحاصلة”.

نجد ما ذكره جمعة في كتاب “سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد” للصالحي الشامي (القرن العاشر الهجري)، وهذا نص ما ذكره: “يحكي أن بعض الخلفاء سأل الإمام الشافعي لأي علة خُلق الذباب؟ فقال: لمذلة الملوك، وكانت ألحت عليه (الخليفة) ذبابة. قال الشافعي: سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطت ذلك من الهيئة الحاصلة”.

نفهم، إذا، أن زمن “الواقعة” يعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري؛ فالشافعي (150-204هـ / 767-820م)، وهو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، وقد شاهد واقعة الذبابة والخليفة فاستنبط “حكمه” في علة خلق الذبابة (مذلة الملوك)، لكن الصالحي (وقد تبعه جمعة) لم يحدد من هو الخليفة، واستخدم تعبير محير (بعض الخلفاء، وليس أحد الخلفاء)، ربما لكي يتجنب حسم الحيرة الناتجة من تنوع وتناقض الروايات وأبطالها.

فقد ذكر أحمد بن خلكان البرمكي الإربلي (القرن السابع الهجري) في كتابه “وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان” الآتي: “روي أن أبا جعفر المنصور كان جالسا فسقط عليه الذباب فطيره فعاد إليه وألح عليه وجعل يقع على وجهه وأكثر من السقوط عليه مرارا حتى أضجره، فقال المنصور: انظروا من بالباب، فقيل له: مقاتل بن سليمان، فقال: علي به، فأذن له، فلما دخل عليه قال له: هل تعلم لماذا خلق الله تعالى الذباب، قال: نعم ليذل الله عز وجل به الجبابرة فسكت المنصور”. ويكمل ابن خلكان معرفا بمقاتل: “ومقاتل بن سليمان مشهور بتفسير كتاب اللّه العزيز، وأخذ الحديث عن جماعة… قعد يوما فقال: سلوني عما دون العرش. فقال له رجل: آدم عليه الصلاة والسلام لما حج أول حجة حجها من حلق رأسه، فقال ليس هذا من علمكم ولكني ابتليت لما اعجبتني نفسي. وقيل إنه قيل له الذرة أو النملة أمعاؤها في مقدمها أو مؤخرها؟ فلم يدر ما يقول فكانت عقوبة عوقب بها. وأنشد أبو عمرو بن العلاء في هذا المعنى:

مَنْ تَحَلَّى بغير ما هو فيهِ/ فضَحَتْهُ شواهدُ الامتحانِ

وابن العلاء من القراء السبعة، عالم بالعربية والشعر والنحو مات بالكوفة سنة 156 هـ، والبيت في العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي.

كمال الدين الدميري (النصف الثاني من القرن الثامن الهجري) ينقل في كتابه “حياة الحيوان الكبرى” الحكاية بتكثيف طفيف، لكنه بعد بضعة أسطر يذكر الآتي: “وفي مناقب الإمام الشافعي أن المأمون سأله فقال: لأي شي‌ء خلق اللّه الذباب؟ فقال: مذلة للملوك. فضحك المأمون، وقال: رأيته وقد وقع على جسدي، فقال: نعم، ولقد سألتني عنه وما عندي جواب، فلمّا رأيته قد سقط منك بموضع لا يناله منك أحد فتح اللّه لي فيه بالجواب. فقال (المأمون) للّه درك”.

وفي نهاية بحثه عن الذبابة يقدم الدميري طرق “مكافحة الذباب”، فيذكر أن الجاحظ قال: إذا ضرب اللبن بالكندس ونضح به البيت لم يدخله ذباب،…، وإذا بخر البيت بورق القرع أو كندس أو سليخة ذهب منه الذباب، وإذا طبخ ورق القرع ورش به البيت أو الحيطان لم يقع فيه ذباب”.

والكُنْدُسُ؛ بحسب القاموس المحيط،: عُرُوقُ نَبَاتٍ داخِلُهُ أصْفَرُ وخارِجُهُ أسْوَدُ، مُقَيِّئٌ مُسْهِلٌ، جَلاَّءٌ للبَهَقِ، وإذا سُحِقَ ونُفِخَ في الأنْفِ، عَطَّسَ، وأنارَ البَصَرَ الكَليلَ، وأزالَ العَشَا.

أما السليخة فهي القرفة الصينية، ولورود الكلمة في عدد من أسفار العهد القديم (الخروج، حزقيال، المزامير) دلالات طقسية/ دينية، تضاف لدلالات استخدامها الطبي والغذائي.

لا حاجة لتعقب نقل الدميري عن الجاحظ، لأن الغاية من ذكر ما كتبه هو تبيان أن أمر “الذب” كان هما، وجرى تجريب عدة طرق، ربما منذ أن انشغل الإنسان بتلك العلاقة التي عرفها جمعة (الضعف المتبادل بين الإنسان والذبابة)، ودقائق محدودة من البحث ستكشف مدى اتساع الوسائل “السلمية” لمنع الذباب، يمكن فقط أن نذكر بعض عناوين موضوعات صحفية مخصصة لربات البيوت: خمس طرق بسيطة للتخلص من الذباب المنزلي، خطوات منزلية للتخلص من الذباب بصورة نهائية، حيل ولا أبسط.. تبعد الذباب عنك في الصيف.

من التراث إلى الحاضر

العودة إلى جمعة ومحاولة ترتيب حكايته في ضوء الصالحي وابن خلكان والدميري، أي بعض ما يمكن وصفه بـ “التراث الفقهي في شأن الذباب”، فرضتها ثلاثة أمور: الأول: تكرار إحالة الرئيس الدائمة إلى اعتبارات ومفاهيم وتعابير دينية؛ ففي أثناء مقاطعته لكلمة رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، أمام (المؤتمر الاقتصادي.. مصر 2022) بالعاصمة الإدارية في 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قال السيسي”لازم تعرفوا إن ربنا سبحانه وتعالى يسر هذا الأمر، وأن الموضوع كله من الله سبحانه وتعالى”، وفرضها، ثانيا، الرغبة في فهم كيف تعجز الدولة المصرية بكل تكوينها البالغ التضخم عن منع الذباب عن مضايقة الرئيس وحكومته؟، وفي الواقع يمكن اعتبار التفكير في أمر الذباب مماحكة سمجة تريد أن “تقذف” السيسي بالإحالة إلى المأمون أو المنصور، سماجة تجترئ على المنجز غير المسبوق الذي يلوكه النظام طوال الوقت، لكن منظر الرئيس وحرسه الشخصي، ووزير الدفاع، وكل من في القاعة جميعا وهم يهشون الذباب بصورة متكررة يدعو للتفكير في كيفية إدارة النظام لشؤون الدولة، وقد قدم السيسي ملمحا رئيسيا لهذه الكيفية حين أمر وزير المالية بالكذب صراحة أمام المصريين والعالم كله: “قول رقم يتحفظ يا أخي، ما تقول 200”

السيسي مغرم بالتقديرات غير المنضبطة، ويجبر المسؤولين على تتبع تصوراته تلك: يقول: “لو سعرت الكهربا النهاردة على التسعير الحقيقي ممكن يتضرب الرقم اللي بيدفع دلوقتي عشر مرات” فيصحح له رئيس الوزراء: “خمس مرات”، فيرد ممتعضا: “يعني”.

وفرضها، ثالثا، قول السيسي في المؤتمر الاقتصادي أن الدولة تدار بـ “فهم، وعلم، ومسؤولية، وأمانة”.

 الوقائع الثلاث مؤشرات بحاجة إلى إسناد واقعي، أكثر تفصيلا.

في  23 أيار/مايو 2017 افتتح الرئيس السيسى المرحلة الأولى من مدينة الأثاث بدمياط.

عُرفت أحداث ذلك اليوم بعدة عناوين، سيتم التركيز على أربعة منها: أولها: “الرئيس السيسى يعنف نائب برلمانى لحديثه دون دراسة”، وفي تفاصيله: عنف الرئيس عبد الفتاح السيسى، النائب أبو المعاطى مصطفى، أثناء افتتاحه المرحلة الأولى من مدينة الأثاث بدمياط، عقب مطالبة النائب، بتأجيل تحريك أسعار الوقود المرتقبة لحين رفع الحد الأدنى للأجور لـ ثلاثة آلاف جنيه.

وتوجه الرئيس السيسى برأسه للخلف وقال له: “أنت مين .. أنت دارس الموضوع اللى بتتكلم فيه ده.. أيه ده”.

ثم وجه الرئيس حديثه بشكل عام قائلاً: “أنتم دارسين الموضوع اللى بتتكلموا فيه ده.. أنت فاكرنى لما تيجى تقولى الموضوع ده فى موضوع عام زى ده وتقولى أرجاء أرجاء.. أنت عاوز الدولة تقوم ولا تفضل ميتة”.

وعندما هم النائب بالحديث، قاطعه الرئيس السيسى قائلاً: “لا لو سمحت ادرسوا المواضيع كويس وأعرفوا البلد فيها أيه..3 آلاف جنيه حد أدنى ..بعد كام سنة.. لا طبعاً من فضل حضرتك.. أنا ممكن كنت أسكت وأقول طيب  لكن لا.. أتفضل”.

واقعة “تعنيف” نائب الشعب، تشير إلى طبيعة العلاقة المتبادلة بين الرئيس ونواب الشعب “المنتخبين”، وهي علاقة تعززت بمرور الأيام، استنادا إلى هذه الواقعة التأسيسية.

ثانيها: ” السيسي: “لما خدنا قرار تعويم الجنيه كنا عارفين تأثيره الصعب لكن مصر أفضل الآن”، حيث أكد السيسى أنه “كان يعلم بحجم التأثيرات الصعبة التي ستترتب على قرار تحرير سعر الصرف “تعويم الجنيه”، قائلا: “لما خدنا قرار تعويم الجنيه كنا عارفين إنه هتكون ليه تأثيرات صعبة على كل المصريين، بس إحنا كنا عارفين كمان إنه هيدى فرصة حقيقة لمصر إنها تصدر صناعة وزراعة بشكل كبير، والآن أصبحت لدينا فرصة جيدة..السوق والصناعة والزراعة المصرية أصبحت منافسة بشكل كبير جدا، أصبحت لدينا فرصة جيدة، ونريد التوسع فى الزراعة والصناعة حتى لا نضيع هذه الفرصة”.

ثالثها: “شاب ينقل للرئيس رسالة من والدته.. والسيسي: أنا أكتر واحد محتاج الدعاء”، حيث التقى السيسي بعدد من الشباب، واقترب أحد الشباب منه قائلا: “عندي رسالة عايز أوصلها لحضرتك من والدتي.. والدتي بتسلم على حضرتك وبتدعي لك”، ورد السيسي على الشاب مبتسمًا: “هي عارفه هي عارفه.. إني أكتر واحد محتاج الدعاء”.

رابعها: “السيسي: في ناس فاكرة إنها فوق القانون…مانبقاش رجالة وعندنا مُروءة لو سمحنا لحد يمد ايده على أرض بلده ونسيبهاله”

الآن فلننظر إلى مصير ذلك الثلاثاء. والبداية من الرباعي: فهم، وعلم، ومسؤولية، وأمانة.

في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2021 قام الرئيس السيسي بجولة تفقدية لعدد من المشروعات القومية بمحافظة قنا، وتحدث عن مدينة دمياط للأثاث، معترفا بوجود خطأ كبير في التخطيط والتنفيذ.

وسيلاحظ متابع الحدث كيف يصر السيسي؛ بصورة فجة مرة آخرى، على أن يقول المسؤول ما يخالف الحقيقة (نقول عشرة مليار)

وعن “تعويم الجنيه” في تشرين الأول/نوفمبر 2016، الذي تحدث عنه في دمياط، كشف السيسي خلال فاعليات المؤتمر الاقتصادي في تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي آلية اتخاذ هذا القرار، حيث رفضه جميع المسؤولين، وكان بمفرده من اتخذ القرار، مهددا الجميع: “لو الشعب رفض الإصلاح ، الحكومة تقدم استقالتها الخميس وهدعوا لإنتخابات رئاسية مبكرة السبت”

لكنه لم يوضح كيف كان لـ “الشعب” رفض المسار!؟

ومنذ الربيع الماضي بدأ السيسي بالاعتراف بأن هناك أزمة كبرى، ووصل في حديثه وهو يهش الذباب، إلى حد الإقرار: “طب أنا عندي أزمة.. أنا عندي مشكلة”.

مستنداً إلى المخيال الديني، ومحملاً المصريين تبعات قراراته.

وبينما كان السيسي “أكتر واحد محتاج الدعاء” فإنه في الخميس  1 كانون الأول يضحك وهو يقول: “يا جماعه يا بتوع ربنا انتو بتظلمو الدعاء”. فإذا كان رد السيسي على من يدفع إليه بهذا التناقض بادعاء أنه يعمل، فسيكون الرد، أنظر إلى مدينة الأثاث.

يتبقى من عناوين ذلك الثلاثاء في دمياط حديث الرجولة، واالمُروءة؛ التي هي: كمال الرُّجوليَّة.

فلننظر إليها فيما تبقى من هذا المدخل إلى متاهة السيسي الخريفية.

تحدي كمال الرجولة  في دمياط في 23 أيار  2017، كان يدور حول البناء المخالف للقوانين؛ خاصة البناء على الأراضي التابعة للدولة والأراضي الزراعية.

وقد انتظر التحدي إلى حين تزود السيسي بقوة إضافية منحه إياها مجلس النواب، فأصدر السيسي في 8 نيسان/ أبريل 2019 قانون رقم 17 عام 2019 في شأن التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها، وكان القانون بحاجة إلى لائحة تنفيذية أصدرها رئيس الوزراء في 8 تموز/يوليو تحت رقم 1631.

لكن الجميع: مجلس الوزراء ومجلس النواب ورئيس الجمهورية اكتشفوا أن القانون به من الأخطاء ما يستوجب إصدار قانون جديد بعد أقل من ستة أشهر، فصدر في 7 كانون الثاني/يناير 2020 قانون رقم 1 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 17 عام 2019 في شأن التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها، وإلى تعديل لائحته التنفيذية. ما يظهر أن تحدي كمال الرجولة يواجه مقاومة قوى عاتية. فلنرى باقي مسار التحدي.

بعد خمسين يوما من صدور اللائحة التنفيذية، وخلال خلال افتتاحه مجموعة من المشروعات القومية في الإسكندرية في آب 2020، ظهرت في الصحف والمواقع الخبرية هذه العناوين:

السيسي للمسؤولين: “اللى مش هيقدر يحقق الانضباط يقولى سلام عليكم أنا مش قده”.

الرئيس السيسي: حجم الناتج من التصالح في مخالفات البناء لم يتجاوز 10% فقط.

الرئيس السيسي لـ “وزير الدفاع”: هخلي الجيش المصري ينزل كل قرى مصر عشان المخالفين”.

كمال الرجولة على المحك الصعب. تهديدات بـ “الإبادة”، ونزول الجيش إلى كل شبر فيه مخالفات، وتهديد بترك المنصب “أسيب مكاني”.

بعد عامين من هذه التهديدات التي لا حدود لها جرت ماكنة الحكومة والمجالس النيابية بأقصى طاقاتها لسن قانون جديد، مازال حتى وقت كتابة هذه الكلمات في أروقة مجلس النواب ولجانه المتخصصة.

هناك بعض التفاصيل الضرورية، سوف يترتب عليها نتائج ودلالات تكشف طبيعة المتاهة الخريفية.

صناعة التشريع في حالة سيئة للغاية. ليس الأمر مجرد رداءة وإرتجال وتعجل، بل تتجاوز كل هذا إلى الشك في تعمد أن تخرج القوانين على هذا الشكل، أو أن رئيس الجمهورية يطلب أمرا تخالفه فيه كل مؤسسات الدولة، مما يجعله يتخبط منتقلا من تحدى لا يقدر عليه إلى آخر أكثر تعقيدا.

المادة الأولى من قانون رقم 1 عام 2020، الذي يعدل القانون 17 الصادر قبل ثمانية أشهر فقط، تظهر أن التعديل بالغ الاتساع، فهي تستبدل نصوص سبع مواد من القانون الذي يتكون من اثنتي عشرة مادة. وفي تفصيل كل مادة مستبدلة يتضح مدى رداءة الصياغة التي يغيب عنها أي وعي بطبيعة تعقيد القوانين ومخالفتها للواقع.

أما النظر إلى مشروع القانون الجديد فتكشف إلى أي مدى كان تحدي كمال الرجولة مجازفة بالغة الرعونة. ويكفي مثالان: الأول ما كشفت عنه مداولات نواب الشعب في المجلسين (الشيوخ والنواب) أن التصالح جرى على أقل من 4% من المخالفات، والثاني أن مشروع القانون الجديد يتراجع تماما، وبصورة مفجعة أمام المخالفات؛ فبينما كان القانونان (2019، 2020) لا يجيزان التصالح في ثمان حالات، فإن مشروع القانون الجديد أجاز التصالح فيها، وزاد عليها بالتصالح في حالات بالغة الخطورة.

ما يجعل بيت أبو عمرو بن العلاء ينطبق بصورة بالغة الدقة على السيسي، وهذه تذكرة بذلك البيت:

مَنْ تَحَلَّى بغير ما هو فيهِ/ فضَحَتْهُ شواهدُ الامتحانِ

هذه مقاربة أولى بحثاً عن مدخل لمتاهة السيسي الخريفية.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.