fbpx

سوريا: النظام يهدي توحشه للمعارضة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الثورات لا تنهزم بالسلاح، فقط، وانما تنهزم أيضاً بانحطاط قيمها وبانزياحها عن مقاصدها، أو بتشبهها بعدوها، كما أنها تنتصر ليس بالسلاح وحده، وإنما بنبل أخلاقها ووسائلها ومقاصدها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يتعرّض شعب لإنكار وخذلان كبيرين ومتعمّدين، على رغم كل ما مرّ به من أهوال ومآسي، كما تعرض السوريون، منذ سبعة أعوام. لا يقتصر ذلك على ضعف التعاطف مع توقهم للحرية والكرامة، أو ضعف الإسناد لثورتهم، أو التلاعب بها، وتوظيفها، وحرفها عن مقاصدها، بل شمل ذلك الانكار محاولات نزع الطابع الإنساني والأخلاقي عنها، بحيث تبدو وكأنه لا يوجد فارق بينها وبين النظام…
هكذا، فإذا كان النظام متوحشاً فقد تم تصوير الثورة على ذات النحو، وإذا كان النظام مستبداً تم تظهيرها بأكثر أشكال الاستبداد تخلفاً، في ممارسات بعض الفصائل في كثير من المناطق التي تسيطر عليها، وإذا كان النظام يعتقل ويقتل ويدمر، فإن فصائل المعارضة المسلحة تفعل ذلك، أيضاً، في صراع باتت فيه الصورة تحتل مكاناً مهماً، في تشكيل الأفكار والتصورات والعواطف، في عصر العولمة، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي. بل إنه جرى تقصّد “المفاضلة” بين الطرفين لصالح النظام، بإظهاره كمن يسيطر على أوضاعه، ويثبت على خطاباته، وبتقديمه كقوة عاقلة بالقياس للقوى المسلحة الأخرى، المحسوبة على المعارضة أو ضدّها. هكذا بتنا نسمع عبارة أنه لا يوجد بديل عن نظام الأسد، أو الحديث عن تشتت المعارضة وفوضى خطاباتها ومواقفها، وأنها غير كفؤة أو غير مؤهلة للحلول محل النظام، وأن السوريين لم ينضجوا بعد لتقرير مصيرهم أو لولوج طريق الديمقراطية.
المشكلة أن المعارضة، ولاسيما المسلحة، لم تفعل شيئاً لتصويب أوضاعها وترشيد خطاباتها والتحكم بتصرفاتها، وضبط سلوكيات المنتسبين إليها، بل إنها، في الأغلب، لم تنتقد حتى الممارسات والمواقف التي أضرت بصدقية الثورة، إزاء شعبها، وشوهت صورتها في ميديا الإعلام المتعولم. ومفهوم أن الحديث هنا يدور عن معارضة نشأت من نقطة الصفر تقريباً، لشعب يعاني الحرمان من الكيانات السياسية، وفي بلد لا يعترف نظامه بشيء من حقوق المواطنة، ولاسيما عن معارضة باتت خاضعة لارتهانات خارجية متباينة، لذا يبدو بديهيا افتقادها لمنظومة سياسية محددة، وتالياً لمنظومة قيمية أو أخلاقية.
أقصد هنا أن التمثيل بجثة الشابة بارين كوياني، وهو فعل شائن ومدان، الذي حصل في خضم المعركة الدائرة هذه الأيام على عفرين، في وضع تتداخل فيه الأوراق والقوى، ولا يمكن فيه إجراء تحقيق، لتحديد الفاعلين، لا يمكن احتسابه على أي ثورة أو معارضة، بل إن هذا الفعل الجريمة يبدو وكأنه يستوحي جريمة التمثيل بجثة الطفل حمزة الخطيب في بدايات الثورة السورية (2011)، في محافظة درعا.
المشكلة أنه في الصراع الأهلي، وهو تعبير غير محبذ عند البعض، عن سذاجة وتبسيط، تبرز هكذا حالات أكثر من غيرها، علماً أن أية ثورة هي بالضرورة حرباً أهلية، تصطف فيها الطبقات أو الأوساط الاجتماعية في مواجهة بعضها، سواء مع النظام أو ضده، وعلماً أنه لا توجد ثورات عنيفة نظيفة، أو بيضاء، من دون أن يحط ذلك من قيمة الثورات، وهو أمر حصل في الثورات الإنكليزية والأميريكية والفرنسية والروسية والجزائرية، وحصل في أكثر من مكان بطريقة متوحشة، كما بينت التجارب منذ القرن السابع عشر حتى الآن.
والمعنى أن الثورات أو الحروب الأهلية تنطوي على توحّش، بقدر انطوائها على العنف أو بقدر استغراقها به، إذ يصبح العنف هو اللغة السائدة، في علاقات القوة، وصراعات القوى، من طرف إزاء طرف أخر، بل إنه يغدو هو اللغة السائدة، أيضاً، في علاقات القوى المكونة لكل طرف، كما في علاقة أي طرف بمجتمعه.
هكذا تحولت حركات التحرر الوطني إلى سلطة في مجتمعاتها حتى قبل انهاء الاستعمار، وبالمثل فقد تحولت الفصائل العسكرية المعارضة، في سوريا، إلى سلطة في المناطق “المحررة”، أي التي دعيت كذلك.
الفكرة هنا أن العنف بلغ في الحالة السورية درجة غير مسبوقة من التوحش، رغم أن التوحش هو ذاته، كدرجة في نزع الانسنة، أو نزع السياسة، عن الحرب، أو عن الصراعات المسلحة. بيد أن ذلك لا يعني المساواة بين غير المتساوين، ذلك أن النظام هو المسؤول عن ولوغ الجميع هذه الدرجة من التوحش، فهو الذي كان يتحكم بالثقافة وبالمزاج النفسي عند السوريين لنصف قرن، والمسؤول عن حرمانهم من السياسة، وحقوق الإنسان، وهو الذي ذهب إلى الخيار الأمني لوأد تطلع السوريين نحو الحرية والكرامة، والذي فتح البلد على مصراعيه للتدخلات الخارجية. فالنظام السوري عنيف في كل شيء، في السياسة والأخلاق وفي الاقتصاد والتعليم، في العلاقات الداخلية والخارجية، في خطاباته ورموزه، وهذا هو معنى سوريا “الأسد أو نحرق البلد”.
معلوم أن النظام اشتغل منذ البداية بأقصى العنف، بإظهار الشبيحة، وأجهزة المخابرات، والفرق العسكرية الخاصة، ثم الميليشيات المستوردة، في مواجهة السوريين. ومنذ البداية كانت مجازر الحولة والتريمسة والقبير والقابون (بالأسلحة البيضاء) لمن نسي ذلك، أو محاه من ذاكرته. منذ البداية، جرى الدعس على رؤوس المتظاهرين أمام الأشهاد في البيضا، وفي جامعة القلمون، وتم فك اعتصامي ساحتي النواعير في حماه والساعة في حمص (2011) بواسطة الشبيحة وبالدبابات والمجنزرات. ومنذ البداية استخدمت البراميل المتفجرة في قتل السوريين وتدمير مدنهم وتشريد الملايين منهم.
الفكرة أن “الشجرة لا تحجب الغابة”، أي أن ظهور أبو صقار (آكل الأكباد)، والتمثيل بجثة الصبية في عفرين، والحالتان بدعوى الثأر، في الحالة الأولى لمقتل عائلة الرجل، وفي الحالة الثانية، رداً على قيام قوات البي واي دي، بتحميل جثث عناصر من الجيش الحر في شاحنة وعرضها في شوارع عفرين قبل عامين (2016). هذا لا يحجب مسؤولية النظام عن التوحش، كما لا يحجب مسؤولية المعارضة عن هذا التماهي مع وحشية النظام، عن قصد أو من دونه، ولا يقلل من شأن ذلك اعتبارها حدثا فردياً، أو أدانتها، فالذين يقومون بمثل هذا العمل المشين لا يمتّون بصلة لثورة الحرية والكرامة، وانما هم أعداء لها، لأنها أكثر شيء يحتاجه النظام لإطالة عمره، وتغطية وحشيته، وتعميم خاصيته، ولأن القضايا النبيلة تتمثل بأخلاقيات أصحابها، فالثورات تموت عندما تتشبّه بالذين قامت ضدهم.
لكن لنتذكر، أو لتتذكر المعارضة، أن ذلك حصل قبلاً، بالسكوت عن اختطاف رزان وسميرة وناظم ووائل في الغوطة…وعندما سكت البعض عن جلد رجل أو التنكيل بامرأة في ساحة ادلب أو الرقة… وعندما تم منع جريدة “طلعنا عا الحرية”، أو اية جريدة أخرى، في ما يسمى مناطق محررة، وعندما تم تبني رواية الدجالين عن تفجير ما يسمى “خلية الأزمة”…وعندما سكت البعض عن جبهة النصرة، وتنكيلها بالناشطين وبالجيش الحر، واعتبروها جزءا من الثورة…وحصل ذلك عندما تم رفع الرايات السود بدلا ًمن علم الثورة السورية، وعندما سكت البعض عن ما يسمى هيئات شرعية، وعن فتاوي المشعوذين. وحصل ذلك عندما رضيت أوساط المعارضة بتدخل هذه الدولة أو تلك في تشكيل المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني.. وعندما رضيت أوساط المعارضة بدعم هذه الدول للفصائل العسكرية مباشرة ودون المرور بكيانات المعارضة السياسية…حصل ذلك قبلاً بصورة كثيرة وأشكال كثيرة. لذلك وصل الأمر إلى هذا الدرك الخطير والمخيف.
قصارى القول، فإن الثورات لا تنهزم في السلاح، فقط، وانما تنهزم أيضاً بانحطاط قيمها وبانزياحها عن مقاصدها، أو بتشبهها بعدوها، كما أنها تنتصر ليس بالسلاح وحده، وإنما بنبل أخلاقها ووسائلها ومقاصدها.

[video_player link=””][/video_player]

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.