fbpx

العراق… طيبة علي التي قتلتها العائلة والقانون والعشيرة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قُتلت الشابة العراقيّة طيبة العلي على يد والدها، بعدما تجاهلت السلطات وأسرتها استغاثتها، لتنضم إلى قائمة طويلة من النساء اللاتي قضين أمام أعين “الجميع”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هي ليلة من ليالي جهنم المتكررة في العراق، مرة أخرى تُقتل امرأة من دون أن ينفع شيء لإنقاذها. التفاصيل كلها قابلة للتغيير في العراق، الحكومات والوزراء والدولار والأخلاق، لكن نحن النساء حالنا لم تتغيّر، نُقتل أمام أعين “الجميع”، من دون حماية أو تدخل من أحد، ولا شيء يتغير.

أتحدث اليوم بخجل عن ضحية جديدة، فليس لدي، كغيري من النساء، سوى الحديث عما حصل. لا المناشدات تنفع، ولا التوسل ولا الاتصال بالجهات المعنية، حتى رئيس الوزراء لو تدخّل بنفسه، لن يستطيع فعل شيء، فلا سلطة له أمام العشيرة التي تمنحه الشرعيّة… ربما لا نملك سوى الكتابة والصراخ.

حياة طيبة التراجيدية 

طيبة العلي شابة عراقية عشرينية، سكنت في محافظة الديوانية، ولطالما شكت لمحيطها من الصديقات والعائلة، عن تعرّضها للاعتداء الجنسي من أخيها الأصغر. فقررت وحيدة، لإدراكها عيوب القانون العراقي وميل العائلة الى نصرة أخيها، الهرب نحو تركيا عام 2019 لتعيش هناك بحثاً عن بعض السلام. 

طيبة العلي

اعتقدت طيبة أنها نجت، لكنها حنّت إلى العراق، فقررت أن تعود لتشارك في ختام بطولة خليجي 25، التي عقدت الشهر الماضي في البصرة. كانت ترغب في الاحتفال والفرح. لم تسكن بالطبع قرب أهلها ولا حتى في محافظتها، بل في بغداد، لكنها ضعفت أمام أمها التي حضرت خصيصاً لرؤيتها، وتوسلتها كي تعود معها، لـتقنع والدها بالموافقة على زواجها من شخص سوري، فرقّ قلب طيبة وعادت مع أمها إلى منزل الأسرة، حيث حُبست ومُنعت من الخروج.

لماذا حبسوها ولم يحبسوا شقيقها الذي اتهمته طيبة بحسب تسجيلات نقلها أصدقاء لها بالاعتداء عليها؟ 

ما حدث، وفق ما نُقل عن طيبة قبل مقتلها، أنها كانت تجادل والدها الرافض كلياً فكرة هروبها نحو تركيا، تخبره كما نسمع في تسجيلات مسربة: “هل ترفض اعتداء أخي علي؟”، لا يجيبها،  وكأن صمته يؤكد موافقته على اعتداء أخيها “سراً”، لكنه يعارض أن تهرب “علناً” معتبراً ذلك عاراً. 

لم تحتمل طيبة كلام والدها، ودفاعه عن أخيها المُغتصب. أرادت الانتحار وفق رسائل مع صديقاتها، لكن لن يتركها والدها تقتل نفسها، هو أحق بالقتل. فخنقها وماتت بينما  الأخ المتهم بالاعتداء عليها حر، بعيداً من يد القانون والمجتمع، مُهدداً كل من يتحدث بالموضوع، ومحتمياً بالعشيرة وطغيانها. 

أشارت وسائل إعلام محلية في العراق، إلى تفصيل أشد قسوة في “الجريمة”،  فوالد طيبة خنقها أثناء نومها، في أضعف حالة يمكن أن تكون فيها، لم يواجهها، بل اختار لحظة تعجز فيها عن الدفاع عن نفسها. نُقل أيضاً عن مصادر محليّة، ما مفاده أن والد طيبة سلّم نفسه إلى الشرطة بعد ارتكاب الجريمة، ما أشعل غضباً شعبياً، سببه تجاهل الجهات المختصة استغاثة طيبة وتركها لمصيرها من دون تدخل.

ميتات طيبة العلي

لو نحسب عدد المرات التي “قُتلت” فيها طيبة قبل انقطاع أنفاسها الى الأبد، قُتلت حين اعتدى عليها شقيقها، وحين توسلت عائلتها من دون نتيجة، وحين هربت نحو تركيا خوفاً، وقُتلت حين عادت وتيقنت أن والدها لا يمانع اعتداء أخيها عليها، وحين ناشدت الأجهزة الأمنية من دون جدوى، كما قُتلت بعد موتها أيضاً، حين تجاهلت العشيرة والقانون مقتلها.

الجهات المعنية تتفرج

قُتلت طيبة العلي على يد والدها وبمشاركة أخوالها في الأول من شباط/ فبراير 2023، لاختيارها العيش بشكل مستقل خارج العراق، على رغم علم الشرطة المجتمعية بعزم رجال أسرتها على قتلها. لم تُقدم السلطات على أي خطوة لحماية طيبة على رغم كل الأدلة التي قدمتها لهم. قتلت  طيبة على رغم أنها دقت أجراس الإنذار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأوصَلت التهديدات التي تعرضت لها، وجريمة اعتداء أخيها عليها بعلم والدها وأفراد أسرتها، إلى كل من لديه آذان صاغية!

لماذا حبسوها ولم يحبسوا شقيقها الذي اتهمته طيبة بحسب تسجيلات نقلها أصدقاء لها بالاعتداء عليها؟ 

قُتلت طيبة على رغم استِنجادها بضباط في وزارة الداخلية، إذ لم يقدم أي واحد منهم على أي خطوة في سبيل حمايتها. تعلق الكاتبة ماسة الرمادي بحرقة عن هذه الجريمة: “كل محاولاتها ومساعيها لحماية نفسها لم تجدِ نفعاً، مقتل طيبة إنذار لكل الشابات العراقيات اللاتي تمكّن من النجاة بأنفسهن، ووصلن إلى أماكن آمنة خارج بلادهن،  إنذار مفاده ألا يعدن إلى أرض الوطن مهما بلغ بهن الحنين، هذا الوطن لا يوفر أمناً ولا أماناً، لا دولة فيه ولا قانون، ولا شرطة قادرة على حماية  شابة في مقتبل العمر”.

القتلة يمشون بيننا بلا خوف

تستدعي دماء كلّ مظلومة، دماء نساء أخريات منسيات بمساعدة القانون العراقي، والعشيرة، والفكر الذكوري القاتل، تقابل ذلك سذاجة  من يقول “العراقية معززة مكرمة”، بينما القتلة يمشون بيننا من دون أن يمسّهم القانون أو شرطة الأخلاق والآداب العامة.

القتلة بيننا بوجوه وأقنعة مزيفة، تسقط فجأة ليتحول الواحد منهم إلى وحش، تحميه العشيرة ويتجنّبه القانون.