fbpx

خلع الحجاب والمرض النفسي… وصفة شنّ الحرب على نور حداد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حكاية نور حداد تؤكد صعوبة انحياز المرأة إلى رغباتها ومشاعرها واختيار طريقها بنفسها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نور حداد، شابة سورية تنقلت من حياة تقليدية بحجاب، الى ناشطة سياسية ثم شخصية إعلامية معروفة، انقلبت على العادات وخلعت الحجاب، وأعلنت معاناتها مع اضطراب نفسي. 

رحلة نور حداد أو نور خانم، ليست غريبة عن شابات وشبان كثر في سوريا، لكن ما يميزها أنها كانت تحت أنظار جمهور واسع، ما جعلها مادة سهلة للسخرية والنقد والكثير من التجريح. 

نور المرأة الثائرة

خرجت نور من الصورة النمطية المتوقّعة منها، اختارت نفسها وانحازت إليها من خلال العيش كما تريد واحترام رغباتها. ثورة نور لم تتوقف عند خلع الحجاب أو عيش حياتها كما تريد، بل خرجت لتتحدث عن تجربتها مع المرض النفسي، معلنة، بطريقتها وعبر فيديو استخدمت فيه تأثير وجه معروف (سمته هي الكائن الفضائي)، أنها تعاني من اضطراب ثنائي القطب، فجاء الخبر كالقشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى شريحة واسعة من “الثائرين”، إذ اعتبر البعض أن إصابة نور بالمرض سببها خلعها حجابها وابتعادها من الدين، فيما رأى البعض الآخر أن المرض النفسي وعدم اتزانها دفعاها إلى خلع حجابها.

التغيّر في حياة نور حداد لم يصدقه المنتقدون والمنظرون، بخاصة أن نور كانت تمثّل الفتاة السورية المثالية بالنسبة الى سوريين كثر، فهي المحجبة التي تمكنت من إثبات نفسها إعلامياً،  لا سيما في برنامجها السياسي الساخر “نور خانم”، ناهيك بأنها تمثل جيلاً ثائراً تمكّن من إحداث تغيير في المجتمع.  لكن غاب عن أذهان المنتقدين أن النمو الشخصي والفكري والحياتي والتمسك بالحرية، جزء من الثورة أيضاً. هؤلاء يؤيدون ثورة المرأة شرط أن تكون محجبة وأن تمتثل لقوانينهم، الثورة بالنسبة إليهم محدودة بإطار ديني وثقافي ضيق.

حرية المرأة موضع جدل

لا شكّ في أن حرية المرأة لطالما شكلت موضع جدل كبير، فكيف إذا كانت هذه المرأة تعاني من اضطراب نفسي؟ يغدو الخبر هنا وجبة دسمة للتنمر، مع ثلاثة عناصر جدلية بالنسبة إلى مجتمعات تقليدية محافظة، المحاربة لنيل الحقوق، حرية التعبير التي تخشاها شرائح واسعة في المنطقة العربية، بما تشمله من حرية الانتماء والاعتقاد والثقافة والتوجهات الجنسية، وأخيراً المرض النفسي، الذي ما زال يُعتبر وصمة وعاراً أو ذنباً أو مصيبة بالنسبة الى البعض.

حالة نور حداد ليست الأولى في العالم العربي، لكن الفارق أن نور امرأة معروفة ومؤثّرة، وبذلك استطاعت تسليط الضوء على العنف الذي يواجه به الاختلاف المترافق مع الاضطراب النفسي، في مجتمع يخشى التحدث عن مشاعره، فيوصم من تراوده مشاعر القلق والاكتئاب بالجنون، ذلك أن المرض النفسي هنا يساوي الجنون وفقدان الصواب.

رحلة نور حداد أو نور خانم، ليست غريبة عن شابات وشبان كثر في سوريا، لكن ما يميزها أنها كانت تحت أنظار جمهور واسع، ما جعلها مادة سهلة للسخرية والنقد والكثير من التجريح.

ليس سهلاً أن تكوني امرأة

حكاية نور حداد تؤكد صعوبة انحياز المرأة إلى رغباتها ومشاعرها واختيار طريقها بنفسها، وهذا أكثر ما أثار غضب منتقدي نور، وكأن حق المرأة في التحدث عن قصتها يجب أن يؤطر ضمن قالب محدد، في عالم لم نعتد فيه أن نروي قصصنا، في ظل مجتمع ذكوري يمارس وصاية على المرأة لا تنفك تتطور وتتحوّر لتكبّل جميع مراحل حياتها وحريتها.

التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، لا تظهر القصور الحاد في فهم الاضطراب النفسي وحسب، بل العجز عن تقبل اختيار المرأة طريقاً جديدة في مسار تطوّرها عمراً وتجربة. 

“اضطراب ثنائي القطب، اسمو ثنائي مش يعني تنين، مش يعني نحنا بنغير عندنا رأيين، لأ مش كدة، اتس نت وورك لايك ذات ات اول، نحنا بنمر بأمزجا مختلفة والأمزجة دي بتطلع وبتنزل زي البورصة”، حاولت نور إيصال معاناتها مع اضطراب ثنائي القطب (bipolar) بطريقة فكاهية على رغم قسوة ما تمر به، لكنها لم تسلم من الانتقادات والاتهامات بالجنون وتعاطي المخدرات. 

سرعان ما تحوّل اعتراف نور بمرضها إلى سبب لإدانتها، علماً أن الاضطراب النفسي هو مرض، كالسكري وضغط الدم، يصاب به كثر، ولا يكون ناتجاً من فعل “غير أخلاقي” أو لأن “الله أنزل عقاباً به”، وفقاً لما يعتقده البعض، فيرمون الاتهامات جزافاً، فيما لم يُذكَر، في أي مرجع ديني، أن اضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب أو الفصام… من وسائل العقاب عند الله. لكن، من لا يملك شجاعة مواجهةِ مرض معقد وقاس كالاضطراب النفسي، يحيل المرض إلى الغيبيات ليشعر بالطمأنينة.

معلومات خاطئة وصحيحة عن مرض نور

المعلومات الخاطئة حول الاضطرابات النفسية، كانت مصدرها أيضاً شخصيات مشهورة، إذ قالت الصحافية والناشطة جود عقاد، في فيديو لها، مهاجِمة حداد، إنها تتعاطى المخدرات وليست مريضة نفسية، مدعية أن اضطراب ثنائي القطب لا يظهر في الأربعين من العمر. فيما هناك احتمالات لظهوره في عمر الثلاثين أو الأربعين، وقد يكون المريض مصاباً به منذ سنين، لكنه لا يدرك ذلك. حتى إن نور أوضحت ذلك بقولها: “ممكن مريض البايبولر يبقى ديبرشن طول حياتو وما يمرش ولا بحلقة هوس وممكن ما يعرفش، بتحصل زي ما حصلت معاي، أنا عمري 38 سنة وتشخصت بايبولر… طلع ان انا مصابة بالديس اوردر من أنا وصغيرة، بس أنا ما كنتش أعرف ماحدش قلي”.

وفي العادة، يظهر الاضطراب ثنائي القطب، الذي يُسمى أحياناً بالاكتئاب الهوسي، في عمر الـ 15 الى 35 سنة، لكنه قد يظهر أيضاً في مراحل مختلفة من العمر، ويتسبب في تغيرات شديدة في المزاج، فقد يشعر الأشخاص الذين يعانون منه، على مدى أسابيع، بأنهم على قمة العالم، وبأنهم في حالة مزاجية عالية ويمتلكون طاقة كبيرة، قبل الانغماس في اكتئاب عميق، لكن هذا الشعور المتناقض تختلف مدته من شخص الى آخر، ما يجعل كل مريض على حدة حالة منفصلة لا تشبه غيرها، سواء لجهة قوة النوبات أو الفترات الزمنية التي تحصل فيها.

كان منتظراً من جود عقاد، التي عاشت تجربة خلع الحجاب والهجوم عليها، أن تتعامل بعقلانية وتبدي تعاطفاً مع قصة نور.

في النهاية، لا دليل علمياً على علاقة خلع الحجاب بالمرض النفسي لا من قريب أو بعيد، فهو خيار وحرية شخصية، أمّا اضطراب ثنائي القطب فهو مرض له أعراض وأسباب ويحتاج إلى علاج ومتابعة، وإلا لكانت كل أمراضنا كالرشح والسعال والتهاب الأعصاب عقاباً على خطأ يفترضه المجتمع الأبوي!