fbpx

“حقيبة الهرب جاهزة”… تركيا حيث قد يقع زلزال في أي ثانية!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أن تعيش في تركيا يعني أن تعيش منتظراً الزلزال الآتي. هو واقع محتوم لا مهرب منه ولا مناص، يمكن أن يحدث الآن تحديداً وأنا أكتب هذه السطور أو بعد 20 سنة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ظلّ الإجراءات الاحترازية والرعب الذي تعيشه تركيا من حتميّة حدوث زلزال مصدره أخدود الأناضول الشمالي، تحديداً في محيط بحر مرمرة، أتى زلزال كهرمان مرعش الكارثي من الأخدود الشرقي جنوب البلاد/ شمال سوريا، حاصداً آلاف الضحايا بين قتلى ومصابين وانهيار آلاف الأبنية بثوان قليلة. اجتمعت كلّ الظروف لتجعل المأساة لا نجاة منها، إذ وقع عند الرابعة فجراً تقريباً، فيما كان معظم الناس نياماً في بيوتهم، ومن ناحية أخرى في ذروة العاصفة الثلجيّة التي قطعت الطرق البريّة وعسّرت عمليات الدعم وصعّبت مهمّة فرق الإنقاذ. هذا في الجانب التركي، أما في سوريا، فالمأساة دائماً ما تأتي مضاعفة مع شروط العيش المشؤومة في مناطق الشمال ومحدوديّة الإمكانات في بلاد لم تتعافَ بعد من أهوال الحرب الشرسة بين النظام السوري وشعبه. الناس هناك كانوا يكافحون بمبادرات فرديّة ومحدودة للصمود في وجه الشتاء فحسب، فأتاهم الموت من حيث لا يحتسبون، حاملاً مأساة فوق مأساة وموتاً فوق موت. فاجعة جديدة لم تكن تنقص هذه البلاد المتروكة لمصيرها.

هنا في شمال غربي تركيا، أي في اسطنبول والمناطق المحيطة بها، يتابع الناس المستجدّات على الشاشات بروع ورهبة. حملات المساعدة والدعم لا تهدأ بكلّ ما يستطيع المرء فعله من جمع التبّرعات العينيّة والماديّة أو التبرّع بالدم وعرض مشاركة البيوت مع الناجين، وتأمين الدعم الفنّي وصولاً إلى الدعاء الطيّب على الأسطح والمذاييع، وهو أضعف الإيمان. لكن الجميع هنا يعرف في قرارة نفسه، أنّ هذه المنطقة عاجلاً أم آجلاً ستكون هي الحدث المأساوي، وليس في ذلك تهويل أو إفشاء سرّ. بل إنّ نسبة احتمال حدوث زلزال بقوّة 7 درجات في اسطنبول تبلغ 64 في المئة قبل عام 2030، 75 في المئة قبل عام 2050، و95 في المئة قبل 2090، بحسب معطيات مدير “المركز الوطني لرصد الزلازل” د. دوغان كالافات.

لجأ معظمنا إلى هذه الأرض هرباً من دمار من نوع آخر في بلاده، قذائف وبراميل النظام المتفجّرة في سوريا، نيترات الأمونيوم ورصاص الميليشيات في لبنان، صواريخ الاحتلال وجرّافاته في فلسطين…

أن تعيش في تركيا يعني أن تعيش منتظراً الزلزال الآتي. هو واقع محتوم لا مهرب منه ولا مناص، يمكن أن يحدث الآن تحديداً وأنا أكتب هذه السطور أو بعد 20 سنة. حتّى إنّ كلمة “ديپريم” وهي المرادف التركي لكلمة زلزال العربيّة، هي من أولى الكلمات التي سيتعلّمها الإنسان هنا، وتعتبر محطّ كلام أساسياً في أي حديث أو سياق. الزلزال موجود في الشعر والأدب والأغاني والثقافة الشعبية والنكات والذاكرة التركيّة… ولا أبالغ في القول إنّ تكوين شخصيّة الفرد التركي هنا وطريقة رؤيته العالم وفهمه الزمن، تدور حول الزلزال وتستند إليه. الناس في ولاية يالوفا حيث نعيش مثلاً، يعتمدون الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 1999 وأدّى إلى مقتل أكثر من 18 ألف شخص، كمحطة تاريخيّة لتصنيف الأحداث قبله وبعده بشكل عفويّ، ولكلّ منهم حكايته وذكراه الخاصة معه. وليس غريباً أن تشتري علبة حلويات أو قطعة كهربائية مثلاً وتأتيك مرفقة بمنشور توعويّ حول خطر الزلزال وكيفيّة التعامل مع حدوثه لتخفيف الأضرار. في المدارس، يعلّمون الأطفال الصغار عن الزلزال، طبيعته وأسبابه، ويخضعونهم لمناورات تجعل من انتظار انفلاق الصفيحة التكتونيّة جزءاً من وعيهم. في كلّ محلّة صغيرة، ساحة فارغة يعرف الجميع أنّها مخصّصة للتجمّع حين يضرب الزلزال مع لافتات تشير إلى ذلك. قدرة مقاومة المسكن هي المعيار الأساسي لشراء أو استئجار أي عقار، ولا يمكن القيام بذلك أساساً أو الاستفادة من أي خدمة أساسيّة فيه كالكهرباء والغاز والمياه أو حتّى الإنترنت من دون عقد التأمين ضدّ الزلازل المعروف هنا بالداسك، وهو يشمل تغطية كلّ الأضرار التي يمكن أن يتعرّض لها البناء بسبب الزلزال وعمليات الإنقاذ والإسعاف إلخ… من دون تغطية خسائر الأثاث والمقتنيات الشخصية.

حين وصلت هنا في اليوم الأوّل من عام 2019، كنت أستهجن هذه الهيستيريا، يرعبني مجرّد التفكير في أنّ الناس هنا يحتفظون بمصباح صغير وصفّارة قرب السرير لمساعدة وحدات الإنقاذ على تحديد موقعهم حين سيسقط البناء. لكن الإنسان يعتاد مع الوقت ويتصالح مع وحوشه… اندمجنا وتحوّل خوفنا إلى واقعنا المعاش مثل الجميع، ومن أوائل سمات اندماجنا كان تعليق “شنطة الديپريم” الصغيرة قرب الباب وتحديث محتوياتها باستمرار (الأوراق الثبوتية الأساسية والاحتياجات العاجلة عند الهرب). كنت أرى الحقيبة هذه فأل شرّ مسلّط على بابنا يذكّرني دائماً بأنني سأتسابق مع الموت قريباً، ومع الوقت صارت الشنطة نكتة أتثاقل بها على زوّارنا الآتين من الخارج ويضحكني ردّ فعلهم واستهجانهم. صار أثاث بيتنا تدريجياً يتوزّع بشكل آمن، لا رفوف عالية على الجدران، لا زجاج معلّق أو خزائن ضخمة حرّة، تحديد مثلّثات الأمان، تطبيقات رصد حركة الأرض التي ترسل في اليوم العادي عشرات الإشعارات بالهزّات الأرضية في مختلف أنحاء البلاد. صرت أواسي نفسي أحياناً بتشبيه خوفنا من “الديپريم” بخوفنا حين كنّا في لبنان من الاجتياح الإسرائيلي الذي يمكن أن يحدث في أي لحظة، معلناً حرباً مجنونة تحصد آلاف الأرواح. الناس في بيروت ينامون كلّ ليلة مع احتمال استيقاظهم على صاروخ في سريرهم يقطّعهم لأشلاء. أو كما يتعايش البشر في هولندا مثلاً مع خوفهم الدائم من الفيضان الذي سيلتهم معظم أجزاء البلاد في ساعة قريبة… لكلّ شعب رعبه وكوابيسه، الفارق أنّنا امتلكنا رفاهية الاختيار بينها.

لا يأتي هذا الخوف في تركيا من الفراغ والأسطورة، بل سيتبيّن لنا في حساب سريع أن عدد ضحايا الزلازل والهزات الأرضية المسجّلين في تركيا يفوق الثمانين ألف قتيل في المئة سنة الأخيرة فقط، لأن البلاد تقع في منطقة تشهد نشاطاً زلزاليّاً من بين الأعلى في العالم، متموضعة فوق خط صدع عميق وصفائح تكتونية لا تنفكّ تتحرّك بشكل يوميّ، وأخطرها وأشدّها قسوة ذلك الذي يمرّ في قاع بحر مرمرة بين ولايتي يالوفا واسطنبول، التي تعتبر مدينة المصاب الجلل في هذا الشأن، فبحسب تقديرات الخبراء يمكن أن يصل عدد القتلى إلى مئات الآلاف حين حدوث الزلزال المدمّر بناء على مراقبة الاضطرابات في قاع بحر مرمرة. يرى البعض في هذه الأرقام مبالغة ومجرّد إشاعات غير مؤكّدة لتحصيل مآرب سياسيّة أو ماليّة، لكن “مركز أبحاث وتطبيقات هندسة الزلازل في تركيا”، يصرّح بوضوح أنّ خط صدع شمال الأناضول هو خط زلزالي يهاجر ويتحرّك من الشرق إلى الغرب، كما أن في بحر مرمرة فجوتين زلزاليتين غير معروف أيّ منهما ستنكسر مع التحذير من النتائج الكارثيّة المحتملة، بناء على التراكم الكبير للطاقة فوق خطّ الصدع والكثافة السكّانية الهائلة للمدينة وطبيعة العمران فيها والتصاق المباني القديمة ببعضها بعضاً.

زلزال إزميت

في أعقاب زلزال إزميت المميت عام 1999، كثّفت تركيا إجراءاتها بشأن قوانين البناء. وصار البناء الحديث يعتمد على خصائص مقاومة للزلازل وشروط محدّدة كوضع حدّ أقصى لعدد الطبقات، واعتماد البناء الأفقي الأقلّ خطورة ودراسة نوعيات التربة قبل البناء، وصولاً الى نوعية مواد البناء والأحجار الحمراء الفارغة ووزنها وميزاتها. إضافة إلى ورش تحديث الأبنية القديمة وهدم ما لا يمكن إصلاحه. ولكن يبقى الخوف الدائم من خداع المقاولين ومتعهّدي البناء والمستثمرين الوحوش حين يكذبون في ما يتعلّق بخصائص الأبنية، ويتسبّبون بمقتل الناس تحت الأنقاض كما حدث في ملاطيا في الزلزال الأخير، حين سقط بناء عمره سنة واحدة بيع بسعر خيالي على أساس أنّه مقاوم للزلازل، أو كما حدث في إزمير مثلاً منذ عامين حيث أدّى سقوط مبان حديثة أو محدّثة إلى مقتل وإصابة العشرات، كما تمّ قصّ العواميد في أحد الأبنية، بشكل متعمّد، لإفساح المجال للاستثمار في سوبرماركت في الطبقة الأرضية منها، كما تمّ هدم جدار خارجي أساسي من أجل الواجهة.

بناء على المعايير المذكورة، يفسّر المختصّون العلاقة بين عمر البناء وقدرته على مقاومة الزلازل على الشكل التالي:

الأبنية التي بنيت قبل 2002 تفتقر إلى القدرة على مواجهة الزلازل مهما كانت قوّتها، يتعرض ساكنوها لخطر الموت حين وقوع الكارثة.

الأبنية التي بنيت بعد 2002 لديها قدرة تحمل لمقاومة الزلازل بين خمس وستّ درجات ونصف الدرجة كحدّ أقصى، بحسب شروط البناء نفسه.

الأبنية التي بنيت بعد عام 2012: لديها قدرة تحمل لمقاومة الزلازل بين ستّ درجات ونصف الدرجة وسبع درجات ونصف الدرجة، كحدّ أقصى، بحسب شروط البناء نفسه.

الأبنية التي بنيت بعد 2020، لا يجب أن تقلّ قدرتها عن تحمّل زلزال تصل قوّته إلى 8 درجات على مقياس ريختر.

يتفق الجميع إذاً، أهل العلم والدين، أحزاب المعارضة والسلطة، المتفائلون والمتشائمون… على حتميّة حدوث الزلزال المقبل في اسطنبول واستحالة منعه وتحديد توقيته. يعمل الجميع كلّ من موقعه على محاولة تقليل أضراره فقط، والبعض الآخر على استثماره لأغراض سياسية وترويجيّة. فقد صرّح وزير الداخليّة التركي منذ فترة بوضوح، بوجوب الاستعداد لزلزال اسطنبول الآتي، وأعلنت الوزارة تنظيم خطّة إغاثة وإخلاء المدينة عبر الطرق الأربعة (البحر، البر، الجو، والسكك الحديدية). انتقد البعض الخطّة واعتبرها وهميّة غير كافية، واستند آخرون إلى الشعار الشهير “الزلزال لا يقتل، بل المباني”، للضغط على الحكومة كي تعطي الأولويّة لتدعيم المدينة بوجه الكارثة، قبل حدوثها وتحسين شروط السكن فيها، لا سيّما في الأحياء المكتظة التي تصطفّ فيها المباني الشاهقة كأحجار الدومينو الآيلة للسقوط. ولا سبيل للناس في أرض النار سوى البقاء على بينة من حركة الهزات الأرضية، والخضوع لدورات التوعية والتمارين الدوريّة التي تنظّمها المؤسسات الرسميّة والجمعيات الأهلية في كلّ مناسبة. 

أمّا نحن الأجانب هنا أو “اليابانجي” كما يسمّوننا، فقلوبنا محروقة سلفاً قبل أن نشهد القيامة الموعودة. لجأ معظمنا إلى هذه الأرض هرباً من دمار من نوع آخر في بلاده، قذائف وبراميل النظام المتفجّرة في سوريا، نيترات الأمونيوم ورصاص الميليشيات في لبنان، صواريخ الاحتلال وجرّافاته في فلسطين… يبهرنا التكاتف العظيم الذي يبديه الشعب التركي في غالبيته في مصائبه، يبهرنا خلافهم على جدوى الخطط الحكومية أصلاً، فحكوماتنا بالأساس لا تضع الخطط، وإن حدثت معجزة ستكون خطة محكمة لإبادتنا. نسلّم أمرنا للزلزال المقبل، ونستمتع بكلّ يوم آمن نعيشه قبل حدوثه. حسبنا أنّ خيارنا بالعيش فوق واحدة من أخطر الصفائح الزلزالية في العالم، فيه موت محتمل في الغربة على يد الطبيعة. وفي ذلك طمأنينة أكثر بكثير من أن نقتل في أوطاننا على يد الطغاة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.