fbpx

عرض أزياء في باريس يُسلّع آلام السوريين ويتجاهل”الأسد”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يبدو غريباً في عالم يتسابق للاستفادة من القضايا الإنسانية، أن تتحول المأساة السوريّة إلى مصدر إلهام لمجموعة أزياء بعد 12 سنة من الموت والتهجير والقتل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شهد أسبوع الموضة بباريس في كانون الثاني/ يناير الماضي، عرض أزياء لدار كازابلانكا، من تصميم الفرنسي من أصول مغربية شرف تاجر، ظهرت خلاله العارضات والعارضون بثياب مستوحاة من الحرب السورية، وخلفهم طائرة عسكرية مغطاة بالزهور. 

حملت المجموعة اسم “من أجل السلام”، وافتتحت العرض المطربة السورية ميادة الحناوي. يقول تاجر أن مجموعته تحاكي السلام وتسعى الى التذكير بالسوريين المنسيين، مضيفاً أن “المجموعة مستوحاة من الشجاعة وتعكس الألم والجمال اللذين شهدهما في منطقة حرب”.

لا يبدو غريباً في عالم يتسابق للاستفادة من القضايا الإنسانية، أن تتحول المأساة السوريّة إلى مصدر إلهام لمجموعة أزياء بعد 12 سنة من الموت والتهجير والقتل. ربما أصبح الأمر عادياً!، خصوصاً حين يغيب الحديث عن  الجانب اللاإنساني لصناعاتٍ من هذا النوع، ومن دون أن يأتي أحد على ذكر ما يحدث بوضوح، فوضع طائرة حربية مغلفّة بالزهور في الخلفية، ليس إلا محاولة للتعامي عن المأساة، إذ إن “العالم” يعرف من يمتلك الطائرات في سوريا، ومن يهدد حياة السوريين ويغرقهم بالبراميل، ولا ترمز الطائرة الى السلام بشيء، هي باختصار “روح” نظام الأسد، فالناس البسطاء ليست لديهم طائرات تقصف.

استسهال الاستلهام من قضايا حساسة وإنسانية، نشر نوعاً من الابتذال والاستهتار الرخيص، فاختصارُ قضية بكلمات عامة كالسلام ونشر الفرح، يُكرس تغييب الحقائق التي أوصلت السوريين إلى كارثتهم، ويُسقط التسميات عن الضحية والجلاد، وعن القاتل والمقتول.

يقول تاجر أن مجموعته تحاكي السلام وتسعى الى التذكير بالسوريين المنسيين، مضيفاً أن “المجموعة مستوحاة من الشجاعة وتعكس الألم والجمال اللذين شهدهما في منطقة حرب”.

ما حصل في العرض ليس إلا أسلوباً لتجميل الواقع وتستراً ساذجاً على الجريمة، ففيما يرتجف الآلاف في المخيمات، وتقبع آلاف الأجساد الأخرى في أقبية التعذيب وآثار التنكيل ظاهرة عليها، لن تغطي قطعة ثياب براقة قبح ما يجري. في هذا العرض، هناك تحدٍّ مزعج لألم السوريين، إذ يعكس أسبوع الموضة في باريس الرفاهية والفخامة وكأننا في عالمٍ موازٍ لا يرى ألم السوريين. يقول  تاجر: “أردت التركيز على شيء واحد فقط، السلام. أما المكان الذي نضيع فيه في المحادثة، فهو سؤال: مَن هو المحقوق ومَن المخطئ؟”.

 يختزل تاجر مأساة أكثر من عقد شهدت جميع أشكال القتل، (بما فيها القصف، التعذيب، الكيماوي، الاغتصاب، والبراميل)، بأنه أراد التركيز على فكرة السلام، قد تبدو كلمة السلام منطقية لو كانت الحرب بين  جيشين، لكنها لا تنطبق على حرب شعواء شنّها  نظام ديكتاتوري على شعب أعزل!

الموضوع لا يتعلق بتاجر تحديداً، إنما بصورة متخيلة تُبنى عن السلام والتعايش، صورة بعيدة عن الواقع، إذ صار يُحكى عن الحرب السورية كأنها نزاع أهلي أو حرب لأطراف دولية، على رغم أن الأخيرة صحيحة، لكن الطرف الأساسي هو نظام الأسد. يقول تاجر في لقاء معه قبل العرض: “عندما كنت في سوريا، قال لي كثر من السوريين، شكراً لك على عدم نسياننا. لأنهم شعروا أن المجتمع الدولي قد نسيهم، ربما يكون هذا هو أسوأ شيء في العالم: أن تشعر أنك لست جزءاً من قصتك الخاصة”، نعم من المهم اليوم ألا ننسى السوريين، وأن نخبر قصتهم على الدوام، لكن  المشكلة تكمن في أسلوب طرح هذه القصة، إذ إن هناك فرقاً بين مقولتَي “الشعب السوري يحتاج إلى السلام”، وبين “الشعب السوري يحتاج حلاً سياسياً لأن نظام الأسد يقتلهم”، شتان بين العبارتين، وفي كليهما تذكير بالسوري، لكن هل هناك حقّاً تذكير بالمجرم؟!

بات مسح القاتل من المشهد السوري أمراً اعتيادياً لا بل مألوفاً، ما يعني أن القصة الأساسية تُمحى عمداً. هل يكفي وجود معنى للعرض للتحدث عن  قسوة الإنسان؟ لقد أصبح رمي المعاني المجردة مهرباً للتملص من الدقة وتحديد أطراف الصراع،  وأسلوباً لتفادي  رفع السبابة والإشارة إلى جذر المشكلة، ما يمنح نظام الأسد فرصة أخرى ليعود ولو على شكل قطعة ثياب.

استسهال الاستلهام من قضايا حساسة وإنسانية، نشر نوعاً من الابتذال والاستهتار الرخيص.

 يتابع تاجر واصفاً السوريين في الداخل: “لديهم ظروف معيشية صعبة للغاية، لكن لا يزال لديهم الكثير من الإيجابية”، حسناً يبدو الأمر شديد المثالية، في وصف أشخاص يعيشون برضى وتقبّل لواقعهم وبسعادة على رغم العوز، في تعميم غير دقيق للحالة السورية، فأن يتصرف السوريون، على رغم الظروف المعيشية، بإيجابية، يعني أنهم بخير، لكن هل هم حقاً بخير و90 في المئة منهم تحت خط الفقر!، تجميل الوضع بإدخال تعابير ومصطلحات مثالية، كالإيجابية والسلام والألوان، أشبه بوضع المكياج على جثة متفسّخة.

بألوان فاقعة طغى عليها الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق، عبّر تاجر عن الروح السورية، بذلة عسكرية باللون الأزرق الفاتح حملت وساماً عسكرياً ملوناً، وأخرى مليئة بالأوسمة، لا يبدو السلام واضحاً في المجموعة، إلا إذا كان معنى السلام هو تحويل بذلة خضراء إلى أخرى زرقاء والتخلص من أوسمة نظام الأسد بتلك الملونة. عارضةٌ أخرى ارتدت سترة أشبه بسترة النجاة من الغرق، لكنها ملونة، هل يجب أن نفهم أن تاجر يستوحي من سترات آلاف المهاجرين الذين غرقوا في البحر، إن كان الأمر كذلك فابتذال المأساة بات أكثر شناعة من الواقع.

يقول تاجر عن العسكريين وبذلاتهم لمجلة فوغ: “يشبه الأمر تقريباً الأشخاص الذين كانوا في الحرب، لكنهم تركوها للانضمام إلى الحفلة. لذلك يحتفظون بزيهم لكنهم يرتدون القلوب والزهور والجمال فقط كميداليات لهم، كطريقة لرفض الزي العادي”. 

هناك سذاجة في التصريح السابق، فهل من المعقول أن نساوي الضحية بالجلاد، الذي ينتهي من الحرب ويدخل إلى الحفلة،  لنتخيل مثلاً أمجد يوسف، بعد قتله المدنيين في مجزرة التضامن، يدخل حفلة الإنسانية المفترضة، ويوزع الورود والقلوب، يوسف الذي راكم الجثث في حفرة وطمرها، والذي يرعى نظام الأسد الآلاف منه. 

شاركت في العرض أيضاً السورية يسرى مارديني، وقد هدف تاجر من هذه المشاركة الى تسليط الضوء على أزمة اللاجئين، وقد سبق لـ”نتفليكس” أن أصدرت قبل فترة فيلماً يتحدث عن قصة يسرى وأختها سارة، حمل اسم “السباحتين”، في إحالة إلى الأختين اللتين هربتا من سوريا، إلا أن الفيلم، كما عرض الأزياء، لا يسمي القاتل ولا يدخل في تفاصيل المأساة عن عمد أو تجنباً لـ”وجع الرأس”، إلا أن الحقيقة في كلا العملين ناقصة.

يمكن وصف العرض بأنه تسطيح للمأساة لأسباب تجارية وتزينيّة تلائم “السوق”، لتتحول المعاناة والاختلافات السياسية إلى قطعة ثياب باهظة الثمن أو ديكور طائرة أسقطت القذائف والبراميل وأرعبت الأطفال، قد تنمو الزهور يوماً على الطائرات الحربية، لكن لا بد للعالم من تذكُّر أن طائرات نظام الأسد ما زالت تحلق فوق رؤوس السوريين.

جلبير الأشقر - كاتب وأكاديمي لبناني | 06.05.2024

بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قضيّته 

ظهور حركة جماهيرية متعاطفة مع القضية الفلسطينية في الغرب، لا سيما في عقر دار القوة العظمى التي لولاها لما كانت الدولة الصهيونية قادرة على خوض حرب الإبادة الراهنة، يشكّل تطوراً مقلقاً للغاية في نظر اللوبي المؤيد لإسرائيل.