fbpx

الدولة العراقية إذ تتفرّغ لمحاربة “المحتوى الهابط” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حين يتسلط ذوق الدولة ويصبح معياراً للحلال والحرام في كل شيء، مجتمعياً وسياسياً، بدءاً من إنتاج المحتوى وليس انتهاء بحق الفرد في شرب الخمر، ستنهار الدولة إلى قعر الحضيض.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فجأة ومن دون سابق إنذار، بدت سلطات الدولة العراقية وكأنها وضعت التزاماتها وانشغالاتها الأساسية والضرورية جانباً، من قبيل تخليص الدولة من الفساد واستعادة أموال “سرقة القرن”، ومحاربة الدولة الإسلامية (داعش) التي ما زالت نشطة في كرها وفرها وقتل العسكريين والمدنيين العراقيين، وتأمين الكهرباء وخدمات أخرى للمواطنين، ومعالجة الهبوط الحاد في سعر الدينار… بدت السلطة في بغداد وكأنها وضعت هذا كله جانباً أو في المرتبة الثانية، وانشغلت بأمر اعتبرته أولوية أكثر أهمية وإلحاحاً، ألا وهو محاربة “المحتوى الهابط”. هكذا بدا الأمر، على الأقل عند ملاحظة ما تفعله بعض أجهزة الدولة مثل وزارة الداخلية، وتأسيس منصة إلكترونية “بَلغ”، محرّضة المواطنين على الإبلاغ عن المنشورات “الهابطة” ليصار إلى اعتقال صانعيها. 

وبعد مرور بضعة أيام فقط على إطلاق منصة (بلغ) واعتقال عدد من صانعي المحتوى أو النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، صرح الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية بنبرة يشوبها الانتصار، بأن الوزارة تلقت أكثر من 100 ألف بلاغ إلكتروني ضد منشورات اعتبرها الناطق “هابطة”. لوهلة كاد العراق يتحوّل إلى دولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تاريخه في الدولة العراقية، منذ مرحلة البعث. فبعد انقلاب تموز/ يوليو 1968 وانفراد حزب البعث العربي الاشتراكي بالسلطة في العراق، أصدر وزير الداخلية آنذاك، الفريق الركن صالح مهدي عماش في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 1968، بياناً حذر فيه النساء العراقيات من التبرج أو إظهار أجزاء من أجسادهن، وتحديداً سيقانهن! جاء في البيان، “بناء على ما تقتضيه الآداب العامة وتمسكاً بالأخلاق العربية والإسلامية الفاضلة وتشديداً على ضرورة بناء جيل قوي متين يؤمن بالفضيلة ويتمسك بالقيم الخلقية الرفيعة، بعيداً من الميوعة والرذيلة. وبالنظر الى ما لمسناه من التسيب السائد لدى الجيل في الوقت الحاضر، ولغرض درء المفاسد عنهم قبل استفحالها، قررنا منع التبرج وارتداء الملابس القصيرة (الميني جوب) منعاً باتاً في أنحاء العراق”. استهدف البيان بالدرجة الأساس لا جسد المرأة وحسب، بل كامل مساحة حريتها الشخصية، بهدم حماية “الأخلاق” العامة وسطوة الدين. وقبيل صدور هذا البيان الذي تتماهى لغته مع لغة السلفيين الإسلاميين، على رغم ادعاء البعث علمانيته، كان مدير الشرطة العام في بغداد أصدر توجيهات إلى أجهزة الشرطة “بإلقاء القبض على المتميعين من الشبان المخنثين الرقعاء وقص شعورهم الطويلة”.

وهكذا دشن البعث حملة قمعه الطويلة ضد المجتمع العراقي بذريعة الأخلاق وإعادته إلى “الأخلاق العربية والإسلامية”. إذاً، بدأ عماش الأمر بحجب السيقان لينهيه صدام حسين بحجب اللسان وقطعه إذا لزم الأمر!

بدت السلطة في بغداد وكأنها وضعت هذا كله جانباً أو في المرتبة الثانية، وانشغلت بأمر اعتبرته أولوية أكثر أهمية وإلحاحاً، ألا وهو محاربة “المحتوى الهابط”.

بعد بيان عماش بأكثر من نصف قرن، تحاول الدولة العراقية إعادة بعث روح هذا البيان وفكرته الجوهرية، التي تكمن في استهداف حرية الشخص الفردية. ولكن بشكل آخر، هذه المرة عبر استهداف ما تسميه السلطة أصحاب “المحتوى الهابط”. وبعد أكثر من نصف قرن على تهديد هذا الضابط البعثي المرأة العراقية بأن عليها ألا تتبرج ولا تكشف عن سيقانها وإلا، وذلك بذريعة الأخلاق والآداب العامة، يأتي ضابط آخر ويهدد على شاشة التلفزيون، كل من يدوس على زر الإعجاب، بكونه شريكاً في الجريمة. 

لكن بما أن الحديث يتركز على الأخلاق والآداب العامة والذوق العام، فالسؤال الأساسي الذي ينبغي طرحه هنا هو: من يمتلك سلطة تعريف هذه المصطلحات؟ من الذي يحدد ما هو هابط؟ وما هي الآداب العامة ومن يرسم حدود هذه الآداب؟ ومن يضع معنى واحداً للذوق العام؟ ووفق أي معايير؟ 

فمثلاً، ما يقوله زعماء سياسيون وقادة ميليشيات بل وحتى بعض محللين سياسيين على شاشات قنوات التلفزيون، يمكن تصنيف محتواه لدى كثيرين بـ “الهابط” بسبب كمية الكراهية والتحريض، والتي تسيء الى الذوق العام والآداب العامة بالنسبة إلى كثيرين أيضاً، بل وتشكل خطراً على المجتمع عموماً، إذ تنحدر به إلى المزيد من الانغلاق والتخلّف. 

بعد مرور 55 عاماً على صدور بيان عماش، الذي مثل البذرة الأولى لتأسيس سياسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العراق وتشكيل لجان شبيهة بلجان حسبة “داعش”، ومرور عقدين على سقوط دولة البعث، يحاول ساسة العراق بشيعتهم وسنتهم وكردهم، إحياء “فضائل وأخلاق” دولة البعث وروحها، عبر حملات ضد الحريات العامة والحق في التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي وفي كل مكان، بحجة الدفاع عن القيم والأخلاق، وتصنيف كل اختلاف ضمن خانة “المحتوى الهابط”. 

في المقابل، وبعد مرور سبع سنوات على تمرير البرلمان العراقي قانون حظر “استيراد وصنع وبيع” المشروبات الكحولية، عام 2016، فجأة نشرت الجريدة العراقية الرسمية “الوقائع العراقية” في 20 شباط/ فبراير 2023 القرار. على أن يكون القرار نافذاً من يوم نشره. إذاً، وبعدما وُضع القرار على الرف بسبب المعارضة الشديدة التي لقيها عند صدوره لانتهاكه الحريات العامة، ها هو يُستخدم من جديد لتنميط المجتمع وفرض قيود إضافية على فئاته.

ومع تشكيل لجان تشبه الحسبة لمراقبة المحتويات المنشورة على الإنترنت ومحاربتها بحجة أنها هابطة، وقانون حظر المشروبات الكحولية، تستطيع الدولة العراقية أن تقدم نموذجاً مثالياً للتشدد والتطرف وانتهاك الحقوق العامة، من دون الحاجة إلى “داعش”.

حين يتسلط ذوق الدولة ويصبح معياراً للحلال والحرام في كل شيء، مجتمعياً وسياسياً، بدءاً من إنتاج المحتوى وليس انتهاء بحق الفرد في شرب الخمر، ستنهار الدولة إلى قعر الحضيض. آنذاك سنسقط جميعاً ونصبح “هابطين” في نظر سلطة هذه الدولة، والتي هي خليط قبيح من الطائفية والقومية والتشدد الإسلامي والعلمانية الزائفة، ونتحول جميعاً إلى هدف شرعي لتكميم الأفواه والاعتقال بحجة “هبوط” شيء ما فينا.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.