fbpx

رفع دولار “صيرفة”… حماية للمصارف اللبنانية و”مرابي” السوق السوداء 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مافيا مصارف وصرافين تتحكم بمسار ومصير العملة اللبنانية التي تشهد انحداراً من دون رادع. من يقف خلف تلك المافيا وكيف يتحكم سوق الصرف بحياة اللبنانيين؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بشكل مفاجئ، رفع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سعر صرف الدولار على منصة “صيرفة” من 45 ألف ليرة إلى 70 ألف ليرة لبنانية، بزيادة تتخطى الـ35 في المئة في يوم واحد من دون شرح خلفيات اتخاذ هذه الخطوة، لكن ماذا في تفاصيلها؟ 

يحرص سلامة على رفع سعر الدولار على منصة صيرفة بموازاة انهيار الليرة في السوق السوداء، إذ لامس الدولار الواحد 90 ألف ليرة، لينخفض بعد قرار “المركزي” بضع آلاف.

يحاول حاكم المصرف من خلال هذه الخطوة جمع إيرادات للدولة اللبنانية لتقليص الخسائر في صندوق إيراداتها مع حرصه على عدم تحميل المصاريف التجارية هذه المسؤولية، كما يوضح الباحث والعضو المؤسس في “رابطة المودعين” نزار غانم لـ”درج”.

يدفع المواطن اللبناني مصاريف الاتصالات مثلاً على منصة “صيرفة”، وهذا وحده كفيل بزيادة مدخول الدولة اللبنانية، ورفع الدولار الجمركي من 15 ألف ليرة لبنانية إلى 45 ألف ليرة لبنانية في اليوم ذاته لرفع السعر على منصة صيرفة يعني أن سلامة يحاول جمع الأموال للدولة عبر الخدمات. 

كل ذلك هدفه أيضاً إقرار الموازنة العامة بأقل خسائر ممكنة، ومن دون المس بسياسة المصارف التي يفترض أن تتحمل المسؤولية، بحسب غانم. كما أن سلامة يبيع الدولار للموظفين والمودعين على منصة صيرفة، عبر الصراف الآلي أو داخل المصارف.

يستفيد من ذلك الصرافون أيضاً، فالدولارات التي يسحبها المواطنون من الصراف الآلي مثلاً، يهرعون بها إلى الصرافين مقابل الحصول على ما يوازيها في العملة الوطنية، إنما بسعر أعلى بنحو 10 آلاف ليرة لبنانية أو أكثر من “صيرفة”.

غياب الخطة 

منذ بداية الأزمة، يعمل سلامة على إصدار القرارات والبيانات عن سعر صرف الدولار، من دون وضع أي خطة مالية جدية من شأنها أن تضع حدّاً للتضخم المالي. إنما يعمل على طبع المزيد من الليرات وضخها على الصرافين والمصارف، ما يفاقم الأزمة ويزيد من تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي. 

حجم الدين العام ما زال يتخذ مساراً تصاعدياً بسبب عدم قدرة الحكومة على سده نتيجة غياب السيولة بالدولار الأميركي. وبالتالي، يعمل سلامة على تأمين هذه الأموال من المواطنين والمودعين، في محاولة لسد هذا العجز، لكنه في المقابل يؤخر عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي. 

دور الصرافين 

“يا علي نمر، يا علي الله، حاج تعمل انخفاض!”…

هذه العبارة التي وردت في تسجيلات مسربة على قناة “الجديد” اللبنانية، تعرف لبنانيون كثر إلى علي نمر الخليل، الذي يوصف بأنه كبير المضاربين في السوق السوداء. ذاع صيت الخليل وبات اسمه وأسماء شخصيات عالم الصرافين المستجد في سنوات الانهيار عنواناً من عناوين الأزمة الكبرى التي يعيشها لبنان.

لكن الخليل بات وراء القضبان اليوم برفقة تجار مضاربين آخرين بسبب تهم تتعلق بتلاعبهم في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، نتيجة الانهيار الاقتصادي الذي بدأ أواخر عام 2019 ويستمر بتسارع كبير حتى اليوم، فبعدما كان سعر صرف الدولار عام 2019 هو 1500 ليرة، فقد تجاوز اليوم الـ80000 ليرة للدولار الواحد، مع تضخم مالي وانهيار اقتصادي غير مسبوق، تدفع كلفته شريحة كبرى من اللبنانيين. 

تحرك القضاء مطلع عام 2023، ملقياً القبض على علي نمر وشركائه بأمر قاضي التحقيق الأول في القضية شربل أبو سمرا بالتحقيق معهم وتوقيفهم. بعد ذلك أعلنت النيابة العامة الاستئنافية في بيروت برئاسة القاضي زياد أبي حيدر عدم الإفراج عن كل الصرافين الموقوفين، ليُفسخ بذلك حكم القاضي أبو سمرا الذي أصدر قراراً بالإفراج عن 16 صرافاً من أصل 18 صرافاً، مقابل كفالة مادية.

عام 2019 بدأ الانهيار الاقتصادي بانخفاض تدريجي لقيمة العملة اللبنانيّة مقارنةً بالدولار الأميركي، ولم تكن شركات الصيرفة المرخصة تعتمد أسعار السوق السوداء في بداية الأزمة بل اعتمدت السعر الرسمي المحدد من المصرف المركزي وكان 1500 ليرة لبنانية.علماً أنّه بحسب نقيب الصيارفة في لبنان أنطون مارون فإن عدد شركات الصيرفة المرخّصة هي 360 موزعة على الأراضي اللبنانية. وبطبيعة الحال، الموقوفون ليسوا من ضمن هؤلاء.

بعدها، اتجه الصرافون المرخصون إلى إقفال فروعهم لأشهر بسبب خسارتهم التجارية نتيجة مضاربة السوق السوداء، وهذا الاقفال أدى إلى بروز صرافين جدد غير شرعيين على الساحة. 

القرار القضائي: بين الأخذ والرد 

علي نمر الخليل وعيسى كنج هما الصرّافان اللذان أصرّ القاضي أبو سمرا على تمديد توقيفهما، وتحدثت معلومات عن ارتباطهما بـ”حركة أمل” التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، أمّا الصرافون الذين أصدر أبو سمرا قراراً بإطلاق سراحهم مسبقاً فهم من “سماسرة” حزب الله، كما وصفهم أحد المحامين المتابعين للقضية لـ”درج”، لكنه فضل عدم الإفصاح عن اسمه.   

هذا القرار دفع النيابة العامة المالية برئاسة القاضي علي ابراهيم إلى تحريك الملف، وإصدار حكم باستمرار توقيف الصرافين جميعاً.

يشير المحامي المطلع على القضية جاد طعمة إلى أن مثل هذه القرارات تصدر “غير معلّلة”، أي أن قاضي النيابة العامة الاستئنافية لا يذكر في القرار الصادر عنه السبب وراء تمديد التوقيف، لكن يحق لمحامي الصرافين الاستئناف، ويبدو أنهم سيتخذون هذه الخطوة، وفقاً لطعمة. 

هذا يعني أن الكفالة أصبحت لاغية ولا قيمة لها، والكفالة قانونياً ذات شقّين: الأول يؤكد حضور المشتبه بهم (وهم الصرافون) الجلسات كافة، والثاني يضمن حق المتضرر كالحق الأساسي أو العطل والضرر، وفي هذه الحالة تدفع الكفالة التي يقررها القاضي للدولة اللبنانية، كونها هي المدعية.

هكذا تعمل شركات الصيرفة في المضاربة 

يعمل هؤلاء الصرافون مع سلامة بطريقة غير مباشرة فهم وسطاء كما أكد كل من المحامي جاد طعمة والخبير الاقتصادي سامي نادر لـ”درج”. مع تلاعب سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، تعامل سلامة مباشرة في البداية مع شركتين أساسيتين معنيتين بتحويل الأموال، وهما OMT وBoB Finance، إذ أوكلهما بجمع الدولارات من السوق مقابل عمولة لا تتعدى 2 في المئة. 

ساد الموضوع لفترة طويلة، لكن مع تسارع الانهيار المالي زاد طلب سلامة للدولار، فمنح شركة OMT رخصة تصريف من الفئة “أ”، حتى يصبح لها الحق بالتصريف للمواطنين، ففي السابق كان يقتصر عملها على تحويل الأموال ولا يحق لها القيام بأعمال الصيرفة. 

تفيد معلومات “درج” بأن OMT وBoB Finance، وشركة CTEX التي ضمها سلامة لاحقاً لهما، ويرأسها الخبير الاقتصادي حسن مقلد المقرب من “حزب الله” الذي وضع على لائحة العقوبات مع نجليه، يتواصلون مع رئيس نقابة موظفي مصرف لبنان عباس عواضة لمعرفة سعر الدولار في السوق يومياً كما يحدده حاكم المصرف المركزي كل صباح. 

نتيجة الانهيار المتسارع لليرة اللبنانية أصبحت الشركات ترفع من عمولتها ولم يعد سلامة قادراً على ضبط هذه الشركات التي أصبحت تنافس بعضها، وبالتالي قلَص عمله معها وانتقل إلى التعامل مع مصرف “الاعتماد المصرفي” أو Credit Bank عبر الكاتب العدل، سليم الخليل وفقاً لمعلومات حصل عليها “درج”. 

من هو سليم الخليل؟ 

سليم الخليل هو كاتب عدل في مدينة البترون شمال لبنان، باشر في العمل المصرفي بمساعدة من سلامة. مصرف “الاعتماد المصرفي” كان أحد المصارف التي واجهت الإفلاس، فعمل سلامة على وضعه تحت سيطرته ليتمكن من تأمين الليرة اللبنانية عبر شيكات مصرفية.

مع دخول الخليل إلى هذا السوق، نافس بشراسة بعرضه على سلامة عمولة أدنى من شركتي OMT وBob Finance، وباشر العمل مع الخليل دوناً عن هاتين الشركتيْن وكانت لسليم الخليل مصلحة في ذلك، إذ كان بحاجة إلى بيع الشيكات المصرفية بدلاً من العملة النقدية، وفقاً لمعلومات “درج”. 

يعني ذلك أن الخليل كان يجمع من الصرافين غير الشرعيين ومنهم الموقوفون المذكورون أعلاه، الشيكات المصرفية الخاسرة لقيمتها بنسبة 85 في المئة، ثم يعطي هذه الشيكات إلى سلامة، أي أنه كان يعمل وسيطاً بين مصرف “الاعتماد المصرفي” ومصرف لبنان، وهكذا دواليك حتى باشر فرع المعلومات التحقيق مع الخليل وشركتي التحويل (OMT وBoB Finance).

المخالفة القانونية الأساسية التي اقترفها الخليل هي عمله في مجال الصيرفة، إذ لا يحق قانونياً للكاتب العدل ممارسة أي مهنة أخرى سوى التعليم الجامعي على أن يكون ذلك  خارج دوام العمل، بحسب عضو في نقابة مجلس الكتاب العدل في لبنان.  

تواصلنا مع الخليل لحق الرد، لكنه فضل عدم التعليق على الموضوع إلا بعد نشر التحقيق لكنه لم ينكر عمله في مجال الصيرفة باعتباره وسيطاً بين سلامة ومصرف “الاعتماد”.  

ما تأثير التوقيف على سعر الصرف؟

برغم أن مجموعة من خمسة محامين، من بينهم جاد طعمة، قدموا إخباراً وضعوه في عهدة النيابة العامة المالية في كانون الأول/ ديسمبر 2019، إلاّ أن القضاء وقتذاك لم يحرّك ساكناً ليعود ويتحرّك في بداية عام 2023، بمداهمة الصرافين غير الشرعيين وإلقاء القبض عليهم، في خطوة اعتبر خبراء اقتصاديون أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وسلامة، والمصارف اللبنانية، يقفون خلفها. 

توقيف الصرافين خطوة لن تساهم  في لجم سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وهو ما يؤكده الخبير الاقتصادي سامي نادر، مشيراً إلى أن انفلات سعر صرف الدولار يعود إلى تزايد عملية طبع الليرة اللبنانية وتوزيعها على الصرافين مقابل “لملمة” المصرف المركزي للدولارات. 

مع بداية انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار، كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يحدد سعر الصرف للصرافين الشرعيين، من صمنه عمولة محددة تتراوح بين 2 و3 في المئة، وكان لسلامة حينها دور في السوق اللبناني يستطيع عبره لجم سعر الصرف في السوق السوداء إذ يعتبر الزبون الأكبر والأساسي، كما أجمع خبراء في السوق المالية لـ”درج”. لكن مع غياب أي خطة جديّة تضع سقفاً لسعر الصرف وتحمي الليرة اللبنانية التي خسرت أكثر من 90 في المئة من قيمتها، فقد خرج الوضع عن سيطرة المصرف المركزي مع انتشار الصرافين على الطرق وتوسع الاستفادة من العمولات، ولم يعد لسلامة أي سلطة عليهم، ما دفعه إلى تغيير سياسته حيال الموضوع.

تكلف هذه الشركات المهتمة بجمع الدولارات لمصلحة سلامة، الصرافين غير الشرعيين بتأمينها عبر السوق السوداء على أن يحصلوا هم أيضاً على عمولات، ومن ثمّ يجمعون هذه الدولارات التي استطاعوا تأمينها عبر تصريف الأموال للناس إلى OMT، وBoB Finance، وCTEX و”بنك الاعتماد”، وبدورهم يقدمونها لسلامة. 

علم موقع “درج” أن حملة الاعتقالات هذه مفادها إنشاء شبكة بديلة قادرة على الالتزام بقرارات المصرف المركزي خصوصاً فيما يتعلق بتحديد سقف العمولات المسموح اكتسابها حسبما يحدد المصرف المركزي، وإحدى الشخصيات الرئيسية لهذه الشبكة  كاتب العدل سليم الخليل المدعى عليه بسبب ارتباطه بمصرف credit bank، وفقاً لمعلومات حصل عليها “درج”. 

تجدر الإشارة إلى أنه يحق للقاضي الادعاء على كتاب العدل في حال سمح وزير العدل بذلك، ويبدو أن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري سمح بملاحقة خليل. تواصلنا مع الخوري للاستيضاح أكثر حول الموضوع، لكننا لم نحصل على رد. 

الجدير ذكره أن سلامة، عبر المصرف المركزي، يعد أكبر مشتري لدولار المواطنين الذين يصرفون أموالهم لدى الصرافين، الذين بدورهم يحصلون على أموالهم من مصرف لبنان، الذي بدوره يجمع هذه الأموال من المصارف اللبنانية التجارية بحسب ما أوضح المحامي جاد طعمة لـ”درج”. وهذه الأموال التي جمعها سلامة، يطرحها على الصرافين ليبدأ التلاعب في السوق السوداء عبر التطبيقات غير المنضبطة.  

انهيار الليرة 

تتعدد الأسباب حول انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار اللبناني، كما حذر خبراء اقتصاديون من حصول الأمر قبل فوات الأوان لكن اصرّ سلامة حتى أواخر عام 2019 أن “الليرة بخير”، لتصبح العبارة الأشهر في مسيرته. 

تثبيت سعر الصرف على 1500، وهو سعر وهمي، مدة 30 عاماً ووضع هندسات مالية جديدة إضافة إلى إقراض الدولة اللبنانية الدولارات تعتبر أبرز الأسباب التي أدت إلى انهيار الليرة اللبنانية التي يحاول سلامة التنصل من مسؤوليتها. 

على سبيل المثال لا الحصر، سياسة دعم المواد الأساسية كالمحروقات والأدوية والطحين وغيرها ليشتريها المواطن بسعر أقل من سعرها الحقيقي، التهريب المستمر عبر المعابر غير الشرعية إلى سوريا بسبب فارق الأسعار بين البلدين، وحجم ضخ الدولار للتجار وفي الأسواق المالية، تراكمت لتنفجر بعجز سلامة عن تأمين الدولار ووقف المصارف التجارية عن إعطائه هذه الدولارات. 

ويضيف نادر أن عدم ضخ الدولار في الأسواق المالية وكذلك لدى الصرافين الشرعيين، أدى حتماً إلى التسريع في انهيار الليرة اللبنانية وفلتان السوق السوداء. 

نشطت في الآونة الأخيرة تحركات قضائية ضد بعض السياسيين والمصرفيين داخلياً وخارجيا. في الداخل، ادعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على شقيق رياض سلامة، رجا، إضافة إلى عدد من رؤساء مجلس إدارة المصارف مثل سليم صفير (بنك بيروت) وسمير حنا (بنك عوده) وآخرين. 

أما خارجياً، فتم الادعاء على سلامة في سويسرا بقضية الجرائم المالية كما يواظب القضاة الأوروبيون تحديداً من فرنسا، ألمانيا، ولوكسمبروغ على زيارة لبنان مجدداً في منتصف آذار/ مارس للاستماع إلى عدد من الشهود الإضافيين، بعد استماعهم إلى عدد من السياسيين والمصرفيين في كانون الثاني/ يناير 2023.