fbpx

تسميم الطالبات في إيران: استعارة آليات التأديب والعقاب من “طالبان”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليس الموقف الرسمي البارد والمتجاهل، سوى دليل على أن هذه المأساة المستمرة في أكثر من مدرسة إيرانية ليست سوى عقاب على انفلات هؤلاء الطالبات من قبضة النظام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حتى الآن، ما زالت قضية تسمّم أو تسميم مئات الطالبات عمداً في إيران، تقع في حيز ضعيف وهامشي على المستوى الرسمي. وكأن الحكومة لا تعتبر أن من أولوياتها متابعة وقائعها الصعبة ونتائجها الإنسانية المريرة. 

ليس الموقف الرسمي البارد والمتجاهل، سوى دليل على أن هذه المأساة المستمرة في أكثر من مدرسة إيرانية، تبدو مقصودة ومتعمدة لتحقيق أغراض سياسية وبراغماتية، وقد عطّلت  التعليم وحوّلت المدارس إلى بيئات غير آمنة. هذه الحوادث  التي تشبه وقائع موت معلن تعد ضمن وسائل العقاب الإيرانية على انفلات هؤلاء الطالبات من قبضة النظام، ومشاركتهن في الحراك ضد نظام “الجمهورية الإسلامية”، وضد القمع الذي يفرضه في كل الميادين.

الأرقام التي ذكرها أحد أعضاء البرلمان الإيراني تشير إلى وقوع 900 حالة تسمّم، حتى الآن. وقد بدأت هذه الحوادث الغامضة منذ عام 2022، بينما تبدو، في تصاعدها وتكرارها، انتقامية وممنهجة. وتتعامل أجهزة الدولة مع هذه الحوادث بخفة، كما تضعها مثل غيرها ضمن حيّز المؤامرة التي يواجهها نظام الملالي من “الأعداء”.

بلغت الحالات ذروتها الآن، مع عودة التشدّد تجاه فرض الحجاب الإلزامي، إذ تباشر الحكومة دورها الرقابي مجدداً وبعنف، بينما تواصل الجهات المختلفة توزيع المنشورات الإرشادية التي تحض الفتيات على الالتزام بالحجاب، ومراعاة قواعد، أو بالأحرى قوانين، الآداب العامة في الأماكن العامة والجامعات والمدارس والمراكز التجارية. 

الأرقام التي ذكرها أحد أعضاء البرلمان الإيراني تشير إلى وقوع 900 حالة تسمّم، حتى الآن.

وقد انتشرت عدوى التسمّم في نحو 15 مدينة إيرانية، منها مدينة قم الدينية. لكنّ وزير الصحة الإيراني، بهرام عين اللهي، قال إنّ السم “ضعيف” والأعراض التي ظهرت على الفتيات تراوحت بين ضعيفة أو متوسطة. وفيما لم تتجه أجهزة الدولة ومؤسساتها إلى إجراء خطوات للتحقيق، مذ بدأت هذه الحوادث تطاول طالبات المدارس الثانوية والإعدادية كما في الجامعات، في العام الماضي، فإنّ الخطاب السياسي ظل على درجة الاستقطاب السياسي الحاد، واتهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي “أعداء” طهران بالتورط في تسميم مئات التلميذات في أنحاء البلاد. 

واصطفّ نائب وزير الصحة الإيراني مع المواقف الرسمية، التي اعتبرت أن الحوادث تقع ضمن نطاق المؤامرة، وقال إنّ الهدف هو “إغلاق المدارس، بخاصة مدارس البنات”. واعتبر الرئيس الإيراني هذه الحوادث ضمن مخطط مؤامرتي خارجي عبر أطراف محلية لإحداث الاضطراب في إيران. وقال رئيسي: “هذا مخطط أمني لإحداث الفوضى في البلاد مع سعي الأعداء إلى بث الخوف وانعدام الأمن بين أولياء الأمور والتلميذات”. كما أن رئيس تحرير صحيفة “همشهري” المحافظة التابعة لبلدية طهران، عبد الله غنجي، وصف في تغريدة حوادث التسمّم في المدارس بأنها “غريبة”، ولمّح إلى أنّها “جزء من الحرب المركّبة” ضد إيران.  

تزامنت بداية حوادث التسمّم بين طالبات المدارس في إيران، مع تصاعد الاحتجاجات على خلفية مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد دورية “شرطة الأخلاق”، ووقوعها بعد شهر واحد من مقتل أميني، بما يجعل دائرة الشبهات تضيق على النظام أو بالأحرى الجماعات المتشددة القريبة من الجناح الراديكالي والأصولي، لا سيّما أنّ وسائل إعلام إيرانية معارضة وقريبة من “التيار الإصلاحي”، لمّحت إلى ضلوع بعض الأطراف المتشددة في هذه الحوادث التي تبدو مدبرة وتستهدف طالبات يقدن حراكاً مؤثراً ضد النظام. 

بدأت أولى هذه الجرائم في مدرسة “نور البنات” في مدينة قم، ثم انطلقت العدوى إلى مدن أخرى منها بروجرد، غربي إيران، ثم أردبيل، شمال غربها. وكلها تعتمد على إطلاق قنابل غازية تتسبب في أعراض مثل الغثيان وخفقان القلب والخمول والصداع وصعوبة التنفس، بحسب تقرير لجامعة قم للعلوم الطبية. 

وتماثل هذه الحوادث ما حصل في أفغانستان قبل نحو 8 سنوات. إذ اتبعت جماعات سنية قريبة من حركة “طالبان”، قبل أن يصل قادتها المتشددون إلى حكم كابول من جديد، التكتيك ذاته عبر استهداف الطالبات في المدارس من خلال الغاز المسمّم على خلفية تمرّدهن على التقاليد المحافظة وخروجهن للتعليم. ولمّح موقع “عصر إيران” إلى أنّ استمرار الغموض وراء حالات التسمّم بحق الطالبات في قم من دون تقديم أيّ تفسير لما وراء الكواليس لهذه الجريمة المستمرة، استدعى “مراجعة لأرشيف الأخبار”.

هذه المراجعة كشفت عن وقوع حوادث مماثلة في أفغانستان منذ نحو 8 سنوات. وقال الموقع إنّه “في ذلك الوقت، نُسبت إلى حركة “طالبان” (هذه الحوادث)، التي لم تكن في الحكومة وكانت تعارض تعليم الفتيات”. مع الأخذ في الاعتبار أنّ حكام كابول الجدد منذ وصولهم إلى السلطة، نفذوا قراراتهم المتشددة ضد الفتيات، ثم منعت “طالبان” الطالبات من الدراسة “من دون الحاجة إلى تسميمهن”.

ووفق نائب حاكم ضاحية برديس، رضا كريمي، فإنّ ناقلة وقود قد عُثر عليها إلى جوار مدرسة في إحدى ضواحي طهران، وكانت آتية من مدينتي قم وبروجرد في إقليم لورستان غرب طهران، حيث تسببت في تعرّض الطالبات للتسمّم. وذكر رضا كريمي لوكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، قبل أيام، بأنّه قُبض على السائق فيما صادرت السلطات الإيرانية الناقلة. وهذا الإجراء الأول الذي أعلن عنه مسؤول إيراني بشكل رسمي وصريح. وتابع: “الحراس كانوا في موقف للسيارات حيث كانت ناقلة الوقود متوقّفة، وقد أصيبوا أيضاً بالتسمّم”.

ويكاد لا يختلف موقف وزير الصحة الإيراني بهرام عين اللهي، الذي اعتبر حالات التسمم ضعيفة أو متوسطة، عن مواقف مسؤولين آخرين، تعاملوا بالخفة ذاتها، في ظل تلكؤ الحكومة عن إجراء تحقيق لمعرفة المسؤولين بدقة وتحديد هوية الأفراد أو الجماعات التي تقف وراء ذلك. فضلاً عن رغبة المسؤولين في تعميم الغموض والإمعان في ترديد معلومات متضاربة وغير دقيقة. وبينما أكد نائب وزير الصحة لشؤون البحوث، يونس بناهي، أنّ هناك “تعمداً”، إنما لم يتسنَّ لأحد تحديد الجهة المسؤولة، فإنّ الناطق بلسان وزارة الصحة الإيرانية بيدرام باكاين، نفى أيّ شبهة تعمُّد في هذه الحوادث، وفق وكالة الأنباء الرسمية “إرنا”. وشدد على أنّ “التحقيقات الطبية أظهرت أنّ التسمّم لم يكن بسبب “فايروس” أو “ميكروب”، وأن الأعراض كانت “عابرة”. 

على رغم تلميح دوائر رسمية الى وجود جماعات أو أفراد بفكر ديني متشدد، وراء تنفيذ هذه الحوادث، إلا أن عدم تعقب هؤلاء وغياب المساءلة والشفافية، يؤشران الى توفير غطاء وحماية لهذه المأساة المستمرة.

طالبت الأمم المتحدة، نهاية الأسبوع الماضي، بإجراء “تحقيق شفاف” بخصوص جميع حوادث تسمّم الطالبات في إيران. وغردت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، على “تويتر”، أنّ هذه الحوادث “صادمة”. وطالبت بضرورة “تسليط الضوء على جميع الحالات”. 

وعند هذه النقطة كما هي العادة، خاضت الحكومة الإيرانية صراعها المحموم والتقليدي مع الغرب الذي تتهمه طهران دائماً بـ”الحرب المركبة”. وعقّب الناطق بلسان الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، على تغريدة بيربوك، بأنّ “هذا العمل التخريبي والمعادي للأمن قيد التحقيق”، لافتاً إلى أنّ بلاده “جادّة في الوصول إلى المجرمين واجتثاث هذه المؤامرة”. وقال إنّ السلطات الإيرانية لن تسمح بضرب الأمن للبنات الإيرانيات بـ”دوافع سياسية”. 

ووصف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، المواقف الغربية تجاه حوادث تسمّم الطالبات الإيرانيات، بأنّها “ردود فعل تدخّلية” على “مسألة التسمّم المشكوك فيها”.  

ومع خروج تظاهرات لأولياء أمور الطالبات اللواتي تعرضن للتسمّم، قال الناطق الرسمي بلسان القضاء مسعود ستايشي: “تقدمت بعض العائلات بشكوى في نيابة قم بشأن تسمّم الطالبات، ويقوم النائب العام بالتحقيق في أبعاد هذه القضية بالتعاون مع الاختصاصيين”. وأضاف: “بدأ هذا الحادث في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، في مدرسة في مدينة قم، وأدى إلى تسمّم 18 طالبة، وفي 13 كانون الأول/ ديسمبر حصل ذلك مرة أخرى في المدرسة ذاتها وتسمّم 51 شخصاً”. فيما أكد الناطق بلسان القضاء أنه بعد عقد اجتماعات مع مسؤولي الأمن والمخابرات والطب العدلي حول تسمّم طالبات في مدارس قم، “ستتم متابعة القضية بدقة”.

في المحصلة، وبعد مرور أكثر من مئة يوم على هذه الحوادث المتكررة، لا أرقام رسمية سوى التي ذكرها عضو في “لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية” في البرلمان، إذ قال إنّ 900 فتاة أصبن بالتسمّم في المدارس على مدار الأشهر الثلاثة الماضية. كما لم تُتخذ أي إجراءات في مواجهة هذه الحوادث سوى احتجاز الناقلة التي كشف عنها نائب حاكم ضاحية برديس. وعلى رغم تلميح دوائر رسمية الى وجود جماعات أو أفراد بفكر ديني متشدد، وراء تنفيذ هذه الحوادث، إلا أن عدم تعقب هؤلاء وغياب المساءلة والشفافية، يؤشران الى توفير غطاء وحماية لهذه المأساة المستمرة، والهادفة قبل أي شيء إلى تأديب الطالبات ووقف نشاطهن الاحتجاجي في المدارس وفي الشوارع والميادين. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.