fbpx

عودة أزمة الحجاب في إيران: انتهازية “آيات الله” وبؤس الأيديولوجيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فرض الحجاب بالنسبة إلى النظام الإيراني يأتي في سياق الحمولة الرمزية التي تحاول “الجمهورية الإسلامية” بعثها بصفة مستمرة، محلياً وعالمياً، بوصفها الممثل الرسمي للإسلام الشيعي (الديني والسياسي).

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تبدو ملابسات قصة لاعبة الشطرنج الإيرانية، سارة خادم، التي عمدت إلى المشاركة في مسابقة دولية من دون الالتزام بالحجاب، سوى مكاشفة للواقع الصعب والمرير في طهران. 

هذا الواقع يفضح تكتيكات النظام الإيراني تجاه قضية فرض الحجاب على الفتيات. وعلى رغم مناوراته المتعددة لإحداث خرق في المشهد الاحتجاجي وسيولته، على مدار أكثر من أربعة أشهر، إلا أنّ الثابت هو رغبة الملالي المحمومة في الإبقاء على إلزامية الحجاب بحمولته السياسية والدينية المؤدلجة.

لاعبة الشطرنج الإيرانية التي تضامنت مع الاحتجاجات المستمرة، منذ منتصف أيلول/ سبتمبر العام الماضي، من خلال التخلي عن هذا الرمز الديني الذي سُيِّس ثم عُمِّم قسراً على النساء بواسطة “آيات الله”، باغتها القضاء بإصدار مذكرة توقيف بحقها، مما جعل مصيرها، في حال عودتها إلى إيران، مجهولاً، كما هي الحال مع بطلة التسلق إلناز ركابي، والتي أُرغمت على الاعتذار عن موقفها الاحتجاجي المماثل في مسابقة دولية أخرى في كوريا الجنوبية، كما أنّ الحكومة هدمت منزل عائلتها. 

فيما تخشى سارة، وهي في منتصف العقد الثاني من عمرها، المصير ذاته، والوقوع تحت وطأة السجن بعد فترة إخفاء قسري، والذي يكون، حتماً، عتبة إلى ثقوب جهنمية تفصلها عن أي واقع يمكن توقّع المآلات فيه. فسجّل النظام يحفل بجرائم وخروقات حقوقية جمّة، تبدأ بالاعترافات القسرية وتنتهي بالإعدام.

ونقلت وكالة “رويترز” عن البطلة الرياضية الإيرانية المقيمة في جنوب إسبانيا، من دون أن تفصح عن موقعها، خشية أن يطاولها وكلاء جهاز الاستخبارات الإيراني المتورط في حوادث اغتيالات خارجية ضد المعارضين، قولها: “بصفتنا لاعبات شطرنج، علينا دائماً أن نتوقع ما سيحدث بعد ذلك، لكن لم يسر الأمر كما توقعت”.

وأردفت: “اعتقدت أنّه من الصواب القيام به (خلع الحجاب) ولا أندم على أيّ شيء. لكن (خلع الحجاب) أصبح أحد الأمور التي تميّز الحركة (الاحتجاجية) في إيران، وقررت في النهاية أن أفعل شيئاً أريده، لأكون نفسي… ما دفعني إلى ذلك هو ما وجدته من الشعب الإيراني”.

 “البعض يربط مسألة الحجاب بأمور سياسية، معتبرين أنّ إزالة الحجاب ستضعف الجمهورية الإسلامية“.

تبرز هذه الحال سلوك النظام الانتهازي والمرتبك في آن. غير أنّ التناقضات التي يقع فيها “الولي الفقيه”، منذ أربعة عقود، حول معضلة الحجاب التي تتفاوت فيها المواقف السياسية وحتى الحوزوية، تؤشر إلى توظيف الحجاب كرأسمال رمزي لصناعة هوية سياسية وأيديولوجية لمواجهة القوى المناوئة لـ”الجمهورية الإسلامية”، سواء إقليمية أو دولية، بحسب تصنيفاتها في أدبيات تلك القوى وسردياتها. وفكرة تأسيس الجماعات المتخيلة تضطلع بها الحكومات الدينية والشمولية التي تصرّ على صناعة أعداء متوهمين. 

وبالتالي، لم يكن الموقف الأخير للمرجع الشيعي، ناصر مكارم الشيرازي، المعارض لاستخدام العنف في قضية الحجاب، أمراً عرضياً أو مباغتاً. فقد أبدت مراجع أخرى تحفظات وخلافات مع المقاربات الفقهية الولائية التي ترى بضرورة قوننة أحكام دينية بتأويلات متعسّفة، منها الحجاب، وغيرها من الأمور التي تقع ضمن حيّز الحريات الشخصية والاجتماعية ونطاقها. 

وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، قال الشيرازي في مدينة قم أثناء لقاء وزير الثقافة محمد مهدي الإسماعيلي: “البعض يربط مسألة الحجاب بأمور سياسية، معتبرين أنّ إزالة الحجاب ستضعف الجمهورية الإسلامية”.

وأردف: “يجب أن يعلم الرئيس والوزراء أنّهم في وضع صعب. صحيح أنّ العدو يتحرك بقوّة، لكنّنا لسنا في مأزق”. وطالب المرجع الشيعي وزير السياحة بالمرونة في قضية الحجاب في الأماكن العامة.

ولا يعدو الحجاب الذي يُسمح بالالتزام به أو التخلي عنه تحت وصاية الحكومة الإسلامية في طهران، سوى كونه حيلة لضبط الجسد الاجتماعي ومنع تمرّده وانفلاته. لذا، سُمح للفتيات والنساء أثناء خروج تظاهرات كرنفالية للاحتفال بذكرى ثورة 1979 في 11 شباط/ فبراير الماضي، بخلع الحجاب والخروج في الشوارع جنباً إلى جنب مع المحجبات. وهو المشهد الذي سبق صعود الخميني إلى الحكم عندما كان ارتداء الحجاب وسيلة للتمرد على الشاه الذي فرض الآية معكوسة.

لكن ضابط الشرطة الإيرانية في محافظة كرمانشاه، غرب إيران، استُدعي، قبل أيام، للتحقيق معه، لأنّه لم يباشر مهماته في قمع سيدة لم تلتزم بالحجاب داخل أحد المراكز الطبية. وامتنع الضابط عن الاستجابة لضغوط امرأة أخرى وثّقت بكاميرا هاتفها الحادثة، بينما تحرّضه ضد السيدة الأولى التي لا تضع الحجاب. 

وقال الضابط إنّ “هذه السيدة (التي لا تضع الحجاب) تريد الخروج بهذا الزي، لا إشكال في ذلك، الأمر لا يعنيني”.

ووفق وكالة الأنباء الإيرانية “تسنيم”، فإنّ “الضابط استُدعي إلى مكتب التفتيش، وتلقى التحذيرات الضرورية، بعد تحقيق مفصل”. 

بدا إعلان المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، بشأن حل شرطة الأخلاق، غامضاً وفيه لغز، بينما الهدف منه هو خفض حدة التظاهرات، إلا أن أنّ الوقائع اللاحقة تبرز نيات النظام الذي لا يكف عن انعطافاته الموقتة لاختبار إمكان التهدئة أو تشتيت القوى المنخرطة في الاحتجاجات. فالازدواجية التي يتعاطى المسؤولون بها مع قضية الحجاب، والتي جعلت التظاهرات كما الجدل حول تطبيقاتها بعد مقتل الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني على يد أفراد دورية “شرطة الأخلاق”، مغايرة لسابقاتها، تؤشر إلى ارتباك الحسابات السياسية وإخفاق الإدارة الأمنية التي فاقمت الأعباء على النخبة الحاكمة.

هذه الازدواجية والانتهازية التي تتسم بها النخبة الحاكمة في إيران، امتدت إلى الإجراءات الجديدة التي ذكرها رئيس اللجنة القضائية في البرلمان الإيراني، موسى غضنفر آبادي، وتتمثل في توجيه رسالة نصية الى من لا ترتدي الحجاب. ثم في حال أصرت الفتاة على موقفها، فسيتم تغريمها وحظر بطاقتها الوطنية، إلى أن تدفع الغرامة.

ووفق رئيس اللجنة القضائية، تُعاقَب المتمردات بحظر جميع الخدمات الاجتماعية حتى دفع الغرامة والالتزام بارتداء الحجاب. وتابع: “قانون مراقبة عدم ارتداء الحجاب في السيارات بات على جدول الأعمال كالسابق، وسيتم بشكل دائم إرسال رسائل نصية لمن لا يلتزمن”. كما كشف عن “منظومة رصد”، يكون بمقدورها توثيق المخالفات وتحديد هوية كل فتاة لا تلتزم بالحجاب. 

وفي المحصلة، فرض الحجاب بالنسبة إلى النظام الإيراني يأتي في سياق الحمولة الرمزية التي تحاول “الجمهورية الإسلامية” بعثها بصفة مستمرة، محلياً وعالمياً، بوصفها الممثل الرسمي للإسلام الشيعي (الديني والسياسي). وهذا التموضع السياسي للحجاب لا غنى عنه لدولة دينية تحكم بتفويض مفارق، وتتجلى في سياقاته كل أدوات الهيمنة والقداسة المزعومة.

وتخلّي الملالي عن فرض الحجاب أو تخفيف الالتزام به، لا يبدو أنّه سيكون معلناً في المستقبل القريب. والهدف المرحلي، فقط، هو محاولة احتواء الغضب الشعبي، بعد مقتل مهسا أميني. ذلك أنّ التخلي بشكل رسمي عن أبرز أدوات النظام في فرض سطوته الاجتماعية، سيهز بالضرورة صورة هذا النظام، كما سيتسبب في تصدع داخل المجموعات الراديكالية، وذوي النفوذ من المرجعيات المتشددة ورجال الدين. فالعمائم تستمد مشروعية وجودها، وبالتبعية، امتيازاتها، بشكل أو بآخر، من حجاب النساء.

لذلك، شدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، على إلزامية تطبيق قانون الحجاب عبر وزارة الداخلية، مؤكداً أنّ الحجاب “ضرورة في الدين”. 

ولمناسبة الذكرى الـ44 للثورة الإسلامية في إيران، قال رئيسي: “الحجاب ضرورة في الدين وتلتزم به نساؤنا وبناتنا في جميع أنحاء البلاد، وهناك أيضاً ضعف في الحجاب لدى بعضهن، والحل اجتماعي وليس سياسياً وأمنياً، والمؤسسات الثقافية والاجتماعية هي المسؤولة في هذا الصدد”. 

وتابع: “في جميع أنحاء البلاد، تتمسك المرأة بموضوع الحجاب كقانون، ونحن نرى ذلك، وعلى الجميع ملاحظة أنّ الاهتمام بسيادة القانون يمكن أن يوفر الأمن والراحة. يجب أن يكون النظر إلى الحجاب ثقافياً واجتماعياً، وبحسب قرار المجلس الأعلى للثورة الثقافية، الصادر عام 2005، فإنّ وزارة الداخلية ملزمة بتطبيق قانون الحجاب، لكنني أعتقد أنّ هذه مسألة ثقافية”.

وعرّج الرئيس الإيراني على الاحتجاجات، وطالب بضرورة عدم تجاهل مطالبها، مشيراً إلى أنّ “الاحتجاجات يجب أن تُسمع، وطرحنا هذا الموضوع في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وأعلنا في المجلس أنه ينبغي إنشاء قاعات مناقشة في الجامعات، كما أنه يتم تفعيل قسم في وزارة الداخلية حتى تُسمع أصوات شرائح الشعب المختلفة”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.