fbpx

حين هاجمني وجه أمي 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جعلتني أمي نسخة منها، نسخة أكثر شباباً، تحمل الأحلام والآلام والمسؤوليات المتوارثة عن جيل حريم قديم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هاجمني فجأة، وجه أمي عندما ألقيت نظرة خاطفة على مرآة الحمّام. وجدت نظرتها في تعب السنين حول عينيّ. ارتعبت من حضورها الصارخ في قسماتي وعلى وجه كفيّ. وحتى في آلام الظهر والمفاصل بعد عمل شاقّ في المنزل.

كنا متقاربتين في العمر، لكنها لم تسمح لي بأن أكون صديقتها يوماً. كانت القاعدة أن هناك مرتبة للأم لا يجوز لي تجاوزها. وكنت بكرها، تلتني أختان يجب عليّ أن أكون مثالاً لهما في كل شيء. وكانت صرامة التعليمات التي تلقيتها تمنعني حتى من التفكير حين كان عقلي يتوق إلى مغامراته الخاصّة. لجأت إلى قراءة الروايات بلغة لا تتقنها، لأن الكتب العربية كانت مصنّفة لديها بما يُسمح به وما لا يُسمح به، ولم تتورّع عن سحبها من مكتبة البيت وإخفائها على السقيفة كي لا تمتدّ يداي إليها قبل الأوان. وبمرور الزمن، بدأت أكسب ثقتها شيئاً فشيئاً بالتزامي بأوامرها واهتمامي بدراستي. وأظنّ أن أسلوبها الرادع أثمر مع أختيّ، فلم تتمردا يوماً وحاولتا تجنّب غضبها، واستمرّت سلاسة القيادة لسنين طويلة. كانت علامة النجاح في الحياة هي الظهور بنموذج الفتاة المهذّبة المحتشمة المثقفة، وذلك بانتظار الزوج المناسب الذي يستأهل الفتاة الذهبية.

كانت توصيني بالسير في الطريق وأنا رافعة الرأس مشدودة الظهر، ولكن مكسورة النظرات كي لا تتقاطع عيناي مع عيون الغرباء، وخصوصاَ الذكور. وإذا حصل وتعرّضت لمضايقات في الطريق، يكون السبب حتماً خطأ ارتكبته في طريقة اللباس أو طريقة السير أو عدم التقيد بالعودة الى المنزل في الوقت المحدّد. هذا الوقت الذي كان مرتبطاً بأهواء الشباب الذين تعرّضوا لي. فهناك الظلام: “عودي قبل أن تعتّم العين”. وهناك وقت بعد الظهر: “عودي قبل أن تفرغ الشوارع من المارة ساعة العصر”. وهناك خصوصاً وقت صلاة الجمعة: “عودي قبل أن يؤذّن الظهر، حيث يكون المؤمنون في الجامع ولا يتخلّف في الشوارع إلاّ المارقين”. وهكذا كان الخروج من البيت مقيّداً بألف قانون عرفي. وكانت شياطينها تلاحقني فعلياً عندما أمشي لوحدي. وأتخيل أنني في غابة وقد تخرج الوحوش من وراء شجرة ما في أي لحظة.

جعلتني أمي نسخة منها، نسخة أكثر شباباً، تحمل الأحلام والآلام والمسؤوليات المتوارثة عن جيل حريم قديم قديم. نسجت حولي عالماً خاصا بنا جدرانه من حكاياتها وسقفه من مغامرات صديقاتها ومعارفها، وكان محيطها مقدّساً، فالأقارب كانوا منزّهين عن الانتقاد تحت أي ظرف، ومفروضين على العائلة الصغيرة بأمر ملكي لا يقبل المراجعة. وكان عالمها مثالياً تدافع عنه ببسالة وحرص لا تراجع عنهما. وبقيت حريتي مقيّدة بحدود حريتها، حتى بعدما تزوجتُ وسافرتُ وصارت لي عائلة خاصة. لم أنفصل عن عالمها أبداً. كان إيماني بها مرتبطاً بحبها لي ومشاعرها التي كانت تفيض منها مثل الهالات التي تحيط بشمس هائلة وسط سماء حياتي. حب أمي كان يتملّكني ويسيطر عليّ، ولم أتمنَّ يوماً أن أخرج من تحت عباءتها الدافئة.

تمرّدت قليلاً، ولكن دائماً خارج مجلسها. تعرّضت لاختبارات صعبة في علاقتي مع ابنتي عندما كنت أحاول تكرار شخصية أمي معها. أعطيت لعقلي مجالاً للمغامرة، ولكني كنت في قرارة نفسي أخشى أن أغيّر معالم هذه الدنيا المريحة التي أدفأت قلبي زماناً طويلاً.

وعندما غادرتنا في يوم صيفيّ حارّ، أحسست أنني يجب أن أكون معها ولم يسعني إلاّ أن أهمس في أذنها:”نلتقي قريباً… لاتخافي”.

اليوم، لا أحد على اطّلاع على برنامجي اليومي بالتفصيل. لا أحد يلاحقني إذا خرجت وحدي أو تأخرّت ليلاً. وعندما أعود من السفر، لا يبدأ هاتفي بالطنين حتى قبل أن يلتقط إشارة الشبكة السورية. وليس هناك من يقيّم لي تصرفاتي من دون أن أطلب منه. أنا حرة أفعل ما أشاء، ولكن شغفي بفعل أي شيء اختفى بغيابها. 

ألوم هذا الحب الذي دجّن تصرفاتي طويلاً، ولكني أفتقده كل يوم. أنظر إلى ثيابي الصيفية في المرآة ثم ألتقط شالاً يغطّي الكتفين. وأبتسم لوجهي في المرآة “لوجهها في المرآة”، وأردّد: سنلتقي قريباً. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.