fbpx

مسلسل الإمام الشافعي: نسخة نظيفة خالية من “الفقه”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقدّم المسلسل المصري، الذي يعرض في رمضان، الشافعي رمزاً للوسطية والمحبة والرفق بالآخر، من دون أن يعرجَ إلى وجهٍ آخر للشافعي يبدو في فقهه، وهو الذي شجّع على سفك الدماء والسرقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خلافاً لدعوات تجديد الخطاب الديني والتحلُّل من التصورات الدينية للحياة، التي اجتاحت مصر طوال السنوات التي أعقبت ثورة 30 تموز/ يونيو، بدأ عرض مسلسل “الشافعي” الذي يقدم سيرة الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ثالث الأئمة الأربعة لدى أهل السنة والجماعة، من إنتاج “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية”، المملوكة للمخابرات المصرية، ليكشف وجهاً آخر للنظام المصري.

الصورة التي أنتجتها “المتحدة” للإمام الشافعي، أصبحت محط سخرية المشاهدين، بسبب لغة الإمام الخالية من بلاغة العربيّة، ووضعه نظارة طبيّة قبل اختراعها بنحو نصف قرن، وعدم دقة المعلومات التاريخيّة الخاصة بأسفاره، والأهم ترديد الشافعي في المسلسل أبياتاً شعريّة، اكتُشف أنها للشاعر السوري حذيفة العرجي، الذي استغرب كيف لم يتصفّح صناع العمل ديوان الشافعي على الأٌقل، عوضاً عن انتحال أبيات شعرية معاصرة.

 عزل “الدين” ثم تنظيفه

ابتعد الإنتاج الدرامي المصري من الموضوعات الدينية طوال السنوات الماضية، متفرغًا لإنتاج بطولات الضباط في الحرب على الإرهاب، وسرد رؤية النظام المصري لجماعة الإخوان المسلمين، وبعض المسلسلات الكوميدية والرومانسية والاجتماعية الناعمة، التي تصرفُ النظر عن حقيقة الأوضاع الاجتماعية السيئة في مصر، بعيداً من “رفاهيات” الطبقة الوسطى وسكان الكمباوندات، وهو ما يثير تساؤلات حول ماهية العودة إلى الإنتاج الديني الذي توقف منذ ثورة 25 يناير، وكان آخر تجلياته مسلسل “الإمام الغزالي”، الذي أدّى بطولته الفنان محمد رياض، وتولى تمويله آنذاك اتحاد الإذاعة والتلفزيون “الحكومي”.

توقّف إنتاج المسلسلات الدينية منذ ذلك الوقت ليس بسبب ارتفاع تكلفتها المادية فقط، إنما لرغبة النظام المصري، الذي جاء بعد عزل جماعة ترفع شعارات إسلامية وقتل أنصارها المعتصمين، في إبعادِ عقول المصريين من الأفكار الدينية التي كان وجودُها وانتشارها يصبّان في صالح جماعة الإخوان، ويظهران النظام المصري بمظهر العدو للدين، وليس العدو للجماعة فقط، لكن العودة إلى إنتاج المسلسلات الدينية وإغراق المصريين في جدلٍ ديني، ما بين ناقد وغاضب ومتعاطف وفرح، تحمل أغراضاً أخرى.

الصورة التي أنتجتها “المتحدة” للإمام الشافعي، أصبحت محط سخرية المشاهدين، بسبب لغة الإمام الخالية من بلاغة العربيّة، ووضعه نظارة طبيّة قبل اختراعها بنحو نصف قرن

الشافعي… رائد “إلغاء العقل”

من بين دعوات السيسي المتكررة إلى تجديد الخطاب الديني وإعمال العقل والاجتهاد في النصوص الدينية لنبذ العنف المدعوم ببعض النصوص التراثية، يعلن سعيَه الى تنقية الخطاب الديني من “الأفكار المغلوطة”، وفق قوله، موصياً بالتجديد والبعد من الجمود، بينما يتعارض ذلك مع الرؤية التي يقدمها الإمام الشافعي، الذي سعَى طوال حياته الى غلق باب الاجتهاد عبر اعتماد أكبر قدر من الأحاديث الضعيفة، ووضع ما يسمّى بـ”الإجماع والقياس“، وهما اللجوء الى رأي غالبية الفقهاء واعتماده، والقياس على أي أمرٍ سابق قريب للمسألة التي تُناقش لتقليد الحُكم فيها، وليس الاجتهاد أو إبداع حكم جديد.

أُغلق باب الاجتهاد، تماماً، بما أقدم عليه “الشافعي” بحجة درء الشبهات وتأسيس فقه ديني خالٍ من الاختلافات، يجمع كل الأطراف وينهي الخلافات بالاحتكام إلى أساس ثابتٍ هو “الإجماع والقياس”. ومن دون تلك الخطوة، لم يكن الإمام الرابع أحمد بن حنبل، أكثر الأئمة تشدداً ورائد مدرسة النصوصية في الإسلام السُني، لينجح في التقدم إلى صياغة مذهبه المتشدّد الذي مهّد الساحة الإسلامية لظهور الإسلام الأكثر تشدُّداً وعنفاً، والبعيد تماماً من التفكير أو التجديد، متمثلًا في أتباعه من الحنابلة وابن تيمية وابن القيم ومحمد عبد الوهاب، مؤسس “الوهابية”، ومن ثمّ الكثير من التنظيمات الإسلامية المُسلّحة.

وفق المفكر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد، مؤلف كتاب “الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية“، فإن “الشافعي يبدو وكأنه يؤسس بالعقل إلغاء العقل ونفي الخلاف والقضاء على التعددية، وحاول استخدام بعض آليات التفكير العقلي ليبرر نفي العقل وحبسه في دائرة النصوص، وأسس لسيطرة سلطة النصوص، كما أن مواقفه الاجتهادية تدور في غالبيتها في دائرة المحافظة على المستقر والثابت، وتسعى إلى تكريس الماضي بإضفاء طابع ديني أزلي”.

كان الشافعي مؤسس تلك الموجة من غلق أبواب التفكير وسد مسارات الحوار وتغليب المشايخ والفقهاء على شؤون الدنيا، التي يدّعي النظام المصري أنه يعارضها، فهل سيذكر المسلسل الذي يقدم سيرته ذلك الجانب من فقهه وشخصيته؟

الفقه الشافعي لـ”القتل وأكل لحوم البشر وإذلال الذميين”

يقدّم المسلسل المصري، الذي يعرض في رمضان المقبل، الشافعي رمزاً للوسطية والمحبة والرفق بالآخر، من دون أن يعرجَ إلى وجهٍ آخر للشافعي يبدو في فقهه، وهو الذي شجّع على سفك الدماء والسرقة، بالتأكيد على أنّ “من قتل قتيلاً أُعطي سلبه” (السلب هو ملابس المقتول وخواتمه ومركوبه والسرج واللجام ونقوده)، والقول بأنّ “كفاية شر الكافر أن يفقأ المسلم عين الكافر، أو يقطع يديه ورجليه، وكذا لو أسره، أو قطع يديه أو رجليه، وكذا لو قطع يداً ورجلاً ولا سلب له إن قتل كافراً نائماً أو أسيراً”، كما ورد في كتاب “الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع“، الذي يُدرّس ضمن مناهج الأزهر الشريف.

فيما يخصّ العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، تلك الجمرة المشتعلة في مصر دائماً، فطبقًا لكتاب “الإقناع”، الذي يُعدّ أهم كتب الشافعية الفقهية، “يجب علينا فرض الجزية على أهل الكتاب البالغين من الذكور الأحرار، وتجري عليهم أحكام الإسلام، وتعطى الجزية من الكتابي على وصف الذل والصغار ويقولون له (أعط الجزية يا عدو الله)، ويكون المسلم الجابي جالساً والذمي واقفاً ويأخذ بتلابيبه ويهزه هزاً ويقول: (أعط الجزية يا عدو الله)”. ويضيف الشافعي: “لا تبنى كنيسة في الإسلام لأن إحداث ذلك معصية، فلا يجوز في دار الإسلام، فإن بنوا ذلك هُدِم ولا يجوز إعادة بناء كنيسة قد انهدمت وبالذات في مصر”، وكذلك “تميز نساء المسيحيين بلبس طوق الحديد حول رقابهن، ويلبسن إزاراً مخالفاً لإزار المسلمات”، وفي صفحة أخرى من فقه الإمام الشافعي، تجد “بما أن الإساءة تقطع عروق المحبة، فيجب الإساءة لهم وعدم الميل القلبي لهم وقطع عروق المحبة معهم”.

وفي الصفحات من 255 حتى 257 من كتاب “الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع”، يشرح تفصيلاً، طبقاً لمذهب الإمام الشافعي، ما يحلّ للمسلمين أكله من لحوم البشر: “للمضطر أكل آدمي ميت إذا لم يجد ميتة غيره، لأن حُرمة الحي أعظم من حُرمة الميت، واستثنى من ذلك ما إذا كان الميت نبياً فإنه لا يجوز الأكل منه جزماً، فإن قيل كيف يصح هذا الاستثناء والأنبياء أحياء في قبورهم يصلون كما صحت به الأحاديث، أجيب بأنه يتصور ذلك من مضطر وجد ميتة نبي قبل دفنه،  وأما إذا كان الميت مسلماً والمضطر كافراً، فإنه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام”.

أمّا تارك الصلاة، في فقه الشافعي، فيُقتل.

طبقاً لما ورد في كتاب “الإقناع”، “تارك الصلاة المفروضة على الأعيان كسلاً أو تهاوناً معتقداً لوجوبها عليه، فيقتل بشرط أن يستتاب قبل القتل”، و”من يترك الصلاة جحداً بأن أنكرها بعد علمه به أو عناداً فحكمه في وجوب استتابته وقتله، وجواز غسله وتكفينه ودفنه في مقابر المشركين”.

ويُعَرّف الكتاب “الرِّدَة” بأنها “الرجوع عن الشيء إلى غيره، وهي من أفحش الكفر وأغلظه حكماً”.

وإلى جانب التحريض على القتل ونفي الآخر وإذلاله، والعقوبات المبالغ فيها للسرقة كـ”قطع الأطراف جميعاً” وجواز نكاح الطفلة الصغيرة، يمتلئ فقه الإمام الشافعي بالتمييز ضد النساء واستعبادهنّ في منازل الزوجية، فيقول: “لا يلزم الزوج لزوجته دواء وأجرة طبيب إذا مرضت، لأن ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة”، و”لا يلزمه ثمن طبيب وحناء وخضاب ونحوه (أي أنه لا يلزم الزوج بمساعدة زوجته أو الإنفاق عليها حال مرضها)”، و”إن أراد منها تزييناً أو قطع رائحة كريهة وأتى به لزمها (أي يجبرها على وضع مساحيق محددة)”، و”من حُبِسَت ولو ظلما أو نشزت أو تطوعت بلا إذنه بصوم أو حج أو سافرت لحاجتها ولو بإذنه سقطت نفقتها، وإذا كانت الزوجة مريضة ولا تستطيع أن تأكل لأمر ما، فلها قدر عيني من الطعام يعطيه لها وهي تتصرف فيه كيف شاءت”.

هل تراجع الإمام الشافعي عن فتاواه “العنيفة” قبل وفاته؟

يقرّ الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، في حديث لـ”درج”، بصحة تلك الفتاوى – سابقة الذكر – وانتمائها إلى المذهب الشافعي، ويقول: “كُل ذلك يعود إلى الإمام الشافعي، وتم إثباته في الكتب التي تولّت شرح المذهب الشافعي، وأبرزها “الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع”، الذي درسناه بالأزهر الشريف ضمن دراستنا جميع المذاهب الفقهية الأربعة”.

ويعترف أنّ “الشافعي غيّر بعض فتاواه وتراجع عنها مرات عدة، وذلك لأنه وضع بعض الفتاوى خلال إقامته في العراق في كتاب عنوانه “الحجة”، ثم تراجع عنها حين قدم إلى مصر وجلس مع علمائها وأخذ منهم ورأى أن بعض فتاواه غير مناسبة، ليضع كتابه “المبسوط” الذي عُرف في ما بعد بعنوان “الأم”، الذي استقرّ فيه على مذهبه بعد التطوير والاجتهاد، وجمع المزيد من الآراء والأفكار والاجتهادات، ليضع ما يسمّى بالإجماع، أي أنه حلل جميع الفقهاء السابقين، وأضاف إليها اجتهاده كي يصبح كتابه هو الفقه الإسلامي حتى يتمكن المسلمون في ما بعد من القياس على الفتاوى والمواقف السابقة بدلًا من تضييع الوقت في الاجتهاد مجدداً، وكأنه يعيد إنتاج المعرفة السابقة ببعض الإضافة وفي قوالب جديدة”.

ويروي كريمة أن “البيئة الجديدة التي جاء إليها في مصر، تلاقت مع تقدمه في العُمر ولقائه المزيد من العلماء والمشايخ والفقهاء، فنضجت تجربته كفقيه، حتى أن ابن حنبل انحاز أكثر الى ما كتبه في مصر، وحين سُئل أي كتب الإمام الشافعي يجب اللجوء إليها؟ قال: الكتب التي وضعها في مصر لأنه أحكمها”.

هل تغيرت فتاوى القتل والتعذيب وأكل الميتة وإهانة النساء من بين ما عدل عنه الشافعي حين جاء إلى مصر؟ يقول أستاذ الفقه المقارن: “لا، لم يقترب الشافعي من تلك الفتاوى أو يعدل عنها، إنما عدل عن فتاوى كطهارة الماء المستعمل، ونقض لحم الإبل للوضوء، وأشياء من هذا القبيل، أما الفتاوى الأخرى فوردت في كتاب “الإقناع” الذي يشرح المذهب الشافعي كما اختتمه الإمام بذاته قبل وفاته”.

الشافعي أغلق باب “تجديد الخطاب الديني”؟

بينما يدعو السيسي إلى تفكيك التراث ويدخل في معارك صامتة مع شيخ الأزهر، الإمام أحمد الطيب، من أجل ذلك، ينتج النظام المصري ويروّج سيرة أحد أشهر المدافعين عن التراث الإسلامي وأعداء الاجتهاد عبر التاريخ، ويجد ذلك الدفاع اختلافاً في المُسمّيات، فالشافعي، بالنسبة الى أصحاب النزعة الإسلامية، أول من دوّن علم أصول الفقه وقواعده، بهدف “ضبط عملية الاجتهاد ووضع قيود أمام القراءات المعاصرة لنصوص القرآن والسنة”.

يُعتبر ذلك أبرز إنجازات الإمام الشافعي في الفقه الإسلامي، بينما في الحقيقة، ما وضعه “الشافعي” كان منهجية أصولية وإطاراً مفروضاً على الجميع لا يمكن الخروج عنه أو التمرّد عليه، ومن خرج عن ذلك اعتبر مهرطقاً أو مخالفاً للفقه، وبعضهم اتُهم بالتجديف، لكن الكاتب والمفكر زكريا أوزون، مؤلف كتاب “جناية الشافعي: تخليص الأمة من فقه الأئمة“، يرى أن “الفقه يمثل فهماً إنسانياً خاضعاً لزمن محدد ومكان معين، وعليه لا يمكن أن يعتمد كمصدر تشريع ملزم للآخرين”.

أغلق الإمام الشافعي الباب أمام الاجتهاد والتفكير بوضعه “أصول الفقه” الذي اعتُبر لاحقاً، مع تمجيد التراث وتعظيمه ووضعه في مرتبة موازية للقرآن، مصدر تشريع ملزم للآخرين يمنعهم من الاجتهاد ويجعل الخارجين عنه آثمين، وهو ما يتماشى تماماً مع التوجّه الديني للنظام المصري، والدولة العميقة في القاهرة، وهي القادمة من معسكرات الجيش، وجميع قادتها جنرالات يمثل الدين “التقليدي المتشدّد” جانباً كبيراً من تكوينهم، وذلك يرجع الى تربية غالبيتهم ونشأتهم في بيئات ريفية متشدّدة، ومحافظة تماماً، كما أن الانغلاق الذي عاشوه في تعليمهم العسكري وكتائبهم مع الحرص على الصلاة والخطب والوعظات الأسبوعية القادمة رأساً من الأزهر، وتعبّر عن فقهه، دعم لديهم النزعة الدينية المتشدّة، بعيداً من الانفتاح أو الدفاع عن الحقوق الدينية.

“بُص العصفورة”… صناعة أزمة دينية لإلهاء المصريين

توجُّه السيسي إلى المطالبة بتفكيك التراث وتجديد الخطاب الديني لم يكن انفتاحاً هو الآخر، إنما محاولة لتفكيك أفكار الجماعة التي عزلها من الحكم، لنزع أفكارها من عقول الناس، بخاصة أن تلك الأفكار هي التي كانت تمنح الإخوان المسلمين شرعية الحكم والتعاطف، وذلك لربط المصريين الدائم بين الجماعات الإسلامية والدين.

يقول محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ”درج”، إنه “كان من المهم اجتثاث أفكار الإخوان من عقول الناس أولًا كي تتمكن الدولة من إخماد خلاياهم النائمة وأتباعهم ورغبة البعض في استعادة حكمهم مرة أخرى بصفته حكماً دينياً إسلامياً، في هذه الحالة، يجب تقديم نموذج إسلامي آخر للناس، كي ندلل على أن إسلام النظام السابق لم يكن صحيحاً، وليس هذا هو الإسلام الحق بل إنه إسلام متشدّد”.

ويوضح: “العسكريون بطبيعتهم محافظون، يؤمنون بالدين الإسلامي كما درسوه في المدارس وكما سمعوه في خطب الجمعة، والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني ثورة على المفاهيم التي نشأوا عليها، ككل المصريين، وبالتالي، أعتقد أن تجديد الخطاب الديني كان مهماً في إحدى المراحل لأسباب سياسية وللقضاء على الإرهاب، وأن علمانية الدولة مجرّد ادّعاء وليس حقيقة، لكن هل يتحقق تجديد الخطاب الديني؟ لا أعتقد، بخاصة أن الأزهر يحافظ على التراث بكل قوته”.

في ما يبدو أن تجديد الخطاب الديني كان استخداماً سياسياً للدين للتخلص من شبح نظام تم عزله في مصر، لكنه ليس إيماناً حقيقياً، ويمثل التلاعب بالدين في مصر – متمثلاً الآن في إحياء سيرة الإمام الشافعي والجدل حولها، ما بين محبين لا يعرفون حقيقة فقهه، ومؤيدين يؤمنون بالتمييز ضد النساء و”أهل الذمة”، ومعارضين لإنتاج المسلسلات الدينية وإحياء نماذج دينية متشدّدة لا يجب أن تمثل مصر أو تُصدّر كنماذج للتسامح الآن، كما الجدل الذي دار عند إنتاج مسرحية تتناول حياة الشعراوي – محاولة للإلهاء والتشويش عن أوضاعٍ اقتصادية سيئة، وقضايا أخرى تمسّ حياة المصريين مباشرةً كالأسعار المرتفعة وقروض صندوق النقد الدولي ومعدل التضخم غير المسبوق، والحوادث الناتجة من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجه القاهرة الآن.

ويبدو أنّ جعبة صانع المُلهيات قد فرغت من الحيل – بعدما استهلك ترندات كالشيخ محمد حسان ومحمد حسين يعقوب والشعراوي وعشرات الحوادث والفنانين – ولم يعد بها سوى اللجوء إلى صميم الدين “التراثي” الذي يؤمن به المصريون كي يبعدهم من السخط السياسي ويوجّههم إلى مطاردة المتمرّدين دينياً الذين سيبالغون في كشف تشدّد الشافعي وآرائه التي تحضّ على العنف والكراهية، كي تدور مجدداً عجلة “الإلهاءات”، التي يعرّفها المصريون بمسمّى “بُص العصفورة”، أي انظر بعيداً إلى شيء هامشي تماماً كي لا تنتبه إلى حالك وتغضب.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.