fbpx

الكوميديا السورية 2023: الطريق إلى المشاهد يبدأ بـ”بطنه”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما اختبرته سوريا من قمع وعنف خلال السنوات الأولى من الثورة، جعل بعض صنّاع الدراما يعزفون عن الكوميديا، كونها لا تتناسب مع الحياة السوداء التي يعيشها السوريون.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان لاندلاع الثورة السورية عام 2011، أثر واضح على تراجع الكوميديا التي عاشت آخر فتراتها الذهبية في التسعينات والعقد الأول من الألفية مع مسلسل “بقعة ضوء” مثلاً، الذي تحوّل إلى علامة فارقة في الدراما السوريّة، وما زالت أصداؤه وقفشاته تتردد إلى الآن. إذ يعتبر “بقعة ضوء” بأجزائه التي سبقت الثورة،  واحداً من المسلسلات التي تجرأت على الاقتراب من الممنوع، في ظل صناعة تخضع لرقابة شديدة، تجعلها أقرب الى البروباغندا المُقنّعة بالترفيه، الشأن الذي يتضح في حذف مشاهد  من بعض الحلقات وأحياناً حلقات كاملة.

ما اختبرته سوريا من قمع وعنف خلال السنوات الأولى من الثورة، جعل  بعض صنّاع الدراما يعزفون عن الكوميديا، كونها لا تتناسب مع الحياة السوداء التي يعيشها السوريون، ناهيك بمواجهة النظام السوري الكوميديين، إذ اعتقل عدنان زراعي، أحد مؤلفي “بقعة ضوء”، ومخترع شخصيّة “الرجل البخاخ”، التي تحولت إلى رمز تبناه الناشطون الفاعلون في فن الغرافيتي بدايات الثورة، ربما لهذا السبب ما زال مصير زراعي مجهولاً. كما أن الخوف من الاعتقال والمطاردة بسبب معارضة النظام، دفع الكثير من الممثلين الى العيش خارج سوريا كمحمد أوسو وسامر المصري وفارس الحلو وغيرهم.

لا يمكن أيضاً إنكار أن موجة الدراما المشتركة، التي انتشلت الدراما السورية، جرفت معها بعض النجوم السوريين الذين اقترنت بهم نجاحات الكوميديا في العقد الأول من الألفية، مثل باسم ياخور وقصي خولي وعابد فهد، لتفقد فجأة الكوميديا السورية أعمدتها، أمام الجيل الجديد الذي ما زال يتلمّس طريقه.

زادت الطين بلّة رداءة النصوص الكوميدية التي أُنتجت بعد عام 2012، والتي تكفّلت بالقضاء على مسيرة من تبقى من نجوم الصف الأول بالكوميديا، فدمّر “سيت كاز” مشروع أيمن رضا، وأنهى “سليمو وحريمو” محاولات عبد المنعم عمايري، لتدخل الكوميديا السورية في نفق مُظلم لم تخرج منه بعد، إلا بعض الاستثناءات التي نالت جماهيريّة واسعة وارتبطت باسم الكاتب ممدوح حمادة.

اضطر صناع الدراما، بسبب الوضع السياسي وحساسية ما تمر به سوريا، للبحث عن حجج لتبرير إنتاج المسلسلات الكوميدية، فصرح العاملون في مسلسل “أزمة عائلية -2017” أنهم اختاروا الكوميديا لزرع الابتسامة على وجوه السوريين الحزينة. الحجة ذاتها قد تطبق على محاولة ياسر العظمة استعادة أمجاده مع مسلسل “السنونو-2021” الذي بدأ المشاركون فيه أنفسهم يتحدثون عن رداءته، بوصفه “ورطة” وقع فيها العظمة.

حاولت الكوميديات مقاربة ما تمر به البلاد، فوقعت في أفخاخ كثيرة، إذ لاحقت الاتهامات بعدم الإنسانيّة الممثلة أمل عرفة في مسلسل “كونتاك-2019″، حين سخرت من ضحايا الهجمات الكيماويّة، ناهيك بسقف الرقابة الذي أصبح شديد الانخفاض، والتركيز على مفارقات غياب مقومات الحياة. أصبحت الكوميديا أقرب الى نعي للمواطن السوريّ، أكثر منها ترفيهاً عنه، كما يُلاحظ في “بقعة ضوء 15” الذي بُثّ عام 2022، وتكرر ظهور “الجثث” ضمن لوحات كوميديّة، وكأن الجثة شأن طبيعيّ ودائم في حياة السوريين.

لا يمكن إنكار أن موجة الدراما المشتركة، التي انتشلت الدراما السورية، جرفت معها بعض النجوم السوريين الذين اقترنت بهم نجاحات الكوميديا في العقد الأول من الألفية، مثل باسم ياخور وقصي خولي وعابد فهد.

الضحك عام 2023

لا تزال الكوميديا السورية تبحث عن شكل مغاير لتجد طريقها إلى الشاشات والجمهور مجدداً. وهذه السنة، جُرِّب قالب جديد للمسلسل الكوميدي، هو هجين بين الكوميديا وبرامج الطبخ والأطباق الرمضانية، ونصف المسلسلات السورية الكوميدية الجديدة استخدمت هذا القالب؛ علماً أن الموسم الرمضاني الحالي لم تُعرض فيه سوى أربعة مسلسلات سورية يمكن أن نضعها في خانة الكوميديا، هي: “قرار وزير”، “صبايا 6″، “ضيف على غفلة” و”حب مخبى”. 

تشترك المسلسلات الأربعة بالكثير من السمات، منها ضعف الكوادر وغياب نجوم الصف الأول، كما تعاني المسلسلات من بطء الإيقاع والاستسهال في التصوير والإضاءة والموسيقى (باستثناء “صبايا 6”)، والاعتماد على مؤثرات صوتية فاقعة للتعقيب على النكات التي من المفترض أن تولد الضحك، لكن السمة الأبرز التي تشترك بها المسلسلات الأربعة هي الابتذال واستجداء الضحك من المشاهدين.

“صبايا 6″… القهقهة الناعمة

يراهن مسلسل “صبايا 6” مجدداً على فرضية مفادها، أن عودة الكوميديا السورية الى الواجهة، لا تتحقق سوى بالاعتماد على إرث السنوات الغابرة، التي كانت فيها الكوميديا السورية سلعة مطلوبة في المحطات الفضائية العربية. هذا الرهان لم يحقق المطلوب منه سابقاً عندما أُنتج الجزء الثاني من “أيام الدراسة”، ويبدو أن “صبايا 6” في طريقه لملاقاة المصير ذاته؛ علماً أن “صبايا 6” هو المسلسل الأقل إشكاليةً بين الأعمال الكوميدية السورية هذه السنة.

لا يختلف هذا الجزء عما سبقه، الحبكة الدرامية ضعيفة والحكاية الرئيسية مبتذلة، لكنه، على الأقل، ينجح برسم نمط حياة يمكن تقبّله وفهمه، أي مجموعة من الفتيات يعشن في منزل واحد ويصادفن في كل حلقة صعوبة أو مقلباً ما.  

يفتقد كادر المسلسل الى نجوم الصف الأول، وتغيب عنه النجمة الأبرز في الأجزاء السابقة، نسرين طافش، إلا أنه يعتمد على نجوم من الصف الثاني، كديمة بياعة وجيني إسبر ونظلي الرواس، فيما يلعب أدوار البطولة في باقي المسلسلات الكوميدية ممثلون برتبة كومبارس. 

الإضحاك في “صبايا 6” لا يختلف عن الأجزاء السابقة أيضاً، أنماط جاهزة، مبتذلة، تبالغ في انفعالاتها واستعراض الأزياء والمكياج، وبالطبع تُهم تسليع المرأة وتنميطها حاضرة، لكن الكتابة عن الصوابية السياسيّة وتمثيل المرأة في المسلسل لا يمكن الخوض بها هنا، كون المسلسل لا يلتزم بأي معيار منها، بدءاً من الشارة التي تكشف أنه من إخراج وتأليف رجلين، انتهاء بالمواقف التي تمر بها الفتيات، وتحديقات الذكورة الشهوانيّة التي تطاردهم داخل المسلسل نفسه.

“ضيف على غفلة” و”حب مخبى”

ما بين الحبكات الدرامية الضعيفة وتقديم الأطباق الرمضانية، يضيع الوقت في مسلسلي “ضيف على غفلة” و”حب مخبى”.  الوقت قصير لكنه يمر ثقيلاً بسبب الإيفيهات السخيفة التي يُفترض أنها تولد الضحك، لا سيما في “حب مخبا”. المسلسل، لا تتجاوز مدة الحلقة الواحدة منه الـ10 دقائق، وتأتي مُتخمة بالنكت منتهية الصلاحية التي يتشارك بإلقائها ممثلون تثاقل ظلهم أطناناً.

نلاحظ في “ضيف على غفلة”، أننا أمام استسهال في الأداء، يمكن فهمه حين نكتشف أن المسلسل أشبه ببرنامج طبخ، إذ يصوّر في كل حلقة أفضل طريقة لتحضير طبق رمضاني، سيُقدم للضيف (أو الضيوف)  الذي حلّ على سكان إحدى الفيلات “على غفلة”، والواضح طبعاً أنه يستغلّهم ويحاول الانتفاع من سذاجتهم وكرم ضيافتهم، بصورة ما نحن أمام برنامج طبخ يختفي وراء مسلسل كوميدي.

الجدير بالذكر، أن برامج الطبخ في رمضان نالت قسطاً وافراً من النقد في السنتين الماضيتين، بعدما انهارت قدرة المواطن السوري الشرائية. اتُّهمت بعض البرامج بالبذخ، وتقديم وصفات  لأطباق لا يستطيع السوريون شراء مكوناتها. كما انتُقدت بعض البرامج لأنها بالغت في اللجوء إلى البدائل الغذائية الرخيصة، التي أوحت بأن الإعلام الرسمي يحث الجمهور على التعايش التام مع حالة الفقر والجوع. يمكن القول إن اندماج برامج الطبخ بالكوميديا، جاء كحلّ لإسعاف كلَي الطرفين، وإيجاد صيغة ترضي الجميع عدا المشاهد.

“قرار وزير”… كوميديا الفساد المبتذلة

حكاية المسؤول الشريف الذي يحارب الفساد، هي واحدة من كلاسيكيات الكوميديا السورية. نجحت بعض الأعمال التي ترتكز على هذه الفرضية في بداية التسعينات، وأبرزها كان مسلسل “يوميات مدير عام-1995”.  انتهت صلاحية هذه الفرضية وأثبتت أنها لا تلائم  الجزء الثاني من “يوميات مدير عام” الذي بثّ عام 2011، على رغم مشاركة مجموعة من أبرز نجوم الكوميديا السورية فيه، بمن فيهم أيمن زيدان. وهنا السؤال، كيف يمكن توقع نجاح مسلسل يستند الى الفرضية ذاتها مع ممثلين أقل كفاءة، ضمن سياق أصبح الفساد بسوريا فيه شديد الوضوح والعلنيّة؟

الأمر المثير في “قرار وزير” فعلياً، لا يتعلق بمسألة نجوم الصف الأول والثاني، وقدرة جريس جبارة على حمل دور كهذا؛ وإنما بكونه مسلسلاً يطرح تساؤلاً عن معنى الكوميديا السورية اليوم، لأن الحوارات التي تدور فيه مطابقة للحوارات في معظم المسلسلات الدرامية التي أُنتجت بالسنين الأخيرة، تلك التي تصوّر بطولات المسؤولين الشرفاء الذي يعيشون صراعاً دائماً مع الفساد، فـ”قرار وزير” لا يختلف عن مسلسل كـ”كسر عظم” الذي حقق شهرة كبيرة في رمضان الماضي،  سوى بمسألة غياب المسؤولين الفاسدين عن الشاشة.

لا نرى في “قرار وزير” سوى جانب واحد، المسؤولون الوطنيون الحريصون على المواطن، أولئك الذين لا يتوانون عن محاربة الفساد، حتى لو عنى ذلك التدخل شخصياً لحل المواقف والإشكاليات التي يواجهها المواطن، وهنا السؤال، أين الكوميديا بدقة؟ النكات؟ أسلوب الحوار؟ المفارقات التي تكشف سذاجة الفاسدين و”حنكة” الوزير؟

لا إجابات عن الأسئلة السابقة، لكن يمكن القول إن الكوميديا متأخرة، بل إن النكات حاضرة في الأخبار الجدية حين الحديث عن الفساد ونظام الحكم في سوريا، فأيهما مضحك أكثر: شرطي نائم أثناء الدوام أو مشاهدة تقرير يكشف أساليب إخفاء النظام السوري الكبتاغون لتصديره؟

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.