fbpx

كارل ماركس في فرنسا: ماذا يفعل الفيلسوف في منفاه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على خريطة للعاصمة الفرنسية، يشار إلى بعض العناوين، التي أقام فيها كارل ماركس وعائلته، أو يعتقد أنه أقام فيها أثناء وجوده في باريس، إضافة إلى صور وبورتريهات، لمن تأثر بهم من مفكرين وكتاب وأدباء فرنسيين، أو ممن تأثروا بما أنتجه ونظّرَ له كارل ماركس لاحقاً، من روّاد الحركة الاشتراكية والشيوعية الفرنسية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

افتتح في 25 آذار/ مارس الماضي، معرض ماركس في فرنسا، لمناسبة مرور 140 عاماً على وفاة صاحب “رأس المال” (1818-1883)، ويستمر المعرض المقام في متحف التاريخ الحي، في مدينة مونتروي شرق باريس، حتى نهاية عام 2023.

من خلال مجموعة ضخمة، من الوثائق والصور والمقتنيات الشخصية والأعمال الفنية، يُسلّطُ المعرض الضوء على إقامة كارل ماركس، في العاصمة الفرنسية باريس، التي وصلها خريف 1843، برفقة زوجته الحامل يومها بمولودهما الأول. كانت المدينة وجهة ماركس الأولى، بعد اضطراره للخروج من بلاده، بسبب المعارضة التي لقيتها أفكاره الثورية. غير أنه سيطرد لاحقاً منها مطلع 1845، بسبب نشاطاته السياسية، وعلاقاته بالأوساط العمالية، ليعود إليها في آذار/ مارس 1848، بدعوة من الحكومة الجمهورية، قبل إخراجه من المدينة عام 1849. لتقتصر علاقته مع فرنسا، على زيارات عائلية متباعدة لابنتيه المرتبطتين باثنين من الاشتراكيين الفرنسيين، ولم تخلُ تلك الزيارات من مراقبة الشرطة وتقاريرها ومضايقاتها، كما يتضح من خلال وثائق المعرض. 

في السياق، تبدو مصادفة سعيدة، للكثير من المنتمين إلى الحركات اليسارية، والمنخرطين في الحركة الاحتجاجية اليوم، ضد قانون إصلاح نظام التقاعد في فرنسا، أن يتزامن احتجاجهم، مع افتتاح معرض مكرّس، لمرحلة المنفى الفرنسي، في حياة الفيلسوف الألماني الملهم للحركات الثورية، إذ لا تخلو العلاقة مع واحد من أكثر الفلاسفة تأثيراً واستعادة، من بعدٍ نبويّ أو روحيّ إذا جاز التعبير، في بعض أوساط اليسار. ما قاد كثيرين من أوساط الحركة الاحتجاجية إلى زيارة المعرض، وتنظيم حلقات نقاش حول شخصية ماركس ومسيرة حياته ومؤلفاته.

وفي التقديم للمعرض، يرصد القائمون عليه، أن كارل ماركس استقطب مزيداً من الاهتمام، خلال السنوات العشر الماضية، فخُصِّصت له افتتاحيات في الصحف، وأفلام في السينما، منها على سبيل المثال “الشاب كارل ماركس” (2017)، وكتب وأبحاث قدّمها مختصون متعددو المشارب الفكرية والاختصاصات الأكاديمية، وأعداد مطبوعات خاصة مثل عدد جريدة “لوموند” حوله، الذي حقّقَ مبيعات عالية.

من خلال حشد مجموعة مهمة من الوثائق، والمقتنيات الشخصية، والصور واللوحات والملصقات، والأعمال الفنية، القديمة منها والمعاصرة، حاول القائمون على المعرض، التذكير بأيام ماركس في منفاه الفرنسي، وبتجليات تلك الأيام في مسيرته الفكرية

 البحث عن ماركس في باريس

على خريطة للعاصمة الفرنسية، يشار إلى  بعض العناوين، التي أقام فيها كارل ماركس وعائلته، أو يعتقد أنه أقام فيها أثناء وجوده في باريس، إضافة إلى صور وبورتريهات، لمن تأثر بهم من مفكرين وكتاب وأدباء فرنسيين، أو ممن تأثروا بما أنتجه ونظّرَ له كارل ماركس لاحقاً، من روّاد الحركة الاشتراكية والشيوعية الفرنسية.

وربما لا يمكن الحديث عن كارل ماركس، من دون ذكر شريكه الفكري وصديقه فريدريك أنغلز، ففي هذه المدينة توطّدت علاقة ماركس بصديقه، الذي كانت معرفته به سطحية سابقاً. 

ويحوي المعرض مجموعة من الأوراق الرسمية، والمراسلات العائلية التي تعود لأفراد العائلة وأصدقائها. إضافة إلى جزئية تحوي تماثيل نصفية، ومنحوتات لصاحب “البيان الشيوعي”، تضاف إليها مجموعة من الأعمال الفنية المعاصرة، منها أعمال بتقنية الحفر، ومنحوتة لرأس الفيلسوف الشهير مشغولة بالشريط المعدني، وصور مرُكّبة له، وهو يرتدي ثياب عمال الحفريات، أو يحمل على ظهره حقيبة عمال توصيل طلبات الطعام إلى المنازل الشهيرة هذه الأيام.

ويقدم المعرض نسخاً متعددة من مؤلفه الأشهر “رأس المال”، الذي ربما لم تكن نسب قرائه عالية بين أعمال كارل ماركس، حتى في الأوساط النضالية اليسارية، نظراً إلى صعوبته وضخامته، وتأخّر ترجماته أحياناً، وهو ما يلقي المعرض الضوء عليه، إذ تتعدد النسخ المنشورة للكتاب في فرنسا، ولا يخلو الخلاف عليها من أبعاد سياسية، لا لغوية وحسب، إذ تأخّرَ صدور ترجمة جيدة عن الكتاب حتى عام 1924، كما أن بعض الترجمات لنصوص ماركس وصلت إلى الفرنسية نقلاً عن الروسية، وفي الكتاب الصادر على هامش المعرض، والذي ساهم فيه عدد من المؤرخين/ات المختصين، تتطرق بعض النصوص إلى إشكالية الترجمة، وأبعادها السياسية واللغوية في أعمال ماركس المترجمة، ليس في فرنسا وحدها، بل أيضاً في الاتحاد السوفياتي والصين وإندونيسيا وغيرها.

كذلك تقدم مجموعة الملصقات والصور وأرشيف الصحف، فكرة واضحة، حول التعاطي معه، أو “استخدام” كارل ماركس، من قبل تيارات مختلفة في الحركة الاشتراكية والشيوعية الفرنسية، على امتداد القرن العشرين، سواء تلك الحركة التي ستصبح الشيوعية الرسمية، القريبة من السياسات السوفياتية، أو الجناح الذي سيعتمد موقفاً معارضاً لها، والذي مثلته بشكل أساسي تيارات تروتسكية، أهمها “الرابطة الشيوعية”، و”الرابطة الشيوعية الثورية”، و”رابطة النضال العمالي”.

 أي علاقة جمعت ماركس بفرنسا؟

أقام ماركس في فرنسا، وفكّرَ وكتبَ ونظّرَ في هذا البلد، الذي اتصل بحركته العمالية والاشتراكية، وأوساطه الأناركية في القرن التاسع عشر، كما أنه حلّلَ من خلاله الثورات التي اجتاحت القارة الأوروبية ما بين 1789 إلى 1871، وإذا كانت علاقته توطّدت مع صديقه فريدريك انغلز خلال إقامته في فرنسا، ففييها أيضاً أسس لمفهوم المادية التاريخية الذي سيرتبط باسمه، كما أنه سيبقى شخصية مؤثرة داخل أوساط اليسار الفرنسي، ومن فرنسا خرجت أولى الشخصيات التي وصفت نفسها بالماركسية، وعن هؤلاء بالتحديد يقول: “ما أعرفه أني لست ماركسياً” كما يشير المؤرخ المختص بتاريخ الماركسية جان نوما دوكان.

وكمعظم المثقفين والكتاب في القرن التاسع عشر، كان لدى ماركس تصوّر تغلب عليه الإيجابية، أو لنقل الهالة السحرية عن فرنسا، بأنها بلد الثورة العظمى، لذلك بنى منذ وصوله، علاقات مع تجمعات الحركة العمالية، وساهم في نشاطاتها، وهو ما أدى إلى طرده لاحقاً. وهكذا كان لإقامته في هذه البلاد، دور أساسي في صياغة أفكاره، وتطوّر أطروحاته النظرية، فباريس وفّرت المكان، الذي التقى فيه مثقفون وثوريون أوروبيون، وتبادلوا تجاربهم وآراءهم، لكن بالتأكيد من دون نسيان أثر الإقامة في بروكسيل، ومن ثم الاستقرار في لندن في إنتاج ماركس.

ماذا فعل ماركس المنفي؟

يقتفي المعرض أثر ماركس في باريس، بخاصة الأماكن التي أقام فيها، والصلات التي بناها، فمنذ وصوله إلى المدينة، بدأ يتواصل مع المهاجرين الألمان المنفيين مثله فيها. وتشير الوثائق إلى أن أكبر نسبة من المهاجرين في العاصمة الفرنسية خلال تلك الفترة، كانت من الأراضي التي كونت لاحقاً ألمانيا، وهؤلاء لم يكونوا سياسيين ومثقفين وكتّاب، وحسب، بل كان بينهم أيضاً عمال وعاملات، عاشوا في أحياء المدينة، وتركز وجودهم في الدائرة العاشرة منها. إضافة إلى الضواحي، حيث عملوا في المشاغل الصغيرة، والمعامل الناهضة خلال تلك الحقبة في الضواحي الباريسية، ومع هؤلاء بالتحديد حرص ماركس على التواصل الدائم منذ وصوله إلى فرنسا، إذ كان على علاقة متينة بنوادي العمال الألمان وتجمعاتهم. كما أصدر أثناء إقامته في فرنسا العدد اليتيم لمجلته “الحوليات الفرنسية الألمانية”.

من خلال حشد مجموعة مهمة من الوثائق، والمقتنيات الشخصية، والصور واللوحات والملصقات، والأعمال الفنية، القديمة منها والمعاصرة، حاول القائمون على المعرض، التذكير بأيام ماركس في منفاه الفرنسي، وبتجليات تلك الأيام في مسيرته الفكرية، ليؤكّدوا أنه ما زال نموذجاً ملهماً للحركات الفنية أو الاحتجاجية المعاصرة، التي حرص المعرض على تقديم رموزها وأساليبها في جزئية منه. غير أن مشاهدة رأس الرجل مطبوعاً على الأكياس، وفناجين الشاي، والملصقات المخصّصة للبيع على هامش المعرض، لا يمكن أن تمرّ من دون أن تُذكّر بتحويله إلى صورة “بيّاعة”، وفي هذا لا يختلف كارل ماركس كثيراً عن أي شخصية أضفيت عليها المسحة الأيقونية، ثم تم تداولها في “السوق”، بعد تجريدها من بعدها السياسي، ونزع السياسي من الأشخاص والصراعات واحدة من ميزات زمن السوق، لذا ربما سيستمر المحتجون في زيارة المعرض، لكن المقلق أن يكتفوا في التعبير عن غضبهم بشراء ملصق لجدران غرفهم، أو فنجان يتصبّحون فيه بوجه المنظّر الثوري مع القهوة، بينما عجلة الاستهلاك تدور وتدور.       

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.