fbpx

منشقون عن النظام ومطلوبون للتجنيد تحت مقصلة الترحيل في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كثيرة هي قصص العائدين قسراً أو الخائفين من مصير مماثل، ولا يمكن حصرها في تحقيقٍ واحدٍ، إنما نحاول في هذا التحقيق توثيق بعض الشهادات التي جمعناها من خلال لقاءات مع لاجئين في مناطق لبنانية مختلفة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“نحنا المنشقين عن جيش النظام قبرنا مفتوح بسوريا، إذا كان لا بد من ترحيلنا اعدمونا هون أهون من الموت ألف مرة عند النظام”، يخشى أحمد  (اسم مستعار، 30 سنة)، أن يلقى مصير صديقه الذي قتله النظام السوري بعد ترحيله من لبنان إلى سوريا. ففور ترحيل صديقه  العسكري المنشق عن الجيش السوري عام 2015 إلى سوريا انقطعت أخباره وفُقد أثره إلى أن تلقت عائلته شهادة وفاة تحمل اسمه، وحتى الآن لم تتسلم جثمانه.

انشق  أحمد عن جيش النظام السوري عام 2014 بعدما اعتُقل بسبب محاولته الفرار لمدة 9 أشهر، استطاع بعدها الهرب بعدما رشت عائلته أحد المسؤولين العساكر لتهريبه. حاملاً معه آثار تعذيب حفرت على جسده لتسعة أشهر، هرب أحمد إلى لبنان ليبدأ حياةً جديدةً، من دون أن تفارقه الآثار الجسدية والنفسية للانتهاكات المروعة والتعذيب والعنف الجنسي الذي تعرض له أثناء الاحتجاز.

 مضت تسع سنوات، رزق أحمد فيها بطفله الأول في لبنان وعمل جاداً ليؤمن لقمة العيش لزوجته وطفله علماً أنهم يقطنون في أحد المخيمات اللبنانية. تسع سنوات عاشها أحمد خائفاً من العودة إلى المقصلة، واليوم بسبب ارتفاع وتيرة الترحيل القسري الذي تفرضه الدولة اللبنانية على السوريين، يعيش أحمد رعباً متواصلاً من الترحيل.

بدأت عمليات الانشقاق والفرار من الخدمة العسكرية منذ ما يقارب عشر سنوات ولا يُعرف عدد الجنود المنشقين من الجيش السوري، إلا أن المعارضة تقدرهم بعشرات الآلاف، مصيرهم قد يكون الموت المحتوم إذا قرروا العودة أو تمت إعادتهم قسراً إلى مناطق سيطرة النظام في سوريا. يبدي أحمد استعداده للعودة إلى بلاده بشرط تأمين طريقه إلى إدلب، أي إلى المناطق التي لا تخضع  لسيطرة النظام السوري، فهو وكثر من العساكر المنشقين والناس الذين ثاروا ضد النظام منذ عام 2011، مطلوبون للأفرع الأمنية في سوريا، وقد اعتقل بالفعل عدد من العائدين إلى بلادهم بتهمة “الخيانة أو دعم الإرهاب”. وقد وثَّقت “منظمة العفو الدولية” وغيرها من المنظمات الحقوقية، المأساة التي واجهها كثيرون إثر العودة إلى سوريا وتعرضهم لانتهاكات حقوقية جسيمة، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري، على يد الحكومة السورية. وعام 2021 ندّدت المنظمة في تقرير لها بعنوان “أنت ذاهب إلى الموت“، بتعرّض عشرات اللاجئين الذين عادوا أدراجهم إلى سوريا لأشكال عدة من الانتهاكات على أيدي قوات الأمن، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب وحتى الاغتصاب. ومن بين الاتهامات التي توجه إلى العائدين، بحسب التقرير، “الخيانة أو دعم الإرهاب”، وفي بعض الحالات، تم استهداف العائدين لمجرد أنهم كانوا سابقاً في مناطق تحت سيطرة فصائل المعارضة. 

 “إذا اجوا يعتقلوني رح إقتل حالي، بنتحر ويقولوا عني كافر ولا روح اتعذب بالفرع بسوريا”، يقول أحمد في ختام حديثه لـ “درج”، معبراً عن قلقه على طفله وزوجته في حال تم ترحيله و”قتله” بحسب قوله. 

“نحنا المنشقين عن جيش النظام قبرنا مفتوح بسوريا، إذا كان لا بد من ترحيلنا اعدمونا هون أهون من الموت ألف مرة عند النظام”

يختلف مصير العائدين “طوعاً”  إلى سوريا بحسب ظروفهم الأمنية، ففيما يملك البعض فرصة العودة الآمنة، فإن كثيرين يواجهون خطر الاعتقال وربما الموت بسبب التخلف عن الخدمة العسكرية أو الانشقاق عن الجيش، إضافة إلى تحديات اقتصادية يواجهها آخرون بسبب مصادرة بيوتهم وبسبب الأزمة الاقتصادية الحالكة في سوريا.

وارتفعت وتيرة المداهمات التي تشنّها أجهزة الاستخبارات التابعة للجيش اللبناني في الآونة الأخيرة والتي تستهدف مواطنين سوريين في بيروت ومناطق مختلفة في لبنان. ورُحَّل إلى سوريا عشرات اللاجئين الذين دخلوا البلاد بشكل غير نظامي أو يحملون بطاقات إقامة منتهية الصلاحية. وبلغ العدد الإجمالي لحالات الترحيل القسري بحق اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا بحسب توثيق مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) منذ بداية عام 2023 حتى 28 نيسان/ إبريل الجاري 407 حالات ترحيل قسري. معظمهم يفتقرون إلى الإقامات القانونية، وفي الحملة الأمنية الأخيرة منذ بداية نيسان حتى 28 منه، بلغ عدد المرحّلين حوالى 200 لاجئ سوري. المدير التنفيذي للمركز محمد حسن يوضح لـ”درج” أنه بمجرد ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا، تتوقف الاتصالات والأخبار عن معظمهم، بعضهم يُسلم إلى قوات الأمن السوري ويُعتقل بشكل تعسفي، بخاصة أن جزءاً منهم متخلف عن الخدمة العسكرية، لذلك من الصعب على فريق المركز التحقق من مصيرهم أو معرفة الظروف التي يمرون بها في سوريا على وجه الدقة. 

وكان المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، وهو الهيئة المسؤولة عن تنفيذ استراتيجية الدفاع الوطني اللبنانية، أصدر عام 2019 تعليمات للأجهزة الأمنية بترحيل السوريين الذين يدخلون لبنان عبر المعابر الحدودية غير الشرعية. وفي رسالة إلى منظمة العفو الدولية في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أكدت مديرية الأمن العام أنَّ السلطات رحَّلت 6002 سوري منذ أيار/ مايو 2019، بما في ذلك 863 في 2020، فيما توقفت عمليات الترحيل جزئياً في 2020 بسبب “كوفيد-19”. وأدان  مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) في تقريرِ له بشدة استمرار العمليات الأمنية للجيش اللبناني، واعتبر  أن المداهمة والاعتقال والترحيل في حق اللاجئين السوريين في لبنان يخالف المواثيق الدولية والقوانين المحلّية على مقدمتها الدستور اللبناني. ورأى  ACHR أن هذه العمليات المتواصلة تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان الأساسية للأشخاص الذين يبحثون عن الحماية والأمان في لبنان. ودعا  الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة الذي يلغي قرار المديرية العامة للأمن العام والذي ينظّم دخول وخروج السوريين من وإلى لبنان، كما دعا  إلى التراجع عن قرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في نيسان/ أبريل 2019. كما طالب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالوقوف على مسؤولياتها بشكل جدّي وتوفير الحماية للاجئين السوريين في لبنان، والتحرك بشكل فعال لوقف الاعتقالات التعسفية والترحيلات القسرية، وضمان حقوقهم في الحصول على الحماية والمساعدة الإنسانية اللازمة.

10 سنوات من اللجوء، لماذا الآن؟

لا شك في أن لبنان  يعاني من مشكلة نزوح كغيره من البلدان المضيفة للاجئين السوريين منذ بداية الأزمة السورية، لكنه أيضاً تلقى مبالغ هائلة منذ عام 2011 قدمتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والدول المانحة للدولة اللبنانية لتمويل استضافة اللاجئين السوريين في البلاد، إنما لم يعرف مصير تلك الأموال، وهو ما غاب عن المحرضين ضد السوريين، محملين إياهم مسؤولية الأوضاع الاقتصادية  التي وصلت إليها البلاد. ففي الأسابيع الأخيرة، تعرض اللاجئون السوريون إلى حملة كبيرة من العنصرية والتحريض وبعضهم تعرض للاعتداءات في مختلف المناطق اللبنانية، ناهيك بالدور الذي لعبته مجموعة من الشاشات التلفزيونية والمواقع الإعلامية التي  ساهمت في تأجيج الأمور. وهذا كله لا يمكن أن يحدث في  وقت واحد، من دون أن نسأل “لماذا الآن؟”. 

في هذا الإطار، يشير المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد في اتصالٍ مع “درج” إلى أن ما يحدث قد يكون محاولة لإلهاء الناس عن الملفات الكبيرة والأسماء المهمة التي يتطرق إليها  القضاء الدولي في تناوله قضايا الفساد في لبنان بخاصة فضيحة مصرف لبنان. ويؤكد عبد الصمد أن تحميل اللجوء السوري مسؤولية ما يحدث في البلاد ما هو إلا تهرب المسؤولين من تحمل عبء سوء الإدارة والفساد في ملف اللاجئين تحديداً. فالدولة مسؤولة منذ اليوم الأول عن عدم التنسيق وعدم التسجيل، “واليوم إن كان لا بد من إعادة اللاجئين  فيجب توفر شروط عودة آمنة وهذا مفقود”. وأضاف أن تسليم ملف الترحيل للجيش اللبناني الذي يقوم بالمداهمات والترحيل وتوريطه بملف سياسي بحت بدون خطة سياسية أو غطاء سياسي، يحمل الكثير من الأسئلة. 

دخل  محمد  خلسة خلال الحرب إلى  لبنان، لكنه سرعان ما حصل على أوراق نظامية، بعدما كفلته الشركة التي يعمل فيها. وقبل أشهر أراد محمد تجديد أوراقه، وبالفعل ذهب إلى مركز الأمن العام اللبناني ودفع ما يترتب عليه، ثم أُعطي ورقة موقتة لتسيير عملية تنقله في البلاد إلى حين إصدار الأوراق. بعد شهرين ذهب ليحصل عليها  لكنه فوجئ بقرار اعتقاله ” كلبشني العنصر و خلاني أبصم على ورقة بدون ما يسمحلي إني اقرأ شو فيها”، من النظارة إلى الحدود اللبنانية- السورية ثم إلى غرف التحقيق في سوريا، تم  فرز محمد إلى شعبة التجنيد. 

” كنا 6 أشخاص، 5 منا أخدونا عالعسكرية والأخير كان عسكري منشق إجت سيارة أخدته  وما عاد عرفنا عنو شي”. راسلنا محمد من حمص أثناء إجازته العسكرية وهو  ينوي الهرب مرة أخرى بأول فرصة، “هيدي البلاد مجندة ما بتصلح لأي شي، صح ما في حرب هلق بس ما في حياة”. رُحل  محمد إلى سوريا وبقيت عائلته في لبنان، ولا يمكن أن ينجو بشكل قانوني من الخدمة العسكرية الإجبارية إلا إذا دفع نحو 6 آلاف دولار أميركي، وهو مبلغ لم يستطع تأمينه فحكم عليه بالخدمة العسكرية لمدة سبع سنوات. 

وبحسب  تقرير  مركز وصول  (ACHR) سجّل المركز عمليات ترحيل لأشخاص لديهم أوراق إقامة قانونية منتهية الصلاحية في حملة مداهمات في منطقة جونية، ويؤكد التقرير أن شخصين ممن تم ترحيلهم إلى سوريا تم اعتقالهما لاحقاً من قبل الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري، ومن ثم تم نقل أحدهما إلى فرع فلسطين بحكم أنه كان منشقاً عن الجيش السوري، أما الشخص الثاني فد أُخفي قسراً، ولا يوجد معلومات عن ظروفه.

كثيرة هي قصص العائدين قسراً أو الخائفين من مصير مماثل، ولا يمكن حصرها في تحقيقٍ واحدٍ، إنما نحاول في هذا التحقيق توثيق بعض الشهادات التي جمعناها من خلال لقاءات مع لاجئين في مناطق لبنانية مختلفة.

محمد اختار البحر مرة أخرى بعدما فشلت محاولته الأولى. ينتظر الآن اللحظة المناسبة لينطلق بمركب يحمله مع زوجته وطفليه وآخرين من اللاجئين السوريين الخائفين، يقول “بكل الأحوال نحن بخطر، بالنسبة إلي الموت بالبحر ولا الموت عند الأسد”. 

محمد مقيم في لبنان منذ عام 2011 متزوج وله طفلان سيأخذهما معه “رح حطهم بقلبي واطلع بالبحر”، فقد الأمل وهو لا يستطيع العودة إلى سوريا لأنه مطلوب للأمن وأيضاً لا يمكنه أن يبقى في منزله أكثر  فهو توقف عن الذهاب إلى العمل منذ عيد الفطر بسبب خوفه الترحيل. 

تخبرنا سيدة عن ترحيل ابنها القاصر (16 سنة) إلى سوريا دون أن تراه حتى، مشيرة إلى أنها لم تعرف عنه شيئاً حتى تاريخ كتابة التحقيق، ولم يصلها سوى خبر ترحيله.

كما يروي خالد، لاجئ آخر، أنه تم ترحيل أخيه القاصر ولم يكن يحمل معه أي مبلغ ليدفع أجرة المواصلات  ليعود إلى قريته في دير الزور وبقي مشرداً في شوارع دمشق حتى عطف عليه أحدهم وأعطاه أجرة العودة إلى دير الزور إلى منزل أعمامه بعيداً من عائلته التي بقيت في لبنان. 

بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي الإنساني العُرفي، فإن لبنان ملزم بعدم إعادة أي شخص إلى بلد قد يواجه فيه خطر التعذيب أو الاضطهاد. وبدلاً من العيش في خوف بعد الفرار من الفظائع في سوريا، تنبغي حماية اللاجئين الذين يعيشون في لبنان من المداهمات التعسفية وعمليات الترحيل غير القانونية بحسب تقرير لـ”منظمة العفو الدولية”. ومبدأ عدم الإعادة القسرية هو قاعدة عُرفية مُلزمة في القانون الدولي تحظر على الدول إعادة الأشخاص إلى مكان قد يتعرضون فيه لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ويجب منح أي شخص مُعرّض لخطر الترحيل فرصة للوصول إلى المشورة القانونية، ومقابلة ممثلي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والطعن في ترحيله أمام المحكمة. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.