fbpx

حرائق كندا: تلوّث بيروت “العادي” أخطر من تلوّث نيويورك “الاستثنائي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أتذكّر السنوات التي عشتها في بيروت، وأشعر بأن أنفاسي تكاد تنقطع. أشعر أن بلاطة بنفسجية تجثم على صدري. كم من السموم لا تزال مخزّنة في رئتيّ من هواء بيروت؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“النشاطات الخارجية في المدارس والأماكن العامة كلّها ملغاة، والخروج غير مستحبّ إلا للضرورة القصوى. أغلقوا الأبواب جيداً، شغّلوا مكيفات الهواء وارتدوا الكمامات عند الخروج لقضاء حاجة ملحّة”.

 وصلنا هذا التحذير من المحافظة التي نسكن فيها في مقاطعة فيرجينيا الأميركية، لأخذ الحيطة والحذر من الآثار التي يمكن أن يتسبّب بها الهواء المحمّل بدخان حرائق الغابات في كندا في أعقاب موجة الحر التي حطمت درجاتها أرقاماً قياسية هناك.

التحذير كان مرفقاً بتصنيف صادر من وكالة حماية البيئة الأميركية، يفيد بأن جودة الهواء في معظم أنحاء الشمال الشرقي من البلاد “غير صحّية”، خصوصاً للمصابين بأمراض القلب أو الرئة والمسنين والأطفال.

التزمنا بالتعاليم المنصوصة وانتظرنا في المنزل. عند عودة الأولاد من المدرسة، كان هناك استنفار تام، لأن مؤشر جودة الهواء كان 200 نقطة، وهو مستوى “غير صحي للغاية”، لأنه يمثل أكثر من المعدل الذي حددته منظمة الصحة العالمية بـ10 أضعاف. هذا ما شرحه الأساتذة في المدرسة الرسمية لابني البالغ من العمر 9 سنوات. رعب ابني وحشريته المستجدة بكل ما يتعلق بجودة الهواء من جهة، واشتياقي الى بيروت من جهة أخرى، دفعاني الى البحث عن جودة هواء بيروت “ست الدنيا”. 

في هذا اليوم العادي من السنة حيث الناس يمضون أيامهم في الهواء الطلق، بلا حرائق ولا كوارث طبيعية طارئة، بلغت نسبة جودة الهواء في بيروت 193  بحسب موقع مؤشر جودة الهواء، الذي يوفر بيانات عن تلوّث الهواء في العالم بصورة آنية.

الحياة في بيروت طبيعية، ليس هناك من تحذير ولا من يحزنون. عشت في تلك المدينة التي أحبّ، معظم حياتي، ومع ذلك لم أتلقَّ يوماً تحذيرات تتعلق بجودة الهواء في مدينتنا، ربما لأن أحداً لا يهتم أصلاً لـ”تفصيل” كهذا في ظلّ الموت الذي يحيط بنا من كل جانب. لم أنتبه، إلّا نادراً، إلى نوعية الهواء الذي أتنفّسه، وفي حالات استثنائية، كما في حالة انفجار المرفأ وما تلاها من انهيار صوامع القمح التي تحتوي مادة الأسبيستوس المسرطنة، أو خلال حرب تموز/ يوليو 2006 وما كان يُحكى عن التلوّث الذي سببته آلة الحرب الإسرائيلية. ومرّة حينما أعددت تحقيقاً عن بيع اللبنانيين منظّم الغازات الملوّثة المنبعثة من السيارة (CATALYZER) بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، نشره “درج”، سمعت من وزير البيئة ناصر ياسين، كلاماً أرعبني عن أن “التلوث في لبنان يصدم. فالكارثة كبيرة وكلفتها الصحية أكبر. نحن نقدّر نسبة تلوث الهواء بتأثيرها في الفاتورة الصحية إلى خسارة أرواح الناس، بمليار دولار سنوياً”. في المقابلة، كشف ياسين أن “جميع محطات قياس تلوّث الهواء في لبنان، والتي يبلغ عددها 26 محطة، متوقّفة عن العمل منذ عام 2018”. لا تمتلك الدولة أدوات لقياس نوعية الهواء، وربما تعتمد مثلي على المواقع العالمية المعتمدة التي تقوم بذلك. 

كم نوعاً من السموم يتنشّق اللبنانيون من دخان المولدات الكهربائية التي لا تنطفئ بسبب غياب كهرباء لبنان؟ 

ليست نوعية الهواء أولوية في بلد مثل لبنان، في دولة ليس في أولوياتها سوى التصارع على السلطة والمكاسب وسرقة مدّخرات الناس. حتى مرضى الربو والأمراض التنفسية ومرضى القلب متروكون لقدرهم. في يوم بيروتي عادي، يحمل الهواء سمومه بنوعية رديئة جداً تعادل رداءة الهواء في نيويورك في ظرف استثنائي كارثي في ظل حرائق كندا، الى رئات ساكني المدينة، من دون أن يحذّرهم أحد، ومن دون أن يعبأ أحد بسعالهم واختناقهم وموتهم البطيء، فكيف كانت نوعية الهواء يوم انفجار المرفأ إذاً؟ كيف كانت الحال يوم انهيار صوامع القمح؟ كم كانت نسبة السموم المحملة بالهواء في كل مرة تم فيها حرق إطارات في الشوارع، أو جبال النفايات بين المنازل؟ كم نوعاً من السموم يتنشّق اللبنانيون من دخان المولدات الكهربائية التي لا تنطفئ بسبب غياب كهرباء لبنان؟ 

لا يتلقى المواطنون اللبنانيون أي تحذيرات ولا يتم التعامل مع التلوث بجدية. وكأن التلوث قدر وليس مسؤولية أحد. أخطر ما في الموضوع، أن التلوّث لا يُرى بالعين المجردة، لذا يسهل تهميشه والتغاضي عنه في بلدان مثل بلداننا، فيما الناس يموتون بصمت وغالباً يعتبر موتهم “طبيعياً” و”عادياً”، طالما لم تقتلهم رصاصة طائشة أو قذيفة حرب.

في الولايات المتحدة الأميركية، يموت أكثر من مئة ألف أميركي سنوياً، جراء الأزمات القلبية والدماغية، وغيرها من الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء، بحسب دراسة أعدتها وكالة حماية البيئة الأميركية، وتقول منظمة الصحة العالمية إن “آثاراً صحية خطيرة تترتب على تلوث الهواء”، وإن “ثلث الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية وسرطان الرئة وأمراض القلب تحدث بسبب تلوّث الهواء”. 

بعد أيام على كارثة حرائق كندا، تراجعت رداءة نوعية الهواء هنا في ولاية فرجينيا في اليومين الأخيرين، حتى أصبحت في المستوى الأصفر، أي بمعدل لا يزيد عن 70 في المؤشر، بعدما تجاوزت الـ 210 من المستوى البنفسجي شديد الخطورة. ومع ذلك، بقيت التحذيرات قائمة من عدم التعرض للهواء لمن يعانون من حساسية أو أمراض رئوية. 

في بيروت، التي لم تتأثر بحرائق غابات كندا بشكل مباشر كما هي حال نيويورك مثلاً، وفي يوم عادي، يعيش مواطنوها في المستوى البنفسجي الخطير “غير الصحي للغاية” من المؤشر. داخل البيت، والمكيف شغّال، وحولي مساحات هائلة من الغابات، أتذكّر السنوات التي عشتها في بيروت، وأشعر بأن أنفاسي تكاد تنقطع. أشعر أن بلاطة بنفسجية تجثم على صدري. كم من السموم لا تزال مخزّنة في رئتيّ من هواء بيروت؟

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.