fbpx

الخطاب العلماني الشبابي: رهانٌ في وجه ترهيب المنظومة الطائفيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل العلمنة ممكنة في بلد تنخره الطائفية كلبنان؟ حتى لو بدا السؤال افتراضياً بعيداً عن الواقع لكن في ظل التخبّط الذي يعيشه اللبنانيون، تلتقي فئة شبابية واسعة لتحاول رسم نظام علماني جديد تغيب عنه الطائفية والمحسوبية والزبائنية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تبقى المراهنة اليوم على خلق حالة سياسية علمانية مرتكزة على نقاط مشتركة كنقيض لترهيب الأقطاب الطائفيين، وإن كان هذا المسار بعيد المدى مرحلياً على الأقل.

أي دولة؟

“فصل الدين عن مؤسسات الدولة”، هو أبسط تعريف علق في أذهاننا عن مفهوم العلمانية. ولطالما صعّد شباب لبنانيون خطابهم “العلماني” على مرّ الأزمات، وكانت تُترجم في حركات احتجاجية ومقاربات طلابية وعبر أعمال فنية، أبرزها ذات التوجّه “اليساري”.

 ساهمت الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) في تعزيز الفجوة بين اللبنانيين، لا سيما وأن كلاً منهم خرج بمصطلحات جديدة يعتقد أنّها الأنسب للبنان. شهدت الحركة العلمانية “طلعات ونزلات” مع تتالي الأحداث، فكان الشاب “المندفع” يطالب بها مراراً، لتخفت حماسته مع نموّ شيبه. 

بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية “شكلياً”، عاش اللبنانيون وهم الحياة الواعدة و”البحبوحة” الوهمية في حقبة التسعينيات وما بعدها. خلال هذه الفترة، تحوّل مصطلح العلمانية إلى مادة عابرة تقتصر على رأي الّذين تنبّهوا للتغلغل الطائفي في مؤسسات الدولة كافة. اليوم، تحاول هذه الفئة من الشباب تمثيل رأيها في النوادي، أو اللقاءات، أو التحركات العلمانية. 

العلمانية كرد فعل للسيطرة الطائفيّة

“بدأت مشاركتي بالنشاط العلماني بسبب تجربتي كامرأة بالحياة الاقتصادية أو الاجتماعية، وينبع ذلك من تجربة السلطة الطائفية للسيطرة على جسدي أو تفكيري”، تقول تاليا كتّورة(19 سنة)، وهي منسقة شؤون الطلاب في شبكة “مدى”. تعتبر كتورة أنّ التجمّع العلماني الذي تشكّله الشبكة، هو مساهمة فعالة نحو توحيد النقاط المختلفة بين الشباب ضمن طاولة مشتركة بينهم. فكلّ من هؤلاء يأتي من خلفية طائفية وبيئة اجتماعية مختلفة.

يتدرّج الفرد اللبناني من أسرته، التي تتبع النهج الطائفي الذي تلقّته، ومن ثمّ ينضم إلى المدرسة أو المؤسسات الاجتماعية الأخرى الموجودة ضمن بيئته التقليدية أيضاً. يخرج الفرد من هذا المسار إمّا متعصّباً، أو رافضاً هذا الواقع، فينتقل للاندماج في الحركات المناهضة. 

شكّلت انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 مساحة لأولئك الذين أرادوا النظر إلى المشهد الحاصل على أرض الواقع، وكان الشباب عصبها. وذاع صيت النوادي العلمانية التي طرحت نفسها كبديل منافس للمنظومة الحاكمة على جميع الأصعدة، لا سيما وأنّها حققت فوزاً كاسحاً في غالبية الجامعات خلال الانتخابات الطلابية.

لاقت كتورة تأثيراً إيجابياً من تجربتها في التجمع العلماني، كان أبرزها وجود “رأس خيط” مشترك بينها وبين الطلاب الآخرين. “نشأت في بيئة طائفية، وكانت الأزمة الاقتصادية والأحداث الحاصلة ٌمثل انفجار المرفأ تُفسّر لي من منظور طائفي. لكنني، وبعد الانضمام إلى الجامعة والانخراط في النادي، استطعنا توحيد المبادئ لتحقيق التغيير”.

مطالب معيشية تستدعي تحقيق العلمانية

وهنا، يمكن القول إن همود الخطاب العلماني كسره الشباب في تحركات 17 تشرين التي كانت علامة فارقة في وضع مجموعة من المطالب، وإن كانت متشعبة نوعاً ما. “العلمانية” سبق وأن طُرحت على ألسنة شباب في مراحل الحرب الأهلية، لكنها كانت تمر مرور الكرام أو كنكتة في أحد الأعمال الفنية. 

يستذكر اللبنانيون مسرحيات زياد الرحباني التي لم تخلُ من مصطلحات العلمانية، ولكنّ أي علمانية فيما كان الرصاص يُطلق على شخص بحسب هويّته؟ المصطلح ليس محصوراً بالتعريف المتعارف عليه، بل تندرج تحته مطالب معيشية اقتصادية، وأخرى اجتماعية، ضد النظام الذي كرّسته المنظومة الحاكمة وسلطاتها الدينية.

“النادي كان هالمساحة اللي ساعدتني على إيجاد أجوبة تدور في أذهاني، وعلى وضع أفكاري في إطار تنظيمي نحو تغيير الواقع المجتمعي الذي يحيط به”، يقول رئيس النادي العلماني في الجامعة الأميركية غدي بو كامل(21 سنة). يتمسك الكثير من الشباب اللبنانيين بمبدأ العلمانية، ويرون فيها فرصة للتحرر من التقاليد والتحيزات الدينية والمذهبية التي تشكل عائقاً أمام التطور الاجتماعي والسياسي في البلاد. يرون في العلمانية فرصة لبناء مجتمع مدني يتسم بالمساواة والعدالة وحماية حقوق الأفراد بغض النظر عن خلفياتهم الدينية.

“الاختلاف طبيعي جداً بيننا، وكل شخص منّا يأتي من خلفيات مختلفة، نحن ننظم نقاشات دورية ونقارب وجهات النظر لنخرج بحملات شبابية مشتركة”، يردف بو كامل، الذي يعتبر أنّ هذا التقارب في الأفكار يؤدي نحو توحيد الصوت في وجه السلطات وأبواقها التي لطالما ردعت كل صوت يطالب بتحييد الدين عن القانون والدولة.

المطالب لا تقف عند هذا الحدّ، بل يعلو الصوت لإزالة الغطاء الديني والسلطوي الذي يُستخدم لحماية زعماء الطوائف على حساب الأفراد، وهذا ما يمكن تعريفه بالزبائنية والسلطوية. وهو نظام سياسي واجتماعي يصف علاقات غير متكافئة بين مجموعات من الفاعلين السياسيين ينقسمون إلى رعاة وعملاء وأحزاب سياسية. 

يمكن تعريف الزبائنية بأنها نظام اجتماعي وسياسي قائم على المحسوبية، أي تماماً كما يحصل في لبنان من أقصى شماله حتى أقصى جنوبه، كل حزب طائفي يستلم منطقته ويقسم إدارته عليها، بسلاح أو من دون سلاح، ويكون وليّاً عليها. 

“تعو نلتقي نقعد نحكي لنلاقي نقاط مشتركة”، هي العبارة الذي استخدمها بو كامل لتوصيف علاقة النادي العلماني بالنوادي الأخرى في الجامعات. يضع هؤلاء طاولات مشتركة، منها اقتصادية، وأخرى اجتماعية، ويطلقون حملات مثل تلك التي خرجت للتنديد بقرارات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. تستغل الأحزاب السياسية فكرة “التنوع الديني” في لبنان، ليتولّى كل زعيم طائفة قطيعته، ويلعب على “وترهم الحسّاس” نحو فكرة الوجود والبقاء. هذا ما تنبّه إليه الشباب اللبناني في فكرة “العلمنة”، لينتزعوا كل “الكليشيهات” التي تسوّق لها السّلطات، تلك الشبيهة بصورة الكنيسة التي تغمر الجامع. 

الفدرالية اللبنانية: تعميق للمحاصصة الطائفية

اليوم، تسوّق بعض الأطراف للفيدرالية. ويأتي ذلك على شكل حوارات أو مناظرات، أو إعلانات تحت عنوان “الفيدرالية هي الحل”. اصطلاحاً، النظام الفيدرالي يعني أن تتحد مجموعة من الوحدات السياسية المستقلة في دولة واحدة، على أن تكون لكل وحدة استقلاليتها في تدبير شؤونها. إذاً، في لبنان، تعني الفيدرالية تعزيز التقسيم الطائفي قانونياً. يعتبر بو كامل أنّ “الطريقة التي يتم فيها تسويق الفيدرالية هي ضحك عالعالم، لأسباب صريحة: لبنان مقسم طائفياً ونحن نعيد رسم هذه الخطوط الطائفية بشكل رسمي”. 

مع كل هذا الانشقاق في الآراء، انطلق “اللقاء العلماني” لإعادة تثبيت توازنه “على الساحة”. جمع اللقاء مجموعات مدنية وطلابية وسياسية ونقابية علمانية، “لخلق أرضيّة جامعة ومشتركة للعلمانيين والعلمانيّات في لبنان لتنظيم قوى ضاغطة وفعّالة في لبنان، وتشكيل حالة سياسيّة ومدنيّة علمانيّة في مواجهة الاصطفاف الطائفي”.

 يشرح الناشط في اللقاء العلماني باسل عبدالله، أنّ النقاشات ستدور حول الجانب الاقتصادي المعيشي لتوحيد المواقف المشتركة واقتراح حلول عملية. “تتراكم حالة وعي بدايةً من 2011 واستمرت بالتكاثر خارج الاصطفاف الطائفي، وصولاً الى ثورة 17 تشرين”، يردف عبدالله. ولا ينكر أنّ هناك حالة إحباط دخل فيها الشباب اللبناني، لذلك يحاول اللقاء جمع هذه الأطراف لإعادة الأمل نحو التغيير. 

وعن إمكان تحقيق “العلمنة” بشكل فعلي، يعتبر عبدالله أنّ التحدي يكمن في هذه النقطة، “إسقاط النظام الطائفي الذي خرج في العام 2011 تضاعف صداه اليوم، وهذا لا ينكر أنّ النظام الطائفي متماسك، لكن نسعى نحو خلق حالة جديدة للثم القرف الذي يعاني منه الشباب”. من الطبيعي، في بلد متشعّب في آرائه مثل لبنان، أن يكون هناك خطاب مضاد لخطاب آخر، وهذا ما يحصل بين الفيدرالية والعلمانية. يراهن عبدالله على حالة سياسية علمانية مرتكزة على نقاط أساسية مشتركة لتكون نقيضاً للأقطاب الطائفيين.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.