fbpx

في انتظار الربيع وياسمين دمشق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في بلادي تكبر الهموم حتى تصبح مديرة أيامنا. ونحتاج إلى دواء يشفينا من كوابيسنا الخاصة ومخاوفنا الآتية. لم نعد ننتظر الفرج الذي أيقنّا أنه لن يأتي. ما يهمّ أننا ما زلنا، حتى الآن، نتواصل. وما زلنا بانتظار ما لا ينتظر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يحاول الربيع أن يفرض نفسه عبثاً على تراب الحديقة الملوّث بأعقاب السجائر، على الأغصان الفتية التي علقت بها أكياس البلاستيك الملونة بفعل هبّات رياح قوية تنقل رائحة المطر الذي رطّب وجه البراري في الليلة السابقة.

الربيع لا يخضع للعقوبات الغربية ولم يشترك بمعاهدات مع أحد الأطراف حتى الآن. إنّه يمارس نزواته اليومية فتصبح أشجار الأكاسيا بنفسجية، وتتلون أكثر الأراضي إهمالاً بورود برية صفراء وبقع شقائق النعمان الحمراء.

 دمشق التي فقدت كل معجبيها، تنظر بعين حزينة إلى جموع الناس الذين لم تعد مظاهر الربيع تلفتهم. هنا شعب هائم على وجهه يبحث عن لقمة. وإذا حاولت استيقاف أحد في الطريق لتقول له على الطريقة الإنكليزية: الطقس رائع اليوم. أليس كذلك؟ فإنّه غالباً ما سيظنك فاقد الأهلية وفي أحسن الأحوال سيجيبك: “الله يشفيك”.

الكهرباء نادرة وشبكة الإنترنت متوفرة عند النخبة فقط وبنوعية سيئة.

أنا وحدي في الحديقة العامة، أشعر بأنني من النخبة لأنني أحمل هاتفاً خليوياً بشبكة تنام كل ربع ساعة وينبغي علي التركيز لاستغلال ساعات صحوتها المفاجئة. 

أقدم كلمات العزاء لعدد من الأصدقاء الذين يحدث أنهم فقدوا أقرباء أو أحباب. وأهنئ الآخرين بمواليد جدد أو بتخرج أبنائهم أو حتى بأعياد ميلادهم.

 وغالباً ما تشدّني الصور. تبقى ملامح الوجوه أقرب تعبير عن العواطف.

ثم أتفرغ لألملم بنات أفكار الأشخاص الصادقين الذين أشعر أنني أنتمي إليهم.

أنا وحدي في الحديقة العامة، أشعر بأنني من النخبة لأنني أحمل هاتفاً خليوياً بشبكة تنام كل ربع ساعة وينبغي علي التركيز لاستغلال ساعات صحوتها المفاجئة. 

* الشاعرة العبقرية التي توحي لها شياطينها بقصائد لا يتذوقها إلاّ من عاش هذه الأيام الصعبة في مجتمع مستضعف، خارج من حرب أهلية انتصر فيها الشرّ على كل الأطراف، ليدخل الجميع في حالة فقدان ذاكرة طويل الأمد. لا أحد يحتفي بالشعراء في بلد محتضر. يحتاج الأمر إلى اقتصاد قوي وجيش مهاب وحدود مصانة كي تصبح الشاعرة معترفاً بها ممن يفهمون لغتها. وهكذا تكتب قصائدها، نتحلّق حولها مدهوشين من فصاحتها. ثم تُنشر القصيدة على صفحة أدبية محلية قبل أن تموت. وأشعر بأننا شعب مسكين واحد.

* المحامي الشاب الذي ابتكر مفردات أصبحنا نستعملها في حياتنا اليومية. فهو يطلق على النساء لقب “المستورات” ويطلق على الرجال لقب “المقوّصين”، ومهما بدت هذه الكلمات سوقية فإنها في سياق منشوراته تستفزّ الابتسامة. ولدى “هداهد” كما يسمي نفسه عالم خاص فرضه على متابعيه. زوجته وجيرانه وشلّة أصدقائه وإمام الجامع والرجل الذي يحضر صلاة الجمعة حاملاً جريدة “البعث” وكم من النساء اللاتي يحاول استمالتهن من وراء زوجته. وصارت مغامراته ونضاله اليومي لتأمين معيشته جزءاً من حياتنا. وعندما يقترح علينا يوميات بهذه السخرية الحدية مستخدماً لغة ثالثة استنبطها من اللغة الفصحى، محوراً بعض الأحرف لاستعمالها في خدمة النص ومدوّراً الكلمات حيناً آخر بمنتهى البساطة، ومنتهى الحرفية، لبلورة مواقف مهمة، أشعر بأننا فعلياً شعب “معتّر” واحد.

* المهندس الأديب الذي يشرح من أين تؤكل الكتف في السياسة وفي الأدب. مع كلماته ومواقفه نستشعر ما يحدث حولنا وما سنؤول إليه قريباً وأننا بكل الأحوال شعب واحد.

* المحامي والضابط السابق الذي يحاول أن يقوّم أعمدة الفساد المائلة بذراعيه العاريتين. دون مساعدة من أحد. ودون تشجيع إلاّ من جمهور المقهورين. لم يغفر له انتماؤه ولا نضاله السابق كونه إنساناً مستقيماً في مجتمع الانحراف.

* الناشطة الاجتماعية التي تنشر قصصاً وحكايات لتصف حال الهائمين على وجوههم في شوارع دمشق. ونكاد نرى من خلال حروفها صورة مكبّرة لكل هذه الوجوه الجائعة التي نهرب من مواجهتها كل يوم.

لم تعد حكم الحكماء وصور المشاهير تشدّنا. لم تعد الأعياد الدينية أو القومية تعني لنا شيئاً. 

لم تعد أخبار الانتخابات والحروب المجاعات وأعراس الملوك، مجازر الأقليات وتجمّعات المناضلين، تهمّ أحداً في شيء.

في بلادي تكبر الهموم حتى تصبح مديرة أيامنا. ونحتاج إلى دواء يشفينا من كوابيسنا الخاصة ومخاوفنا الآتية. لم نعد ننتظر الفرج الذي أيقنّا أنه لن يأتي. ما يهمّ أننا ما زلنا، حتى الآن، نتواصل. وما زلنا بانتظار ما لا ينتظر.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.