fbpx

كلام ما بعده كلام: لماذا يعطي الرئيس السيسي ظهره لمن يحدثهم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ينظر الرئيس الى جميع الجالسين على أنهم أقل علم وخبرة منه، بل وليس من حق أحد التعليق أو مناقشة أو مُخالفة ما يقوله.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ تولّيه رئاسة مصر (3 حزيران/ يونيو 2014) عشرات الخطابات. خطابات السيسي ليست كغيرها من خطابات الرؤساء الآخرين، سواء المصريين السابقين أو حتى رؤساء دول أُخرى. من حيث المضمون، اتسمت خطابات السيسي بكثرة التناقضات والتحولات، حول قضايا عدة، سياسية واقتصادية واجتماعية، أبرزها كانت خطاباته حول ثورة يناير. أما من حيث الشكل، وهو مسار حديثنا في هذا المقال، فكانت لتلك الخطابات سمة مُختلفة، إذ من المعتاد في خطابات الرئيس السيسي -إلّا القليل- أن يجلس هو في المُقدمة، ومن ورائه من يسمعونه، وهو لا ينظر إليهم، بل ينظر أمامه وأحياناً ينظر على جانبيه، الى مستشاريه ومسؤولين آخرين، حينما يريد مناداتهم أو توجيه الكلام إليهم أو سؤالهم عن شيء. فلماذا لا ينظر الرئيس لمن يحدثهم؟. 

تكمُن الإجابة عن هذا السؤال، في أن الرئيس المصري لديه مرجعية فلسفية، مترسَّخة أو ترسَّخت تدريجياً في ذهنه مع بقائه في الحكم. الحكم الذي طوّعه ليصبح سلطوية شمولية، حكم الفرد الواحد، وعلى إثر ذلك، أصبحت السُلطوية مُشخصنة، لا سُلطوية مؤسساتية. هذه المرجعية التي يتبنّاها الرئيس تنقسم إلى أفكار، متداخلة ومتقاطعة. منها أنّه يعتقد أن كلامه، هو يمثّل فسلفة جديدة ليست للحكم فقط، بل للحياة بشكل عام. حديث دائم مع الله، من خلال الرؤى والإلهَامات، “ربنا قالي هَخلي معاك البركة”. هكذا قال، كما ربما، لديه نبوّة مُتخيّلة، تجلتْ عند استشهاده بآيات من القُران “ففهمناها سُليمان”، إذ هو يفهم الحكمة، مثلما فهمها أو أفهَمها الله للنبيّ سُليمان. 

كما حديث الرئيس عن السُلطة والحُكم والسياسة والاقتصاد والفن والثقافة وحيَوات الناس، هو حديث غير قابل للنقاش. الذي يناقش هو الذي يتحدث الى الناس وهو يجلس/يقف أمامهم، فيسمَعونه وبدوره يستمع إليهم، لكن هو يُملي فقط. وهذا ما تجلّى في كثير من الخطابات، كالذي قال فيه للناس “متسمعوش كلام حد غيري”. أو حين بدأ رجل من مُستمعيه الجالسين وراءه في إحدى جلسات افتتاح المشاريع في مدينة دمياط، في نقاشه، ومن ثم قاطعه السيسي مستنكراً: “أنت مين؟ أنت دارس الكلام اللي انت بتقوله ده”. وأسكتَه، ولم يكمل الرجل حديثه. 

 الرئيس ينظر أمامه، إلى الفراغ، ليصنع التاريخ، أو إلى شاشة العرض، الذي يرى من خلاله، نفسه، أو حتى يرى الجموع من ورائه، وهم يسمعون له الحكمة والفلسفة والقرار.  

ينظر الرئيس الى جميع الجالسين على أنهم أقل علم وخبرة منه، بل وليس من حق أحد التعليق أو مناقشة أو مُخالفة ما يقوله. كما أنّ السيسي، يأخذ في باله، من يعارض سياساته علانية، ولا يفوت فرصة للحديث عنهم وتحذيرهم، مثلما فعل مع المعارض المصري أحمد الطنطاوي، عندما ظهر الثاني في لقاء مع “بي بي سي” في برنامج “بتوقيت مصر”، وكان ينتقد سياسات الرئيس، بينما كان يضع ساقاً على ساق، بعدها خرج الرئيس، قائلًا: أوعى تحط رجل علي رجل وتتكلم عن موضوع متعرفوش”، ملمّحاً إلى الطنطاوي. 

أيضاً، يقف الرئيس على فلسفة دائماً ما يُكررها، مَفادها، أنّه هو الرئيس المُخلّص، ليس رئيساً للجمهورية، الانتخابات هي من تعطيه وتأخذ منه السُلطة وصِفَتها، لا بل هو الرئيس البطل الشجاع الذي أنقذ مصر والمصريين من خطر الموت، وأمَّن لهم الحياة، فكيف بعدما فعل هذا، يعامله المصريون كأنّه موظف لديهم. وهذا ما ينعكس على خطاباته تجاه الشعب، إذ ينبثق من خطابه، مُصطلح الآخر (الآخرية)، الذي يُستخدم في نقد الاستشراق. إذ إن السيسي يخاطب المصريين على أنهم الآخر، هو ليس من ضمنهم، أو رئيساً لهم، بل هو منقذ لهم، وهم الآخر، الذين دائماً ما يناديهم، “يا مصريين، اسمعوا يا مصريين”، وهم (الآخر) الذين من واجبهم سماع كلامه، من دون نقاش، بل يسمعون ويحمدون الله على هبته لهم. 

وهذا ما جسَّدته الدراما نفسها التي تشرف عليها المخابرات العامة، في مسلسل “الاختيار” في جزئه الثالث (رمضان 2022)، حين جسد الممثل ياسر جلال رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي حين كان وزيراً للدفاع، وتحرّك بكل شجاعة، لينقذ مصر من حكم الإخوان المسلمين، الذي كان سيدخلهم نفق الإرهاب المُظلم، ويشعل المجتمع بحروب أهلية وطائفية. 

قبل الانتخابات الرئاسية عام 2018، وفي إحدى المؤتمرات التي عنونت بـ “اسأل الرئيس”، سأل أحد الشباب المصريين الرئيس، حول احتمالية عدم فوزه في انتخابات الرئاسة، فلم يسمع رئيس الجمهورية بقية السؤال، وقاطع السائل (إبراهيم) بالضحك الهستيري، الضحك الذي يستوجب على بقية الحضور الضحك مثله، الرئيس ضحك، الجميع يضحك، الرئيس يتكلم، الجميع يسمع ويهزّ رأسه آخذاً الحكمة. 

في هذا الموقف، الرئيس ليس لديه عقلية أنه رئيس جاء ويمشي بالانتخابات، بل في أحد الخطابات، عبر عن حزنه، حيال هاشتاغ “ارحل يا سيسي”، الذي تصدَّر مواقع التواصل الاجتماعي، معاتباً المصريين، أنّه يحاول إخراجهم من حالة العوز والفقر، وهم يطالبون برحليه، في استنكار قائلا: “أزعل ولا مزعلش، لا في دي أزعل”. هذا ما شهده الجميع. وفي ما بعد، قامت السلطوية بالقبض على من نوى أو ترشّح الى الانتخابات وقتها، واُمّن الفوز للرئيس السيسي، كما في الوقت الحالي، تحاول السُلطوية تكرار السيناريو ذاته، هو تأمين الانتخابات الرئاسية المُقبلة للرئيس السيسي. 

حتى الجالسين بجانب الرئيس، رئيس الوزراء ووزراء ومسؤولون آخرون، إذ يعاملهم كأنّه تلاميذ، لا دور لهم في الحديث والمناقشة، هم فقط يجيبون عن أسئلته، يناديهم، يقفون، يتحدثون ويسْكتهم، ولا يجلسون مرةً أُخرى إلّا بأمره.“أعد يا كامل، اقف يا كامل”. هكذا يتعامل الرئيس مع المسؤولين والمُستشارين. فما حال من ورائهم من مسؤولين أصغر، وما حال بقية الشعب المصري المُجرّدين من أي سُلطة؟ 

الرئيس هو القائد الروحي والفعلي، الذي يقف الجميع وراءه، ولا يصَّح أن يقف هو أمامهم، فهو ليس محل مسؤولية أمامهم، بل هم المسؤولون عن الأزمات، وهو المُنقذ الواجب السماع له، الذي يهندس برؤيته من جديد مصر، معمارياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً. الرئيس ينظر أمامه، إلى الفراغ، ليصنع التاريخ، أو إلى شاشة العرض، الذي يرى من خلاله، نفسه، أو حتى يرى الجموع من ورائه، وهم يسمعون له الحكمة والفلسفة والقرار.  

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.