fbpx

العاملات المهاجرات في لبنان… ضحايا نظام “الاستعباد” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعكس تجربة نعيمة التحديات التي تواجهها العاملات المنزليات الأخريات في لبنان في ما يتعلق بالوصول إلى الرعاية الصحية. التمييز داخل المرافق الصحية، وعدم المتابعة، واستيلاء الكفيل على الوثائق، وعدم توفر تأمين صحي أو عدم دفع الرواتب، كل ذلك يعيق قدرتهم على الحصول على رعاية طبية كافية. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“منذ وصولي إلى المنزل، حجزت المدام على كل أغراضي الشخصية، الهوية وجواز سفري وهاتفي، لأنها لا تحب أن تمتلك العاملة لديها هاتفاً”، تقول العاملة الكينية بيرلا (اسم مستعار، 30 سنة). 

“المدام” وصفوف اللغة الفرنسية

“كانت تضربني وتصرخ في وجهي من كل فعل أقوم به، وتعتبر أي شيء يصدر مني مستفزاً. كنت أسألها: لماذا؟ لكنها لم تكن تجيب”. أمّا زوج ربّة المنزل فلم يكن مبالياً بتصرّفاتها مع العاملة، ولم يكترث لكل ما يحصل، بحسب بيرلا. 

تعاني الأخيرة من أوجاع في رأسها وجسمها، وألم حاد في ظهرها، جرّاء الضرب المبرح التي تلقّته إثر صفوف اللغة الفرنسية التي كانت تعطيها إياها “المدام” في المنزل. “تريدني أن أتعلّم الفرنسية، وأنا أعرف الإنكليزية فقط. تطلب مني أن أجلب قلماً، فتقول crayon بدلاً من pencil، وإذا لم أفهم ما هو، تضربني”.

يضاف إلى ذلك، أنّ بيرلا لم تتقاضَ راتبها طوال فترة عملها (7 أشهر)، فما كان عليها بعد كل هذه الاعتداءات إلّا أن تهرب. تواصلت “المدام” ك.ص. مع عائلة بيرلا في كينيا لتخبرهم أنّها تركت المنزل “هاربةً”، ما أثار خوف العائلة.

أمضت العاملة الكينية يوماً كاملاً تحت جسر قريب من المنزل حيث كانت تعمل، هناك وجدت شرطياً وقالت له إنها هربت. التقط صورة لها، وأخذها معه إلى المخفر. “لم يساعدني قطّ، أجرى بعض الاتصالات، وأعادني في سيارته إلى المكان الذي أخذني منه، وقال (هذه سفارتك)”. تتابع بيرلا: “بعد مرور بعض الوقت، ساعدني رجل كبير في السن وأقلني إلى منزله وأعطاني شراباً وطعاماً وبقيت عنده أسبوعاً، إلى أن علمت صديقتي الكينية التي تعمل في فندق بالموضوع، عبر جمعية (إنصاف)، وأنا أعيش في منزلها الآن”.

133 من أصل 153 عاملاً مهاجراً مريضاً لجأوا إلى قسم الصحة النفسية في منظمة “أطباء بلا حدود”، أفادوا بأن أعراضهم بدأت فور وصولهم إلى لبنان، بحسب استجابة المنظمة للاحتياجات الصحية للعمال المهاجرين. تصاعدت وتيرة الأزمة اللبنانية بدءاً من عام 2019، وتفاقمت معها أوضاع العمال المهاجرين، الذين ما زالوا يعيشون تحت وطأة نظام الكفالة التعسّفي. لا يحظى هؤلاء بأي حماية أو خدمات صحية أو تغطية طبية، خصوصاً أنّهم باتوا فئة “غير مبالى بها” في ظل الظروف الراهنة.

بحسب التقرير الأخير لمنظمة “أطباء بلا حدود”، فإن حوالى 9 آلاف حالة من العمال المهاجرين تمّت معالجتهم في منشآت المنظمة منذ عام 2020. ارتبطت معظم الحالات بالإجهاد اليومي، كما أن معظم هؤلاء كانوا يعانون من العنف والضيق الاجتماعي والاقتصادي. 

تراجع عدد العمال المهاجرين في لبنان 35 في المئة منذ عام 2021. إذ تم تحديد ما يقدّر بـ135 ألف مهاجر في كل المناطق اللبنانية بين أيّار/ مايو وتموز/ يوليو 2022، بحسب بيانات الجولة الثانية التي أجرتها “المنظمة الدولية للهجرة”، التابعة لوكالة الأمم المتحدة للهجرة “IOM” لرصد وجود المهاجرين في لبنان. 

“تريدني أن أتعلّم الفرنسية، وأنا أعرف الإنكليزية فقط. تطلب مني أن أجلب قلماً، فتقول crayon بدلاً من pencil، وإذا لم أفهم ما هو، تضربني”.

عقد “الاستعباد المعاصر”

ينفصل نظام الكفالة عن قانون العمل المحلي، فهو يتغاضى عن كل الظروف المتعلقة بقواعد العمل، ليصبح ما يشبه عقد استعباد معاصراً، يعرّض العمال لصدمات نفسية متتالية، ساهم انفجار مرفأ بيروت والأزمة الاقتصادية بتفاقمها. 

“كنت أبحث كل يوم عن طرق سريعة لإنهاء حياتي، ولكنني كنت أفكر في عائلتي، التي جئت إلى هنا للعمل من أجلها وتقديم الدعم لها”، تقول نعيمة (اسم مستعار، 38 سنة)، عاملة منزلية وهي من جنوب صحراء أفريقيا. كغيرها من ضحايا النظام العنصري، واجهت نعيمة تحديات عدة متعلقة بالتمييز، وعدم القدرة على العودة إلى بلادها لرؤية أطفالها.

تقول أيمون كاين، مديرة النشاط الطبي في “منظمة أطباء بلا حدود في لبنان” إنّه من اجل معالجة مخاوف الصحة النفسية بشكل فعال، لا سيما بين الناجين من العنف، نفذ الأطباء استراتيجية تستند إلى الركائز الثلاث: انظر، اسمع، وتواصل. “عندما يدركون البيئة الآمنة التي نقدمها، فإنهم يشعرون براحة أكبر في البحث عن خدمات الرعاية الصحية في عيادتنا، ويشارك كثيرون المعلومات الصحية مع المعارف وأفراد المجتمع الآخرين”. 

تلقت نعيمة على مدى 9 أشهر، العلاج ووجدت تدريجياً الشجاعة لمشاركة قصتها، “بفضل العلاج الذي تلقيته، ما زلتُ حية من أجل ابنتي وعائلتي”، تقول.

“عاينّا مرضى يعانون من حالات ذهانية شديدة والاكتئاب والقلق والأفراد الذين عانوا من أحداث ما بعد الصدمة. كما قدمنا الدعم للناجين من العنف، بمن فيهم أولئك الذين تعرضوا للعنف الجنسي”، تردف كاين.

تعكس تجربة نعيمة التحديات التي تواجهها العاملات المنزليات الأخريات في لبنان في ما يتعلق بالوصول إلى الرعاية الصحية. التمييز داخل المرافق الصحية، وعدم المتابعة، واستيلاء الكفيل على الوثائق، وعدم توفر تأمين صحي أو عدم دفع الرواتب، كل ذلك يعيق قدرتهم على الحصول على رعاية طبية كافية. 

تؤمن سارة شيتي، مؤسسة ومديرة جمعية “إنصاف” التي تُعنى بعاملات المنازل المهاجرات في لبنان، بأنّه مع تأثير كل المصاعب التي يعاني منها اللبنانيون أنفسهم، تطلب العاملات المهاجرات المنزليات الطعام والمساعدات الطبية وتذاكر السفر للعودة إلى بلدانهن والحليب والحفاضات والرسوم المدرسية لأطفالهن. إذ قدمت “إنصاف” 1911 قسيمة طعام وغذاء الذي تضاعف سعره 15 مرة بفعل الأزمة، بحسب تقريرها لعام 2022. 

“لا تتقاضى الكثير من العاملات رواتبهن بالدولار وهذا يؤثر على قدرتهن على إرسال الأموال إلى عائلاتهن، وهن يتعرضن للاعتداء الجنسي والجسدي والحرمان من الرواتب”، تردف شيتي.

بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، تزايد الطلب على العاملات المهاجرات للعمل في المنازل، وكان التركيز على النساء كون “الرجال الغرباء لا يدخلن إلى المنزل”، بحسب العرف السائد. تعرضت كثيرات للإهانة والاستضعاف، حتى إن بعضهن لجأن للهرب أو الانتحار، فيما تعاني أخريات حتى الآن من العنف الجسدي والاقتصادي والمعنوي.

طوال الأزمة القاتمة التي لاحقت لبنان، تجلّى مشهد العاملات المنزليات اللواتي رُمين أمام سفاراتهن، وكان مقبولاً بالنسبة إلى البعض باعتبارهن مجرد “ملك للكفيل”. يضاف إلى ذلك، غياب الدور القانوني المحلّي من جهة، وعدم اكتراث بعض سفارات وقناصل الدول بأوضاعهن من جهة أخرى.  

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.