fbpx

المعتقلون في السجون العربيّة… الكتابة على الجدران والرسم على الجسد من أجل الحياة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الكتابة في السجن حياة تحاول، ولو للحظات بسيطة، التحرّرَ. في بعض الأحيان، ربما، تكون بديلاً عن الحزن أو تخفيفاً له، تكون مُسكناً، ولو بشكلٍ قليلاً، للألم، مقوياً على الصبر، هروباً من الانتحار أو تأجيلاً له.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منظومة السجون العربية، لا سيما المصرية، هي مقابر للأحياء، منظومات جحيمية من العقاب، من العيش اللاآدَمي. على مرّ تاريخ مصر الحديث، عاش مئات الآلاف داخل المنظومة السجنية تحت مرئيات من حياة جحيمية، ما أدى إلى تدمير وموت آلاف في هذا الجحيم. يحاول السجناء والسجينات البقاء على قيد الحياة، من خلال العودة إلى ذواتهم، أجسادهم، التي فككتها السُلطة، وأعادت بناءها مجدداً، كي تصبح ذوات وأجساداً مُطوّعة وخاضعة. تتباين وتتقاطع ممارسات السجناء لاستعادة ذواتهم، من ضمنها الكتابة والرسم على جدران الزنازين وأبوابها، كما أجساد السجناء أنفسهم. فكيف يصنع السجناء، عبر الكتابة، مقاومة لمرئيات الإخضاع التي تنتهجها السُلطة السجنّية؟. 

الكتابة هي وسيلة مُستخدمة من السجناء والسجينات داخل الزنازين الضيّقة، لاستعادة ذواتهم. الورق هو أول فضاء يفكر السجين في الكتابة عليه، فيكتب الإجابات من أجل استعادة تواصله الإنساني مع العالم الخارجي، الأسرة، الأصدقاء، الأحبّة والزملاء. يحاول من خلال هذا التواصل، استعادة الذكريات ومعرفة الواقع والحاضر، لا سيما أن السُلطة السجنية تعزل السجناء تماماً عن كل شيء له صلة بالحياة في الخارج. 

أيضاً على الورق، يُكتب النثر والشعر والخواطر، للتأمل والتفكر وصناعة شيء ما، يُحفظ للتاريخ، وتكون هذه الأوراق بمثابة شهادة نفسية واجتماعية وفكرية وسياسية على زمن بعينه. وهذا بالفعل ما شهدناه في أزمنة غير أزمنة السجن، فبفضل الكتابة على الأوراق، ربما لم نكن نعرف قصيدة “العنبرة” للشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، الذي كتبها حين كان معتقلاً في سجون النظام الناصري، وهي إلى الآن تُردَّد من كل السجناء، وليس السجناء السياسيين فحسب، وربما لم نكن لنقرأ عن السجن وإجاباته” للكاتب والصحافي المصري مصطفى أمين في كتابه “سنة أولى سجن”، كما كتاب “رسائل سجين سياسي إلى حبيبته” بجزئيه الأول والثاني للكاتب مصطفى طيبة، والذيّن غيّبتهم سجون النظام الناصري لسنوات إبان الخمسينات والستينات من القرن الماضي. ولم نكن نعرف ما كتبه الفيلسوف الإيطالي غرامشي، عن السجن ودفاتره، لولا رواية كتبها قبل موته في سجون الفاشية الإيطالية في ثلاثينات القرن الماضي، وغيرها الكثير من التأريخات الكتابية، عن المشاعر والأفكار، من مصر وسوريا والبوسنة وإسبانيا والعالم كلّه. 

جدران الزنزانة وبابها، يعتبران مساحة أُخرى للكتابة والرسم من قبل السجناء، بل ومساحة وحيدة، إذ في أحيان معينة، تمنع السُلطة وجود الأوراق والأقلام، عندها، تهرب الأقلام ويرسم السجناء على الجدران كل ما يخطر في بالهم ووجدانهم، من رسومات لأحبابهم، أسمائهم ووجوههم. وبهذا، يحاول السجين حفر ذكرياته على الجدران والأبواب. يجد السجناء الجُدد كلمات السجناء القُدامى على الجدران، أسماءهم، أمثالهم وحكمهم وفلسفتهم في الحياة، وأسماء من يحبون ومن يكرهون، وأسماء القضايا والتهم والأنظمة السياسية، وكلمات شعر ونثر. هنا يكون جدران الزنزانة فضاءً تأريخيّاً للسجناء، ربما يستمر هذا التأريخ لسنوات طويلة، وتمرّ عليه أجيال وراء أجيال، كي يقرأوا، ويسطّروا بدورهم، كلمات ورسومات تشهد على وجودهم السجنّي، بما يحمل من مشاعر وأفكار. 

الجسد هو فضاء ثالث، حميمي وخاص، تجعله الكتابة عليه، فضاء عاماً مرئياً للآخر، السجناء الآخرين الذين يطلعون على ما يُرسم ويُكتب عليه. في أوقات كثيرة، لا يجد السجناء سوى أجسادهم للتعبير عن آخر ما تبقى من ذواتهم، فيكون الجسد وقتها، هو محل هذا التعبير. تُرسم وتُكتب على الجسد، وجوه وأسماء وكلمات، تعبر عن أشخاص وفلسفات وانتماءات، يحاول السجين من خلالها استعادة شيء من كينونته، بل حتى استعادة جسده نفسه، الذي امتلكته السُلطة، وأخضعَته ووضعته في مكان لا آدَمي. هنا الرسم على الجسد، مقاومة لامتلاك السُلطة، محاولة سلب الجسد ذاته منها بعدما جرّدته من ذاتيّته بالترهيب. وهذا ما يفعله الكثير من السجناء. 

تعرف السُلطة السجنية، محاولات السجناء لاستعادة ذواتهم من خلال الكتابة، فبِدورها تبدأ في مقاومة هذه الممارسات، عبر عمليات التفتيش الدائمة التي تنتهجها، والتي تبدأ في زيارات السجناء، حيث السُلطة لديها الحق غير القانوني في سماح أو منع الأشياء التي يجلبها الأهالي لذويهم من السجناء، فمن الممكن منع الأقلام والأوراق والألوان والكتب وكل شيء يتعلق بالقراءة والكتابة. 

كما أن السُلطة وبشكل دوري، تقوم بعمليات تفتيش وتجريد للزنازين والسجناء، إذ يدخل رجالها لتفتيش الزنازين، لمعرفة في ما يفكر السجناء، وأي أفكار وأسماء ووجوه يكتبون ويرسمون، ومن ثم يجردون السجناء من الأقلام والأوراق، في حال تم تهريبها بشكل ما. أيضاً، تنظر السُلطة على الجدران، وترى ما يُرسم ويكتب عليها، وتسأل عمن كتب أو رسم عليها، ومن ثم تمسح ما على الجدران، في محاولة منها لمسح ذكريات السجناء ومشاعرهم وأفكارهم، ومن ثم تعاقبهم بالسجن الانفرادي أو ما يعرف بالتغريبة، أي نقلهم إلى سجون بعيدة وقاسية.

تشمل منهجيات التفتيش أيضاً، تعرّي السُجناء بشكلٍ كامل، إذ يرى رجال السُلطة أجسادهم، وعندما يلاحظون عليها الكتابة والرسم، يبدأون في عقابهم، ويَأمرونهم بمسح ما كتبوه، في حال أن إمكان المسح موجود. أما في حال كان المسح مدقوقاً (موشوماً) على الجسد بآلات حادة، فهنا يستحيل المسح إلّا عبر الجراحة الطبية، وهذا لا يتوفر في المنظومة السجنّية. وهنا تبدأ السُلطة في معاقبة السُجناء، لأنّهم رسموا على أجسادهم، ولأن هذه الأجساد هي ملك للسُلطة، والسُلطة من حقها  تقرير كيفية تمظهر هذه الأجساد. 

الكتابة في السجن حياة تحاول، ولو للحظات بسيطة، التحرّرَ. في بعض الأحيان، ربما، تكون بديلاً عن الحزن أو تخفيفاً له، تكون مُسكناً، ولو بشكلٍ قليلاً، للألم، مقوياً على الصبر، هروباً من الانتحار أو تأجيلاً له. أو كما قال أستاذ الفلسفة الأميركي آرون شوستر، إنها، أي الكتابة، “تُعوِّض صاحبها عن هذا الفقد (الحياة خارج السجن)، وذلك عن طريق تبديل هيئة ما فقده (تعطيه سعادة مفارقة؛ سعادة في التعاسة)؛ فالحب الضائع يُفتدى من خلال تبدُّله إلى شِعر، وهذه هي مهمة الكاتب الأسمى”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.