fbpx

الصراع الإماراتي – القطري… الجغرافيا السياسيّة للقوة الدينيّة الناعمة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التنافس والصراع بين ممالك الخليج، وبعضها من خلال المراكز الإسلامية في العواصم الأوروبية، أو بالأحرى محاولات السيطرة على المجتمعات المسلمة في الغرب، لم يعد خفياً. فيما تبرز الإمارات وقطر على هذا الخط الذي يتسابق الطرفان لجعله مستوياً مع سياساتها المحلية والخارجية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد الربيع العربي والتحولات الجيوسياسية في المنطقة، انخرطت قوى الخليج التي شعرت بتهديدات جمّة أمام الثورات التي طاولت أنظمة عربية في مصر وتونس وليبيا، في إدارة مختلفة للوضع الاحتجاجي الذي كانت له تداعيات في الخليج. ولئن كانت الجماعات والقوى الإسلاموية تتسيّد المشهد، بخاصة بعد صعودها السياسي، ووصولها الى مرحلة التمكين في مصر وتونس، مثلاً، فقد عاد الصراع، مجدداً، بين أبو ظبي والدوحة.

لاحقت الإمارات قوى الإسلام السياسي من خلال المنصات الإعلامية والمراكز الثقافية، وعمدت إلى فضح سردياتها السياسية والأيدولوجية، وكذلك ارتباطاتها الإقليمية بقطر. 

وفي ما يبدو، انطلقت أبو ظبي لتعقّب شبكات جماعة الإخوان المسلمين، الاجتماعية والثقافية والتنموية في الغرب، والمتجذّرة في بلدان أوروبية عدة منذ سبعينات القرن الماضي. 

وبخلاف الدوحة التي تتبنى رؤية منفتحة تجاه “الإسلاميين الديمقراطيين”، كما تصفهم، روّجت الإمارات نسخة مغايرة من الإسلام الذي يقوم على العلمنة، وهي تعتمد على رموز فكرية تنتمي إلى “اليسار الإسلامي”. وقد تم تأسيس ما عرف بـ”بيت العائلة الإبراهيمي” في جزيرة السعديات في أبو ظبي، بالتزامن مع سياساتها بالتطبيع مع إسرائيل وعقد اتفاقات إبراهام برعاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وهو مجمع للأديان يضم مسجداً وكنيسة وكنيساً.

وعنونت الإمارات بياناتها، السياسية والدبلوماسية، باعتبارها نموذجاً لـ”الإسلام المعتدل”. وسبق للسفارة الإماراتية في واشنطن تأكيدها “قيم الاحترام المتبادل والحرية الدينية التي ترسخت في بنية دولة الإمارات العربية المتحدة منذ ما قبل تأسيس الدولة عام 1971″، وذلك إبان التوقيع على اتفاقات إبراهام، موضحة أن “لديها رؤية استشرافية لمنطقة الشرق الأوسط. وهو مسار يروّج للإسلام المعتدل، ويمكّن المرأة، ويعلّم الإدماج، ويشجّع الابتكار، ويرحّب بالمشاركة العالمية”. 

منذ عام 2011، نشطت الإمارات في مجال إعادة إنتاج النموذج الإسلامي “الليبرالي”، والذي يقع ضمن تصوّراتها السياسية، وقدمت نسخة مختلفة جذرياً عن تلك التي تهتم قطر بالترويج لها عبر منصاتها الإعلامية ومراكزها الثقافية. فالمقاربات المتفاوتة حول الإسلام أمست معطى سياسياً وخياراً استراتيجياً في النزاعات الإقليمية. فتضع كل قوة في المنطقة قبضتها على نموذج لجهة دعمه وتسويقه، سواء كان الإسلام الصوفي الذي حظي برواج بعد العمليات الإرهابية في نيويورك في أيلول/ سبتمبر 2011، أو الإسلام السياسي الأصولي والجهادي في فترة الصراع الأميركي – السوفيتي في أفغانستان. 

الإسلام التنويري وكذا الصوفي الذي تلجأ إليه الإمارات، أخيراً، يتماهى مع سياساتها المحلية والخارجية، التي تقف على النقيض من محاولات التغيير بعد الربيع العربي، فضلاً عن تقاربها مع إسرائيل. 

فمسار التحوّل الديمقراطي الذي تعطّل بفعل عوامل عدة، منها تنحية القوى الإسلامية للتيار المدني، بل وتحالفه مع قوى الثورة المضادة، ورفضه القيم الديمقراطية التي اعتمد على الجانب الإجرائي منها فقط (صندوق الانتخابات) لتحقيق الرصيد الذي يحقّق له التمكين السياسي، يحتاج إلى مبررات أيديولوجية لتكييف هذا الفشل، وتأطيره في نطاق يتناسب مع مجال رؤية كل طرف وأهدافه بشكل تلفيقي. ومثلما يلجأ الطرف المؤيد للإسلام السياسي إلى المظلومية التاريخية للتعمية عن الحقائق، وتبرير دوره المشبوه المتحالف مع الأنظمة العسكريتارية والمافياوية، فإن الطرف النقيض يجد في الصيغة المغايرة من الإسلام أداة جاهزة للدفاع عن قمع الأول، وإنهاء دوره.

 في فترات متزامنة، تم تأسيس “مجلس الحكماء المسلمين”، و”منتدى تعزيز السلام في المجتمعات الإسلامية”، و”مجلس الفتوى الإماراتي”، و”المؤتمر الإسلامي الأوروبي”، و”الأمانة العامة لمنتدى السلم في المجتمعات المسلمة”، و”المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة”، فضلاً عن مبادرات الحوار بين الأديان. 

وهناك أيضاً المجلس اليهودي – الإماراتي، وله هيئة تمثيلية من اليهود المقيمين في الإمارات. وقد اختير القس يهودا سارنا كأول حاخام في دبي عام 2019. 

ويمكن القول إن ميل الإمارات إلى طرح نموذج إسلامي معلمن، ربما، يعود إلى فترة ما قبل الربيع العربي، وقد كانت قناة أبو ظبي الإعلامية تتبنى المفكر السوري محمد شحرور، ضيفاً ثابتاً على شاشتها، والمعروف عنه مواقفه التأويلية الحداثية للقرآن باستخدام المنهجيات الألسنية واللغوية، وذلك بما يتعارض مع المواقف الأصولية والمحافظة. 

ورغم اهتمام النخبة السياسية الحاكمة في الإمارات المتزايد بنقد الإسلام الأصولي وتبني وجهة نظر تبدو حداثية ومنفتحة في إطار ما يخدم حركتها السياسية المرنة ومصالحها مع الغرب وواشنطن، إلا أن الدوحة تتجه، في ظل هذا الصراع السني – السني، إلى نقد الحقوق السياسية والاجتماعية من خلال خطابات التيار الإسلامي وقياداته باعتبارهم معارضين للأنظمة القمعية، وتصنّفهم ضمن القوى المدنية. 

في حين ترى الإمارات في قوى الإسلام السياسي تهديداً، فإن الدوحة تجد فيها فرصة تحتاج إلى الدمج والدمقرطة.

الاستخدام الوظيفي للدين هو الركن الأساسي والثابت في سياسات الطرفين، سواء لتبرير مواقف أو حماية سياساتهما من النقد والمساءلة. فالتسامح والاعتدال، ظاهرياً، في الإمارات، تقابلهما صورة قصوى من القمع، والحد من الحريات، وتبرير السياسات الإقليمية العدوانية كما في اليمن، مثلاً، حيث نجد حزب الإصلاح المعروف بارتباطاته التنظيمية بالإخوان المسلمين ضمن تحالف دعم الشرعية الذي تقوده الرياض وأبو ظبي.

إذاً، في حين ترى الإمارات في قوى الإسلام السياسي تهديداً، فإن الدوحة تجد فيها فرصة تحتاج إلى الدمج والدمقرطة. هذا تحديداً ما حاول الأمير حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطري، تمريره الى الغرب، بينما طالبهم بضرورة “التعاون” مع من وصفهم بـ”الإسلاميين المعتدلين”، وذلك في نهاية عام 2011. وقد ذكر في مقابلة مع “فايننشال تايمز”: “الإسلاميون المعتدلون يمكن أن يساهموا بدور للتصدي للأيديولوجيات المتشددة”.

وقال بن جاسم: “ينبغي ألا نخشاهم، بل دعونا نتعاون معهم. يجب ألا تكون لدينا أي مشكلة مع أي شخص يعمل في إطار معايير القانون الدولي يجيء إلى السلطة ويحارب الإرهاب”.

الخطاب السياسي تجاه القوى الخارجية ولدى مراكز صناعة القرار في الغرب، سواء كان متشدداً تجاه الإسلاميين أو متعاطفاً معهم، إنما يعكس سياسات (دينية) متباينة للسيطرة والتنافس على المجال الديني. فالإسلام الرسمي الذي تتبناه الحكومة الإماراتية يكشف عن خشية من أي تسلّل محتمل لقوى قد تصعد في الإمارات المختلفة (في ظل نظام ريعي)، والتي تحظى بنسب ثروات أقل ولها تقاليد دينية محافظة ولا تمثل الانفتاح مع إمارة دبي مثلاً، ثم تؤدي الى خلل في تركيبة الحكم  وتوازناته القائمة منذ عام 1971.

وعليه، فإن محاربة الإسلام السياسي أو الطائفي والمؤدلج بالنسبة الى الإمارات، خيار استراتيجي، سواء في الداخل أو على مستوى خطابها الدبلوماسي والخارجي، وارتباطاتها البراغماتية الخارجية والإقليمية. وقد صنفت أبو ظبي جماعة الإخوان المسلمين “إرهابية” عام 2014، فيما اعتبرها وزير الخارجية عبد الله بن زايد “منظمة تتطاول على سيادة الأمم ووحدتها”.

وبخلاف المقاربة والخيار السابقين، فإن النخبة الحاكمة في قطر، التي لا تبدو بالضرورة تنتمي الى الإخوان من الناحية التنظيمية، “ليس لديها اعتراض على دعمها، بل إنها متعاطفة معها على نطاق واسع”، وفق ما ذكره الباحث شادي حميد في كتابه “الإسلاميون والديمقراطية غير الليبرالية في الشرق الأوسط الجديد”. 

وقد لمّح إلى مصطلح “الجغرافيا السياسية للقوة الدينية الناعمة”، واستغلال الدين في نسج علاقات الحكم، فضلاً عن توظيفه في العلاقات الدولية، لا سيما الاستجابة للحلفاء في واشنطن لجهة تبنّي نماذج وأنماط تديّن معينة، كما حدث في فترة الحرب على “داعش”، وقبلها ما عرف بـ”غزوة منهاتن”. ويقول حميد، إن كلاً من أبو ظبي والرياض يرى في تعاطي الإخوان وفهمهم للإسلام “تهديداً ملحاً، وسيبذلان جهوداً حثيثة لمنع القوى المماثلة للإخوان من كسب أي أرض جديدة”. 

ويتفق معه في الرأي، الباحث الفرنسي المتخصص في الإسلام السياسي، ستيفان لاكروا، الذي يقول إنه على مستوى الدولة القطرية، أضحى الدين ضمن آلياتها الفاعلة وبمثابة “القوة الناعمة” التي وظفتها في منصاتها المؤثرة مثل قناة “الجزيرة”. ونقلت مجلة “أوريان 21” عن لاكروا قوله إن “قطر والإمارات بلدان متشابهان الى حد بعيد. لكنهما قاما بخيارات مختلفة جذرياً في التسعينات. فاستخدمت قطر شبكات الإخوان المسلمين كذراع لسياستها الخارجية. وإن كان الإسلام الرسمي في هذا البلد ذا طبيعة سلفية وهابية، مثله مثل الإسلام في السعودية، إلا أن الإسلام الذي كانت تؤيده قطر على الساحة الدولية هو إسلام أقرب إلى الإخوان. هذه هي تماماً الاستراتيجية التي اتبعتها قطر في التسعينات. عكسها تماماً كان خيار الإمارات، بإعلان الحرب على الإسلام السياسي، بشكل مبطن أولاً ثم معلن بعد ذلك”. 

ويشير لاكروا الى أنه مع نهاية حقبة التسعينات وبالتزامن مع الصعود القوي لمحمد بن زايد، تعرّض الإخوان لتضييقات وقمع عنيف”، ويردف: “قبل عام 2011، كانت الإمارات تقوم بعمليات تمشيط داخلية ضد أنشطة الإصلاح. ابتداءً من 2011، شرعت في نوع من الحملة الإقليمية لمطاردة الإخوان المسلمين في الخارج، وقد بدأ التدخّل في مصر حيث لعبت أبو ظبي دوراً مهماً الى جانب الرياض، في إطاحة الجيش المصري الرئيس محمد مرسي بداية تموز/ يوليو 2013. واستمر التدخل في ليبيا، حيث انحازت الإمارات الى جانب الجنرال خليفة حفتر وساندته في حربه على الإخوان المسلمين، ذاهبة الى حد القصف الجوي. وفِي تونس، عملت الإمارات على مناهضة الحزب الإخواني “النهضة” التابع لراشد الغنوشي، الذي وصل الى الحكم عام 2011، وساندت أيضاً حزب “نداء تونس” التابع للباجي قائد السبسي، وذلك قبل أن توجّه إليه اللوم عام 2017 لأنه لم يتخذ موقفاً موالياً للإمارات ضد قطر”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.