fbpx

حصار قره باغ متواصل: 120 ألف نسمة على شفير المجاعة  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يتّسم الحصار المفروض من قبل أذربيجان بنتائج كارثية. فسكان المنطقة البالغ عددهم 120 ألف نسمة على حافة المجاعة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يقترب الحصار الذي تفرضه السلطات الأذربيجانية على قره باغ من شهره التاسع. وقد شهدت تلك الفترة تسجيل الكثير من حالات الوفيات بسبب نقص الغذاء والوقود والدواء. ومع اقتراب فصل الشتاء، يتعرض سكان ناغورني قره باغ – أو كما يُطلق عليها أرتساخ بالأرمنية- للتهديد بسبب سياسات السلطات الأذربيجانية. 

يعكس هذا الحصار نتيجة لرؤية أيديولوجية معينة تسود داخل الأوساط الحاكمة الأذربيجانية. وفي الوقت نفسه، ثمة أصوات بديلة بدأت تتشكل، ورغم أنها لا تُمثل سوى أقلية فإنها تتّسم بالقوة.

يتّسم الحصار المفروض على منطقة ناغورني قره باغ منذ 12 كانون الأول/ ديسمبر 2022، بأن له تأثيراً كارثياً. فسكان المنطقة البالغ عددهم 120 ألف نسمة على حافة المجاعة. وقد بدأ الحصار بإرسال السلطات الأذربيجانية مجموعة من “الناشطين البيئيين” الذين أغلقوا الطريق الوحيد المؤدي من قره باغ إلى أرمينيا.

نظراً إلى أن الخطوة الأولى هذه لم تواجه أي معارضة فاعلة، سواء من أرمينيا أو من قوات حفظ السلام الروسية التي كانت مكلفة بالحفاظ على فتح الطريق، أو حتى من المجتمع الدولي ممثلاً بالولايات المتحدة وأوروبا، والذي يدعي أنه يتولى رعاية الشرعية العالمية، فقد استُبدل ما يُسمى “دعاة حماية البيئة” على وجه السرعة بقوات الجيش الأذربيجاني الرسمي في 25 آذار/ مارس 2023. 

وبعد ذلك بشهر، في 23 نيسان/ إبريل، سيطر الجيش الأذربيجاني على الجسر الواقع على ممر لاتشين الذي يربط ناغورني قره باغ بأرمينيا، والذي كان حتى ذلك الحين تحت سيطرة “قوات حفظ السلام” الروسية. وجاءت الخطوة الأخيرة من هذا الحصار في 15 حزيران/ يونيو، عندما مُنعت حتى سيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تنقل الأدوية والمرضى من مواصلة مهمتها الإنسانية.

والآن، بعدما فرضت السلطات الأذربيجانية حصاراً كاملاً من البر والجو على قره باغ، تسعى إلى إرسال “مساعدات إنسانية” من الهلال الأحمر الأذربيجاني التابع لها، والذي تسيطر عليه الدولة.

الهام علييف

لم يمنح إلهام علييف الأرمن في قره باغ خياراً، فإما أن يستسلموا لسيطرته وإما أن يموتوا. وحتى بعد الاستسلام، ما ينتظر سكان قره باغ هو الاعتقال والمحاكمات الصورية واحتمال الموت. ففي الأشهر الأخيرة اعتقل الجنود الأذربيجانيون الكثير من الأرمن من كبار السن، بمن فيهم المريض فاجيف خاتشاتريان (68 عاماً)، الذي كان يُنقل عبر ممر لاتشين في سيارة تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، واتهموه بارتكاب “جرائم” في الماضي واعتقلوه.

 وفي 28 آب/ أغسطس، اعتُقل أيضاً ثلاثة طلاب أرمن كانوا في طريقهم من قره باغ إلى أرمينيا على متن مركبات روسية تابعة لقوات حفظ السلام. يواجه أي أرمني ينتهي به المطاف في أيدي الأذربيجانيين مصيراً مماثلاً من الاختطاف، نظراً إلى عدم وجود نظام قضائي فاعل في أذربيجان.

لا يثير استخدام النظام الاستبدادي الذي يعتمد بنسبة 94 في المئة من إيراداته على صادرات النفط والغاز، حجة حماية البيئة السخرية فحسب، بل إنه يشكل أيضاً تدميراً متعمدًا للمعنى. فقد تحولت مفاهيم مثل “حماية البيئة” أو “أنشطة المناصرة” أو “إنقاذ الكوكب” بفعل استبداد عائلة علييف، إلى كابوس مستلهم من روايات جورج أورويل للكراهية العرقية وحروب الحصار والتهديد بالإبادة الجماعية.

تصاعد الانتهاكات منذ حرب 2020

لا يؤثر هذا التدمير للمعنى على الأرمن فحسب، بل هو نظام شامل صممه إلهام علييف منذ أن ورث السلطة من والده قبل عقدين من الزمن. عندما اندلعت احتجاجات بيئية حقيقية في قرية سويودلو الأذربيجانية في شهر تموز/ يوليو، إذ احتجّ القرويون على أعمال التعدين التي أدت إلى التلوث بالمواد السامة. فهاجمت الشرطة الأذربيجانية بعنف المتظاهرين من كبار السن، وفرضت حصاراً على القرية، وألقت بالناشطين في السجون.

في الواقع، تخضع أذربيجان لسيطرة صارمة منذ جائحة كورونا. ومذاك، ظلت الحدود البرية مع الدول المجاورة، جورجيا وروسيا وإيران، مغلقة. والتبرير الرسمي لذلك هو الوباء، بيد أنه بشكل غير رسمي يعتقد علييف أنه أكثر أمناً إذا ظلت الحدود الأذربيجانية مع روسيا وإيران مغلقة. وقد احتجت الأقلية العرقية الأذربيجانية في جنوب شرقي جورجيا على هذا الحصار، وطلبت من باكو إعادة فتح الحدود.

لكن، لماذا يواصل إلهام علييف سياساته العدوانية، ويسعى إلى التطهير العرقي للأرمن في قره باغ حتى بعد حرب 2020؟

أحد التفسيرات هو أنه يحتاج إلى مثل هذه السياسات المتطرفة لكسب الشعبية. ففيما يوافق معظم الأذربيجانيين على السياسات العدوانية ضد الأرمن، لا يحتاج إلهام علييف إلى موافقة شعبية على سياسته. فقد منح الانتصار العسكري علييف الشرعية اللازمة، والتي لم يتمتع بها أي حاكم أذربيجاني آخر منذ استقلال البلاد. فضلاً عن أن السياسات التي ينفذها إلهام علييف منذ ذلك الحين تعكس رؤيته الخاصة وتعبر عن أفكاره القومية المتطرفة والعنصرية، كتلك التي كانت سائدة في أوروبا في ثلاثينات القرن الماضي.

بالنسبة الى إلهام علييف، الأرمن ببساطة ليس لديهم الحق في الوجود. فقد “جلبهم” “الاستعمار الروسي” من مكان ما، وليس لهم الحق في أن تكون لديهم آراء سياسية. ليس فقط علييف مخلصاً بشأن خططه للتطهير العرقي لأرمن قره باغ، ولكن نظامه يتحدى علناً شرعية الدولة الأرمنية نفسها؛ وفي وسائل الإعلام الرسمية الأذربيجانية، يُطلق على أرمينيا ضمن حدودها الحالية اسم “أذربيجان الغربية”. ومثل هذه الأيديولوجية يشكل مصدراً لحروب عرقية دائمة.

ينظر أيضاً إلهام علييف إلى شعب أذربيجان من منظور مماثل. والواقع أن اقتناعه بأن هناك أفراداً مثله يتمتعون بالشرعية الوراثية للحكم، والجماهير الدنيا التي قُدر لها أن تكون تحت حكم آخرين، لم يتعزز إلا بانتصاره العسكري في عام 2020. وفي اعتقاده أن حكم القانون، وحقوق الإنسان، والتعددية، والديمقراطية، ومثل هذه الأمور هي للضعفاء. ولهذا السبب، تخضع منطقة ناغورني قره باغ للحصار منذ تسعة أشهر، ولهذا السبب أيضاً تصاعد القمع ضد المعارضين الأذربيجانيين، ولم يهدأ منذ الحرب: فقد ارتفع عدد السجناء السياسيين الأذربيجانيين منذ عام 2020. وفي الأشهر الأخيرة فقط، توفي سجينان سياسيان هما شايق كازيموف وصابوهي سليموف بعد إضرابهما عن الطعام لمدة طويلة، احتجاجاً على ظروف السجن المروّعة.

في دولة إلهام علييف، ليس هناك سوى الخضوع الشخصي للحاكم وأهوائه، أو المعارضة والقمع. إذ إن الأنظمة الاستبدادية تحتاج إلى أعداء خارجيين لتبرير الانضباط والقمع الداخلي. فقد توصل الخبير الاقتصادي قُباد إبادوغلو، في ورقة بحثية حديثة، إلى أن “النفط يعيق الديمقراطية”، بيد أن أنشطته لا يمكن التسامح معها ببساطة. وقد اعتُقل في باكو في 23 تموز بتهم لا تصدّق تتعلق بـ “التزوير”، وتعرض للتعذيب في السجن.

في حين يعاني الشيعة المتدينون من أقسى أنواع القمع. فقد تعرض المئات منهم للاعتقال في الأشهر الأخيرة. وعلى رغم أن الإسلام الشيعي هو دين الدولة، فإن نظام علييف يريد السيطرة على أي منظمة مستقلة، ويشتبه في أن الشيعة قد تكون لهم صلات مع إيران.

يؤدي القمع المستمر منذ عقود، إلى تفكيك أي تنظيم ذاتي متبقٍّ للمجتمع المدني الأذربيجاني، وهي سياسة ستكون لها عواقب وخيمة بمجرد دخول نظام علييف الاستبدادي فترة الأزمة.

أذربيجان البديلة

لا تستطيع أيديولوجية إلهام علييف القومية المتطرفة إقناع الأوساط المثقفة في أذربيجان، خصوصاً بعد حرب عام 2020. فقد أزالت الحرب مبرراً رئيسياً للكراهية المعادية للأرمن، ومنذ ذلك الحين، أوضحت السياسات الأذربيجانية، والهجمات العسكرية المتواصلة، لا سيما الحصار الذي استمر لتسعة أشهر على ناغورني قره باغ، مصادر العنف الدائم في هذا الصراع. فضلاً عن ذلك، فقد كان الكثيرون في أذربيجان يأملون بأن يخفف القمع الداخلي بعد الحرب والانتصار. والآن، يربطون بين القمع الداخلي المستمر ضد المعارضين الأذربيجانيين وبين العنف الخارجي ضد أرمن قره باغ باعتباره سلسلة متّصلة.

وهذه الصلة الدقيقة بين العدو العرقي والحرب والقمع الداخلي هي أساس البيان الذي صدر عن مجموعة السلام الأذربيجانية النسوية في 10 آب. وعنوانه كاف ليفاجئ كل من يراقب سياسة القوقاز: “تضامناً مع قرة باغ/أرتساخ ضد الحرب الشاملة والحصار والهيمنة”. ويرفض البيان العنف الذي يُمارس ضد السكان الأرمن في أرتساخ، باسم الدولة القومية الأذربيجانية، إذ نقرأ: “سواء كان الحصار المفروض على قره باغ/أرتساخ، أو العنف ضد سكان قرية سويودلو، أو إرهاب الدولة المنظم ضد السكان النشطين سياسياً، من المهم أن ندرك أن كل هذه الأمور مترابطة وأن العدو الحقيقي ليس المجتمع الأرمني العاجز، ولكن دولة أذربيجان المهيمنة والمسيطرة”.

أدى القمع المستمر الذي يمارسه إلهام علييف إلى تدمير المركز السياسي، واستقطاب الأذربيجانيين بين أولئك الذين يستسلمون للحكام بولاء شخصي، وأولئك الذين يتم إبعادهم ليصبحوا متطرفين.

مثل هذه الآراء المتطرفة هي أقلية اليوم نظراً إلى أن معظم سكان أذربيجان يتبعون علييف. بيد أنه لا ينبغي لنا التقليل من أهمية الأفكار الجديدة التي تتشكل. إذ إن هذه هي المرة الأولى في صراع دام ثلاثين عاماً التي يثار فيها مثل هذا النقد الجذري ضد الأيديولوجية المهيمنة، ما يخلق احتمالات لتجاوز أسباب الصراع نفسه: ألا وهي القومية العدوانية. ولا ينبغي لنا أن نقلل من أهمية الأفكار النقدية التي تثار ضد أيديولوجية علييف التي لا تتمتع بأي مضمون، فهي أيديولوجية قائمة على تدمير المعنى، ولا تقوم على الإقناع بل على القوة الغاشمة. ولن يتسنى إنهاء الحروب التي لا نهاية لها في القوقاز، والحروب ضد “الآخر”، وضد الذات، إلا من خلال رؤية شاملة مناهضة للقومية في المستقبل.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.