fbpx

الخرافة عوضاً عن العدالة الاجتماعية الغائبة في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصبحت العذراء مريم وآل البيت يتحملون عبء تلبية احتياجات المواطنين/ات في مصر بدلاً من الدولة. وبات تحقيق الاحتياجات الأساسية أو تحقيق العدل يصنَّف كمعجزة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شهدت عزبة النخل في الأيام الأخيرة، حادثة كان بطلها عادل فايز، شخص قبطي من ذوي الاحتياجات الخاصة، يقول إنه شُفي من الشلل، بعدما تجلت له السيدة مريم العذراء. وقعت الحادثة التي سُميت بالمعجزة في كنيسة بعزبة النخل، وهي أحد الأحياء الفقيرة في القاهرة.

 يظهر عادل في فيديو وهو يصرخ بشكل جنوني، بعدما قام من على الكرسي المتحرك يركض نحو القسيس ويحتضنه. أُعلن شفاء عادل بعد معاناة 7 سنوات من الشلل الرباعي، ببركة القديسة مريم العذراء، بعدما ظهرت له في الكنيسة.

 ذكر عادل في حوار بعد “المعجزة”، أن الشلل الذي أصيب به بدأ بعد سقوطه على الدرج، وبعدها خاض رحلة طويلة مع الأطباء والعلاج. سخر الكثيرون من الحادث على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلّق البعض “الدولار يا عدرا!”، في إشارة إلى دعوة العذراء الى التدخل لحل أزمة العملة الأجنبية في مصر، فقد تعدى سعر الدولار حتى هذه اللحظة الثلاثين جنيهاً. ظهورات العذراء مريم في الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية في مصر بدأت منذ عام 1968 وتعددت بعدها ظهورات أم الله كهالة من الضوء في السماء تشفي المرضى وتؤنس القلوب المكلومة.

القمص هدرا بساده يقول في عظته، إن عادل كان يعيش حياة شكر وتسليم، على رغم وضعه الصحي المتفاقم. وإن طيف السيدة مريم الأم الحنون يجيء دائماً ليساندنا، مثلما ظهر طيفها فوق سماء قرية بهجورة، بنجع حمادي، في صعيد مصر. هذه القرية التي شهدت وقائع اعتداء وقتل وإرهاب، وبينما أخذ نيافة الأنبا كيرلس يصرخ على المذبح لينجده الله، حدثت المعجزة وساد الهدوء فجأة، وعاد الجميع إلى البيوت، وتوارى الإرهابيون. كان ذلك بسبب التجلي المريمي في سماء بهجورة. إنها مريم التي تمسح دموعنا وآلامنا. وأضاف، لهذا السبب كانت تنتشر أساطير عن امتلاك الكنيسة أسوداً أو قنابل، لأن هناك قوة غير منظورة تسند المؤمنين. 

الخرافات في الإسلام إيضاً

في السياق الإسلامي، هناك أيضاً الأولياء ذوي الكرامات وآل البيت الذين يتشفع بهم المصريون لقضاء حاجاتهم، ويرسلون لهم الخطابات بالبريد يسألونهم تلبية حاجاتهم البسيطة القابلة للتحقق. في إحدى المرات، في مقام أحد الأولياء، سمعت فتاة تدعو قائلة “يا رب فلان يسيبني من غير ما يقتلني”، كان ذلك بعدما فقدت فتاة تدعى نيرة أشرف حياتها ذبحاً على يد شخص في وسط الشارع، على مرأى الجميع. وددت أن أسألها لماذا لا تذهب الى الشرطة لتقدم بلاغاً بدلاً من الدعاء، لكني تذكرت أيضاً أن نيرة قد ظلت تتردد على المباحث لمدة عامين لتقدم بلاغات ضد الشخص الذي يهدّدها، والذي قتلها لاحقاً، ولم تستطع الشرطة حمايتها. ربما لهذا السبب لجأت الفتاة لزيارة الأولياء بدلاً من الشرطة.

في مقام الإمام الشافعي، أحاول تأمل الأشياء التي يلقي بها الناس إلى المقصورة، خطابات، أقمشة، بينما أسمع أحد أفراد الأمن يتحدث مع سيدة ويخبرها “الحاجات دي بنحرقها آخر كل شهر”.

الذهنية الغيبية ليست ذهنية العامة بالأساس، إنما هي ذهنية النخب أو “ذهنية الفقيه”، فالنخب العسكرية والفقهية هي التي خلقت فكرة أن الأوضاع السيئة قدرية، فأوهمت الناس بأن الظروف الاقتصادية أو السياسية القاسية التي نعيشها هي أمر قدري،

كان د. سيد عويس، عالم الاجتماع المصري، قد تفاجأ بأن هناك من يرسل خطابات بالبريد للإمام الشافعي، وذلك في دراسة أجراها عن الخطابات التي أرسلها المصريون والمصريات إلى الإمام الشافعي بين عامي 1952 و1958، وقد نشرها في كتاب “رسائل إلى الإمام الشافعي” عام 1965، نقرأ في أحدها :”يا إمام يا قاضي الشريعة نرفع شكوانا إلى أهل الباطن ضد من ظلمونا، واستحلوا ما حرم الله وسرقوا الفراخ وتعدوا علينا بكل شيء”

163 الخطابات التي يرسلها الناس إلى الإمام الشافعي الذي توفى عام  820م، تكشف طبيعة المشكلات التي يواجهونها وتقصير الدولة بخصوصها، مثلاً أرسل أحدهم خطاباً لأن أحداً ما سلب قطعة أرض خاصة بهم، أو بيتاً، أو زراعة، أو سرق منهم “دكر بط” وديوك رومي. بل ويرسلون للإمام أسماء المعتدين، تقول إحدى الرسائل: “لا يوجد أحد في البلد يخزيهم لأن بلدنا ساقطة العدالة”. ولاحظ عويس أن هناك نمطاً معيناً من الجرائم لا يصل للسلطات، وذلك لأن المعتدين من عائلات كبرى أو ذوو نفوذ. هناك من يشتكي أيضاً من الإرغام على الزواج، ومن الحرمان من معاش الضمان، أو أكل حقوقه في العمل. والشيء المثير للتأمل الذي رصده عويس، هو أن الناس يرسلون الى الإمام خطابات باعتباره شخصاً حيّاً.

ومثلما يتوسل الناس بالإمام الشافعي القاضي العادل لرفع الظلم عنهم، يتوسلون بالسيدة نفيسة، نفيسة العلم، بنت الحسن. هذا ما بيّنه كتاب “محاكمة مبارك في السيدة نفيسة” للباحثة ضحى عاصي، والتي جمعت فيه خطابات يرسلها العامة إلى مقام السيدة نفيسة، بعدما تمكنت من حضور جلسة فتح صندوق النذور. فالمصريون يحبون السيدة نفيسة ويتشفعون بها لقضاء حاجاتهم. رصدت ضحى الخطابات فوجدت ورقة كتب عليها أحد الأشخاص “حسبي الله ونعم الوكيل”، وخطاباً يثبت الحق في قطعة أرض، وورقة أخرى من وزارة الصحة مكتب وزير الإدارة العامة لخدمة المواطنين رداً على الشكوى المقدمة من أحد الأشخاص بشأن رفض طلب علاجه على نفقة الدولة.

 ترك شخص خطاباً للسيدة نفيسة تتشفع له عند الله أن يأخذ حق ابنه الذي دخل المستشفى على قدمه، فسرق الأطباء كِليته. وتركت فتاة خطاباً للسيدة نفيسة عن تعرضها للتحرش من مديرها بالعمل. وربما لو كانت هناك آلية للشكوى من التحرش في أماكن العمل، لاتبعتها هذه الفتاة. فما يجعل الناس يرسلون هذه الخطابات للأولياء هو اعتقادهم، كما تقول ضحى، بمحكمة باطنية من الأولياء الصالحين تحكم بالعدل. 

حسام جاد، باحث في التاريخ الأنثروبولوجي، يقول لـ”درج”: في البداية، إن الخرافة أو الأسطورة أو المعجزة هي ظاهرة بشرية، موجودة تاريخياً ولم تستطع الحداثة القضاء عليها. ويدلل على ذلك بانتشار الأساطير أثناء جائحة كورونا في العالم حول المرض حتى في أكثر الدول المتحضرة.

لكن جاد يرى أن هناك خصوصية للأساطير والمعجزات عند المصريين، ففي ظل ظلم الوالي يلجأ الناس الى الوليّ؛ فالمجتمعات التي تغيب فيها العدالة، تزدهر فيها الأسطورة، وإرسال المصريين خطابات مظلوميات للأولياء والعارفين سواء كانوا فقهاء أو عارفين أو من البيت المحمدي، هو ظاهرة تاريخية في مصر وأحد المكوّنات الأساسية للشخصية المصرية؛ فالمصريون عندما دخلوا الإسلام كانوا يمتلكون تراثاً بالفعل لم ينفصلوا عنه رغم محاولات التيارات السلفية إثناءهم عن زيارة الأضرحة، والمقامات، وإقامة الموالد. والأمر الأساسي في مسألة الخرافة كما يقول جاد، متعلق بالعدالة التنفيذية وليس العدالة الكونية، بمعنى أنه تاريخياً، في مصر، كان صاحب الشكوى أو المظلومية يقصد المحتسب أو القاضي أو الحاجب، وفي الغالب كان يحتاج إلى دفع رشوة أو “إكرامية”، وهي مواقف مثبتة تاريخياً.

يضرب جاد مثلاً عن الرشوة التي كانت متفشية في العصر المملوكي، حيث كان صاحب المظلومية يحتاج الى دفع رشوة للمحتسب أو القاضي أو الحاجب، أو أن يكون له “ضهر”، لأن الظلم الواقع عليه مصدره غالباً صاحب نفوذ، وهو ما يجعله في مواجهة مع السلطة، فغياب العدالة التنفيذية سواء في الجهاز الإداري التقليدي أو في شكله الحديث، جعل المصريين يلجأون الى محاكم السماء.

لكن، هناك نقطة مهمة يؤكدها جاد، وهي أننا لا نريد أن نبين أن المصريين غارقون في الخرافة، وأن ذلك هو السبب في تخلفهم وجهلهم، فهم يلجأون إلى الأولياء ويطلبون منهم رفع المظالم لأنهم لم يجدوا طريقاً آخر، وذلك ليس إلا آلية دفاعية إنسانية لمواطنين قليلي الحيلة، بسبب ظلم الحجاب والسلاطين. كما يرى جاد أن الذهنية الغيبية ليست ذهنية العامة بالأساس، إنما هي ذهنية النخب أو كما يسميها ذهنية فقيه، فالنخب العسكرية والفقهية هي التي خلقت فكرة أن الأوضاع السيئة قدرية، فأوهمت الناس بأن الظروف الاقتصادية أو السياسية القاسية التي نعيشها هي أمر قدري، وهو ما روج له شيوخ الحكام تاريخياً.

خرافة برعاية الدولة؟

كثيراً ما أذهب الى المسجد الكبير في بلدتي لأنه من الأماكن القليلة التي يمكن الجلوس بها بالمجان، بعدما تحولت الساحات العامة كلها الى مطاعم وكافيهات. أجلس على درج المسجد لأتنفس الهواء، وأشاهد المارة، وأدخل أحياناً إلى القاعة التي تحتضن المقام وأجد الأطفال يلقون بقطع النقود المعدنية في “صندوق النذور” بدلاً من شراء الحلوى، وهناك من يلقي قطع النقود في مقصورة المقام. وفي إحدى المرات، لم أجد قطع النقود في أرض المقام، ترى أين ذهبت هذه النقود التي يرسلها الفقراء إلى الإمام وفاءً للنذر؟

 أقرّ وزير الأوقاف مختار جمعة، بأن في مصر 200 مسجد تحتوي على صناديق نذور، وتذهب نسبة 10 في المئة من إيرادات صناديق النذور إلى مشيخة الطرق الصوفية، وتحصل وزارة الأوقاف على الباقي. وقد دخلت صناديق النذور إلى إيرادات وزارة الأوقاف منذ عام 1952. 

ظهورات العذراء مريم تأتي كطيف يساند المسيحيين/ات من التمييز والاضطهاد الذي يعانون منه، بل وحلّ المشكلات الصحية للمواطنين. وكل الخطابات التي تحمل متطلبات مادية بسيطة، كان من الممكن أن تُقضى في مساراتها الطبيعية في ساحات القضاء، لو كان المواطنون يثقون بهذه الأجهزة. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.