fbpx

“الدولار المُجمّد”… نَصْبٌ على الطريقة اللبنانيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ضخّ كميات كبيرة من الدولار المجمّد في السوق اللبناني، لا بد من أن يوحي بالقلق حيال مستقبل هذه الأموال التي باتت جزءاً من النظام المالي. ولا يزال المواطن اللبناني يبحث عن تعويض القليل ممّا سرقته حيتان المصارف، ولو بممارسات غير قانونية. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هم اللبنانيون. أولئك الذين حُجزت أموالهم في المصارف، ورقّعوا قهرهم ببداية حياة جديدة فرضتها الأزمة الاقتصادية المتراكمة منذ 2019. هم نفسهم، يتعرّضون اليوم لعمليات احتيال مقابل “خدعة” الحصول على دولار مجمّد. منذ أكثر من سنة، تنشط صفحات تجارة الدولار المجمّد على مواقع التواصل الاجتماعي، في مشهد يشبه سوق بيع الخضار: “نحن الوحيدين الذين نبيع بهذه الأسعار”.

يبدو مشروع استبدال الدولارات هذا مسهِّلاً لحياة اللبنانيين بعدما ضاقت عليهم المعيشة من كل النواحي. فمن جمع 3 آلاف دولار مثلاً، ويريد أن يشتري سيّارة، أصبح باستطاعته أن يحقّق ذلك عبر استبدال ما جمعه بـ6 آلاف دولار مجمد، لكن الأمور لا تسير بهذه البساطة.

“جبل” يستدرج ربيع 

في منطقة الرحاب، على أطراف مخيّم صبرا وشاتيلا في بيروت، وصلت سيّارة “شيفروليه” رباعية، مغطّاة بالفيميه، لتبيع الدولار المجمّد لربيع (اسم مستعار). بدأت القصة عندما صادف الأخير صفحة تروّج لبيع الدولار المجمّد في لبنان على “فيسبوك”، وقرر استبدال 2000 بـ5000 دولار مجمّد. “شعارنا الثقة والأمانة. المنشور للعمل وليس جمعية خيرية لمساعدة العاطلين عن العمل”، تكتب الصفحة، ومثيلاتها، في الإعلان الترويجي المكتوب. 

يعرّف “الدولار المجمّد” بأنّه أي دولار حُظر التعامل به لارتباطه بجريمة مالية سواء سرقات أو تجارة الأعضاء أو المخدرات أو غيرها. وقد تصاعدت كمية تجميد هذه الدولارات في حروب مثل ليبيا أو العراق، حيث سُرق البنك المركزي العراقي، أو بما يتعلق بأعمال العصابات في أميركا اللاتينية مثلاً. ومن جانب آخر، تستخدم الولايات المتحدة الأميركية هذا التجميد كورقة ضغط من ضمن سياساتها الدولية.

يرجّح الخبير الاقتصادي والمالي جاسم عجّاقة، في حديثه مع “درج”، بدء دخول الدولارات المجمدة إلى لبنان منذ العام 2000، خصوصاً وأنّ النظام المصرفي حينها كان منفتحاً على العالم أجمع. “لا شكّ في أن بداية الأزمة السورية في العام 2011 فتحت المجال أكثر لدخول هذه الدولارات أيضاً. فكان لبنان يُستخدم كقاعدة لوجستية للاستيراد من الخارج، بعدما تم فرض عقوبات على سوريا”، يضيف عجاقة. إذ يمكن رصد تصاعد وتيرة الدولار المجمّد في بداية الأزمة الاقتصادية اللبنانية في العام 2019، وتحوّل الاقتصاد إلى اقتصاد نقدي، وحاجة المواطنين الى دولار يمكن تداوله داخلياً.

“تواصلت مع الرقم الموجود على الصفحة، واتفقنا على الزمان والمكان، لكنّني فضّلت أن ألتقي به في مكانٍ عام خوفاً من أي خدعة”، يقول ربيع. المفارقة، أنّ التاجر رفض رفضاً قاطعاً اقتراح ربيع اللقاء في الأشرفية، أو الضاحية الجنوبية، أو الحمرا، مدّعياً أنّه “مشغول”. في اللقاء الأول، ظهر شخص يُشبه شخصية “جبل” في مسلسل “الهيبة” بكل تفاصيله وشخصيّته، لكن ببشرة سمراء، بحسب ما وصفه ربيع. فتح “جبل” نافذته، وعرض على ربيع ظرف الدولارات طالباً منه أخذ مئة دولار ليفحصها. على الفور، توجّه ربيع الى معرض سيارات وإلى محل تحويل الأموال حاملاً 300 دولار، وكانت كلّها سليمة. 

علاوة على ذلك، طلب السائق من ربيع عدّ الـ2000 دولار التي سيسدّدها له، لكنّ الأخير ظلّ موجّهاً أنظاره نحو ظرف الخمسة آلاف التي سيتقاضاها، بحسب قوله. “حملت المغلّف وعدت إلى سيارتي، لكنّ المفاجأة كانت وجود أوراق بيضاء بحجم المئة دولار”. يصف ربيع المشهد بالـ”مخيف”، معتبراً أنّه لو فتح الظرف وكشف الحقيقة أمام السائق، لربما، كان انتهى الموضوع “برصاصة” تصيبه. هذا المشهد يظهر مدى ذكاء التاجر واستراتيجيّته المدروسة في اصطياد الزبائن.


الدولار المجمد ليس مزوراً 

تجدر الإشارة إلى أنّ الدولار المجمد يختلف عن المزوّر. فالمجمد هو عبارة عن دولار أميركي مطبوع بشكل قانوني ومزوّد برقم تسلسلي، لكن تم حظر تداوله. بينما الدولار المزور هو العملة التي يتم تصنيعها باستخدام مواصفات تشبه الدولار الحقيقي، لكنها لا تحتوي على الأرقام التسلسلية القانونية.

تكمن خطورة تداول الدولار المجمّد في كونه مرتبطاً بالجرائم المالية، أي مجرّد وضعه بين يدي أي مواطن، يمكن أن يجعله شريكاً في هذه الجريمة أمام أي مصرف قد يكشف حقيقة هذا الدولار. وفي حالة ربيع، فإن طلبه أن يتلقى الدولار المجمّد والتداول به عن عمد، مهما كانت أسباب استخدامه، يجعله مساهماً في قضايا الجرائم المالية. 

“عندما تواصلت مع التاجر ابتزّني، زاعماً بأنّه يملك صوراً لي وأنا أعطيه الدولارات، أي أنّه سيتّهمني بأنّ دولاراتي مزوّرة”، يردف ربيع. قانونياً، وعلى مبدأ “القانون لا يحمي المغفّلين”، فإن كل ما أقحم نفسه به ربيع “غير قانوني”. لذلك، لا يمكن الأخير تقديم شكوى بحق مدّعي بيع الدولار المجمّد. الأمر لم ينته هنا، فقد استبدل صاحب الدولار المجمد صورته على “واتسآب” بصورة لربيع وأولاده. “منذ أيّام قليلة، غيّر رقم هاتفه وأغلق الصفحة على “فيسبوك”، لكن لا تزال هناك صفحات أخرى تروّج لهذه التجارة في لبنان”، يوضح ربيع لـ”درج”.

في السياق نفسه، يعتبر الخبير الاقتصادي والمالي جاسم عجّاقة، أنّ الإشكالية الكبيرة في البلاد هي “أنّنا نستفيد من أي فرصة لسرقة بعضنا محقّقين أهدافاً غير أخلاقية وغير قانونية، لافتاً إلى أن “هناك عبارة يمكنها وصف الحالة الحاصلة لبنانياً: الدولار المُجمّد نَصْبٌ على الطريقة اللبنانية”.

قصة ربيع ليست سوى واحدة من عمليات احتيال كثيرة طاولت طالبي الدولار “الكاش” لـ”حلحلة” أمورهم العالقة. في المقابل، فإن ضخّ كميات كبيرة من الدولار المجمّد في السوق اللبناني، لا بد من أن يوحي بالقلق حيال مستقبل هذه الأموال التي باتت جزءاً من النظام المالي. ولا يزال المواطن اللبناني يبحث عن تعويض القليل ممّا سرقته حيتان المصارف، ولو بممارسات غير قانونية. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.