fbpx

“طوفان الأقصى”… قراءة في احتمالات حرب إقليميّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم تعويل “حماس” على عدد الرهائن الإسرائيليين الكبير الذين تحتجزهم في القطاع، إلا أن الغضب الإسرائيلي يشي بخطوات قد تكون متهوّرة، والتي بدأت بالفعل مع إعلان الناطق باسم القسام عن أن قصف الاحتلال على غزة أدى إلى مقتل عدد من الأسرى الإسرائيليين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يشكّل يوم 7 تشرين أول/ أكتوبر، علامةً فارقةً في مسار القضية الفلسطينية. فهو يوم ضُربت فيه الأسطورة العسكرية لإسرائيل، وأهينت بشكل لم يحصل في تاريخها. لكن هذا اليوم لم يطوَ بعد، وتداعياته تتمدد وتأخذ مسارات مختلفة ومعقّدة مع تصاعد احتمالات توسّع رقعة الارتدادات جراء الحرب المفتوحة الدموية ضد قطاع غزة، والتي أعلن قادة إسرائيليون أنها ستكون أكثر قساوة من حروبها الأربع السابقة. 

السؤال هنا لم يعد فلسطينياً فقط، مع فتح جزئي لجبهات أخرى، منها الجبهة الشمالية مع جنوب لبنان، حيث حصل تسلّل ومناوشات عدة وقصف إسرائيلي أسفر عن مقتل 3 عناصر من “حزب الله” بعد مهاجمته  ثكنتي برانيت وأفيفيم بحسب الحزب، بينما أصيب 6 جنود إسرائيليين، أحدهم حالته حرجة، في اشتباك مع مجموعة تسلّلت من الأراضي اللبنانية يوم أمس، بحسب القناة الـ 12 الإسرائيلية.

حرب إسرائيل على الجبهتين السورية واللبنانية

تتوعّد إسرائيل اليوم، باجتياح قطاع غزة والقضاء بشكل نهائي على حركة “حماس”، رغم أن ذلك لن يكون سهلاً في ظل تعقيدات حرب الشوارع داخل القطاع، التي استعدّ لها مقاتلو “حماس”، على عكس إسرائيل التي ستجد نفسها في ورطة لو اتخذت هذا المسار، فيما لم يتوقف الطيران الإسرائيلي عن قصف القطاع حتى لحظة كتابة هذا المقال. لكن هذا الاجتياح مرتبط أيضاً بالجبهتين السورية واللبنانية، فبحسب الباحث الفلسطيني أنطوان شلحت لـ “درج”: “ما يمكن قوله الآن، إن إسرائيل بإعلانها أنها في حالة حرب، تعلن على رؤوس الأشهاد أنها في صدد شن حرب على قطاع غزة تهدف إلى القضاء على قدرات المقاومة الفلسطينية، وإعادتها القهقرى أعواماً كثيرة. ومثل هذا الهدف لا يمكن تحقيقه، وفق ما يؤكد الخبراء العسكريون، إلا عبر اجتياح برّي للقطاع وربما إعادة احتلاله”.

هذا الاحتمال بحسب شلحت، يطرح تساؤلات كثيرة، أهمّها مرتبط بكيفية تأثير ذلك على المنطقة العربية، لا سيما “حزب الله” والميليشيات الموالية لإيران في سوريا ولبنان. فحتى الآن، لا توجد مؤشرات قوية إلى أن اجتياح القطاع سيؤدي إلى انفجار الجبهة الشمالية، ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار مثل هذه الاحتمالية، وكذلك أن نلتفت إلى حقيقة أن إسرائيل تأخذها أيضاً في الاعتبار.

الدليل على إدراك إسرائيل أهمية حدودها الشماليّة، هو رفع حالة التأهب العسكري الإسرائيلي في تلك الجبهة إلى الدرجة القصوى، وتحريك حاملة طائرات أميركيّة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي يقدّر كثيرون أن الهدف منها هو توجيه رسالة ردع وتحذير إلى “حزب الله” وإيران من مغبّة فتح جبهة قتالية مع إسرائيل.

وعن إمكان فتح حرب على الجبهتين السورية واللبنانية، يقول شلحت: “أعتقد أن السؤال المتعلق بهذه المسألة ليس هل ستفتح جبهة قتالية كهذه؟ وإنما متى؟ والإجابة عنه مرهونة بتطورات الحرب على غزة والمقاومة الفلسطينية”.

في هذا السياق، نقل موقع axios، أن الإمارات العربية المتحدة حذرت نظام الأسد في سوريا من التدخل في الحرب بين “حماس” وإسرائيل أو السماح بشن هجمات على إسرائيل من الأراضي السورية، وفقاً لمصدرين مطلعين على الجهود الدبلوماسية الإماراتية.

نظام الأسد كان يعلم أنه سيتخذ قرارات من هذا النوع بشأن الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية، بعد عودة علاقاته مع الإمارات، المطبّعة العربية الأبرز مع الكيان،  وذات الدور الأبرز في تعويم نظام الأسد عربياً.

“حماس” تفسد جهود التطبيع الإسرائيلي – السعودي

إسرائيل مصدومة وتحاول فهم كيف انهار سقف منزلها الهشّ بين ليلة وضحاها، صدمة تعكسها التصريحات الرسمية، إذ قال جوناثان كونريكوس، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن الوضع في إسرائيل مروّع، وإن هجوم 7 تشرين الأول بالنسبة الى إسرائيل، قد يكون بمثابة 11 أيلول/ سبتمبر وبيرل هاربر في هجوم واحد.

مشكلة إسرائيل اليوم ليست داخلية فحسب بل خارجية أيضاً، وتحديداً في سعيها الى فرض وجودها عربياً. ويبدو أن “حماس” نجحت في إفساد حركة التطبيع المتسارعة بين إسرائيل ودول الخليج، بخاصة السعودية، التي كانت على أبواب عقد سلام تاريخي. لكن الآن، ومع تصعيد إسرائيل هجماتها وحصارها القطاع، ستفكّر السعودية مراراً قبل اتخاذ خطوة التطبيع.

هذا التردّد ألمحت إليه وزارة الخارجية السعودية في بيانها حول التصعيد الإسرائيلي – الفلسطيني، إذ دعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس، مستذكرة تحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته، كما حثت المجتمع الدولي على استئناف عملية سلام ذات مصداقية على أساس حلّ الدولتين.

اعتراف السعودية التي كانت على مشارف تطبيع مع “إسرائيل”، بانتهاك الأخيرة حقوق الفلسطينيين، هو بحد ذاته هزّة للاحتلال، وتراجع لموقفه أمام العالم. فإسرائيل أوهمت العالم بأنها، وعلى رغم حصار غزة، حريصة على دخول الغذاء والدواء وغيرهما من الاحتياجات، وهذا أمر غير صحيح بالطبع، إذ يعاني القطاع منذ 16 عاماً من نقص حاد في كل جوانب الحياة.

النفط الخام الإيراني والغاز “الإسرائيلي”

ارتفعت أسعار النفط الخام نحو 5 بالمئة، في أعقاب الهجوم الذي شنّته حركة المقاومة الإسلامية على إسرائيل. وبحسب مجموعة “سيتي إنفستمنت ريسيرش”، فإن أي توسّع في المعارك ستكون له تداعيات محتملة على أسواق النفط.

إيران أيضاً قد تفكر في صادراتها من النفط الخام، بعدما تمكنت من زيادة صادراتها النفطية في عام 2023، وهو جزء من نهج اتبعته أميركا ضمن جهود إدارة بايدن للاتجاه نحو سياسة السلام في الشرق الأوسط. لكن وقف هذه الصادرات سيؤثر سلباً على الطرفين.

في سياق إنتاج النفط، قد تفكر إسرائيل ذاتها مرتين بهذا الخصوص قبل أي تصعيد قريب، قد يؤذي خططها وطموحاتها في توسيع عملها على تصدير الغاز الطبيعي وجذب مستثمرين أكثر وأكثر، في سبيل تحقيق حلمها بأن تتحول إلى مركز أساسي لتصدير الغاز الطبيعي. وأكثر ما تحتاجه إسرائيل هو طمأنة العالم والمستثمرين بألّا خطر أو صراع قد يظهر من اللاشيء ويهدّد هذه الاستثمارات.

المواجهات المسلّحة تهديد لهذه الاستثمارات، وكانت “شيفرون”، شركة الطاقة العملاقة الأميركية، أحالت في بيان لها منذ أيام، الأسئلة المتعلقة باستمرار عمليات المنشآت إلى الحكومة الإسرائيلية. وفي جميع الأحوال، قد تؤدي المواجهات الى عرقلة وإبطاء وتيرة الاستثمار في حقول الغاز في المنطقة، كما قد تعيق جهود إسرائيل لجذب المزيد من شركات الطاقة العالمية للتنقيب عن الغاز. لكن الأسوأ بالنسبة الى إسرائيل، هو أن تُستهدف هذه المنشآت أو أن تقترب المواجهات منها. وكان الأمل بأن يؤدي وصول “شيفرون” إلى إسرائيل إلى فتح الطريق أمام شركات الطاقة الدولية الكبرى الأخرى للاستثمار هناك، لكن اليوم اختلّ توازن القوى ومعه رغبة الاستثمار الخارجية.

إيران على لائحة المتّهمين

مع ارتفاع عدد القتلى، والحاجة إلى طمأنة الرأي العام الإسرائيلي، وجهت حكومة نتانياهو أصابع الاتهام نحو إيران، لكن الشكوك لن تكفي لحرب كهذه، إذ تحتاج اعترافاً صريحاً من طهران أو معلومات استخباراتية لم تحصل عليها أصلاً لإفشال الهجوم.

لكن، في حال لمست إسرائيل أي دور إيراني وأو ضلوع إيران في التحضير للهجوم، فذلك سينعكس تلقائياً على المنطقة بكاملها وليس فقط على ميليشيات إيران في سوريا ولبنان، التي تتلقى في سوريا ضربات جوية إسرائيلية شبه أسبوعية، والتي ربما ستزداد مستقبلاً كجزء من ردّ إسرائيل.

ليس معروفاً بعد ما سيحصل خلال الأيام المقبلة، وما إذا كانت إسرائيل تسعى الى التصعيد، إذ قال مسؤول مصري لوكالة “أسوشييتد برس”، إن إسرائيل طلبت المساعدة من القاهرة لضمان سلامة الرهائن، وسط مفاوضات محمومة من المسؤولين المصريين في محاولة يائسة للتوسط في وقف إطلاق النار، ما يعني أن هناك رغبة إسرائيلية في تهدئة نوعية عكس ما تُظهر، ولم تتخلَّ بعد عن الرهائن. من دون أن ننسى أن تخلّي حكومة نتانياهو عن الرهائن سينعكس سلباً على الرأي العام الداخلي الإسرائيلي، وأي توجّه للتخلّي عنهم سيكون تصرفاً أحمق.

الخطر الحقيقي اليوم هو على الفلسطينيين في قطاع غزة، إذ لم يتوقف القصف الإسرائيلي على القطاع حتى اللحظة، وأي تصعيد يعني موت الآلاف، بخاصة بعد توعُّد نتانياهو بتحويل القطاع إلى جزيرة مهجورة رداً على أسوأ هجوم تعرضت له بلاده منذ عقود.

وعلى رغم تعويل “حماس” على عدد الرهائن الإسرائيليين الكبير الذين تحتجزهم في القطاع، إلا أن الغضب الإسرائيلي يشي بخطوات قد تكون متهوّرة، والتي بدأت بالفعل مع إعلان  الناطق باسم القسام عن أن قصف الاحتلال على غزة أدى إلى مقتل عدد من الأسرى الإسرائيليين. فهل تملك إسرائيل الحكمة للتفكير أم أنها لن تتوقف عن انتقامها حتى تدمير القطاع بشكل كامل؟.